مُنَاجَاةُ الرُّوحِ
سَلُوا الرُّوحَ هَلْ تَصْبُو إِذَا مَا تَوَلَّتِ
إِلَى
الْجَسَدِ الْفَانِي الَّذِي فِيهِ حَلَّتِ
وَمَا خُيِّرَتْ بَلْ سُيِّرَتْ حِينَ هَجْرِهِ
بِأَمْرِ إِلَهِ
الْكَوْنِ بَارِي الْبَرِيَّةِ
وَلَوْ ذَكَرَتْ حُسْنَ الْجِوَارِ لَشَاقَهَا
زَمَانٌ تَقَضَّى
بَيْنَ هِنْدٍ وَعَزَّةِ
وَأَيَّامُ أُنْسٍ أَيْنَعَتْ فِي ظِلَالِهَا
ثِمَارُ الْهَوَى
تَذْرِي بِأَثْمَارِ رَوْضَةِ
جَنَتْ مَا حَلَا مِنْهَا عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ
مِنَ الدَّهْرِ
لَكِنْ مُذْ أَفَاقَ تَوَلَّتِ
•••
فَيَا رُوحُ مَا بَعْدَ الصِّبَا لَكِ لَذَّةٌ
رَعَى اللهُ
أَيَّامَ الصِّبَا وَالصَّبَابَةِ
فَقَدْ كُنْتِ نِبْرَاسًا هَدَى جَسَدِي وكَمْ
عَصَاكِ
فَأَسْدَيْتِ لَهُ مِنْ نَصِيحَةِ
وَيَا رُوحُ كَمْ ضَلَّتْ عَنِ الْحَقِّ أُمَّةٌ
تَمَلَّكَهَا
ظُلْمٌ فَأَوْدَتْ بِأُمَّةِ
فَذُو الْعَقْلِ يَسْتَوْحِي مِنَ الرُّوحِ
عَقْلَهُ
وَيَسْتَوْحِي مِنْهَا الْجَهْلَ رَبُّ
الْجَهَالَةِ
وَلَوْلَاكِ مَا امْتَازَ ابْنُ آدَمَ أَوْ سَمَا
عَلَى كُلِّ
حَيٍّ بِالصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ
وَلَا اكْتَشَفَ الْإِنْسَانُ مَا حَيَّرَ الْوَرَى
وَفَازَ
بِعِلْمٍ أَوْ سَمَا بِصَنَاعَةِ
وَلَا كَانَ مَعْنًى لِلْحَيَاةِ وَقَدْ خَلَتْ
مَبَاهِجُهَا
مِنْ لَذَّةٍ مَعْنَوِيَّةِ
وَمِنْ كُلِّ مَا يَصْبُو إِلَيْهِ أَخُو النُّهَى
فَيَقْنَعُ
مِنْ وَجْهِ الْحَبِيبِ بِنَظْرَةِ
وَيُطْرِبُهُ مِنْهُ حَدِيثٌ عَنِ الْهَوَى
يُعِيدُ لَهُ ذِكْرَى
هَوَى آلِ عُذْرَةِ
وَيَبْعَثُ فِيهِ الشَّوْقَ تَغْرِيدُ طَائِرٍ
يُنَاجِي أَلِيفًا
صَانَ عَهْدَ الْمَوَدَّةِ
•••
وَلَيْسَتْ حَيَاةُ الْمَرْءِ غَيْرَ رِوَايَةٍ
وَمَا الرُّوحُ
مِنْهَا غَيْرَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ
وَمَا سَنَوَاتُ الْعُمْرِ إِلَّا فُصُولَهَا
وَأَيَّامُهَا
إِلَّا سُطُورًا بِصَفْحَةِ
وَمَا قَدْ تُلِي مِنْهَا فَذَلِكَ مَا انْقَضَى
مِنَ الْعُمْرِ
تَطْوِيهِ أَكُفُّ الْمَنِيَّةِ
فَسَطِّرْ بِهَا مَا رَاقَ يَوْمًا لِسَامِعٍ
وَحَازَ رِضَا
الرَّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَتَنْعَمَ فِي الدَّارَيْنِ حَتَّى إِذَا انْجَلَى
الْـ
ـحِجَابُ تَجَلَّتْ قُدْرَةُ اللهِ جَلَّتِ
الِاتِّصَالُ الرُّوحِيُّ
تَعْطِفُ الرُّوحُ إِذَا اسْتَعْطَفْتَهَا
رَغْمَ مَا
عَانَتْهُ مِنْ قَيْدِ الْجَسَدِ
قَدْ سَمَتْ فِي عَالَمِ الرُّوحِ وَمَا
عَالَمُ الرُّوحِ
بَعِيدٌ عَنْ أَحَدْ
فَاخْتِلَافُ الِاهْتِزَازِ بَيْنَنَا
يَحْجُبُ الرُّوحَ
وَلَوْ لَمْ تَبْتَعِدْ
وَإِذَا رُمْتَ اتِّصَالَ الرُّوحِ بِالْـ
ـجَسَدِ الْفَانِي
فَأَصْلِحْ مَا فَسَدْ
وَابْتَغِي لِلْغَيْرِ مَا تَبْغِي لِنَفْـ
ـسِكَ وَاحْذَرْ
شَرَّ حِقْدٍ أَوْ حَسَدْ
وَالْتَمِسْ رَحْمَتَهُ يَرْحَمْكَ مَنْ
وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ
مَا لَا يُحَدْ
•••
لَوْ تَجَرَّدْتَ مِنَ الدُّنْيَا لَأَدْ
رَكْتَ مِنْ دَارِ
الْخُلُودِ مَا بَعُدْ
وَسَمَتْ رُوحُكَ لَا تَلْوِي عَلَى
غَيْرِ رُوحٍ لَيْسَ مِنْ
لُقَيَاهَا بُدْ
يَا لَهَا لُقْيَا حَبِيبَيْنِ وَمَا
الْتَقَيَا وَجْهًا
لِوَجْهٍ مِنْ أَمَدْ
عَنْ لِقَاءِ الرُّوحِ إِنْ كَلَّ الْجَسَدْ
فَلَهُ مِنْ
رُوحِهِ خَيْرُ عَضُدْ
إِنَّمَا الْإِيمَانُ بِاللهِ لَأَقْـ
ـوَى اتِّصَالًا بَيْنَ
رُوحٍ وَجَسَدْ