غَدْرُ الْحَبِيبِ
حَادِثَةٌ وَاقِعِيَّةٌ
غَدَرَتْ فَغَادَرَتِ الْفُؤَادَ عَلِيلَا
هَيْفَاءُ أَبْدَتْ
لَحْظَهَا الْمَسْلُولَا
وَرَمَتْ شِبَاكَ لِحَاظِهَا فَإِذَا بِهَا
صَادَتْ فَتًى
دَنِفَ الْفُؤَادِ نَحِيلَا
يَحْكِي شَمَائِلَهَا بِرِقَّةِ قَلْبِهِ
وَبِلُطْفِهِ يَحْكِي
النَّسِيمَ عَلِيلَا
مَا ضَلَّ بَيْنَ دُجَى غَدَائِرِ شَعْرِهَا
حَتَّى رَأَى
بِسَنَا الْعُيُونِ دَلِيلَا
فَأَتَى إِلَيْهَا زَائِرًا مُتَسَتِّرًا
بِذَوِيهِ يَخْشَى
فِي الْغَرَامِ عَذُولَا
•••
حَتَّى إِذَا حَانَ الرَّحِيلُ وَصَافَحَتْ
تِلْكَ الْفَتَاةُ
مُحِبَّهَا الْمَجْهُولَا
شَعَرَتْ بِضَمِّ أَنَامِلٍ مَا ضُمِّنَتْ
غَيْرَ الْغَرَامِ
وَحَسْبُهَا تَعْلِيلَا
فَدَرَتْ بِمَا فِي قَلْبِهِ وَهَوَتْ بِيُسْـ
ـرَاهَا
عَلَيْهِ وَقَدْ حَكَتْ إِكْلِيلَا
قَالَتْ حَبِيبِي قَدْ أَثَرْتَ بِمُهْجَتِي
نَارًا وَهَاكَ
يَدِي تَمِيلُ ذُبُولَا
فَاخْمِدْ لَظَاهَا مِنْ فُؤَادِي قَالَ لَوْ
أَخْمَدْتُهَا
بِدَمِي لَكَانَ قَلِيلَا
•••
وَغَدَا يَبُتُّ لَهَا الْغَرَامَ بُعَيْدَ مَا
ضَاقَ
الْمُقَامُ بِهِ وَخَافَ الْقِيلَا
بِرِوَايَةٍ وَرَدَتْ لَهَا مِنْهُ وَقَدْ
كَانَتْ بِهَا
جُمَلُ الْغَرَامِ ذُيُولَا
وَرَأَى زِيَارَتَهَا وَقَدْ عَبَسَ الدُّجَى
إِذْ خَالَ فِي
بَدْرِ السَّمَاءِ أُفُولَا
وَكَأَنَّ ذَاكَ الْبَدْرَ وَلَّى مُذْ بَدَتْ
شَمْسُ
الْحَبِيبَةِ خَاشِعًا مَخْذُولَا
هَذَا وَقَدْ نَثَرَ الدُّمُوعَ كَوَاكِبًا
تَذْرِي بِدَمْعِ
السُّحْبِ فَاضَ سُيُولَا
•••
حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَا وَسَاءَ لَهَا الَّذِي
تَهْوَاهُ
كَانَ جَوابُهَا التَّقْبِيلَا
وَلَكَمْ وَدِدْتُ بِأَنْ أَرَانِي سَائِلًا
يَوْمًا وَأَلْقَى
ذَلِكَ الْمَسْئُولَا
أَوْ أَنْ تَكُونَ طَبِيبَتِي فِي عِلَّةٍ
أَغْدُو بِهَا طُولَ
الْحَيَاةِ عَلِيلَا
أَوْ أَنْ أُبَارِزَهَا فَتُلْقِيَنِي بِنَبْـ
ـلِ لِحَاظِهَا
فَوْقَ التُّرَابِ قَتِيلَا
•••
وَوَشَى الْوُشَاةُ بِسِرِّ ذَيَّاكَ الْهَوَى
لَكِنَّهُمْ
لَمْ يَصْدُقُوا التَّفْصِيلَا
قَالُوا رَأَيْنَاهُ وَإِيَّاهَا عَلَى
دَرَجَاتِ سُلَّمِهَا
يَهَابُ دُخُولَا
حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مَسَامِعَ أَهْلِهِ
تِلْكَ الْوِشَايَةُ
أَكْثَرُوا التَّأْوِيلَا
وَتَبَدَّلَتْ تِلْكَ الْمَوَدَّةُ بَيْنَهُمْ
بِالْحِقْدِ
إِنَّ الْمَرْءَ كَانَ عَجُولَا
•••
وَرَأَى الْمُحِبُّ أُهَيْلَهُ فِي عَذْلِهِ
لَجُّوا وَمَا
عَذَرُوا فَرَامَ رَحِيلَا
هَذَا وَجَاذَبَ قَلْبَهُ يَقْتَادُهُ
حِينًا فَيَدْفَعُهُ
الْإبَاءُ ذَلِيلَا
•••
وَدَرَتْ حَبِيبَتُهُ فَهَاجَ كُلُومَهَا
هَجْرٌ رَأَتْهُ
لِلشَّقَاءِ سَبِيلَا
لَكِنَّهَا كَتَبَتْ كِتَابًا لِلْحَبِيـ
ـبِ وَأَوْدَعَتْهُ
مِنَ الْغَرَامِ فُصُولَا
فَرَأَى بِذَيَّاكَ الْكِتَابِ حَبِيبُهَا
مَا رَقَّ
أَلْفَاظًا وَرَاقَ أُصُولَا
وَغَدَا إِلَيْهَا فِي الْغَدَاةِ وَقَلْبُهُ
أَمْسَى بِقَيْدِ
غَرَامِهَا مَغْلُولَا
وَإِذَا بِهَا تَبْكِي فَقَالَ حَبِيبَتِي
رِفْقًا فَطَرْفُكِ
لَا يَزَالُ كَلِيلَا
قَالَتْ وَكَيْفَ يَطِيبُ لِي بَعْدَ النَّوَى
عَيْشٌ وَلَمْ
أَلْقَى سِوَاكَ خَلِيلَا
فَأَجَابَهَا — وَالْقَلْبُ مِنْ لَحَظَاتِهَا
مُدْمًى:
كَفَاكِ مُنَى الْفُؤَادِ عَوِيلَا
قَالَتْ وَأَنَّى لِي وَآيُ مَدَامِعِي
فِي صُحْفِ خَدِّي
نُزِّلَتْ تَنْزِيلَا
•••
وَقَضَى الْغَرَامُ عَلَيْهِمَا فَتَعَاهَدَا
مُسْتَشْهِدَيْنِ
مَعَالِمًا وَطُلُولَا
وَتَبَادَلَا خُصُلَاتِ شَعْرٍ عَلَّهَا
يَوْمًا تَكُونُ مِنَ
الْقُلُوبِ بَدِيلَا
لَكِنَّهُ لَمْ يَمْضِ أُسْبُوعٌ عَلَى
سَفَرِ الْمُحِبِّ
وَكَانَ ذَاكَ طَوِيلَا
حَتَّى أَتَتْهُ مِنَ الْحَبِيبِ رِسَالَةٌ
فِيهَا نَسِيمُ
الْحُبِّ فَاحَ قَبُولَا
فَتَلَا بِهَا مَا لَوْ تُلِي يَوْمًا عَلَى
غُصْنٍ ذَوَى
لَزَهَا الْغُصَيْنُ بَلِيلَا
أَوْ لَوْ تُلِي مَا بَيْنَ أَرْبَابِ الْهَوَى
لَغَدَتْ
مَدَامِعُهُمْ تُحَاكِي النِّيلَا
•••
وَأَضَاعَ خَصْلَةَ شَعْرِهَا يَوْمًا فَرَا
حَ إِلَى حِمَاهَا
ذَاهِلًا مَتْبُولَا
قَالَتْ تُضِيعُ إِذَنْ فُؤَادِيَ مِثْلَهَا
فَعَلَامَ
تَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ حَلِيلَا
فَأَجَابَ: إِنِّي مَا ذَكَرْتُكِ مَرَّةً
وَلَثَمْتُهَا
إِلَّا شَفَيْتُ غَلِيلَا
فَرَمَتْ إِلَيْهِ بِخُصْلَةٍ أُخْرَى وَقَا
لَتْ مَا عَهِدْتُ
أَخَا الْغَرَامِ بَخِيلَا
•••
وَتَفَارَقَا حِينًا وَإِذْ هُوَ جَالِسٌ
يَوْمًا بِغُرْفَتِهِ
وَكَانَ أَصِيلَا
وَإِذَا بِوَاشٍ قَالَ تَزْهِيدًا لَهُ:
«لِلْغَيْرِ قَدْ
مَالَتْ» فَصَاحَ ذُهُولَا
بِئْسَ الْمَحَبَّةُ لَا يَكُونُ حَلِيفُهَا
شَرَفًا بِهِ
يَغْدُو الْمُحِبُّ نَبِيلَا
وَبَدَا بِقَطْعِ رَسَائِلٍ كَانَتْ دَوَا
ءً لَا لِدَاءِ
الْعَاذِلِينَ مُزِيلَا
•••
أَمَّا حَبِيبَتُهُ فَلَمَّا آنَسَتْ
ذَا الصَّدَّ رَامَ
فُؤَادُهَا التَّحْوِيلَا
وَصَبَتْ إِلَى صَبٍّ سِوَاهُ وَهَكَذَا
حُبُّ النَّوَاعِسِ
لَا يَدُومُ طَوِيلَا
•••
وَدَرَى الْمُحِبُّ بِأَمْرِهَا هَذَا وَمَا
كَادَ الْوُشَاةُ
لَهُ فَعَافَ مَقِيلَا
وَغَدَا إِلَيْهَا يَرْتَجِي عَفْوًا عَنِ الْـ
ـمَاضِي
بِأَلْفَاظٍ تَطِيبُ شُمُولَا
فِي مَجْلِسٍ كَانَتْ رَسَائِلُهُ الْهَوَى الْـ
ـعُذْرِي
وَكَانَ اللَّحْظُ فِيهِ رَسُولَا
لَكِنَّهُ لَمْ يَجْنِ مِنْ غُصْنِ الْهَوَى
ثَمَرًا سِوَى
الْإِعْرَاضِ حَتَّى عِيلَا
وَمَضَى وَنَارُ الْوَجْدِ تُصْلِيهِ فَمَا
يَزْدَادُ إِلَّا
رِقَّةً وَذُبُولَا
يَشْكُو الْحَبِيبَ وَلَيْسَ يَشْكُو غَدْرَهُ
حَذَرًا
عَلَيْهِ بِأَنْ يُعَدَّ خَذُولَا
•••
فَأَتَى إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ
لَمَّا رَأَوْهُ
بُحِبِّهَا مَشْغُولَا
قَالُوا اغْضِ عَنْهَا الطَّرْفَ إِنَّكَ وَاجِدٌ
إِلَّا
لِنَفْسِكَ أَنْ فَقَدْتَ مَثِيلَا
فَأَجَابَهُمْ وَالْحُبُّ يَنْظِمُ نَثْرَ مَدْ
مَعِهِ
بِبَيْتٍ قَالَهُ تَرْتِيلَا:
مَنْ كَانَ لَا يُهْنِيهِ إِلَّا مَرْيَمٌ
أَتُرَى يَطِيبُ
لَهُ لِقَاءُ أَدِيلَا
وَقَالَ يَصِفُ طَلْعَةَ الْبَدْرِ، وَقَدْ خُيِّلَ لَهُ أَنْ يُمَثِّلَ حَبِيبَيْنِ مُتَعَانِقَيْنِ:
رَاحَ طَيْفُ الْحَبِيبِ يَسْعَى إِلَى
شِبْهِ مَحْيَاهُ
سَابِحًا فِي الْفَضَاءِ
فَرَآهُ بَيْنَ الْكَوَاكِبِ فَرْدًا
مِثْلَهُ بَيْنَ عَالَمِ
الْأَحْيَاءِ
فَانْثَنَى نَحْوَهُ وَغَادَرَ أَهْلَ الـْ
ـوَجْدِ صَرْعَى
جَوًى عَلَى الْغَبْرَاءِ
لَو دَرَى الْبَدْرُ بِالَّذِي حَلَّ فِيهِ
لَتَوَارَى عَنْ
أَعْيُنِ الرُّقَبَاءِ
مَا كَفَى الْغِيدَ أَنَّهُنَّ بُدُورُ الْـ
أَرْضِ حَتَّى
حَلَلْنَ بَدْرَ السَّمَاءِ