شَهِيدَةُ الْحُبِّ
لِلهِ مَوْقِفُ غَادَةٍ
عَبَثَتْ بِمُهْجَتِهَا
الشُّجُونْ
لَعِبَ الْهَوَى بِفُؤَادِها
غُصْنًا تَتِيهُ عَلَى
الْغُصُونْ
فَتَقَصَّفَتْ أَوْرَاقُهَا
حَتَّى عَلَا مِنْهَا
الْأَنِينْ
مَا تِلْكَ أَوْرَاقٌ جَنَتْـ
ـهَا قَطُّ أَيْدِي
الْغَارِسِينْ
حَتَّى تَعُودَ فَتَنْجَلِي
لِلْعَيْنِ زَهْرَاءَ
الْجَبِينْ
تِلْكَ الْجَوَارِحُ إِنَّمَا
رَقَّتْ لِتَكْسِيرِ
الْجُفُونْ
فَجَنَى عَلَيْهَا الْوَجْدُ مَا
لَمْ تَجْنِهِ نَبْلُ
الْعُيُونْ
مِنْ نَظْرَةٍ قَدْ غَادَرَتْ
فِي قَلْبِهَا السَّهْمَ
الْمَكِينْ
فَغَدَتْ تَقُولُ بِلَوْعَةٍ
أُمَّاهُ هَلَّا
تَعْلَمِينْ
قَدْ جَاءَنِي وَحْيُ الْخَفَا
أَنِّي سَأَقْضِي بَعْدَ
حِينْ
•••
فَحَنَتْ عَلَيْهَا أُمُّهَا
تَبْكِي بُكَاءَ
الْخَائِفِينْ
بِيَدٍ تَضُمُّ فُؤَادَهَا
كَالطَّيْرِ ضَمَّتْهُ
الْغُصُونْ
وَغَدَتْ تَقُولُ بِلَهْفَةٍ
لله مَا هَذِي
الظُّنُونْ!
مَا أَنْتِ إِلَّا وَرْدَةٌ
حُجِبَتْ فَأَنَّى
تُقْطَفِينْ
تَحْيَيْنَ مَا بَكَتِ السَّحَا
ئِبُ أَوْ جَرَى مَاءُ
الْعُيُونْ
•••
فَبَكَتْ بُنَيَّتُهَا بِدَمْـ
ـعٍ هَاجَهُ الدَّاءُ
الدَّفِينْ
وَثَنَتْ غُصَيْنَ قَوَامِهَا
تَشْكُو وَلَكِنْ لَا
مُعِينْ
وَتَقُولُ مِنْ وَلَهٍ: إِلَـ
ـهِي ارْحَمْ قُلُوبَ
الْعَاشِقِينْ
وَاغْفِرْ لَهُمْ زَلَّاتِهِمْ
فَلَأَنْتَ خَيْرُ
الْغَافِرِينْ
•••
حَتَّى إِذَا بَسَمَ الصَّبَا
حُ وَفُتِّحَتْ مِنْهُ
الْجُفُونْ
نَظَرَتْ فَخَالَجَ طَرْفَهَا
شَبَحٌ رَأَتْهُ مُنْذُ
حِينْ
فَدَنَتْ بِجَاذِبِ شَوْقِهَا
حَتَّى إِذَا الْتَقَتِ
الْعُيُونْ
وَرَأَتْ حَبِيبَ فُؤَادِهَا
يَدْنُو وَتَحْجُبُهُ
الْغُصُونْ
قَالَتْ وَقَدْ نَشَرَ الْحَيَا
ءُ لِوَاءَهُ فَوْقَ
الْجَبِينْ
أَهْلًا بِمَنْ مَلَكَ الْفُؤَا
دَ هَوَاهُ دُونَ
الْعَالَمِينْ
•••
فَأَجَابَهَا ذَاكَ الْفَتَى
فَرِحًا بِلُقْيَاهَا
حَزِينْ:
يَا مَنْ حَوَتْ وَرْدَ الرِّيَا
ضِ بِخَدِّهَا الْبَاهِي
الْمَصُونْ
مَنْ لِي بِأَنْ يُبْنَى الْهَوَى
مِنَّا عَلَى عَهْدٍ
مَتِينْ
•••
فَتَعَاهَدَا حَتَّى إِذَا
وَافَى حِمَاهَا بَعْدَ
حِينْ
نَظَرَ الْفَتَى فِي وَجْهِهَا
دَمْعًا فَهَاجَتْهُ
الشُّجُونْ
وَارْتَابَ فِي حُبِّ الْفَتَا
ةِ لَهُ وَرَاعَتْهُ
الظُّنُونْ
وَرَنَا إِلَيْهَا قَائِلًا
بِاللهِ مَاذَا
تَشْتَكِينْ
•••
قَالَتْ وَقَدْ بَسَطَ الْمَمَا
تُ جَنَاحَهُ فَوْقَ
الْجَبِينْ
أَشْكُو شَرَابًا صَبَّهُ الـ
ـرَّحْمَنُ فِي كَأْسِ
الْمَنُونْ
وَأَتَتْ بِهِ الْأَقْدَارُ تَسْـ
ـعَى نَحْوَ ذَا الْقَلْبِ
الْحَزِينْ
•••
فَبَكَى الْفَتَى جَزَعًا وَصَا
حَ بِلَهْفَةٍ أَنَّى
يَكُونْ
أَبِيَقْظَةٍ يَا أُذْنُ أَمْ
فِي الْحُلْمِ مَا قَدْ
تَسْمَعِينْ
فَأَجَابَهُ مِن عَالَمِ الـ
ـنَّجْوَى لِسَانُ
الْعَاشِقِينْ
هَيْهَاتَ قَدْ حَكَمَ الْقَضَا
ءُ وَذَاكَ أَقْوَى
الْحَاكِمِينْ
بِجَنَى غُصَيْنٍ قَدْ حَلَا
مِنْهُ الْجَنَى دُونَ
الْغُصُونْ
فَاصْبِرْ عَلَى بَلْوَاكَ إِنَّ
اللهِ يَجْزِي
الصَّابِرِينْ
•••
فَجَثَا الْفَتَى جَزَعًا وَصَا
حَ: حَبِيبَتِي هَلْ
تَسْمَعِينْ
لَا لَا فَذَاكَ يَرُوعُ قَلْـ
ـبَكِ ذِكْرُهُ لَوْ
تَعْلَمِينْ
مَا زِلْتِ فِي مَهْدِ الصِّبَا
مِنْ رَوْضِ حُسْنِكِ
تَرْتَعِينْ
•••
فَبَكَتْ حَبِيبَتُهُ وَقَا
لَتْ: تِلْكَ يَا قَلْبِيِ
ظُنُونْ
فَادْنُو حَبِيبيَ لِلْوَدَا
عِ قُبَيْلَ أَنْ يَدْنُو
الْمَنُونْ
وَيَرُوعُ قَلْبَيْنَا بِنَأْ
يٍ لَا لِقَاءَ لَهُ
يَكُونْ
•••
فَبَكَى وَقَالَ: حَبِيبَتِي
بِاللهِ مَاذَا
تَكْتُمِينْ
وَأَرَادَ تَخْفِيفَ الْجَوَى
مِنْهَا وَإِبْدَاءَ
الْحَنِينْ
وَإِذَا بِهَا سَقَطَتْ تُجَلِّـ
ـلُ وَرْدَ خَدَّيْهَا
الْغُصُونْ
فَدَنَا يُنَازِعُهَا الْفَنَا
نَدَمًا وَلَكِنْ لَاتَ حِينْ
…
وَيَقُولُ يَا عَذْرَاءُ رِفْـ
ـقًا بِي وَبِالْقَلْبِ
الْحَزِينْ
•••
حَتَّى إِذَا هَدَأَ الظَّلَا
مُ وَعَمَّ فِي الْأَرْضِ
السُّكُونْ
سَمِعَ الْفَتَى مِنْ نَحْوِهَا
صَوْتًا يُخَامِرُهُ
الْأَنِينْ
وَهُتَافَ وَحْيٍ قَائِلٍ
وَا رَحْمَتَا
لِلْعَاشِقِينْ
رِثَاءُ الْمَلِكَةِ فِيكْتُورِيَا
عَزِيزٌ عَلَيْنَا أَنَّ أَوَّلَ صَفْحَةٍ
مِنَ الْجِيلِ
تَغْشَاهَا سُطُورُ الْمَنِيَّةِ
وَأَنَّ جَنَانَ الْغَيْبِ يُمْلِي وَدُونَهُ
بَنَانُ الْقَضَا
يَقْضِي بِرَقْمِ الرَّزِيَّةِ
هُوَ الْمَوْتُ حَتَّى لَوْ دَنَتْ سَاعَةُ النَّوَى
هَوَى
فَوَهَتْ مِنْ هَوْلِهِ كُلُّ هِمَّةِ
أَفِيكْتُورِيَا إِنْ كَانَ قَوْمُكِ رُوِّعُوا
مِنَ الدَّاءِ
خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ الْأَذِيَّةِ
فَكَيْفَ بِهِمْ وَالْمَوْتُ فَوْقَكَ بَاسِطٌ
جَنَاحَ
الرَّدَى يُنْبِي بِعِظْمِ الْمُصِيبَةِ
أَفِيكْتُورِيَا كَمْ مُعْجَبٍ بِكِ قَدْ غَدَا
يُعَلِّلُ
نَفْسًا بِاللَّتَيَّا وَبِالَّتِي
وَكَمْ مِنْ صَفِيٍّ بَاتَ بَعْدَكِ دَامِيَ الْـ
ـفُؤَادِ
عَدِيمَ الرُّشْدِ وَاهِي الْعَزِيمَةِ
أَفِيكْتُورِيَا مَا إِنْ نَأَيْتِ وَفِي الْوَرَى
سِوَى آسِفٍ
بَاكٍ وَقَلْبٍ مُفَتَّتِ
مَلَكْتِ وَثَغْرُ الْقَوْمِ بِالْبِشْرِ بَاسِمٌ
لِمَا
آنَسُوهُ مِنْ صَفَاءِ الْمَوَدَّةِ
عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَبْسِمُوا لِمُلِمَّةٍ
أَلَمَّتْ وَلَا
لِلْخَصْمِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ
عَلَيْكِ سَلَامُ اللهِ مَا حَيَّتِ الصَّبَا
فَأَحْيَتْ
زُهُورًا فَوْقَ تُرْبِكِ حَنَّتِ
الْكَهْرَبَاءُ وَالْحُبُّ
كَيْفَ لَا يَشْمَلُ الْبِلَادَ الرَّخَاءُ
فِي زَمَانٍ
سَادَتْ بِهِ الْكَهْرَبَاءُ
قُوَّةٌ تُضْعِفُ الْقَوِيَّ إِذَا شَا
ءَتْ وَيَقْوَى
بِمَسِّهَا الضُّعَفَاءُ
تَارَةً تَلْمَسُ السَّلِيمَ فَتُرْدِيـ
ـهِ وَطَوْرًا يُشْفَى
بِهَا الْمُرَضَاءُ
تَنْقُلُ الصَّوْتَ مِنْ بَعِيدٍ بِلَا سِلْـ
ـكٍ كَوَحْيٍ
قَدْ نَزَّلَتْهُ السَّمَاءُ
وَتَسِيرُ الْآلَاتُ مِنْ ضَغْطِ زِرٍّ
هُوَ لِلْكَهْرَبَاءِ
رَاءٌ وَبَاءُ
وَتُحِيلُ اللَّيْلَ الْبَهِيمَ نَهَارًا
حِينَ تَعْنُو
لِأَمْرِهَا الْأَضْوَاءُ
•••
زَارَتِ الْكَهَرَبَاءُ قَلْبَ مُحِبٍّ
زَارَهُ الْوَجْدُ
وَالْوَلَا وَالْوَفَاءُ
لَمْ تَرَى مُوصِلًا إِلَيْهِ فَتَسْرِي
عَنْهُ بَلْ كَانَ
مِنْ مُنَاهَا الْبَقَاءُ
لَيْسَ لِلْقَلْبِ مُوصِلٌ فَهْوَ فِي الْجِسْـ
ـمِ سَجِينٌ
سِيَاجُهُ الْأَعْضَاءُ
لَيْتَ ذِي الْكَهَربَاءَ تَطْرُقُ قَلْبِي
حِينَ يَبْدُو مِنَ
الْحَبِيبِ الْجَفَاءُ
عَلَّهَا تَجْذِبُ الْحَبِيبَ فَيَرْوِي
كَبِدِي عَذْبُ
ثَغْرِهِ لَوْ تَشَاءُ
وَعَجِيبٌ أَنْ لَا تُلَاشِي قُوَاهَا
وَهْيَ وَاللهِ آلَةٌ
صَمَّاءُ
وَلِحَاظُ الْحَبِيبِ لَمَّا رَآنِي
كَانَ فِيهَا مِنَ
الْهَوَى كَهْرَبَاءُ
وَاقْتَرَحَ عَلَيْهِ مُغَنٍّ بَيْتَيْنِ يُنْشِدُهُمَا فِي غَادَةٍ مُطِلَّةٍ مِنْ نَافِذَةٍ فَقَالَ عَنْ لِسَانِهِ:
أَطَلَّتْ مِنَ الشُّبَّاكِ مَحْلُولَةَ الشَّعْرِ
مَهَاةٌ
حَكَتْ فِي حُسْنِهَا طَلْعَةَ الْبَدْرِ
وَمُذْ سَمِعَتْ صَوْتِي تَثَنَّتْ كَأَنَّهَا
غُصَيْنٌ
أَمَالَتْهُ النَّسَائِمُ فِي الْفَجْرِ
وَاقْتَرَحَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ تَكْمِلَةَ مَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ:
هِيَ الْبَدْرُ إِلَّا أَنَّهَا ذَاتُ بُرْقُعٍ
تَتُوقُ
لِمَرْآهَا النُّفُوسُ وَتَعْشَقُ
فَأَرْدَفَ قَائِلًا:
وَمَا اللَّيْلُ أَنْ يُرْخِي الظَّلَامُ سُدُولَهُ
وَلَا
الصُّبْحُ مَا تَحْكِي سَنَاهُ الْبَوَارِقُ
وَلَكِنَّ لَيْلَ الْعَاشِقِينَ احْتِجَابُهَا
وَصُبْحُهُمُ
فِي وَجْهِهَا حِينَ يُشْرِقُ