حيران حيران
حضرة الأستاذ محرر مجلة الهداية الإسلامية
أقدم إليك أطيب التحيات، وأذكر أنك تفضلت فطلبت مني كلمة للعدد الخاص، وكنت أنتظر أن تعفيني من هذا الواجب، لأنك تعرف ما يثقل كاهلي من الشواغل الثقال، وكنت أنتظر أيضًا أن أعفي نفسي، ولكني رأيت لكم أصدقاء في الموصل يذكرونكم بالخير، ويحبون أن يكون لي في مجلتكم مكان، ومن هؤلاء الأصدقاء أخوكم الأستاذ بشير الصقال.
موضوع هذا المقال مأخوذ من أغنية عراقية تقول: «حيران حيران» وحيرتي مزعجة مضنية لأني أحب أن أكون من المصلحين، ولكني لا أعرف أين أتوجه، ولا أتبين ما يجب أن أصنع.
ولم تكن حيرتي حيرة فردية، وإنما هي حيرة إسلامية، فالإسلام اليوم في غربة موحشة، ولكنه مع ذلك في يقظة يحسب لها خصومه ألف حساب.
وإنما كان الأمر كذلك لأن المسلمين يملكون أخصب بقاء الأرض، وهم يشرفون على أعظم البحار، ويملكون نواصي المشرق والمغرب، ولو نفضوا عجاج الكسل عن رؤوسهم لسيطروا على العالم من جديد.
ولكن هناك أوهام فردية واجتماعية تشل أعضاء الأمم الإسلامية، ومن رأيي أنه يجب الاهتمام بتبديد تلك الأوهام، وأنا أعتقد أن هناك دسيسة خطرة جدًا يراد بها تمزيق الأمم الإسلامية، وهذه الدسيسة لا يحبطها الإسراف في التغني بالماضي، وإنما يحبطها أن تحارب بقوة وعنف، وتقوم هذه الدسيسة على أساس القوميات العربية أو الإسلامية، فمن أوهام اليوم أو دسائس اليوم أن العروبة شيء والإسلام شيء، فأين المصلح الجريء الذي يجهر بأن الإسلام هو الذي أعز العرب وأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن بطلًا عربيًا، وإنما كان بطلًا إسلاميًا؟
وقد جهرت بهذه الحقيقة مرات في بغداد، واحتملها مني العراقيون لأنهم يعرفون أني مخلص، والعراقيون يحتملون كل شيء من أهل الإخلاص.
من رأيي أيها الأخ أن الإسلام لا ينهض إلا بنهضة اللغة العربية وأن من واجبنا أن ننشئ المدارس في الهند والصين والأفغان وإيران وفي سائر البلاد التي يعيش فيها المسلمون لنقيم قواعد الأخوة الإسلامية على أساس متين.
من رأيي أن يكون لنا «عصبة أمم» تفكر في وصل الحاضر بالماضي وتقنع الشرق بأنه ليس أقل حيوية من الغرب.
من رأيي أن تكون لنا «عصبة صوفية» تؤمن بالله وحده، وتستعد للجهاد في سبيل الله لا في سبيل المنافع الدنيوية.
من رأيي أن تكون لنا «عصبة أدبية» تغني اللغة العربية بالأدب والبيان وتشعر شبابنا بأنهم يعيشون في حماية لغة هي أغنى من الإنجليزية والفرنسية.
من رأيي أن يقوم فريق من الأدباء المصلحين بتعليم أهل الشرق أن الإسلام لم يكن دعوة قامت بالسيف كما يشيع المرجفون، وإنما هو هداية صريحة قامت لإنقاذ أمم العالم من الظلم والطغيان.
أيها الصديق: تذكر ثم تذكر
تذكر أن أمم الشرق لن تصبر طويلًا على ما يريد لها الغرب، إن الغرب يريد أن يظل الشرق حقولًا يزرعها كيف يشاء، وقطعانا يصرفها حيث يريد.
وللإسلام غاية واحدة: هي أن يكون المسلمون سادة أنفسهم، وقد خدعنا الغرب بما عنده من مدنية، فلنخدعه نحن بما عندنا من مدنية، عنده نور الكهرباء، وعندنا نور العدل، عنده الزخرف، وعندنا الحقائق، عنده الاستعمار، وعندنا الاستبسال، نحن نريد أن نسيطر على ما نملك، وما نحب أن نسيطر على الغرب بغير الحق.
أيها الصديق: تذكر ثم تذكر
تذكر أن الإسلام قوة، وتذكر أن نابليون حاول أن يكون إمبراطور المسلمين لينتفع بقوة المسلمين، وتذكر أن غليوم الثاني حاول أن يكون إمبراطور المسلمين لينتفع بقوة المسلمين، وتذكر أن موسيليني يحاول اليوم أن يكون إمبراطور المسلمين لينتفع بقوة المسلمين.
وما كان المسلمون من السوائم المهملات حتى يفكر في رعايتهم عاهل الفرنسيس أو الألمان أو الطليان، المسلمون قوة عاتية، وسيعرفون كيف يؤدبون الطاغين والمستبدين؟
أيها الصديق
لقد تأملت في هندامك فرأيتك تلبس لباسًا شرقيًا تحته لباس غربي، فاعرف أن هذا اللباس الغربي هو الذي حرمنا من نعمة الصلاة، وسيأتي يوم نعرف فيه أن الملابس الشرقية القديمة هي أصلح الملابس لأهل الشرق.
أيها الصديق
لا تضق ذرعًا بهذا الخطاب فقد كتبته في ظلال الحيرة، والحيرة هي أول خطوة في سبيل اليقين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.