الأدب والأخلاق
حضرة الأستاذ محرر المكشوف
تحيتي إليك وإلى زملائي الأعزاء، وبعد …
فإني أصارحك بأني لم أرض عما نشرتموه عني في مجلتكم، ولكن لكم في بغداد أصدقاء يؤكدون أنكم لا تريدون غير إيقاظ الحياة الأدبية، فإن كان ذلك ما ترمون إليه فعلى الرحب والسعة، واشتموني كيف شئتم، فأنا أومن بأن كل سطر يقرأ هو سهم موجه إلى صدر الجهل.
ولكم أيضًا أصدقاء في بغداد يؤكدون أنكم تحترمون حرية الرأي، فإن صح هذا فأنا أشكوكم إليكم، ولعلكم تتفضلون بنشر هذا الخطاب، ثم تعلقون عليه بما توجب أخلاق الرجال.
- أولًا: صدقتم من يزعم لكم أني قلت إن الأديب في حياته العامة يعامل الناس بالتلون والتقلب، ولو راعيتم أصول النقد لعرفتم أنه من المستحيل أن يصدر عني هذا الكلام.
-
ثانيًا: سمحتم لأحد الشبان أن يحرض عليّ أهل العراق فيقول: إن الدكتور زكي مبارك يزعم أنه
الطبيب الوحيد الذي يقدر على مداواة ليلى المريضة في العراق، مع أن في العراق كثيرًا
من
الأطباء النطاسيين، وسيغار أهل العراق على كرامتهم فيحاسبون الدكتور مبارك أشد
الحساب!
ولم تكتفوا بهذا؛ بل نقلتم الدسيسة الخسيسة التي نشرها سعيد العريان في مجلة الرسالة، إذ يزعم في سخفه أني أنكر خصومتي للرافعي لأتقرب إلى أهل العراق، وأنا موقن بأن الأستاذ الزيات لم يراجع تلك الكلمة، فمرت مرور الباطل على مساعديه.
وأحب أن يعلم من في مصر ومن في لبنان أني لا أتودد إلى أهل العراق، وإنما أحمد الله عز شأنه على أن شرفني بخدمة الأدب العربي في العراق، وأحب أن تعرفوا جميعًا أن زكي مبارك لا يخاف إلا ربه ولا يؤذيه أن تحاربه جميع الجرائد والمجلات في سائر الأقطار العربية.
-
ثالثًا: عجبتم من أن أرد عليكم في مجلة الصباح لأنها في رأيكم مجلة المطربين والمطربات، وأحب
أن
أقول لكم بعبارة صريحة مكشوفة إني أعرف صاحب مجلة الصباح منذ ثمانية عشر عامًا، فلم أعرف
فيه غير الأدب والصدق والوفاء، وأعرف المحررين في مجلة الصباح معرفة تكفي للثقة بأمانتهم
ونزاهتهم، ومن أجل ذلك أكتب في مجلة الصباح من حين إلى حين، بل أرى من الواجب أن أساهم
في
تحريرها كلما ساعدت الظروف.
ومن التحكم أيها السيد أن تطلبوا مني أن أرى الدنيا بعيونكم، ومن التحكم أن تقولوا إن المجلات التي تمثل مصر هي الرسالة والمقتطف والهلال، فهذه حقًا مجلات جيدة، ولكن في مصر عشرات من المجلات تصور جوانب كثيرة من المجتمع، ولا يمكن الغض من قيمتها الأدبية إلا إذا أنكرنا الحقائق على نحو ما تفعلون في بعض الأحيان.
-
رابعًا: زعمتم أني أكدت أن المودة في لبنان مودة عابرة كسحابة الصيف، وهذا منكم تحريف لكلامي،
وهو تحريف لا يقع فيه رجل سليم الطوية.
ويهمني والله أن أسألكم: كيف جاز لرجل مثلي أن يقضي في مدينتكم ليلة واحدة ولا يسلم من الأقاويل والأراجيف بالرغم من حرصه الشديد على التعرف إلى من فيها من الأدباء، مع أني صحبت جماعة من أدباء تونس سنين عديدة ولم تمسني منهم كلمة سوء، ومع أني أقمت في بغداد أشهرًا وأنا أصاول وأجادل كل يوم ولم أسمع من العراقيين كلمة ينفر منها الذوق.
- خامسًا: زعمتم أني أقيس الأدب بمقياس الصداقة، ونسيتم جهودي في تحرير الأدب من النزعات الشخصية ونسيتم أني أول من رفع أعلام النقد الأدبي في العصر الحديث.
- سادسًا: أكدتم لقرائكم أنكم تفرقون بين الأدب والصداقة وأني سأجد فيكم دائمًا أصدقاء أوفياء يعربون عن عواطفهم الخالصة بالأعمال لا بالأقوال، فأين مصداق ما تقولون وقد حملتموني على الندم إذ تعرفت إليكم، وسلمت عليكم؟ ألا ترون أنه كان الأنفع أن أمر بمدينة بيروت فلا أرى غير الجدران؟ ولكن ما قيمة الجدران بدون الرجال؟ وهل كانت بيروت أجمل مدينة حتى نضيع الوقت بالمرور عليها؟ إن يومًا واحدًا في الإسكندرية أجمل من قضاء الدهر كله في بيروت، فأعزوا مدينتكم بحسن الأدب، يا أدباء لبنان، والسلام.