الشهرة مرض مزعج
صديقي
رسالتي في هذه المرة قصيرة جدًا، وهي في التألم من مرض الشهرة، ذلك الداء العضال الذي لا يرجى منه شفاء.
الشهرة مرض مزعج، ولا يعزيني إلا شيء واحد هو أنني لم أسع أبدًا إلى الشهرة، وأنت تعرف أخلاقي، أنت تعرف أنني لم أنفق في حياتي درهمًا واحدًا في سبيل الشهرة كما يفعل من يشترون الشهرة بوسائل مختلفات.
ولكن هذه الشهرة الجذابة التي يبذل في سبيلها الناس ما يبذلون أصبحت تزعجني وتعطل أعمالي، بحيث أصبحت وأمسيت لا أفتح بيتي لطارق وإن طال وقوفه بالباب، وما أكثر من يطرقون بابي ثم ييأسون.
وفي مساء هذا اليوم وقع حادث طريف هو من جنايات الشهرة فقد دخلت المنزل الذي أقيم فيه فرأيت جماعة من السكان ينتظرونني، أتدري لماذا؟ ليقولوا في صوت واحد: يحيا شارع فؤاد، تحيا الزمالك، تحيا سنتريس! تحيا الرسالة! يحيا الصباح.
وقد ظننتهم سكارى فدخلت وأغلقت الباب بالمفتاح، وشرعت في أعمالي التي ستعرف بعض شواهدها يوم ألقاك، وظلوا هم يهتفون حتى يئسوا من خروجي إليهم، وكنت على الرغم من أشغالي أتسمع فلا أراهم ينطقون بغير الجميل، وهل ينطق العراقي بغير الجميل؟!
والآن وقد فرغت من أعمالي في الساعة الثالثة بعد نصف الليل أتسمع فلا أسمع شيئًا، فأفهم أن جيراني ناموا وعلى شفاههم يحيا شارع فؤاد، تحيا الزمالك، تحيا سنتريس، تحيا الرسالة، يحيا الصباح.
ثم أتذكر أن في مصر ناسًا ينامون ملء الجفون ولا يخطر ببالهم أن في العراق رجلًا مصريًا يشقى ويكدح ليجعل لمصر صوتًا في العراق، متى تسكرون لتقولوا كلمة الحق، كما سكر جيراني فقالوا كلمة الحق؟