غزال يترنح في شوارع بغداد
صديقي
هاك القصة الآتية:
استأنفت أعمالي بالأمس في الساعة الخامسة بعد الظهر، وما زلت أدرس وأراجع حتى رأيتني في الساعة الثانية بعد نصف الليل فهالني الأمر، لأني قضيت تسع ساعات في نفس واحد، وأسرعت فأويت إلى فراشي، ولكني استيقظت قبل الشروق، فعدت إلى العمل من جديد، وظللت كذلك حتى الظهر، فلم يكن بد من الطواف على شاطئ دجلة لأريح أعصابي، فكانت تمر السيارات فيسلم عليّ راكبوها بدون أن أعرفهم فأقول في نفسي: هؤلاء أهل ليلى المريضة في العراق.
وفي رجوعي إلى البيت رأيت رجلًا يقود غزالًا في شارع الرشيد غزالًا وحشيًا من سكان الصحراء، فاستوقفت الرجل.
وقلت: يا عمي، بكم تبيع هذا الغزال؟ فقال: تريد كلمة واحدة؟ فقلت: نعم! فقال: ثمنه ثلث دينار، فاستصغرت الثمن وتجاهلت كلمته. ثم قلت: ثمنه دينار؟ فقال: نعم، ثمنه دينار.
فمددت يدي إلى الغزال لأرى عينيه فقد طال عهدي بعيون الظباء، ولكن الغزال كان يرتعد من الخوف، وهي أول مرة تخافني فيها الظباء!
ولم تمض لحظة حتى اجتمع من حولنا الناس، وكان في نيتي أن أشتري ذلك الغزال، ثم تذكرت أن الظباء تأكل حب القلوب، وتذكرت أن قلبي لم تبق منه بقية يعيش منها الظباء.
ولاحظ الرجل ترددي، فقال: إن هذا الغزال لا يشرد أبدًا، فهو يترك في حوش البيت بلا خوف.
وعندئذ وجدت الفرصة للتخلص فوضعت فمي على أذن الرجل، وقلت: (أنا أعرف يا عمي أنك مستعد لبيع هذا الغزال بثلث دينار، وهذا المبلغ لا يضايقني، ولكني أحب لك الخير وأرجو أن تبيعه لغيري بدينارين، أنت قلت إنه غزال لا يشرد، لتجذب إليه الراغبين، والأصلح لك يا عمي أن تقول إنه غزال شرود لترتفع قيمته في أعين الراغبين).
وما كدت أنفجه بهذه النصيحة حتى مضى وهو يصيح: غزال شرود لا يقيم على عهد، ثمنه عشرون دينارًا فقط، فأين من يعرف قيمة الظبي الشرود!!