أهذا زكي مبارك أم هو جمال الأفغاني؟
أخي طاهر
اسمح لي أن أعتب عليك، فالعتاب صابون القلوب، كما يعبر أهل لبنان.
أنت طلبت مني صورتي بالسدارة، وقد راعيت معك الأدب، فلم أرسل إليك صورة شمسية، وإنما أرسلت إليك صورة رسمها السيد بهاء الدين الراوي أحد الفنانين بالعراق.
وإنما اهتممت بك لأسباب، أولها أنك صديق عزيز جدًا، وإن كنت لا تعرف، وثانيها أنك موصل الأواصر بأصدقاء أعزاء منهم الأستاذ أميل زيدان والأستاذ فكري أباظة والأستاذ حسين شفيق، وثالثها أنك تقيم بحدائق القبة ذات الزهر والزيتون، ورابعها أنك تسير على قدميك في شارع قصر النيل وشارع فؤاد، وخامسها أنك تداعب الدكتور زكي مبارك من حين إلى حين.
ولكن هل تعرف أن مداعبتك الأخيرة كانت ثقيلة جدًا؟
هل تعرف أنه ما كان يجوز لك أن تنشر صورتي وأنا طالب بالأزهر الشريف؟
ومعاذ الأدب أن أتنكر للأزهر وقد جلست على حصيره الممزق خمسة عشر عامًا كما جلس محمد أبو شادي وإبراهيم الهلباوي وسعد زغلول، وهل يؤذيني أن أكون أزهري النشأة، وبفضل الأزهر وصلت إلى ما يعرف خصومي من التفوق في اللغة العربية، وبفضل الأزهر استطعت أن أصاول علماء النجف في بغداد؟
إنما آذاني وأرمضنى أن تذكرني بشبابي، فقد نشرت لي أربع صور في صفحة واحدة، كانت شاهدًا على أني تنقلت رويدًا رويدًا من الشروق إلى الغروب.
واسمح لي مرة ثانية أن أصرح بأن حقدك على أخيك حقد قديم فأنت يا ظالم تريد أن تضيفني إلى طائفة الكهول، مع أني في نفسي وبشهادة ليلاي الغالية شاب رائع الشباب.
أكتب هذا وأنا أعرف أنك ستبتسم؛ لأن دسيستك جازت على قراء «الدنيا» وهي مجلة محبوبة لدي، لأني اشتركت في تحريرها مرات، ولأنها كانت أنيسي في طريقي إلى البصرة، وطن العلم والأدب والخيال.
إن الحقد له حدود يا طاهر، وكان الظن بذوقك أن تخفي عن قرائك صورتي يوم كنت طالبًا بالأزهر الشريف، فهي صورة تشهد بأني كنت من أمراء الشباب، ولكن التعقيب بصورتي مسدرًا في بغداد أزعجني، لأني رأيت أنني أصبحت شبيهًا بالمفكر العظيم السيد جمال الدين الأفغاني.
ولو شئت لقلت إن من الشرف أن تكون صورتي شبيهة بصورة جمال الدين، فأنا أصنع مثل الذي كان يصنع، أنا أحاول التقريب بين الأمم العربية والإسلامية، ولكني مع ذلك أتوجع لجنايتي على شبابي، وأشارك الشاعر الذي يقول:
أخي طاهر
كنت سمعت أنك نشأت في دمياط، فإن كان هذا صحيحًا فخبرني كيف خانك الذوق؟
ألم أعاتبك مرتين على ما كتبت في مجلة «الهلال» يوم قلت إني أجمع بين نشاط الشبان وحكمة الشيوخ.
خذ ما عندي من الحكمة، وأعطني ما ضاع من شبابي.
أخي طاهر، ولو شئت لقلت إنك غريمي.
اسمع يا أخي ويا غريمي
لقد تركت دنيا شبابك بلا ورق وبلا أغصان، ولن تدخل مكانًا إلا وقد وطئته قدماي، وباريس التي تتشوف إليها لن تجد فيها مكانًا لم يضج أديمه وأنا أدوسه بعنفواني فانتقم مني كيف شئت، فقد سبقتك إلى دنيا الحب والمجد بعزائم الرجال.
وإن طاب لك أن تصر على الاختيال بشبابك فسأصارعك في ميدان الجزيرة يوم أعود، لتعرف أينا الشاب وأينا الكهل، ولكن متى أعود؟ حدثني متى أعود؟ فقد طال شوقي إليك وإلى الإخوان الذين أتحداهم بقوتي وعنفواني في دار الهلال.