مرشحٌ للاغتيال!
ضحك الشَّياطين وقال «عثمان»: متى سرقت هذه الوثائق، أو على الأقل كيف حصلت عليها؟
أحمد: إنني لم أسرقْها ولم أرَها، ولم أحصل عليها.
رشيد: عظيمٌ جدًّا … وثائق خيالية أو وهمية إذن.
أحمد: تمامًا.
زبيدة: ونصف المليون دولار؟
أحمد: مثل الوثائق تمامًا … خيالية وهمية.
عثمان: إذن فقد ذهبتَ إلى مستشفى الأمراض العقلية في مهمَّتك السرِّية.
أحمد: لم أذهب إلى مُستشفى الأمراض العقلية … بل ذهبت إلى المعادي.
وقالت «إلهام» ضاحكةً: لا بد أن الشمس والنيل والطعام اللذيذ أوحت لك بكل هذا.
أحمد: بالضبط.
زبيدة: كفى إثارة، وقل لنا ما هي الحكاية؟
أحمد: الحكاية ببساطة … إنني أفكر في خطة، للإيقاع بعصابة «الخمسة» … والخطة ببساطة، أن نضع له طعمًا لذيذًا، وغالي الثمن، تمامًا مثل وضع غزالة على باب المصيدة للأسد، أو وضع قطعة جبن داخل مصيدة للفأر.
إلهام: ومَن هو الغزالة … أو قطعة الجبن؟
أحمد: أنا.
وضحك الشَّياطين وقالت «إلهام»: قطعة جبن معقولة، أما غزالة!
عثمان: أحيانًا يضعون خروفًا أو عنزة!
وضحك الشَّياطين وعلَّقَت «إلهام»: هذا معقولٌ أكثر.
أحمد: لا بأس … خروف … قطعة جبن … سم … أي شيء، المهم أنني أريد أن أقوم بدور شخصٍ ما … يحوز على وثائقَ في غاية الأهمية … وسيطلب شخصٌ ما من عصابة «الخمسة» أن تغتال الشخص الذي يملك هذه الوثائق مقابل نصف مليون دولار … فإذا ما حاولت العصابة اغتياله، أطبق الشَّياطين عليهم.
إلهام: عظيمٌ جدًّا … ولكن أليس من المُحتمَل أن تتمكَّن عصابة الخمسة من اغتيال الشخص المذكور قبل أن نستطيع إنقاذه؟
أحمد: مُمكن جدًّا.
إلهام: هذا يعني أنك تضع نفسك بين فكي الأسد … أو ترشح نفسك للاغتيال.
أحمد: هذه هي الطريقة الوحيدة.
زبيدة: لا بد من موافَقة رقم «صفر».
أحمد: سأطلب منه هذه الموافقة.
عثمان: ولكن رقم «صفر» لن يوافق على هذه الخطة.
•••
وسكت الجميع وكلٌّ منهم يفكر في اقتراح «أحمد»، كان اقتراحًا معقولًا وخطرًا في وقتٍ واحد … معقولًا لأنه الطريق الوحيد لكشفِ مكان العصابة ومُحاولة القضاء عليها، وخطرًا لأنه يعرض حياة «أحمد» لخطرٍ أكيد في الحالتين … إما أن يغتالوه … أو يكشفوا الحقيقة وفي الحالتين سيقضُون عليه.
قال «أحمد»: سأرسل برقية بالخطة.
رشيد: أرجو أن تضع اسمي مكان اسمك.
عثمان: ولماذا لا أكون أنا؟
زبيدة: أو أنا.
إلهام: أو أنا.
لم يردَّ «أحمد»، كان يعرف عواطفهم جميعًا نحوه، كعاطفته نحوهم أيضًا، الأخوة والصداقة، وزمالة الأخطار والمغامرات.
وقام «أحمد» وأرسل برقيةً بالشفرة يُوضِّح فيها خطته … ومضت ساعات، وهبط الظلام دون أن يصل ردُّ رقم «صفر»، وعرف الجميع أنه لم يُوافق … وهكذا قرَّروا تناول العشاء في الخارج …
ركب الخمسة سيارةً واحدة، واختارُوا جبل المقطم للعشاء في أحد المطاعم هناك، فرغم البرد في تلك الليلة من شهر ديسمبر، لكنَّ الجو كان رائعًا، ودافئًا نسبيًّا، وفي الطريق قال «عثمان»: هناك نقطة ضعف في هذه الخطة بالإضافة إلى مخاطرها.
أحمد: ما هي؟
عثمان: إنَّ الرجال الذين هنا ربما شاهَدُونا … وليس من المُستبعَد أن يَكتشفُوا الحقيقة.
أحمد: لقد فكرتُ في هذا … وكنت أنوي أن أتنكَّر في شكل شخص أكبر سنًّا.
عثمان: إنَّ التنكُّر ذاته عملية ليست مأمونة، ومثل هؤلاء المُجرمين العتاة ليس من السهل خداعهم.
تناولوا عشاءً مُمتعًا، وكانوا على وشك الانصراف، عندما لفَتَ نظر «إلهام» … شخصٌ يدخل المطعم وقد أرخى قبَّعته على جبهته، وهي صورةٌ تقليدية لرجال العصابات عندما يتحرَّكون في أماكنَ بعيدة عن بلادهم.
لفت نظر «إلهام» حجم الرجل، وأسلوب مشيته، واتجاهه إلى مكانٍ بعيد من المطعم حتى لا يُجالسه أحد … أكثر من هذا أنه جلس إلى مائدة الطعام دون أن يخلع معطفَه أو قبَّعته … وهذا شيءٌ يُخالف قواعد السلوك.
همسَت «إلهام»: اخرجوا جميعًا، وليبقَ معي واحدٌ فقط.
أدرك «أحمد» من أسلوب حديثها أن شيئًا هامًّا يحدث، فقال: سأبقى معك.
إلهام: انظر أمامك مباشرة، إلى الرجل الوحيد الذي يجلس عند نهاية المطعم.
خرج بقية الشَّياطين، وأخذ «أحمد» ينظر إلى الرجل الوحيد الجالس بعيدًا، وقد أخرج من جيبه جريدةً أجنبية، وأخذ يقرأ ما فيها!
إلهام: إنه لا يقرأ شيئًا طبعًا، ولكنه يُراقب ما يحدث في المطعم.
أحمد: إنه يُذكِّرني بشخصٍ ما.
إلهام: إنه يذكرك بالرجال الأربعة الذين اصطدمنا بهم منذ أيام.
أحمد: أتقصدين «كلينت جونسون» و«كوتشن مارفن» و«روكي ماكلين» … و…
«إلهام»: والرجل الذي قبضنا عليه … بالتأكيد هذا هو الرجل الخامس … ولعلَّه أهمهم على الإطلاق.
أحمد: وما الذي أتى به إلى مصر؟
إلهام: بالتأكيد قد حضر للإفراج عن الرجل الرابع … لأنه يخشى إذا اعترف الرجل الرابع أن تقع عصابة الخمسة في يد «الإنتربول»، أي البوليس الدولي.
أحمد: من المُهم جدًّا أن نتبعَه.
إلهام: طبعًا، ولكن بطريقةٍ لا تثير انتباهه، فلو يشعر للحظةٍ واحدة أنه متبوعٌ فسوف يختفي تمامًا.
أحمد: من الأفضل أن ننتظره في الخارج.
وقام الاثنان، ولم ينظرا إليه مرةً أخرى؛ فقد كان واضحًا أنه يراقب كل من في المطعم من خلف طرف الصحيفة التي كان يمسكها بيديه، وكانت مفتوحة أمام وجهه … وكان عدد الرواد قليلًا … فكان في استطاعته أن يتعرَّف على جميع الوجوه التي حوله!
خرجا من المطعم، واتجها إلى حيث كان «عثمان» و«رشيد» و«زبيدة» في السيارة، وروى «أحمد» للشياطين ما حدث بعد خروجهم.
قال «أحمد»: سيبقى واحدٌ منا فقط للمراقبة وعلى الباقين العودة للمقر.
عثمان: من الأفضل أن تبقى أنت؛ لأنك تعرف طُرقات القاهرة أفضل منا.
أحمد: خذوا تاكسيًا إذن، واتركوا لي السيارة …
وجلس «أحمد» في الظلام داخل السيارة، وأدار محطة الموسيقى، وركَّز بصره على باب المطعم في انتظار خروج … الرجل الخامس.