مكالمةٌ في الليل المتأخر
لم يكد «أحمد» يخرج إلى الصالة حتى رنَّ جرس التليفون، وكان ذلك شيئًا غريبًا في هذه الساعة المتأخِّرة من الليل … ولكن «أحمد» أسرع برفع السماعة وكان المتحدِّث عميل رقم «صفر» في القاهرة، وقال الرجل بسُرعة: رأيت أن أبلغكم فورًا بالتطورات التي حدثت والمعلومات التي حصلت عليها …
إنَّ الطائرة الهليوكوبتر تتبع شركةً أجنبية تُدعى «فلاينج تيجر»، وقد جاءت على ظهر يخت كبير اسمه «مودي» إلى قناة السويس صباح أمس، وعبر اليخت القناة من الشمال إلى الجنوب، وتوقف عند مدينة السويس، حيث طلب إذنًا من السلطات برحلة الطائرة إلى القاهرة، وقد كان عليها مستر «جون كروزويل» رئيس مجلس إدارة الشركة … وقد عاد منذ نحو ساعتَين إلى اليخت الذي يستعدُّ للإبحار جنوبًا.
قال «أحمد»: أشكرك جدًّا؛ إنها معلوماتٌ على جانبٍ كبير من الأهمية.
وضع «أحمد» سماعة التليفون وفكَّر لحظاتٍ … إنَّ بعض الشَّياطين يقومون بجولةٍ الآن في البحر الأحمر … ومُمكِن الاستعانة بهم في البحث عن هذا اليخت «مودي» … ومعرفة حقيقة رئيس مجلس الإدارة المزعوم، الذي لم يَعُد يشكُّ لحظةً في أنه هو نفسه «مايكل ديلون» الرجل الخامس، وأقوى شخصية في عصابة الخمسة.
•••
استبدل «أحمد» ثيابه سريعًا، ثم حمل بعض الأسلحة الضرورية، وكتب مذكرةً للشياطين تركها في مكانٍ خاص، وأخطرهم أنه في طريقه إلى السويس، وسيتصل ببقية الشَّياطين في البحر الأحمر، وأنه سيطارد اليخت «مودي» لعله يستطيع الوصول إلى «مايكل ديلون» قبل أن يغادر الأراضي المصرية، وأن في إمكانهم اللحاق به هناك …
ترك «أحمد» المذكرة ثم خرج إلى الطريق، كانت الساعة قد أشرفت على الرابعة صباحًا، قفز إلى السيارة وأطلق لها العنان، كانت الطرقات خاليةً في هذه الساعة المبكرة من الصباح، والمسافة بين القاهرة والسويس نحو ١٢٠ كيلومترًا، يستطيع أن يقطعها في حوالي ساعة!
وأخذ يفكر فيما حدث، ويحاول ربط الأحداث بعضها بالبعض الآخر … هل يكون مخطئًا … ولا يكون «جون كروزويل» هو «مايكل ديلون»؟ هل يكون رجلًا بريئًا لا دخل له بعصابة الخمسة؟ إن ذلك سيؤدي إلى تعقيداتٍ لا أول لها ولا آخر … ومع ذلك عليه أن يحاول!
وصل إلى مشارف مدينة السويس في الخامسة تقريبًا، وقبل أن يدخل المدينة أوقف السيارة، ثم نزل … وفتح الشنطة الخلفية، التي كانت مزوَّدة بجهاز إرسال قوي، لا يُستخدم إلا في حالات الضرورة، ونظر حوله … لم يكن هناك أحد، فأخرج «الإريال» الطويل ثم أعمل يديه في مفاتيح الجهاز، وسرعان ما كان يتصل باليخت الذي يضمُّ بعض الشَّياطين في رحلتهم البحرية.
ردَّ عليه «بو عمير» وما كاد يسمع صوته حتى صاح: أين أنت؟
أحمد: إني أتحدث إليك قرب مدينة السويس … هناك مهمة خطيرة لكم.
بو عمير: ما هي؟
أحمد: هل وصلكم ملخصٌ لما حدث في القاهرة في الأسبوع الماضي؟
بو عمير: نعم … وصلت برقيةٌ أنكم أنقذتم العالِم «فيتز» من الاغتيال، وأن وراء العملية عصابة تُسمى عصابة الخمسة.
أحمد: إنَّ أخطر رجلٍ في العصابة يُسمى «مايكل ديلون» موجودٌ الآن على ظهر اليخت «مودي» في خليج السويس … أو هذا ما أتصوَّره أنا.
بو عمير: ماذا تعني؟
أحمد: أعني أنه قد يكون هو … وقد لا يكون! والاحتمال الأكبر أن يكون هو.
بو عمير: في أي مكان من القناة؟
أحمد: لست متأكدًا بالضبط … ولكن المعلومات تقول: إنه يتحرك في الخليج متجهًا إلى الجنوب.
بو عمير: إنه بعيدٌ عنا إلى حدٍّ ما.
أحمد: في هذه الحالة أرجو أن تتبعوه.
بو عمير: وأنت ماذا ستفعل؟
أحمد: لا أعرف بالضبط … ولكني سأسأل في الميناء عن اليخت؛ لأعرف إذا كان قد تحرك أم لا، فإذا لم يكن قد تحرك بعدُ فسوف أحاول إعاقته عن الحركة لحين تفتيشه بمعرفة رجال خفر السواحل؟
بو عمير: ولكن هذه الخطوة خَطِرة إذا لم تكن متأكدًا من شخصية الرجل.
أحمد: من الأفضل إذن أن أحاول التسلل إليه.
بو عمير: وإذا كان قد تحرك؟
أحمد: في هذه الحالة سوف أسير بجوار الخليج متجهًا إلى الجنوب بالسيارة، وسنظل على اتصالٍ طول الوقت.
بو عمير: هل عندك مواصفات اليخت؟
أحمد: لا … ولكن لا بد أنه يختٌ ضخم، فهو يحمل على ظهره طائرة هليوكوبتر.
بو عمير: هذا يكفي.
أحمد: خذوا حذركم.
بو عمير: وأنت أيضًا.
أغلق «أحمد» جهاز الإرسال، وأنزل الإريال، ثم عاد إلى مقعد القيادة، وانطلق متجهًا إلى الميناء … وعندما وصل إلى البوابة الرئيسية توقَّف ونزل، كان ثمة حارسٌ مسلَّح يقف بالباب وبعد أن حيَّاه «أحمد» قال: أريد أن أستفسر عن «يخت» اسمه «مودي»، فعندي رسالة هامة سأبلغها له.
قال الحارس: انتظر لحظات.
ثم استخدم جهاز «التوكي ووكي» متحدثًا إلى المسئول عن رصيف الإبحار، وبعد حديثٍ قصير التفت إلى «أحمد» قائلًا: لقد أبحر اليخت منذ نصف ساعة فقط.
أحمد: شكرًا لك.
وركب سيارته وانطلق مسرعًا في اتجاه الجنوب … كان الجو باردًا وفي الأفق نذيرٌ بمطرٍ قادم … ولكن الرؤية كانت ممكنة على ضوء النهار البازغ …
•••
قدَّر سرعة اليخت بنحو ١٨ عقدة في الساعة أي نحو ٣٦ كيلومترًا، أي إنه بعد ١٨ كيلومترًا تقريبًا يستطيع أن يكون قريبًا منه … وهكذا في بضع دقائق كان يسير بمحاذاة خليج السويس محاولًا أن يرى اليخت … وبعد بحثٍ استطاع أن يرى يختًا أبيض اللون يشق طريقه سريعًا في المياه …
أخرج «أحمد» نظارةً مكبِّرة، وركز على اليخت … واستطاع أن يتأكد أنه اليخت «مودي»، فقد كانت الطائرة العمودية واضحة على السطح … وشاهد حركة البحارة القلائل الذين كانوا يعملون في هذه الساعة المبكرة من الصباح.
فتح شنطة السيارة الخلفية، وأخرج جهاز اللاسلكي وتحدَّث مع «بو عمير» مرةً أخرى.
فقال له: إنني أشاهد اليخت «مودي» أمامي الآن على مسافة نحو عشرين كيلومترًا جنوبي السويس … فأين أنتم الآن؟
بو عمير: إننا قرب مدينة «سدر» على الجانب الآخر من الخليج أي في سيناء.
أحمد: إنها مسافةٌ بعيدة عن اليخت «مودي».
بو عمير: سننطلق بأقصى سرعة في الاتجاه العكسي.
أحمد: إنني أريد أن أركب معكم.
بو عمير: من الأفضل أن تعود إلى السويس ثم تعبر إلى «بور توفيق» … بالسيارة ثم تسير بمحاذاة الشاطئ، وسنَسير أيضًا بمحاذاة الشاطئ، وبواسطة جهاز اللاسلكي نستطيع تحديد نقطة ننتظرك فيها حتى نلتقطك، ثم نتابع مطاردة «مودي» بعد ذلك.
أحمد: اتفقنا.