في العاصفة!
عاد «أحمد» مُسرعًا بسيارته … وركب العبَّارة إلى «بور توفيق» ثم انحدَر جنوبًا … كانت السماء قد تلبَّدت بالغيوم، وهبَّت ريحٌ باردة مُنذِرة بالمطر، وكان الطريق الساحِلي ضيقًا، ولكن «أحمد» أطلق لسيارته العنان … كان لا بدَّ من الوصول جنوبًا إلى مدينة «سدر» أو قريبًا منها، وهي أول ميناء على ساحل «سيناء» جنوبًا، حيث يُمكن أن يَلتقيَ بالشَّياطين ويَركب اليخت …
ظلَّت السيارة تشقُّ طريقها بقوة … والرياح تشتدُّ وبدأ المطر يَنزل رذاذًا … ثمَّ اشتدَّ … وأحسَّ «أحمد» بالقلق … فالرياح المُواجهة للسيارة تشدُّها إلى الخلف، والمطر يجعل الرؤية مُتعذِّرة رغم مساحات المطر … والطريق الضيق يجعل القيادة صعبة … ولكن الميزة الوحيدة أنَّ السيارة أسرع في قطع المسافة من القوارب … لهذا فمِن المؤكَّد أنه سيصل إلى «سدر» قبل الشَّياطين، وقبل اليخت «مودي».
ظل «أحمد» محافظًا على سرعته لمدة ساعةٍ كاملة … والسيارة تشق طريقها رغم الرياح والمطر، ثم توقف «أحمد» بجوار أحد الجبال، ونزل مرةً أخرى وتحدث مع «بو عمير» … وحدَّد له المسافة بأنه الآن موجود تقريبًا على بُعدِ ١٥٠ كيلومترًا جنوب السويس …
رد «بو عمير»: إنَّ الأمواج عالية جدًّا … والريح تَجعل الإبحار صعبًا … ولكنَّنا نقترب من النقطة التي تقف عندها.
أحمد: إنَّ نفس الظروف تُواجه اليخت «مودي»، ومعنى ذلك أنه لن يبعد عنَّا كثيرًا.
بو عمير: عليك أن تسير ٥٠ كيلومترًا أخرى ثم تتَّصل بنا. سنكون قريبين منك جدًّا.
أحمد: إني أُفضِّل أن نَلتقي عند نقطةٍ خارج ميناء «سدر» حتى لا نتعرَّض للمشاكل.
أغلق «أحمد» جهاز اللاسلكي وأسرع إلى داخل السيارة، ونظر إلى العداد ثم انطلق … كانت العاصفة قد اشتدت، واسودَّت السماء، فأضاء المصابيح الأمامية، وظل يراقب عداد الكيلومترات حتى وصل إلى خمسين كيلومترًا، ثم توقف ونزل، وعاود الاتصال باليخت …
استمع «بو عمير» إلى صوت «أحمد» وهو يشرح له شكل المكان الذي يقف عنده.
وقال «بو عمير»: من الصعب رؤيتك بالمنظار المكبَّر … فعليك بإضاءة الأنوار وتوجيهِها ناحية المياه، وسوف نُحاول رؤيتك.
نفذ «أحمد» تعليمات «بو عمير» ثمَّ دخل السيارة … كان يحسُّ بالإنهاك الشديد، والجوع بعد أكثر من ٢٤ ساعةٍ من العمل المُتواصِل، وجد في تابلوه السيارة قطعة من الشيكولاتة الْتَهَمها، ثم جلس وقد أغلق أبواب السيارة … وقفل جفنَيه … وشيئًا فشيئًا تسلَّل النوم إلى عينيه … وراح في سباتٍ عميق …
أخذ يخت الشَّياطين وكان عليه «بو عمير» و«خالد» و«ريما» و«باسم» و«رشيد» يتقدَّم عبر الأمواج العالية والريح القاسية ناحية النقطة التي حدَّدها «أحمد» و«بو عمير» للالتقاء عندها، وكانت قرب ميناء «سدر» الصغيرة على الساحل الشرقي لخليج السويس …
كانت سرعة اليخت ضئيلة بالنسبة للسيارة، وكانت الرياح المعاكسة تُقلِّل من هذه السرعة … وقد مضت نحو ثلاث ساعات قبل أن يشاهدوا ضوء السيارة على الجانب الآخر من الخليج …
وقال «خالد»: هل نطلق صفارة اليخت أم نُعطيه ضوءًا.
بو عمير: يكفي الضوء … إنه في انتظارنا.
أخذت الأضواء الكاشفة تغمر السيارة، ولكن «أحمد» كان مُستغرِقًا في النوم … وظلَّ اليخت يُعطي إشاراته عبثًا، فبدأ في إطلاق صفارةً … ولكن «أحمد» ظلَّ نائمًا …
قال «بو عمير»: شيءٌ عجيب.
ريما: ربما نزل من السيارة؟
باسم: أين يذهب في هذا الجو العاصف؟
رشيد: سأَذهب لإحضاره.
ودخل «رشيد» إلى كابينة اليخت، وخرج بعد قليل وقد لبس ملابس البحر … ورغم البرد والرياح والأمواج، ألقى بنفسِه في المياه، وسبح في اتجاه الشاطئ.
كان الشاطئ صَخريًّا، ولكن «رشيد» تسلُّقه بمهارةٍ ثم وصل إلى السيارة، وشاهد من خلال الزجاج «أحمد» نائمًا، فدقَّ الزجاج بشدة، وفتح «أحمد» عينَيه ورفع مسدَّسه الذي كان يُمسكه بيده، ولكن عندما شاهد «رشيد» ابتسمَ، وأطفأ أنوار السيارة ثمَّ أدارها لحظاتٍ، حتى يتأكَّد أن البطارية لم تفرَّغ، ونزل …
رشيد: ماذا حدث؟
أحمد: لقد كنتُ مُنهكًا، فغلبني النوم … هل شاهدتم اليخت «مودي»؟
رشيد: لا … ولكن أغلب الظن أنه قريبٌ من هنا … فهو يسير مع الريح وليس ضدَّها كما حددت لنا … وربما يكون قد مر من نفس المكان منذ قليل.
أحمد: هذا يعني أنه شاهد أضواء السيارة.
رشيد: هذا جائزٌ جدًّا.
أحمد: إذن هيا بنا سريعًا.
أغلق «أحمد» أبواب السيارة، ثم نزل مع «رشيد» إلى المياه الباردة، فلم يكن في استطاعة اليخت أن يقترب من الشاطئ الصخري الوعر …
وصلا معًا إلى اليخت، وأسرع «أحمد» باستبدال ملابسه المبللة، ثم عقدوا اجتماعًا، شرح فيه «أحمد» بالتفصيل كل ما حدث … ثم أخذوا يدرسون خريطة خليج السويس، والمسافة بين ميناء السويس وميناء «سدر» … ووصلوا إلى نتيجةٍ مؤكدة، أن اليخت «مودي» مرَّ في اتجاه الجنوب منذ نصف ساعة تقريبًا!
قال «أحمد»: انطلقوا خلفه.
ودار اليخت دورةً كاملة، وأخذ يشق طريقه في اتجاه الجنوب …
قال «بو عمير»: إذا كان اليخت «مودي» يحمل طائرة «هليوكوبتر»، فمعنى ذلك أنه يختٌ ضخم، وستكون سرعته أكبر من سرعتنا …
أحمد: المهم ما هي وجهته؟
بو عمير: إنه بالطبع يستطيع دخول البحر الأحمر حتى نهايته؛ فهذه رحلة السفن الكبيرة، والأغلب أنه سيتَّجه جنوبًا حتى رأس «محمد» و«شرم الشيخ»، ثم يدخل خليج العقبة ويتجه شمالًا، حيث يصلُ إلى «طابا» أو «إيلات».
أحمد: لعلَّه يتوقف عند «أبو زنيمة» أو «أبو رديس» إذا استمرَّت العاصفة.
بو عمير: هذا مُمكن جدًّا.
أحمد: ومتى نصل إلى «أبو زنيمة» وهي المحطة الأولى؟
بو عمير: ليس قبل هبوط الظلام.
أحمد: إذن أمامنا مسافةٌ طويلة … أطلق سرعة اليَخت إلى أقصى حدٍّ … حتى نعوِّض فارق السرعة والمسافة بيننا وبينهم.
مضى «يخت» الشَّياطين يشق طريقه في المياه العاصفة، ومرَّت بهم قوافلُ مُتعدِّدة من السفن متجهة شمالًا أو جنوبًا، ولكن لم يكن بينهما اليخت «مودي» …
وتناولوا غدءًا شهيًّا من الأسماك الطازجة التي اصطادها الشَّياطين أثناء رحلتهم، ووضعوها في أحواض المياه فظلَّت حية.
وعندما مالت الشمس للمغيب قال «خالد» الذي كان يتولى قيادة اليخت: إنني أرى على يسارنا ما يشبه اليخت الذي نبحث عنه.
وأسرع «أحمد» إلى سطح اليخت وأمسك بنظارةٍ مكبرة، وأخذ ينظر في الاتجاه الذي أشار إليه «خالد»، واستطاع فعلًا أن يرى أضواء اليخت، وما يشبه هيكلًا ضخمًا على سطحه.
قال «أحمد»: أعتقد أنه هو.
بو عمير: هل هناك خطة معينة للهجوم؟
أحمد: لا بد أن نضع خطةً دقيقة، فنحن في مواجهة عصابة، من أعتى عصابات الإجرام في هذا الزمن.