بين نارين
قفز «أحمد» كالفهد فوق سطح الكابينة، ثم صعد مرةً أخرى إلى المنصَّة التي تقف فوقها الطائرة الهليوكوبتر، وفتح باب الطائرة، وأخذ يبحث عن مفتاح التشغيل في «التابلوه»، ولكن كانت المفاجأة أن المفتاح ليس موجودًا.
وهمس «أحمد»: إنهم في منتهى الحذر.
عاد مُسرعًا إلى «بو عمير» وقال: المفتاح ليس موجودًا … إنهم لا يتركون شيئًا للصدفة.
بو عمير: سنَهجم إذن.
أحمد: ما زال الليل طويلًا فلنَنتظِر.
وقف الاثنان بجوار كابينة القيادة، بينما كان «خالد» يقوم بعمله … ومضت ساعة، ثم ظهرت في الظلام الكثيف أضواء سفينة ضخمة مُقبِلة من الجنوب في اتجاه الشمال … وأطلقَت صفارتها العميقة القوية كأنها صوت نذير مخيف في الليل والبرد والظلام.
همس «أحمد»: أرجو أن يكون «باسم» و«ريما» يقظان حتى لا يَصطدما بالسفينة.
وفجأة، طلَّ رأس رجل، وتبعه رأسٌ آخر عند السلم، ثم سارا في اتجاه الكابينة وصاح أحدهما: جاك … ماذا حدث؟
كان واضحًا أنهما يتحدثان إلى الرجل الذي كان يقود «اليخت»، والذي ألقى به الشَّياطين في المياه … وعندما أصبح أولهما على بعد مترٍ واحد من الكابينة، انقضَّ عليه «بو عمير» بضربةٍ ولكن الرجل كان سريع الحركة، فاستطاع تفادي الضربة خاصة مع اهتزاز «اليخت»، وصعوبة السيطرة الدقة في الإصابة …
اختلَّ توازُن «بو عمير» وسقط على ركبتِه، فانقضَّ عليه الرجل بوحشيةٍ يُريد إصابة «بو عمير» في وجهه … ولكن «بو عمير» أمسك بقدم الرجل، ففقد الرجل توازنه وسقط على كومةٍ من الحبال، وانقض عليه «بو عمير» فقد كان يحاول إخراج مسدسه …
دار صراعٌ رهيب بين «بو عمير» والرجل الذي كان قويًّا كالثور … وفي نفس الوقت كان «أحمد» مُشتبكًا مع الرجل الآخر في معركةٍ رهيبة … واقترب المُتصارِعون الأربعة من حافة اليخت، وكان صوت الريح والعاصفة يُغطي على صوت الصراع المكتوم الذي كان يدور بينهم.
واستطاع الرجل الذي يشتبك معه «بو عمير» من الإمساك بحاجز اليخت، مُحاولًا توجيه ضربة قوية إلى «بو عمير»، وكانت فرصة «بو عمير» المدرَّب على أمثال هذه المواقف، فقد أمسك الرجل بقوةٍ جعلته يَصيح من فرط الألم، ثم رفعه في محاولةٍ لإلقائه خارج اليخت، فتعلق بحاجز اليخت لحظات ثم سقط في المياه.
وأسرع «بو عمير» إلى «أحمد»، فرآه يحمل الرجل الآخر بين يديه، ويدور به ثم يُلقيه إلى الماء … ووقف الاثنان يلتقطان أنفاسهما عندما سمعا صوتًا يقول: لا تتحرَّكا.
كان الصوت يأتي من مطلع السلم، وانطلقت رصاصتان مرت بجوار رأس «أحمد» و«بو عمير»، وبدا واضحًا أنهما لا يستطيعان عمل أي شيء …
واقترب الرجل بسرعةٍ وهو يُحاذر أن يقترب منهما … وعندما أصبح في مواجهتِهما تمامًا ظهر شبحٌ من الظلام، وانقضَّ بضربةٍ ساحقة على الرجل، سقط على أثرها دون كلمةٍ واحدة … ولم يكن الشبح إلا «خالد» الذي استطاع أن يُراقب الموقف من نافذة كابينة القيادة.
•••
تناول الشَّياطين الثلاثة الحديث بسرعة … لقد قضوا على نصف بحَّارة اليخت … وأصبحت فرصتهم في النجاح أكثر … ولكن شيءٌ خطير حدث في تلك اللحظة … فقد استدار اليخت الذي أصبح بلا قائد بسرعة، وحملته المياه العاتية إلى اتجاه السفينة الضخمة، التي كانت تمرُّ بجوارهم في تلك اللحظة، وكاد يحدث صدام مروِّع بين السفينة والقارب، لولا أن «أحمد» قفز إلى داخل الكابينة وأدار اليخت دورةً واسعة أبعدته عن الارتطام، فأخذ يهتزُّ بشدةٍ وتأكد الثلاثة أن بقية الرجال سوف يصعدون بسرعةٍ ليرَوا ما حدث …
بقي «أحمد» في كابينة القيادة مُحاولًا السيطرة على اليخت وإعادته إلى اتزانه … بينما اختبأ «بو عمير» و«خالد» خلف قوارب الإنقاذ، وكان «رشيد» في الجانب الآخر من اليخت يراقب الموقف … فاندفع هو الآخر إلى وسط القارب واستعدَّ للتدخل.
ظهرت رأس الرجل من السلم … ثم ثان وثالث ورابع، ومع كل رأس تَنطلِق رصاصةٌ من أحد الشَّياطين ويترنَّح الرجل، وهكذا توقفت الرءوس عن الظهور بعد الطلقة الرابعة، وأصبح الموقف واضحًا … إنهم يسيطرون الآن على القارب من أسفل … بينما بقية الشَّياطين يُسيطرون على الموقف من أعلى.
وقرر «أحمد» التوجه فورًا إلى ميناء «أبو زنيمة» القريب، وأخذ يُدير اليخت في اتجاه الشاطئ، ولكن فجأةً توقف اليخت عن السير.
ثم أُطفِئَتِ الأنوار كلها … وكان واضحًا أن رجال اليخت الباقين أوقفوا الماكينات.
كان الموقف خطيرًا فقد توقف القارب في مُنتصَف المجرى الملاحي لخليج السويس … ثم أخذت الأمواج تحمله تدريجيًّا ناحية الشاطئ الصخري … وهذا يعني أن يتحطم، ويغرق خلال عشرين أو ثلاثين دقيقة على الأكثر …
وقف الشَّياطين الأربعة في الظلام … كان عليهم أن يُفكروا في حلٍّ سريع وكان «رشيد» قد ترك مكانه عند مؤخرة اليخت وانضمَّ إليهم … وكان ذلك خطأ فقد انفتحت نافذة في السطح … وهي النافذة المؤدية إلى غرفة الماكينات، وظهر وجهُ رجل … ولم يكن الشَّياطين في وضعٍ يسمح لهم بأن يروه … وأخرج الرجل مدفعًا رشاشًا أخذ يُديره ناحية مقدمة اليخت … وكان ذلك صعبًا للغاية … فقد كان اليخت يترنَّح فوق المياه الثائرة … وهذا ما أنقذ الشَّياطين الأربعة من مصرعهم في ثوانٍ، فعندما تصور الرجل أن الهدف أصبح مُمكنًا، أطلق مجموعةً من الطلقات طاشت لعدم دقة التصويب، وانطرح الشَّياطين الأربعة على سطح القارب، وأطلقوا رصاص مسدساتهم في اتجاه الرجل … ثم أعد «أحمد» مدفعه الرشاش للإطلاق، وانهمر سيلٌ من الرصاص في اتجاه الرجل اضطرَّه إلى الاختباء …
وقال «أحمد»: لا بد من إدارة ماكينات اليخت.
بو عمير: في هذه الحالة لا بد من اقتحام اليخت من الداخل.
قال «أحمد»: تعالَ معي.
زحف الاثنان في اتجاه النافذة المفتوحة على السطح، حيث كان الرجل يُطلِق مدفعه الرشاش …
واقتربا من النافذة في هدوءٍ ثم وضع «أحمد» فوَّهة الرشاش في النافذة، وأطلق سيلًا من الرصاص.
وفي هذه اللحظة سمع «أحمد» و«بو عمير» طلقات رصاص تأتي من مقدمة اليخت … كان هناك هجومٌ من ركاب اليخت على «خالد» و«رشيد».
وانطلقت المدافع من كل جانب … كان سطح اليخت كأنه معركةٌ حربية بالمدافع الرشاشة … وفي نفس الوقت كان اليخت يقترب بسرعةٍ من الصخور الضخمة إلى الشاطئ … ولم تبقَ سوى دقائق ويَصطدِم بالصخور ويغرق … وكان الشَّياطين بين نارَين … نار المدافع الرشاشة … ونار الغرق … ولم يكن هناك بدٌّ من الاقتحام …
أطلقوا مدافعهم كلها إلى جهة مدخل السلم، ثم قفزُوا وهم مُستمرون في الإطلاق في محاولةٍ مستميتة للوصول إلى الماكينات.