نهاية الذئب
استطاع الشَّياطين الأربعة شقَّ طريقهم إلى السلَّم … وكان ثمة رجل قد وقع فسدَّ المدخل … فنحَّاه الشَّياطين جانبًا ونزلوا … ولدهشتِهم الشديدة … كان الصمت يُخيِّم على اليخت من الداخل … ولكنهم أخذوا حذرهم فلم يمرُّوا أمام إحدى الكبائن إلا وفتحوها … حتى وصلوا إلى الممر الرئيسي المؤدي إلى الصالة الكبيرة في اليخت … وكان رجلٌ يجلس إلى كرسي مصابًا لا يكاد يتحدث … وصاح «أحمد» به: أين «مايكل ديلون»؟
نظر الرجل في صمت، ولاحظ «أحمد» أن الرجل ينظر إلى فوق بين لحظةٍ وأخرى … ونظر هو الآخر فوجد سلمًا مَطويًّا إلى فوق من النوع ذي المفصلات … وأدرك أن ما بقيَ من رجال اليخت قد انتظروا حتى نزل الشَّياطين إلى تحت … وصعدوا هم إلى فوق …
وقفز «أحمد» وجذب السلم … وصاح بالشَّياطين: «خالد» و«رشيد» اصعدا إلى السطح فورًا … اتَّجَها إلى حيث توجد الطائرة …
أنزل «أحمد» السلم، وصعد عليه سريعًا هو و«بو عمير»، وما كاد يصل إلى السطح حتى عرف السر، كان هناك خمسة رجال … يتسللون إلى حيث توجد الطائرة … وكانت خطة رائعة أن يتركوا اليخت يصطدم بالصخور، ويتحطَّم بمن فيه، وأن يركبوا هم الطائرة، ويُغادروا اليخت حيث يؤدي غرقُه إلى نهاية الشَّياطين واختفاء السر …
أطلق «أحمد» الرصاص على السيقان التي رآها … وتعثَّر بعضهم، وسقط على الأرض … ولكن رجلًا واحدًا استطاع أن يصل إلى الطائرة.
ويُدير المحرك … وقفز «أحمد» إلى الطائرة، وفتح الباب وتعلَّق به، ولكن الرجل أخذ يضربه على أصابعه وتحمل «أحمد» ألمًا لا يُمكن تصوره … ووصَل «بو عمير» في اللحظة المُناسِبة … وصاح «أحمد»: اربط الطائرة.
كانت الطائرة مثبتة إلى السطح بأعمدةٍ وسلاسل من الصلب، وكان رجال العصابة قد فكوا هذه القيود حتى تتمكن الطائرة من الطيران … واستطاع «بو عمير» أن يشدَّ الطائرة مرةً أخرى بسلسلة … وكان الرجال الذين يسقُطون على الأرض يُحاولون القيام وإطلاق الرصاص … ولكن «خالد» و«رشيد» ظهرا في تلك اللحظة، وأطلقا نيران مدافعهما الرشاشة على الرجال فسكتُوا إلى الأبد.
كانت مروحة الطائرة الهليوكوبتر دائرة، و«أحمد» يحاول الصعود … والرجل يحاول منعه … ولكن «أحمد» استجمع قوته في عضلات ذراعيه، وانثنى بشدة ثم قفز داخل الطائرة …
ورغم الظلام استطاع أن يرى وجه الرجل الخامس الجالس إلى عجلة القيادة … كان هو بالتأكيد «مايكل ديلون» الرجل الخامس … وأبرز شخصية في عصابة الخمسة …
وصاح الرجل: مَن أنتم؟
أحمد: ليس هذا وقت الحديث.
الرجل: تعالَ معي، وسأُعطيك ثروةً لا تحلم بها.
أحمد: لو كنتُ أريد ثروةً لحصلت عليها منذ زمنٍ بعيد.
وفي تلك اللحظة حدث الارتطام المخيف … لقد اصطدم اليخت بالصخور بشدة، فتحطم جانبه الأيمن، واندفعت المياه إليه …
وصاح «أحمد»: اصعدوا إلى الطائرة … فكوا الأربطة.
أسرع «بو عمير» ففكَّ السلسلة التي ربطت الطائرة، ثم قفز إلى الطائرة، وبعده «رشيد» و«خالد»، وأزاح «أحمد» الرجل جانبًا وجلس إلى عجلة القيادة، ثم أخذ يصعد بالطائرة تدريجيًّا في نفس الوقت الذي مال فيه القارب تمامًا … وتدفَّقت المياه إليه.
لم يكد «أحمد» يصعد بالطائرة حتى مالت على جنبها وكادت تسقط كورقةٍ خفيفة … فقد كانت العاصفة على أشدِّها، وأخذت الرياح تعبث بالطائرة كأنَّها لعبةٌ صغيرة في يد عملاق …
صاح «بو عمير»: لا بدَّ من الوصول إلى البر فورًا.
أحمد: نُريد مهبطًا ممهَّدًا.
بو عمير: ليس هذا مهمًّا الآن.
أحمد: لو نزلنا في الصحراء مَن الذي سيبحث عنا؟ … سأُحاول الوصول إلى «أبو زنيمة» …
أخذ «أحمد» يستخدم جميع فنون الطيران التي تعلَّمها في المقر السري، وفي مغامراته العديدة، حتى يتمكَّن من الاحتفاظ بالطائرة في الجو … ولكن الرياح دفعتْها إلى الشاطئ وأخذت تقترب بسرعةٍ من الصخور … ولكن قبل أن تَصطدِم بالأرض، استطاع «أحمد» أن يعيدها إلى مسارها … ومرةً أخرى جذبتْها الرياح … ومالت الطائرة ميلًا شديدًا … ولم يبقَ بينها وبين الأرض الصخرية سوى أمتار قليلة … وفجأةً حدث ما لم يكن في الحسبان … انتهز الرجل فرصة انشغال الشَّياطين بعملية الإنقاذ والبقاء في مقاعدهم، وفتح باب الطائرة ثم قفز إلى الأرض …
أحسَّ «أحمد» بغضبٍ شديد ينتابه، وبذل مجهودًا جبَّارًا حتى استطاع السيطرة على الطائرة، حتى يتمكن من النزول بها سالمًا على الرمال بعد الصخور بأمتارٍ قليلة … قفَز الشَّياطين إلى الأرض … وأخذوا ينظرون حوهم باحثين عن «مايكل ديلون»، ولكنهم لم يروه …
وقال «بو عمير»: إنه لن يذهب بعيدًا.
أحمد: من الأفضل أن نبقى في الطائرة فالبرد شديد، والرياح العاصفة والرمال قد تغطينا وصعدوا إلى الطائرة، وأدار «أحمد» المحرك وأطلق الأضواء الكاشفة للبحث عن «مايكل ديلون» ولكنَّهم لم يجدوه … ومرت الساعات بطيئة … وهدأت العاصفة، وصفا الجو ونزل الشَّياطين إلى الأرض مرةً أخرى … واتفقوا على البحث عن «مايكل ديلون» في دائرةٍ حول الطائرة، والعودة إليها كل نصف ساعة … وداروا بضعة دورات دون جدوى، ثم تسلَّلت أشعة الشمس من بعيدٍ تعلن عن صباحٍ هادئ، وعلى الضوء القادم من الأفق، استطاع «بو عمير» أن يرى كتلةً سوداء قرب الشاطئ … وأسرعوا إليها … كان «مايكل ديلون» يجرُّ نفسه مع الرمال محاولًا الوصول إلى الصخور والاختباء خلفها.
اقترب منه الشَّياطين الأربعة على حذرٍ … وكان واضحًا أنه عندما قفز سقط على إحدى قدميه فالتوت التواءً شديدًا … وعندما اقتربوا منه أخذ يَنظُر لهم وشرر الغضب يتطاير من عينيه … كان يشبه ذئبًا وقع في المصيدة، ولكنه لا يريد أن يستسلم، ومدَّ يده إلى جيبه الداخلي، فصاح به «أحمد»: لا تحاول.
ولكنه لم يخرج مسدسًا … أخرج شيئًا صغيرًا من جيبه وحاول أن يَدفنه في الرمال، ولكن «خالد» كان أسرع منه … وانتزع هذا الشيء الصغير من يده … كانت نوتةً سوداء في حجم علبة الكبريت … وضعها «خالد» في جيبه … ثم عاونه الشَّياطين على السير إلى أن صعدت الطائرة وطارت فوق الصحراء المترامية، بينما كان اليخت «مودي» قد غرق تمامًا … ولم تبقَ إلا ساريتُه فوق المياه …
وبعد نصف ساعةٍ من الطيران شاهد «أحمد» يَختَهم الصغير، وقد انزوى بجوار الشاطئ للاختباء من عاصفة الليل الهوجاء، وتحدَّث «أحمد» إلى «ريما» قائلًا: كل شيء على ما يرام … سنلتقي في «أبو زنيمة».