في نوادر الخليفة هارون الرشيد
إبراهيم الموصلي عند الرشيد
دخل إبراهيم الموصلي يومًا على الرشيد فأنشده:
فقال: لله أبيات تأتينا بها ما أحسن أصولها، وأبين فصولها، وأقل فضولها، يا غلام أعطه عشرين ألفًا، قال: والله لا أخذت منها درهمًا، قال: ولمَ؟ قال: لأن كلامك يا أمير المؤمنين خير من شعري، قال: أعطوه أربعين ألفًا.
الرشيد والمفضل الضبي
قال الرشيد للمفضل الضبي: قل ما أحسن ما قيل في النوائب ولك هذا الخاتم الذي في يدي، قال قول الشاعر:
فقال: ما ألقى هذا على لسانك إلَّا ذهاب الخاتم ورماه إليه، فاشترته أم جعفر بألف وستمائة دينار وبعثت به إليه، فقالت: قد كنت أراك تعجب به فألقاه إلى الضبي وقال: خذه وخذ الدنانير فما كنا نهب شيئًا فنرجع فيه.
ابن الجامع والجارية والرشيد
قال ابن جامع: انتقلت من مكة إلى المدينة لشدة لحقتني فأصبحت يومًا وما أملك إلا ثلاثة دراهم في كمي، فإذا بجارية على كتفها جرة تسعى بين يدي وتترنم بصوت شجي وتقول:
قال: فأخذ الغناء بقلبي ولم يدر لي منه حرف، فقلت: يا جارية ما أدري أوجهك أحسن أم غناؤك، فلو شئت أعدت، قالت: حبًّا وكرامة، ثم أسندت ظهرها إلى جدار وانبعثت تغنيه، فما دار لي منه حرفٌ فقلت لها: لو تفضلت مرة أخرى، فارتدت إلى الوراء وقالت: أليس عجيب أن أحدكم يجيء إلى الجارية عليها الضريبة فيشغلها، فضربت يدي إلى الدراهم الثلاثة فدفعتها إليها فأخذتها وقالت: تريد مني صوتًا أحسبك تأخذ به ألف دينار وألف دينار وألف دينار ثم غنت ففهمته، ثم سافرت إلى بغداد فآل الأمر إلى أن غنيت الرشيد بهذا الصوت فرمى لي بثلاثة أكياس، فتبسمت فقال: مم تبسمت؟ فأخبرته خبر الجارية فعجب من إصابتها.
هارون الرشيد والعباس بن الأحنف
قال هارون الرشيد في الليل بيتًا وأراد أن يشفعه بآخر فامتنع القول عليه فقال: علي بالعباس بن الأحنف، فلما طرق ذعر وخاف أهله، فلما وقف بين يدي الرشيد قال: وجهت إليك لبيت قلته ورمت أن أشفعه فامتنع القول علي، فقال: يا أمير المؤمنين دعني حتى ترجع نفسي إلي فإني قد تركت عيالي على حال من القلق عظيم ونالني من الخوف ما يتجاوز الحد والوصف فانتظر هنيهة ثم أنشد الرشيد:
فقال العباس:
فقال الرشيد زدني فقال:
فقال الرشيد: قد أزعجناك وأفزعناك وأقل الواجب أن نعطيك ديتك، فأمر له بعشرة آلاف درهم وصرفه.
الرشيد ويحيى البرمكي
كان يحيى يساير الرشيد يومًا فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، عطبت دابتي، فقال: يعطى خمسمائة درهم، فغمزه يحيى، فلما نزل قال: يا يحيى أومأت إلي بشيءٍ حينما أمرت بالدراهم فما هو؟ فقال: مثلك لا يجري هذا المقدار على لسانه إنما يذكر مثلك خمسة آلاف ألف، عشرة آلاف ألف، قال: فإذا سُئلت مثل هذا كيف أقول؟ فقال: تقول يشترى له دابة يفعل به فعل نظرائه.
الرشيد وهيلانة وابن الأحنف
كان الرشيد شديد الحب لهيلانة وكانت ليحيى بن خالد فاستوهبها منه حتى غلبت على قلبه، فأقامت عنده ثلاث سنين ثم ماتت، فوجد عليها وجدًا شديدًا وأمر العباس بن الأحنف أن يرثيها، فقال فيها:
فأمر له بأربعين ألف درهم لكل بيت عشرة آلاف درهم، وقال: لو زدت لزدناك.
الرشيد وبركة زلزل
وعمل ببغداد بركة للسبيل وكان يُضرب بها المثل وأنشد نفطويه يصفها:
هارون الرشيد والكسائي
قال الكسائي: حضرت عند الرشيد فأخرج إلي محمد الأمين وعبد الله المأمون كأنهما بدران فقال لي: كيف تراهما؟ فقلت:
ثم قلت: فرع زكي أصله وطاب غرسه وتمكنت فروعه وعذبت مشاربه أداهما ملك أغرُّ نافذ الأمر واسع العلم عظيم الحلم، أعلاهما فعلوا، سما بهما فسموا، فهما يتطاولان بطوله ويستضيئان بنوره وينطقان ببيانه، فأمتع الله أمير المؤمنين بهما وبلغه الأمل فيهما.