رحلة
تركت للقاهرة جد الحرب والسلم، ودعابة الحرب والسلم أيضًا، وفررت منها إلى حيث تعودت أن ألجأ بين حينٍ وحين من أعماق الصحراء في أواسط الصعيد، فشُغلت بضروبٍ أخرى من الجد والهزل ليس بينها وبين ما يشغل به الناس في القاهرة سبب قريب أو بعيد. وقد علمنا أساتذتنا القدماء والمحدثون أن في التغيير ترفيهًا على النفس وتسلية عن الهم وتجديدًا للنشاط.
وأعترف بأني حين أزمعت هذه الرحلة كنت ألتمس الترفيه على النفس والتسلي عن الهم والتجديد للنشاط، ومع أني قد ظفرت من هذا التغيير بشيءٍ كثير فقد عُدت إلى القاهرة كما خرجت منها مُتعبًا مكدودًا، عظيم الحظ من السأم والضيق، إما لأن الحوادث التي تشغلنا في هذه الأيام أثقل وأكثف من أن يجليها التغيير ويريحنا التنقل من بيئةٍ إلى بيئة، وإما لأن الرحلة كانت قصيرة لا تكفي لنسيان ما خرجنا منه قبل أن نعود إليه، وإثم هذا على مجلس الجامعة وعلى السادة العمداء خاصة، فهم قد أرادوا في هذا العام أن يُسرفوا على أنفسهم وعلى زملائهم وطلابهم في الجد، كأن الأيام لا تُسرف على الناس في هذا الجد، ولأول مرة في تاريخ الجامعة قصرت إجازة العيد حتى لا تتجاوز خمسة أيام، منها يوم الجمعة الذي هو يوم إجازة بطبعه، ولأول مرة في تاريخ الجامعة كان الجامعيون أشد على أنفسهم وتلاميذهم وأعنف بها وبهم من وزارة المعارف، فقد أذنت وزارة المعارف للأساتذة والتلاميذ في أن يستريحوا أسبوعًا كاملًا من عناء الدرس، وأبت الجامعة إلا أن ترد الأساتذة والطلاب إلى القاهرة مساء الإثنين ليستأنفوا الدرس صباح الثلاثاء، كأن الدرس شيءٌ لذيذ لا يمكن الصبر عنه ولا تصح الاستراحة منه سبعة أيام! ومهما يكن من شيءٍ فكانت الرحلة قصيرة ذهب منها يومان في السفر ذهابًا وإيابًا كما يُقال، وأُنفق باقيها في راحة تشبه التعب أو تعب يشبه الراحة، فلم نسمع للراديو ولم نقرأ فيها الصحف ولم ينفض علينا التليفون فيها ضوء النهار ولا ظلمة الليل. ولم نشعر فيها بهذا التطواف السخيف في مدينة القاهرة وضواحيها، نُلقي البطاقات إلى الخدم والبوابين حتى إذا عُدنا وجدنا بطاقات قد أُلقيت عندنا إلى الخدم والبوابين، ولم نناقش أحدًا ولم يناقشنا أحد فيما كان وما يمكن أن يكون من شئون الحرب، ولم نجادل أحدًا ولم يجادلنا أحد فيما كان وما يمكن أن يكون من سياسة أحزابنا المصرية الموفقة في كل ما تأتي وما تدع، وإنما فرغنا هذه الأيام لأنفسنا. ولهذه الناحية من أنفسنا التي نزدريها ما أقمنا في القاهرة لأنها فيما يظهر تقرب من الحيوان وتنزل بنا عن هذه المرتبة الممتازة مرتبة الإنسان المُتحضر الذي يقرأ الكتب ويُلقي الدروس ويُجادل في العلم والسياسة ويكتب في الأدب والسياسة وقد يختلف إلى ملاعب السينما والتمثيل. هذه الناحية التي نتنافس في البعد عنها ونستبق إلى ازدرائها ونصطنع ألوان النفاق في كتمانها والتستر في أكثر ما نضطر إليه من مظاهرها، أريد بها ناحية الحياة الجسمية الخالصة التي تُختصر في الطعام والشراب والنوم وبعض الحركات الآلية السخيفة. إلى هذه الناحية الحقيرة من نواحي حياتنا فزعنا في هذه الأيام الثلاثة، فأُنسينا العلم والأدب نسيانًا تامًّا، وكدنا نشغل عن الحرب لولا هؤلاء الذين كانوا يُلِمُّون بنا من حينٍ إلى حين، فيحملون إلينا غرائب الأنباء وطرائف الأخبار عن بلاء الإنجليز في مقاومة الألمان وبلاء اليونانيين في مقاومة الإيطاليين.
وكانت طريقنا في الذهاب والإياب سهلة ميسرة هذه المرة قد اطردت فيها الأقنية اطِّرادًا حسنًا، وجرت المياه في مساربها تستقيم حينًا وتلتوي حينًا آخر، ولكنها جرت معتدلة هادئة، لا تنسدُّ الأقنية ولا تضطر عمال وزارة الأشغال إلى قطع الطرق على السيارات وتحويلها إلى تلك الطرق التي شكوت منها في رحلةٍ سابقة.
وكان أهل الريف مشغولين بالعيد، وللعيد في نفوس الريفيين أثره، مهما تكن أحوالهم، ومهما تكن الظروف التي تحيط بهم، فهم يبتهجون وإن كانت أمورهم كلها بؤس، وهم يظهرون السعادة والرضا، وإن كانت حياتهم كلها تدعو إلى الشقاء والسخط، ومصدر ذلك فيما أظن أنهم مقتنعون بأن العيد يجب أن يدل على معناه، وأن يُؤخذ أمره بالجد لا بالهزل، وأن يفرح الناس فيه، ويبتهجوا به مهما تكن الظروف، لأنهم قد خُلقوا للفرح والابتهاج. وأهل الريف لم يتحضروا كما تحضرنا، ولم يتعمقوا الحياة كما تعمقناها، وهم يحبون فيما أعتقد أن يسموا الأشياء بأسمائها، وفيهم من السذاجة وطهارة القلوب ما يحملهم على أن يصدقوا الحياة حين تنبئهم بأن من أيام الدنيا ما ينبغي أن يفرح الناس فيه ويبتهجوا به، فهم يفرحون ويبتهجون لأن الفرح والابتهاج من الأشياء المفروضة في هذه الأيام المعينة. وعلى كل حال فقد قطعنا الطريق إلى صحرائنا وقطعنا الطريق من صحرائنا إلى القاهرة دون أن نرى مظاهر البؤس والحزن؛ لأن العيد قد أخفى مظاهر البؤس والحزن، ولأن أهل الريف قد أرادوا كما يريدون دائمًا أن يحسنوا لقاء العيد ويكرموا مثواه، ويتلقوه بما يجب أن يُتلقى به من السرور والابتهاج، ويؤجلوا حزنهم وبؤسهم وشقاءهم إلى الأيام التي تحتمل أن يظهر فيها البؤس والحزن والشقاء. في هذه الأيام أيام العيد خدع الغني وصاحب الثراء عن غناه وثرائه، وعن رأي الناس فيهما واحتمال الناس لهما، فلم يحس سخطًا ولا حسدًا. وفي هذه الأيام أيام العيد خدع الفقير البائس عن فقره وبؤسه، فخيل إلى نفسه أنه غني وأنه سعيد، ولم ينظر إلى غنى الغني وثراء صاحب الثروة هذه النظرات التي يملؤها الحقد أحيانًا، ويملؤها الحزن والتمني دائمًا. وفي هذه الأيام أيام العيد أحس الأغنياء والفقراء جميعًا كأن الله قد مسهم بجناحٍ من رحمته التي وسعت كل شيء، فسعد الأغنياء بثرائهم وسعد الفقراء بفقرهم وبأسائهم. وجرت أمور الناس على خير ما ينبغي أن تجري عليه في أيام العيد التي هي أيام هدنة بين السراء والضراء، وبين النعماء والبأساء، وفرغنا نحن لما أردنا أن نفرغ له من هذه الحياة الحيوانية التي نزدريها في القاهرة كما قلت منذ حين.
ولعلي قد أسرفت على نفسي بعض الشيء حين زعمت أني برئت من الحياة العقلية في هذه الأيام الثلاثة براءة تامة أو مقاربة، فليس من شكٍّ في أني لم أقرأ أدبًا ولا علمًا ولا سياسة، ولكني لم أفرغ لحياة الجسم وحده، وإنما رجعت نفسي إلى عهدين من عهود الحياة المصرية، لم أكد أتصل بهما حتى فكرت فأطلت التفكير، وحتى أحسست وشعرت، فكنت قوي الإحساس دقيق الشعور، فأما أحد هذين العهدين فعهد مصر القديمة، رجعت إليه حين زرت صديقتي تلك التي اتصلت بها نفسي أشد الاتصال، وهام بها قلبي أشد الهيام، وتعلق بها عقلي أشد التعلق، تلك الصبية التي فارقت الحياة ولم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها، والتي خطفها من أهلها بنات النيل إلى قصرهن المسحور في أعماق النيل، فلما انتهين بها إلى هذا القصر أخذن نفسها البريئة الطاهرة ورددن جسمها إلى أهلها، فتلقاه هؤلاء محزونين فرحين، وأقاموا له ذلك البيت الذي أحب أن ألم به كلما زرت تلك الصحراء، وسجل أبوها في ذلك البيت تسجيلًا مؤثرًا في لغة يونانية عذبة، وسجل ما يجب أن يقدم إليها في المواسم من ألوان التحيات، فأحببت أن ألم ببيت أسيدورا كلما زرت تلك الصحراء، وأن ألم بذلك البيت على نحو ما كان يلم به أبوها، ذلك المصري القديم. وما يمنع أن يُقدم إلى نفس تلك الصبية البريئة شيء من الزهر؟ وما يمنع أن يُحرق في بيت تلك الصبية البريئة شيء من البخور، ولا سيما حين يكون هذا البخور قديمًا قد وُجد في مقابر المصريين القدماء؟ وما يمنع أن يقف مثلي أمام ذلك السرير الذي اضطجع فيه جسم تلك الصبية البريئة ألفي عام، حتى إذا كَشف عنه بحث الجامعيين وجد فيه رمادًا لا يثبت للمس اللامس، وخاتمًا صغيرًا من الذهب نُقل إلى مصلحة الآثار؟ أما أنا فلا أكره أن ألم بهذا البيت، وقد قدمت بين يدي زيارتي له بعض الزهر، وسبقني من حرق فيه بعض الطيب، وأشعل فيه ذبالة ضئيلة تكاد تشبه تلك النفس الطاهرة الصافية البريئة التي احتفظ بها بنات النيل في قصرهن المسحور في أعماق النيل. نعم، وما أكره أن أقف أمام ذلك السرير، فأذكر وأعتبر؛ لأن الذكرى تنفع المؤمنين، وما أبيح لنفسي أن أزور تلك الصحراء دون أن ألم بذلك البيت إلمامة قصيرة، وأذكر قول الشاعر العربي القديم:
فهذا أحد العهدين. أما العهد الثاني فما زال قائمًا حاضرًا تصرفنا عنه حياتنا المثقفة الممتازة، ولعلنا نرتفع بأنفسنا عنه لأننا نراه سخفًا وإيغالًا في حب القديم، ولكني أحب أن ألم به بين حينٍ وحين لأني أتمثل فيه عهد الصبا، وأتمثل فيه حياة الكثرة المطلقة من المصريين، وأمتزج فيه بهذه الكثرة المطلقة، وألغي فيه ما بيني وبين هذه الكثرة من الفروق، وأشعر فيه شعورًا قويًّا جدًّا بأني واحد من هذه الملايين التي لا تُحصى من المصريين منذ عرف المصريون أرض مصر وعاشوا. وهذا العهد الذي أحبه كل الحب وأبيح للمثقفين أن يسخروا مني لأني أحبه كل الحب، هو هذا الذي يتمثل حين يجتمع فريق من أهل القرى حول شيخ من مشايخ الطرق ليعقدوا مجلسًا من مجالس الذكر. وأنا أعرف ما يقول الذين ينكرون البدع، وأعرف أيضًا ما يقوله الأوربيون عن مجالس الذكر، ولكن ماذا تريد؟ إني أحب هذه المجالس وأجد فيها نفسي الضائعة، وأتمثل فيها مصريتي القديمة والجديدة والمستقبلة، وأشعر فيها بهذا التضامن الذي أحب أن أجده دائمًا بين المصريين، ولا أكاد أصل إلى تلك الصحراء حتى أطلب إلى صاحبي أن يدعو لي مجلس الذكر، فيجتمع هؤلاء الفلاحون على ذكر الله كما تعودوا أن يذكروا، وعلى غناء المنشد مدح النبي ﷺ كما تعودوا أن يستمعوا له. وإذا أنا شديد الشوق إلى أن أنضم إلى حلقتهم فآتي ما يأتون من الحركات وأنطق بما ينطقون به من الألفاظ، وأطرب لما يطربون له من الغناء. قل ما شئت وتصورني كما أحببت، واحكم عليَّ بما تريد أن تحكم به، ولكني أحب حلقات الذكر وأطرب لإنشاد المنشدين، وأجد في هذا الجو المصري الخالص لذة ومتاعًا وشعورًا بالمصرية الخالصة.
وكذلك زرت صديقتي أسيدورا في الصباح وشهدت مجلس الذكر في المساء، وأحسست في هذين الطورين من أطوار حياتي في ذلك اليوم أني مصري حقًّا، وأن في مصر ما يُحب، وأن فيها ما ينبغي أن يُفتدى بكل ما يستطيع الإنسان بذله من نفسٍ وجهد ومال.
أترى إلى هذا الذي فر من الحياة العقلية في القاهرة إلى حياة الحيوان في الصحراء، فلم يستطع أن يخلص من عقله ولا من تفكيره؟ ولكني انصرفت عن مجلس الذكر، أستغفر الله! بل انصرف عني مجلس الذكر وترك في نفسي أصداء لم تفارقني أثناء الليل، فلما أصبحت قال قائلٌ في الجماعة: لنذهب إلى أسيوط، فأجابت الجماعة كلها: لنذهب إلى أسيوط، ولم أستطع إلا أن أذهب إلى أسيوط. وهناك في أسيوط كان العجب العُجاب، كان ثلاثة من أساتذة الجامعة قد بلغوا الساعة الرابعة من المساء، وقد انتهى بهم الجوع وبأسرهم إلى أقصاه، وبلغ بهم غايته، فانتهوا إلى ما يحبون من الحياة الحيوانية الخالصة، فهم لا يريدون إلا الطعام، ولا يفكرون إلا في الطعام، ولا يتحدثون إلا بالطعام. وقد دعاهم إلى الشاي كريم من أهل المدينة، فأقبلوا إلى الشاي جياعًا قد أهلكهم الجوع، ظماء قد أضناهم الظمأ، وهنالك بلغت الحيوانية بهم أقصى ما تستطيع أن تنتهي إليه، وكان صاحب الدعوة قد أعد لهم مقدارًا صالحًا من هذا اللون الذي يسميه المجمع اللغوي شاطرًا ومشطورًا بينهما طازج فيما يقول أصحاب العبث، والذي يسميه الفرنسيون ساندوتش. فلا تسل عن اندفاعهم على هذا الساندوتش البائس، ولا تسل عن التهامهم له وازدرادهم إياه، حتى أفنوه في دقائق لا تكاد تبلغ العشر، ثم عطفوا على ما أعد لهم من ألوان الطعام الأخرى، فمسحوها مسحًا وألغوها إلغاء، ونظفوا المائدة منها تنظيفًا. فأما الشاي فما أكثر ما شربوا منه! وما أقل ما أطفأ من ظمئهم! ولكن الظريف الطريف من الأمر أنهم لم يشعروا بإسرافهم في الشره وغلوهم في النهم وتجاوزهم للحد في ذلك كله إلا بعد أن فعلوا الأفاعيل بالساندوتش والجاتو والشاي.
هنالك، وهنالك ليس غير، أحسوا أنهم قد تجاوزوا حدود الحضارة، وتعدوا ما ينبغي للمترفين ألا يتعدوه، وساروا سيرة الحيوان لا سيرة الإنسان. وهنالك أحس أساتذة الجامعة الثلاثة أنهم أسرفوا على أنفسهم وعلى أسرهم وعلى مضيفهم، وأنهم كانوا يستطيعون أن يملكوا أنفسهم أكثر مما ملكوها، وأن يضبطوا غرائزهم أكثر مما ضبطوها، وأن كلمة ساندوتش قد أصبحت معادلة لكلمة الخزي والخجل والعار. وهنالك، وهنالك ليس غير، أحس الأساتذة الثلاثة من أساتذة الجامعة أن في حياة الناس شيئًا يُسمى الخجل، وأنهم قد بلغوا من هذا الخجل أقصاه وانتهوا به إلى غايته. وهنالك، وهنالك ليس غير، أحس هؤلاء الأساتذة الثلاثة من أساتذة الجامعة أنهم يستطيعون أن يجعلوا لفظ الساندوتش مرادفًا للفظ الخجل، وأن يصرفوه تصريفًا فرنسيًّا كما يصرف لفظ الخجل في اللغة العربية، وأن يقول قائلهم لمن يأتي الأمر العظيم: ألا تشعر بالساندوتش؟ كما يقول القائل العربي لمن يأتي الأمر العظيم: ألا تشعر بالخجل؟
وهنالك، وهنالك ليس غير، أحس هؤلاء الأساتذة الثلاثة من أساتذة الجامعة، بأن من الممكن أن تصبح كلمة الساندوتش الأجنبية مرادفة لكلمة الخجل في اللغة العربية.
ولكن ماذا عسى أن ينفع هذا الإحساس بعد أن التُهم الساندوتش التهامًا وازدُردت الفطائر ازدرادًا ومُسحت مائدة الداعي مسحًا، ولم يبقَ عليها إلا أطباق فارغة وفناجين نقية وأباريق قد خلت من كل شيء إلا من بقايا الشاي؟!
وقد تقول حين تصل إلى هذا الموضع من هذا الفصل: ما قيمة هذا الحديث؟ وما نفع هذا القصص؟ وما فائدة هذه الدعابة؟ معذرة يا سيدي القارئ العزيز، أتستطيع أن تُنبئني عن قيمة اختلاف نوابنا المحترمين في رياسة مجلس النواب وفي عضوية مكتب مجلس النواب في هذه الأيام حين تحاول ألمانيا هدم الإمبراطورية البريطانية فلا تستطيع، وحين تحاول إيطاليا سحق الدولة اليونانية فلا تستطيع؟ معذرة يا سيدي القارئ، لماذا تقبل أن تحدثك الأهرام والمصري في الصباح وأن يحدثك البلاغ والوفد والمقطم في المساء باختلاف نوابنا المحترمين في رياسة مجلس النواب ومكتب مجلس النواب، ولا تقبل أن أحدثك أنا عن زيارتي لبيت أسيدورا وشهودي لمجلس الذكر وإسراف ثلاثة من أساتذة الجامعة وأسرهم على ساندوتش كريم من كرماء أسيوط؟ أتشعر بأن هنالك فرقًا بين دعابة الأفراد ودعابة الأمم؟ إن العالم يمثل في هذه الأيام مأساة تمزق القلوب وتفطر الأكباد، وقد يكون لها أعمق الآثار في حياته المقبلة، والأمة المصرية تعبث فيتنافس نوابها فيمن يكون الرئيس، وفيمن يتألف منهم مكتب المجلس، فلمَ تقبل منهم هذا العبث ولا تقبل مني أن أقص عليك زيارتي لصديقتي العزيزة أسيدورا وشهودي لمجلس الذكر في تونة الجبل وتهالك أصحابي وأسرهم وأسرتي معهم على ذلك الساندوتش الذي أؤكد لك أنه كان لذيذًا متقنًا حقًّا؟
إنما الحياة الدنيا لعب ولهو، فلنلعب ولنله يا صديقي القارئ العزيز، ولنترك الجد لأصحاب الجد من الأوربيين، ومن يدري؟ لعلهم أن يكونوا مخطئين فيما يصطنعون من جد، ولعلنا أن نكون مصيبين فيما نصطنع من دعابة وهزل.