الحب فوق هضبة الهرم
-
«نور القمر»، وهي النصُّ الأطول.
-
«أهل القمة» تحولت إلى فيلم بالعنوان نفسه، إخراج علي بدرخان عام ١٩٨١م.
-
«السماء السابعة».
-
«الحب فوق هضبة الهرم»، أخرجها عاطف الطيب عام ١٩٨٦م.
-
«صاحب الصورة»، تحولت إلى فيلم تليفزيوني.
-
«الرجل الآخر».
-
«الحوادث المثيرة».
لم يكُن علي في الفيلم ذلك الشخص البهيميَّ الراغب في النساء مثل قرينه في الرواية، الذي يصرخ منذ الحرف الأول: «أريد امرأة، أيَّة امرأة.» بل إن علي الفيلم، لم يبحث قطُّ عن امرأة، ولا حتى زميلته التي كانت أول مَن طلبت منه مشاركتها المشروب، وهي الفتاة المتحفِّظة التي صُدمت في خِطبة سابقة، لكنها استبعدت كل الحذر في تجربتها الثانية، بواقع أنها وجدت زميلها «علي»، ورأت أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وأن عليها أن تمشي في المغامرة قدر الإمكان.
ويقول الراوية بعد عدَّة أسطر: «المسألة أنني ما إن ختمت حياتي المدرسية حتى التحقت بالوظيفة، ومن ثَم خبرت الفراغ والبطالة، بعد ذلك تضخمت همومي الشخصية، استأثرت بوعيي كله.»
عن تساؤله: «مَن أنا؟» جاءت إجابة علي عبد الستار، ببيانات أقرب إلى ما نقرأه في بطاقات الهوية، ٢٦ سنة، ليسانس حقوق، ولدت مع الثورة، ناهزت الحلم عام ١٩٦٧م المشئوم، نلت ليسانس الحقوق عام ١٩٧٤م، وهي كلها معلومات تقديرية، لم نعرف منها أيَّ معلومات عن علاقاته الأُسرية أو العاطفية. وإن كان كل شيء يبدأ بتعيينه في العلاقات العامة، سيبقى بلا مكتب حتى تتمَّ مراجعة المخازن، ويقول المدير مداعبًا: «لماذا لا يسمحون للموظفين الجدُد بالبقاء في بيوتهم مع الاحتفاظ لهم بحقوقهم في العلاوات والترقيات؟»
وقد وصف نجيب محفوظ عالم الموظفين الشباب في النصف الثاني من السبعينيَّات كأنه كان واحدًا منهم، أو كأنما قرأ عنهم جيدًا، أو استمع إليهم بصدق، وإن لم يُشر إلى أن علي عبد الستار حصل على الإعفاء من التجنيد؛ لأنه وحيد أُسرته.
أما الفيلم الذي دارت أحداثه عام ١٩٨٦م فإن الأمر لم يكُن قد تغيَّر كثيرًا، بل إننا نكتب هذه الدراسة عام ٢٠١١م دون أن نرى إلا الأمور تزداد سوءً.
قال محفوظ ما لديه عن الشابِّ في كلماتٍ تلغرافية محدَّدة، تحدَّث عن أُسرته الدافئة التي تعبق بعطر الدين والقيم: «ولما انبثق الجنس استطعت أن أروضه بالخُلق والعمل والأدب، أمَّا في عصر الفراغ فقد انفرد بي.»
إنه يراقب أقرانه العاطلين، هناك من زملائه امرأتان كهلتان متزوجتان.
تعلَّم علي عبد الستار كيف يتسلل إلى شارع قصر النيل مع الضحى، تعلَّم الصعلكة، فهي مسلِّية ومفيدة، وهو يعدِّد مآثر هذه الصعلكة كأنه وجد نفسه فيها، وعلى عكس رواياته الأولى فإن مشهدًا سينمائيًّا واحدًا يمكنه أن يعبِّر عن فصلٍ بأكمله، فإن المشاهد السينمائية هنا تعجز أن تعبِّر عن حالته، مثل قوله: «الطريق يعاني من أزمة جنسية مثل أزمتي، إنه يفتقد الشرعية والحرية والإشباع.»
وقد بدا علي في الفيلم مليئًا بالفراغ، لكنه لم يكُن ذا تجارب عاطفية أو جنسية، ولم نحسَّ بأيِّ شبق من ناحيته سوى رغبته في الحصول على حقِّه الشرعيِّ من الجنس عقب عَقد قِرانه على رجاء.
لم يهتمَّ الفيلم قطُّ بتجربة الموت عند الشابِّ حين كادت أن تصدمه سيارة، «وهكذا انتهت الحياة في غمضة عين»، هذا الشابُّ استخدم تعبير «جنس» كثيرًا في الفصل «٢»، حيث سيصبح همَّه الرئيس، بل إن الأفكار انتابته أن يجرِّب النوم مع عاهرات، إلا أن الأسعار العالية وحدها هي التي جعلته يتراجع.
الكاتب يردُّ على الشابِّ المكبوت اقتصاديًّا وجنسيًّا بكلام نظريٍّ، ليس فيه حلٌّ لمشكلة أزلية لملايين الشباب، في أيامه، وأيام الفيلم، وأيامنا؛ حيث يرى الصحفيَّ أن الحلَّ يتمثل في العمل السياسيِّ من أجل تغيير المجتمع، ويردِّد علي ساخرًا: «عليَّ أن أنتظر حلًّا لمشكلتي.» يجيء مع القرن القادم دون أن يدري أن المشكلة تفاقمت إلى عشرات الأضعاف في هذا القرن الذي قدم بالفعل.
في الفيلم سرعان ما سيدور الحوار بين الزميلين، وقد حدث هذا في الفصل «٦» من الرواية، ونفهم أن الفتاة ابنة عصرها، من جيل التليفزيون، لا تحبُّ القراءة إلا نادرًا، تستغرب حياة الموظفين في البداية، ثُم لا تلبث أن تلبي دعوته للتسكُّع، تأتي إليه ليتسكَّعا، ويجلسان في كافتريا كان يجلس بها نجيب محفوظ في هذه الفترة بالتحرير.
مثلما أشرنا سابقًا أن محفوظ في هذه النصوص كان يكتب الرواية أقرب إلى السيناريو السينمائي، لذا فإن كاتب السيناريو لم يبذل أيَّ جهد في تقطيع المَشاهد، وكل ما يحدُث أمامنا أن مشهدًا قد يسبق فصلًا في الرواية، لكن حتى الحوار نفسه يبدو كأنما المؤلِّف قد كتبه.
لم يتغيَّر شيء، فكأنما نتحدث عن الاثنين معًا، كأنهما وحدتان في واحدة، ابتداءً من التسكُّع، ثُم العثور على مكان للجلوس، وأيضًا وظيفة الأب، ويبدو محفوظ هنا كاتبًا للحوار الطويل فيما يشبه المسلسل الإذاعيِّ أو المسرحيِّ (راجع الفصل «٧» من الرواية).
كما أشرنا فإن رجاء تعذبت في خِطبة سابقة استمرت عامين، أمَّا في الرواية فهي فتاة عاقلة تبحث عن زوجٍ مناسب، إنه حقٌّ مشروع ورغبة نبيلة، إنها عقلانيَّة تمامًا، لم تجرب الحبَّ أيضًا أو هذا ما أظن. في الرواية فإن كلمات الصحفيِّ ستظل عالقةً بذهن الراوية، أمَّا الفيلم فإنه يبدو كأنه نساه، إلى أن يراه مصادفةً أثناء أزمة الانفصال عن رجاء.
وقد وضع محفوظ النصَّ جاهزًا أمام كاتب السيناريو، خاصةً شخصية السبَّاك الذي سيخطب نهى، وسوف يتزوج بها، وقد أعطاه السيناريو صفاتٍ ملائكيةً لابن البلد الشهم القديم الذي يبدو سوقيًّا، لكنه لا يخلو من «النُّبل والكرم»، سواءً وهو يستقبل أُسرة زوجته، أو وهو يساند علي في محنته فيما بعد، فالفتاة الجامعية سوف تتزوج من سبَّاك لديه سيارة، وقد قضى أبوه خمس سنوات في الخليج، أمَّا علي فإنه يجلس في الرواية مع حبيبته، زميلته، في الأمريكيين، وهو مكان ترتفع أسعاره عن مستوى الموظف الصغير، أمَّا المحلُّ الذي يجلسان فيه في الفيلم فهو في مقدور الموظفين الصغار.
من المهمِّ الوقوف عند الشكل الحواري الذي صاغه نجيب محفوظ في هذه النصوص بالذات، هذا الحوار لو تمَّ تحويله إلى سيناريو سينمائي، لصرنا تقريبًا أمام نصٍّ إذاعيٍّ، مثل الحوار البديع الذي دار بين الشابِّ وزميلته في الفصل «١٠»، والذي انتهى بأن عليهما إعلان خطبتهما، وقد تكرر مثل هذا الحوار في الفصول التالية، إلى أن يذهب علي لخِطبة الفتاة.
وجد مصطفى محرم نفسه إذَن أمام نصٍّ صغير، فأضاف الشخصيات والأحداث، وتحوَّل القسم الرابع الأخير من الفيلم بمثابة محاولة للبحث عن مكان لممارسة الحبِّ الشرعي، والشابُّ في الرواية يقول إنه تابع بإعجابٍ مغامرات الإرهابيين في الصُّحف، «إنهم يتفجرون في أركان البلد معلنين عن نبض جنين ينمو في رحم الغيب.» ومثل هذه العبارات غير موجودة في الفيلم، أيْ إن الكاتب التزم بالنصِّ من ناحية، وأضاف المحاولات العديدة لمضاجعتها، فذهبا إلى بنسيون مقابل ثلاثين جنيهًا في الليلة، كأنها رفيقة أو عاهرة، باعتبار أن قسيمة الزواج لم تُستخرج بعد، وهناك تشابه واضح في المشهد الذي يستدعي فيه المدير العام «علي» لمراجعته في مسألة ذهابه مع رجاء إلى فندق العشِّ الجميل «إني مضطرٌّ إلى إعلان زواجكما.» وقد التزم السيناريست بالنصِّ الأدبيِّ هنا التزامًا حرفيًّا، إلا أنه أضاف أحداثًا أخرى في نهاية الرواية، ففي الرواية يذهب الاثنان إلى الهرم لممارسة الحب، «وأطلت علينا القرون من فوق الهرم وهي تضرب كفًّا بكف.» لذا جاءت نهاية الرواية من مخيِّلة مصطفى محرم على النحو التالي:
وسط الظلام، وبينما علي وزوجته يتبادلان القبلات، تقوم شرطة الآداب بمداهمة المكان، ويتمُّ القبض على العشاق، ومن بينهم علي وزوجته، ويُساق المقبوض عليهم إلى قسم شرطة الهرم.
في قسم الشرطة توجَّه التهمة إلى الزوجين أنهما مارسا فعلًا فاضحًا، ليتمَّ استدعاء الأبوين من طرف علي وزوجته، لأول مرَّة يبدو وكيل الوزارة حريصًا ألا تمسَّ الفضيحة ابنته، يحاول الضابط مساندة علي، وعمل ما يشبه المصالحة، إلا أن «علي» يرفض ويصرُّ على أن يأخذ التحقيق مجراه.
في اليوم التالي علي وزوجته يصعدان إلى عربة الترحيلات للعرض على النيابة، تقف الأُسرتان تنظران في حسرةٍ إليهما.
في داخل العربة المظلمة، يمسك علي بيد زوجته بحنانٍ ملحوظ، وتركز الكاميرا على شكل الشارع، ويتم تثبيت الكادر.