نور العيون
في الكابوس تغيرت أماكن المجالسة بين الرجلين، وقد تغيَّر موقفه، وأخبره أن ينسى كل شيء، وأنه زار ابنه وأخبره أن يدع مسألة قتل حندس جانبًا، تبدو الزوجة مندهشة، ويخبرها أنه يوم دفن حسونة فإن زوجته وضعت طفله فوق القبر، ونذرت إن عاش الطفل أن يكون مقتل حندس على يديه.
وفي ليلة شديدة الظلام يخرج حندس ورجاله، ويصعدون إلى البيت المُحاط بالخرائب ومعهم الشيخ، ووسط حذرٍ انطلقت صرخة من حلقه كالعواء، وإذا بجسم حندس يتهاوى على الأرض، لقد قُتل وسط رجاله.
لم يشعر رجاله من قبلُ بعجزٍ مهينٍ كهذا العجز، فهم لم يرفعوا نبوتًا ولا سلُّوا خنجرًا ولا قذفوا طوبة، ولم يكُن هناك منزل، بل ضريح وليٍّ في خلاء تشتعل في كوَّة بجداره شمعتان، ولم يشعر أحد بالقاتل عند تسلُّله ولا عند انفلاته.
هذه الأقصوصة التي تقع في صفحات قليلة تنتمي إلى نوعية القصص التي كتبها محفوظ في تلك الآونة، مبهمة النهاية، تترك للقارئ أن يفسِّر الحدث كما يشاء، فلا أحد يدري هل هو حُلم أم واقع، ومَن يكون القاتل، وكيف قتل، وما هو دور الشيخ الضرير، هل تواطأ مع الابن وجرجر القاتل إلى تلك المنطقة من الخواء كي يتمَّ التخلُّص من حندس؟ وهناك عشرات الأسئلة حول هذه القصة القصيرة وملابسات الأحداث فيها، ونهايتها ومصائر الأشخاص.
الشيء الذي يجمع بين الفيلم والنصِّ الأدبيِّ هنا أن ابن القتيل يسعى لقتل الطاغية القاتل، مهما مرَّت السنون، وأنه منذور لهذا العمل، وفي النصِّ الأدبيِّ لم نرَ الابن، وكانت المفاجأة في الفيلم أن المنذور بالانتقام للأب هو فتاةٌ ليس ذكرًا.
هذه البداية في الفيلم موجودة بوضوح في النصِّ الأدبيِّ، نعرفها على لسان حندس وهو يذكِّر زوجته بما حدث.
المشهد التالي نعرف أن زوجة دعبس أنكرت أنها تعرف أيَّ شيء عن قاتل زوجها، وفي حوار بين دعبس ورجاله نعرف أن زنوبة هربت من الحارة.
عندما تنزل عناوين الفيلم يُكتب أمام اسم محفوظ «عملاق الأدب العربيِّ والعالمي» بما يعني أن الحظر على اسمه قد أُلغي، وكان قد حصل على جائزة نوبل في الأدب قبل ثلاث سنوات.
يظهر الشيخ دريري في الفيلم، مثلما هو موجود في النصِّ الأدبيِّ، هو ضرير، يستند على طفلٍ صغير، ويذهب لزيارة دعبس الذي صار من كبار رجال الصناعة، خاصةً في مجال السجاد والكليم، وعادةً ما يمنح دعبس للشيخ مبلغًا من المال. يدور حديث دينيٌّ بين الرجلين، يتضح فيه مدى إيمان دعبس الذي يقرر عدم طبع أسماء الله الحسنى على السجاد، كما يبدو دعبس رجلَ خيرٍ وهو يمنح مبالغ إضافية للعاملات عنده.
ونعرف فيما بعد أن دعبس يتخذ من العاملات عنده خليلات، وأنه يأخذهن في سيارته إلى منطقة المقابر، حيث يخرج له شبح حسونة الذي يطعنه ويدفنه حيًّا في المقابر، ويكتشف أن الأمر كابوس يطارده.
وعندما يتحدث دعبس إلى الشيخ درديري يحذِّره أن هذا الحلم قد يتحقَّق، وأن عليه أن يحذر ذريته؛ أيْ إن وحيد حامد قد أخذ الجوَّ العام من الأقصوصة في بداية الفيلم، حيث يطلب دعبس، ويطلب من رجاله البحث عن ابن حسونة الطرابيشي، ويبدأ البحث عن أصول العمال الذكور الذين يعملون في مؤسسته.
تأتي الأخبار عن محسن إلى دعبس، وينصحه أحد رجاله أن محسن سوف يأتي إليه بنفسه، أمَّا محسن فإنه يحجز غرفة له بمناسبة خروج امرأته من السجن، ونعرف من الأحداث أن شقيق نور يشعر بالعار من استقبالها، ويقرر السفر خارج البلاد، امتلأ الفيلم بالرقصات باعتبار أننا أمام راقصة تقوم بالبطولة، ولكن ما يهمُّني هنا هو المقارنة بين النصِّ الأدبيِّ والفيلم السينمائيِّ، فالزوج يستقبل امرأته في القسم، ويذهب بها إلى الفندق، ويقدِّم لها حقيبة مليئة بالملابس الجديدة الأنيقة، وتبدو نور كأنها غير راغبة في الحياة معه، فهي تطلب منه الطلاق بعد أن تدرك أن زوجها سوف يقدِّمها للرجل الذي اشترى الملابس وزجاجة الشمبانيا.
وبعد أن يتمَّ الطلاق تعود نور إلى بيتها القديم، ونراها تقيم في منطقة المقابر، كما أقام الابن الغامض في النصِّ الأدبيِّ، ويكشف السيناريو أن الغرفة التي تقيم فيها إلى جوار غرفة يسكن فيها الشيخ الدرديري الذي تناديه «آبا» أحيانًا و«سيدنا» أحيانًا أخرى، تخبره أن زوجها كان وراء سجنها، وأن أخاها تخلَّى عنها.
يدفع محسن البنات للبحث عن نور، بينما ينجح الشيخ درديري في أن يعثر على وظيفة لنور في مصنع دعبس الذي يراها كأنثى من النظرة الأولى، فيرمي شِباكه حولها ويعطيها مرتبًا طيبًا، ومكافأةً خاصة عندما يكسب قضية الضرائب.
في الليل يأخذها معه في سيارته، ويدعوها إلى عشاء في الفيوم، ويسعى للمبيت في المدينة، ويدخل عليها في غرفتها المجاورة وهي تستحمُّ، ويخبرها أنه دبَّر كل ذلك، وترفضه بحزم «البسي هدومك، ح نسافر دلوقتي.»
يصرُّ دعبس على الحصول على نور، خاصةً حين يعرف من درديري أنها خريجة السجن، يقول لها بكل طيبة: «مش ح أبوظ التوبة عليكي.»
يظهر محسن في حيات زوجته السابقة، ويطلب منها خدمات من خلال علاقاتها مع رجال عديدين، ويهدِّدها.
في الرواية لم ينجب حندس أبناءً، أمَّا دعبس فإنه يطرد ابنه من المنزل، بعد أن يحذِّره ابنه من تبذير أمواله مع الراقصة، ويقرر أن يمتع حياته مع نور العيون، فيشتري لها الشقق الفاخرة، وتصبح خليلته. وفي إحدى الحفلات يتواجد محسن ويصفق بحرارة، ثُم يدور حوار غاضب مع نور، ويعرف أن هذا هو الرجل الموعود بأن يقتله، فيسبق هو ويطلق عليه النيران، ويعترف له قبل أن يصير زوجها بما ارتكبه من قتل، والكابوس الذي يأتيه من وقتٍ لآخر، وأنه تخلَّص من آخر أعدائه، محسن الطرابيشي، ويخبرها أنه بدأ يحسُّ بالأمان، تخبره أنها محرَّمة عليه، وأنها ابنة حسونة الطرابيشي، وأن ابن حسونة هو شقيقها الذي سافر إلى الكويت، ولم يشأ الانتقام، لو كان حسونة لم يمُت ما عانت في حياتها، وأنها قد دبَّرت كل شيء للانتقام، وتخبره أن الشيخ درديري كان زوجًا لأمِّها بعد مصرع أبيها، وتفتح باب الشقَّة كي يدخل رجال الشُّرطة ويقبضوا عليه.