زقاق المدق
لعلها الرواية الوحيدة في أعمال نجيب
محفوظ التي يبدأ فيها الحديث عن طبيعة المكان، قبل أن يوغل
بنا في عالَم الشخصيات؛ حيث إنه من المعتاد في أعماله أن يُدخلنا إلى
الأشخاص الذين يعيشون في المكان، ومن خلال علاقة كل شخصية نستطيع
التعرُّف على طبيعة المكان، لكن في رواية «زقاق
المدق» تحدَّث الكاتب أنه كان من تُحف العهود الغابرة، وأنه
تألَّق يومًا في تاريخ قاهرة المُعزِّ كالكوكب الدُّريِّ «أيَّ قاهرةٍ
أعني؟ الفاطمية؟ المماليك؟ السلاطين؟ عِلْم ذلك عند الله وعند علماء
الآثار.» ويختم المؤلِّف كلامه قائلًا: «ومع أن هذا الزقاق يكاد يعيش
في شِبه عزلة عمَّا يحدِّق به من مسارب الدنيا، إلا أنه على رغم ذلك
يضجُّ بحياته الخاصة؛ حياة تتصل في أعماقها بجذور الحياة الشاملة،
وتحتفظ — إلى ذلك — بقدْرٍ من أسرار العالَم المُنطوي.»
وهذه البداية، لا يمكن أن تتحوَّل بالطبع إلى مقدِّمة في فيلم
سينمائي، أمَّا الكاتب فإنه يظل أسيرًا لتعريف القارئ بالمكان بشكل
تقليدي في كتابات محفوظ؛ حيث يميل إلى وصف المكان عندما تغيب شمس
النهار عنه، لنتعرَّف على أهمِّ مكانين في الزقاق؛ صالون عباس الحلو،
ودكَّان عم كامل بائع البسبوسة، ثُم يتحدث كالعادة عن أصحاب المكانين
قبل أن يدخل في الحدوتة.
أمَّا الفيلم، فإنه يبدأ من المشاهد الأولى في تصوُّر مشاهد غير
محددةٍ لمظاهر الحياة في حارة شعبية، ومنها رجل يدقُّ هاونًا كبيرًا،
ورقص ديني على إيقاع الدُّفوف، ثُم نرى الشخصيات البارزة في الفيلم
ابتداءً من الحلاق عباس الحلو،
والشيخ درويش، والمعلم كرشة، ثُم حميدة
تقف من خلف النافذة، وشخص يصرخ، ثُم معركة تنشب مع جندي بريطاني حاول
مهاجمة حميدة في ساعة متأخرة من الليل، وسؤال من عباس الحلو: «إيه اللي
طلعك من البيت دلوقتي؟» مما يعني ما تتمتع به حميدة التي لن تتوقف طوال
الأحداث عن التقصُّع، حتى يُدخلها فرج إلى عالَم الليل.
أمَّا المكان الرئيسي في الفيلم فهو قهوة المعلم كرشة، وملامحها،
والأشخاص الذين يمثِّلون عالمها، مثل سنقر
القهوجي «عبد المنعم إبراهيم» الذي يتحرك بين عدَّة زبائن
لنتعرَّف عليهم، ومنهم حسين ابن
المعلم كرشة، وعباس الحلو، وحديثهم حول أهمية العمل بالأرنس، أو المعسكر الإنجليزي.
في الرواية، وفي الصفحات الأولى، يُدخلنا المؤلِّف إلى سُكَّان
الزقاق الواحد تلو الآخر، ويصفهم لنا كلما أدخلنا إلى أحدهم، خاصةً
المكان الثالث الموجود في الزقاق، وهو مقهى المعلم كرشة، ابتداءً من
سنقر صبي القهوجي وشاعر الربابة، ثُم الدكتور
برشتي الذي يرتدي الجلباب والطاقية والقبقاب، وهو دكتور
أسنان لم يتخرَّج في أيِّ جامعة، ثُم المعلم حيث تدبُّ الحياة في
المكان بعد غياب الشمس، ونتعرَّف كذلك على عدد كبير من الشخصيات التي
لها علاقة بالمكان، مثل الشيخ درويش، والحلو، وعم كامل، وقد بدا الفيلم كأنه ملتزم بتقديم كافة هذه
الشخصيات المرتبطة بالزقاق الضيِّق، حتى يأتي حسين كرشة ابن صاحب المقهى، عائدًا من الأرنس أو المعسكر البريطاني.
واستمر الكاتب يستعرض بانوراما المكان وأشخاصه قبل أن يبدأ في حَكْي
قصة كلٍّ منهم على حدة، أو من خلال علاقاته بالآخرين.
الشخصية الأولى التي قدمها المؤلِّف بتاريخها وسماتها هي الشيخ درويش
الذي كان مدرسًا في إحدى مدارس الأوقاف، بل كان مدرس لغة إنجليزية،
ومثل هذا التقديم بمثابة معلومات سوف نجدها في منتصف أحداث الفيلم من
خلال حوارٍ عابر.
أهمية النصِّ الأدبي أنه يقوم بتأصيل الشخصيات التي تسكن الزقاق، وهو
لا يحدث أبدًا في الفيلم، ابتداءً من الشيخ درويش الذي كتب محفوظ سيرته
في الفصل الأول، ثُم دخل إلى أمِّ حميدة التي وصفها الكاتب في الفصل التالي (هي أرقام وليست
فصولًا.) وهذه سمة يتميز بها الأدب عن السينما، فلا توجد جملة واحدة في
الفيلم تشير إلى تاريخ هذه المرأة الستينية، وهكذا مع شخصيات أخرى
أهملها الفيلم، مثل الست سنية. أمَّا
حميدة، فسوف نراها تقدِّم لنا
بانوراما للأشخاص الذين تراهم حين تطلُّ على الزقاق من نافذتها،
ابتداءً من حسنية الفرانة، وعم كامل،
وبقية مَن ذكرناهم.
حرص المؤلِّف على تقديم أشخاص طوال عشرات الصفحات، فيما قدَّمه
الفيلم في دقائق قصيرة، مثل لقاء حسين وعباس في حانوته، وكان كلما
اقترب من حدثٍ قدَّم للقارئ سيرته الشخصية. وتبدأ أحداث الرواية في
التدفُّق ابتداءً من هذا اللقاء الذي هو بداية أحداث الفيلم، حتى يتفرغ
الكاتب للحديث عن حميدة وأمانيِّها، وسماتها في الفصل «٥». إلى أن
تُفاجأ بعباس الحلو وراءها يتحدث إليها.
في الفيلم، بدأت أحداث أخرى، لم تُذكر في الفصول الأولى من الرواية؛
حيث رأينا مَن هو زيطة الذي سوف
يُنعم على شخص بنعمة فقدان البصر، إنه صانع العاهات، وسوف يحدث هذا في
الفصل «٧» من الرواية؛ علمًا بأنه في الفيلم صارت شخصية زيطة
ثانوية.
حرص الكاتب أن يقدِّم كل شخصية، حسب ترتيبه الخاص؛ فالفصل «٦»، مخصص
للمعلم كرشة، بما يعني أن الشخصية الرئيسة هي المكان، ينبثق منه
الأشخاص الذين يقدِّمهم لنا الكاتب، قائلًا مثلًا: إن المعلم كرشة عاش
عمره في أحضان الحياة الشاذة، حتى خالَ لطول تمرُّغه في ترابها أنها
الحياة الطبيعية. هو تاجر مخدِّرات اعتاد العمل تحت جُنح الظلام،
وبالطبع فالفيلم قد نزع هذه الصفة عن المعلم كرشة، وأكسبه بهجة وبساطة
وحنو. وقد أكسبه الفيلم صفة عشق الشباب، وذلك من خلال حواره مع بائع
شاب.
في الفصل «٧» انتقل محفوظ للحديث عن الفرن الذي تملكه المعلمة حسنية وزوجها جعدة، ثُم الخرابة التي يسكنها زيطة. وهنا يعرِّفنا النصُّ
على صانع العاهات، وحياته، وصفات الرجل في الرواية تختلف تمامًا عن
سمات توفيق الدقن؛ فهو جسد نحيل
أسود، وقد أسهب النص في وصفه، بينما ألغى الفيلم شخصية البوشطي
تمامًا.
في الفصل «٨» يسهب المؤلف في الحديث عن الوكالة التي يمتلكها السيِّد
سليم علوان، والذي رأيناه في الفيلم مجردًا من هذه الوكالة، هو شخص
عملاق عدلي كاسب تعبت منه الصحَّة
والمال من وفرتهما، ولكنه في الرواية «خبير في مهنته، قادر على النهوض
بأعبائها، ولم يكُن من حديثي النعمة الذين أنجبتهم الحرب»، وقد تحوَّل
إلى شخصية مسانِدة في الفيلم، رغم أن الرواية خصَّصت له فصلًا بأكمله،
وكان دائمًا متواجدًا في الأحداث، لا يظهر ويختفي فجأةً كما في الفيلم،
بل هو دائم التواجد، وقد وصفه الكاتب وصفًا طيبًا؛ فهو جوَّاد كريم،
وكان بيته كالقصور جمالًا وبناءً ونفاسةَ أثاث، وكثرةَ خدَم وحشَم،
ولعل ما كتبه محفوظ عنه يجُبُّ ما كتبه عن الشخصيات الأخرى، بمن فيهم
حميدة نفسها، أيْ إنه أخذ المساحة الأكبر من الاهتمام بالكتابة
عنه.
إذن في النصِّ السينمائي صارت الحدوتة الأساسية حدوتة حميدة التي
ضافت بالزقاق، فهربت من فقره، أمَّا الرواية فهي عن نماذج من الأشخاص
الذين يعيشون في جنباته، وعلى سبيل المثال فإن الفيلم أظهر أمَّ حسين
على أنها شجرة الدر، التي تَظهر بشكل باهت عند اللزوم، قبل خروج ابنها
من الزقاق، ثُم عودته متزوجًا فاشلًا، بعد إغلاق الأرنس، أمَّا الكاتب
فقد تحدَّث عنها وعن علاقتها بزوجها وابنها حسين، فهي تطلب زوجها
لمحادثته، وتطلب منه أن يتوب عن الحشيش تاجرًا ومتعاطيًا، وهناك إشارة
أنها تعرف نزواته الأخرى، ولمسها بشكل مباشر، وتحدِّثه عن الشابِّ
التاجر الذي يقدِّم له الشاي بنفسه كأنه عاد صبيًّا كسنقر. وقد دار
الحوار بين الزوجين واضحًا في الفصل «٩»، ويتركها المعلم كي تردِّد
مشيرة إلى الفتى، أتشفق عليه من طول الانتظار؟ سترى عاقبة فُجرك يا
داعر.
في الفصل «١٠» بدأت الحكاية في الرواية بعد أن قدَّم المؤلِّف
شخصياته، وخصَّص لكلٍّ منهم مساحة لا بأس بها من التعريف، وقد جمع
الفيلم كل هذا في مشاهد سريعة، فلم يُهمَّه سوى حكاية عباس وحميدة التي
بدأت في هذا الفصل، فعباس يخرج وراء حميدة بعيدًا عن الزقاق نحو شارع
الأزهر، فيتحدثان في شأن تحوُّله، إلى أن يلتحق بخدمة الجيش البريطاني،
وهذا الفصل منقول شِبه كامل إلى السينما دونًا عن بقيَّة فصول
الرواية.
أيْ إن النَّص السينمائي قد انتقى من الرواية ما يتعلق بحميدة وحدها،
ثُم يتجاهل شخصيات أخرى، فحتى الفصل «١١» فإن مساحة ما كتبه المؤلِّف
عن أمِّ حسين يزيد عمَّا كتبه حول حميدة، حيث ذهبت المرأة تشكو مجون
زوجها إلى السيد رضوان الحسيني، ثُم
يذهب هذا الأخير للقاء المعلم رضوان
ليحدِّثه في أمر سلوكه، ويعني هذا أن كاتب السيناريو قد أهمل فصولًا
كثيرة من الرواية، حيث تدور الفصول «١٢، ١٣» حول إصرار أمِّ حسين أن
يبتعد زوجها عن الشابِّ الذي تذهب إليه، فتضربه بعد أن قالت له: «أنا
ضرتك»، ثُم قيام المعلم كرشة بضربها، واشتعال مشاجرة بها كافة عبارات
أبناء الأحياء الشعبية من قواميس شتيمة. وتنتهي هذه الفصول بإشارة
الشيخ درويش إلى مسمَّيات هذه العلاقة.
هذا شرٌّ قديم يُسمُّونه في الإنجليزية
Homosexuality، ولكنه ليس
بالحب.
إذَن فالفيلم انتقى حكاية عباس الحلو وحميدة، ومسح فصولًا أخرى؛ لذا
فإن اسم الفيلم تغيَّر في بعض طبعاته إلى حميدة، وتوقف كاتب السيناريو
عند تطوُّر هذه العلاقة، ابتداءً من ذهاب المعلم كامل وعباس الحلو
لخِطبة حميدة، حاملين معهما صينية بسبوسة من عمل الرجل العجوز. وفي
النص الأدبي هناك إشارة أن عباس الحلو سوف يغيب عامًا أو عامين، وهي
أمور لم يرِد ذكرها في الفيلم، ثُم يغادر إلى المعسكر
البريطاني.
في الفصل «١٤» عادت أمُّ حسين للظهور مجددًا؛ مما يؤكد أنها البطلة
الموازية لشخصية حميدة، وذلك حين تواجه ابنها الراغب في مغادرة الزقاق
بحثًا عن وظيفة ورزق مختلف، ويشاركها في الموقف زوجها الذي يقف ضدَّ
رحيل الابن. وفي النَّص الأدبي تبدو الزوجة مليئة بالتسلُّط وقوة
الشخصية؛ فهي تقول لزوجها: «دعوتك لتعلِّقه لا لتشتمني.» أما المرأة في
الفيلم فهي سلبية تتقبل أن يشتمها، وأن يسخر منها، فهو يخاطب ابنه
قائلًا: ولماذا لا تتزوج بنت كلب كما فعل أبوك، فتردَّد: «الله يرحمك
يا أبي كنت فقيهًا وقورًا.»
ومثلما نسج السيناريو شخصية أمِّ حسين، فعل الأمر نفسه مع الست سنية عفيفي صاحبة الفرن، فتم إلغاء الفصل
الذي ذهبت فيه أمُّ حميدة إلى بيت سنية كي تعلن لها عن وجود عريس
سيتقدم لها، وتعدد لها صفاته، أما في الفصل «١٦» ففيه يأتي شحَّاذ غير
موفق إلى زيطة كي يبحث له عن عاهة تزيد من رزقه في الشِّحاذة، وقد وصف
الكاتب في إبداعٍ هو الفريد من نوعه عالَم صانع العاهات من خلال حوار
طويل.
ومثلما اختارت أمُّ حميدة عريسًا للست سنية عفيفي، فإنها فيما بعد
اختارت ابنتها بالتبنِّي حميدة لتكون عروسًا للسيِّد سليم علوان. ثُم
تبدأ الرواية بدايةً ثانية في الفصل «١٩» بحفلات انتخابية، وظهور
القواد فرج في حياة حميدة.
بظهور فرج بدأ الخروج بشكل رسمي من زقاق المدق، فالرواية التي لم تصف
كيف عاش الحلو في الأرنس، بينما قام كاتب السيناريو بكتابة بعض المشاهد
التي تصوِّر حياة عباس في المعسكر.
إذن ففرج هو الذي سيقوم بإخراج حميدة من الزقاق، وعليه فإن الرواية
ستجد لها أماكن جديدة، مثلما حدث في الفيلم؛ حيث إن المكان الأبعد في
الفيلم والرواية كان هو شارع الأزهر الذي خرجت إليه حميدة يتبعها الحلو
كي يسألها الخِطبة.
لم يكُن الخروج إلا تدريجيًّا، بدأ بذهابه وراءها، ثُم بقراره عدم
العودة إلى القهوة حتى لا يثير الشبهات، وقد صوَّرت الرواية والفيلم
حميدة على أنها على أتمِّ الاستعداد لهجر هذا الزقاق، لكنها لم تسلم
جسدها بسهولة إلا بعد أن استخدم فرج كافة أساليب إغوائها، وبدا في
البداية بمثابة الذئب الجنتلمان الذي يعرف متى سينقضُّ على فريسته. وقد
بدا كاتب السيناريو كأنه لا يستطيع أن يتجاوز حلاوة الحوار عند
المؤلِّف، فاستخدم نفس الجمل الحوارية بعد أن أكسبها المنطوق العامي،
وتبدو حميدة هنا ذات طبع حامٍ، ويبدو السيناريو ملتزمًا تمامًا بكل ما
جاء في النَّص.
فرج يتعامل بالمنطق الشعبي «اصبر على
الأرز»، وهو يقول لنفسه: مليحة بلا أدنى شك، وهيهات أن
يكذبني ظني؛ فهي موهوبة بالفطرة، هي عاهرة بالسليقة، وسوف تكون نادرة
المثال.
وبالخروج الأول لحميدة من الزقاق خرجت الرواية والفيلم أيضًا من
المكان الضيق إلى اتساعٍ أكبر: «وقطعت المدقَّ لآخر مرَّةٍ لا تنوي على
شيء، وسارت من الصنادقية إلى الغورية، ثُم انعطفت صوب السكة الجديدة،
وتقدَّمت في خطواتٍ متمهِّلة، وأرسلت بصرها بعد ترددٍ وإشفاق.»
وفي الوقت الذي خرجت فيه حميدة من الزقاق عاد إليه حسين ومعه زوجته
بعد فشله، لتعود الأضواء مرَّةً أخرى إلى أمِّ حسين، وبدا أن السيناريو
قد اختلق ذلك الحوار المليء بالتدفُّق بين الأب وابنه، الذي انتهى
بموافقته على أن يسكن ابنه وزوجته معه، أمَّا الأمُّ في الرواية فأول
شيء تخبر به ابنها هو اختفاء حميدة.
في الفصل «٢٦» كتب محفوظ عن العالَم الجديد لحميدة التي صار اسمها
تيتي، ووصف العالَم الجديد الذي ولجت إليه حميدة، ويكاد يكون تقاربًا
واضحًا بين الفيلم والرواية، حيث إن هذه تغيرت بدءًا من اختيار الملابس
وتعلُّم الإنجليزية لغة الجنود الذين يرتادون الحانوت، وأضاف السيناريو
شخصية شوشو العشيقة السابقة لفرج
التي جسدتها سامية جمال، بينما حسمت
الرواية النشاط غير القانوني لزيطة، فتم القبض عليه مع البوشي، إلى أن عاد عباس الحلو ومعه شبكة
حميدة، وصدمته في هروب حميدة، وقد ألغى السيناريو فصولًا أخرى مثل
الفصل «٢٩» الذي صدم فيه السيد علوان في هروب حميدة، لكنه توقف عند
اللقاء الأخير بين حسين وعباس، حيث خرجا إلى الحانة، وحين يخرجان منها
يلمح عباس عربة في ميدان الأوبرا عليها حميدة.
نجيب محفوظ حرص أن يموت عباس الحلو في المشاجرة الأخيرة في الحانة،
أما كاتب السيناريو، فقد حرص أن حميدة، الهاربة التي ذلت وصارت عاهرة،
هي التي تستحق الموت برصاصة طائشة، وقبل المشاجرة تبدو حميدة ضعيفة،
ثُم تتغيَّر نبرتها معه بعد يومين، فتطرده من الحانة، وتغضب؛ مما يثير
حميته، فيلقي في المكان ببعض زجاجات البيرة الفارغة على طول الحانة،
فتصيب الزجاجة وجه حميدة، ويُفجَّر الدم غزيرًا من أنفها وفمها وذقنها،
وامتزج بالأدهنة والمساحيق وسال على عنقها وفستانها، واختلط صراخها
بزئير السُّكارى والهائجين. وانقض عليه الغاضبون كالوحوش الكواسر،
وتطايرت اللكمات والركلات والزجاجات.
وفي الرواية فإن عباس الحلو يموت، أما في الفيلم فإن عباس الحلو سوف
يحمل المرأة إلى الزقاق؛ حيث ستموت بين أبناء عشيرتها الذين التفوا
حولها، ويؤمن الكاتب أن الحياة
ستستمر بعد رحيل عباس الحلو، حيث ستتحسن حالة حميدة، ويسافر الحاج
رضوان الحسيني، الذي لم يَظهر قطُّ في الفيلم، إلى الأقطار الحجازية،
ويعود وقد انتظرته مراسيم الاحتفال الشعبية المألوفة.