مطعم كثير الطلبات
كان هناك رجلان شابان يرتديان ملابس تشبه تمامًا ملابس العسكريين البريطانيين، يحملان بنادقَ لامعةً على أكتافهما، وفي أعقابهما يسير كلبان يشبهان الدِّبَبة البيضاء الكبيرة ويمشيان في الجبال؛ حيث كانت أوراق الشجر الجافة تُخشخِش تحت قدمَيهما. وكانا يتحدثان معًا أثناء سيرهما.
قال أحدهما: «لا بد من القول بأن هذا المكان مُوحشٌ حقًّا. فلا وجود لطير أو حيوان على مد البصر. أنا أتُوق بشدة لمطاردة أي شيء وإطلاق النار عليه: طاخ، طاخ! أي شيءٍ ما دام أنه يتحرك.»
قال الآخر: «نعم، كم سيكون من الممتع أن أصيب غزالًا أو ما شابه في خاصرته البنية الضاربة إلى الصفرة بطلقتَين! عندئذٍ، بإمكاني أن أراه يدور حول نفسه، ثم يسقُط على الأرض محدِثًا صوتًا مكتومًا.»
في الواقع، لقد توغَّل الشابان كثيرًا في الجبال. لقد توغَّلا بشدة، في حقيقة الأمر، حتى إن الصياد الماهر الذي كان يرافقهما كمرشدٍ لهما قد ضَلَّ الطريق واتجه نحو مكانٍ آخر. والأسوأ من ذلك، أن الغابة كانت مخيفةً جدًّا لدرجة أن الكلبَين الشبيهَين بالدِّبَبة قد أصيبا بالدوار، واستمَرَّا بالعُواء لفترةٍ وجيزة، ثم خرج الزَّبَد من فم كلٍّ منهما وفارقا الحياة.
قال أحد الشابَّين وهو يرفع رموش كلبه على نحوٍ عرَضي: «هل تعرف أن الكلب قد كلَّفَني ألفَين وأربعمائة قطعةٍ فضية؟»
قال الآخر وهو يميل برأسه بحزن إلى أحد الجانبَين: «أما كلبي فقد كلَّفَني ألفَين وثمانمائة قطعةٍ فضية».
ظهر على وجه الأول الشحوب.
وقال مُحدقًا في وجه الآخر: «أعتقد أنني سأرجع.»
فقال صديقه: «في الحقيقة، لقد بدأتُ أشعر قليلًا بالبرد والجوع؛ لذلك أعتقد أنني سأنضَم إليك.»
«إذَن دعنا نتوقف عما نقوم به. ما المشكلة في ذلك؟ وفي طريق عودتنا بإمكاننا أن نذهب إلى النُّزُل الذي كانا فيه بالأمس، ونشتري بعض طيور الطرائد لأخذها معنا إلى المنزل.»
«كان لديهم أيضًا أرانبُ برية، أليس كذلك؟ لذا، ليس من المهم كيف حدَث الأمر؛ فالنتيجة واحدةٌ في النهاية. حسنًا، لماذا لا نعود أدراجنا للمنزل إذَن؟»
لكن المشكلة أنه لم يعُد لديهما أدنى فكرة عن طريق العودة.
وفجأة، هبَّت عصفة ريح، فتحرَّك العشب، وأخذَت الأوراق بالحفيف والأشجار بالصرير والأنين.
قال أحدهما: «أنا جائع حقًّا. لديَّ شعورٌ مخيف بالجوع في داخلي منذ فترةٍ طويلة.»
قال الآخر: «وأنا كذلك. ليس لديَّ رغبةٌ في المشي لمسافةٍ أبعد.»
قال الأول: «أتمنى أن نجد شيئًا نأكله!»
كان عُشب البامباس يصدر حفيفًا من حولهما أثناء حديثهما.
عندها فقط، تصادف أن نظر أحدهما حوله، فلم يشاهد سوى مَبنًى جميل من الطوب. كان فوق مدخله لافتةٌ مكتوب عليها بأحرفٍ بارزة:
«مطعم بيت القطط البرية.»
قال أحدهما: «انظر! هذا ممتاز. هذا بالإضافة إلى أن المكان راقٍ. دعنا ندخله.»
قال الآخر: «من المضحك أن نجده في مكان كهذا. لكن أعتقد أن بمقدورنا الحصول على وجبة فيه، على أي حال.»
«بالطبع سنفعل، أيها المُغفَّل. برأيك ماذا تعني اللافتة؟»
«دعنا نجرِّب المكان. فأنا على وشك الانهيار من الجوع.»
دخلا قاعة المدخل، التي كانت فخمةً للغاية؛ إذ كانت مرصوفةً بالكامل بالبلاط الأبيض. كان هناك بابٌ زجاجي مكتوب عليه شيء بأحرفٍ ذهبية.
«من فضلكم ادخلوا. لا داعي للتردُّد ولو للحظة.»
تورَّدا من السعادة.
قال أحدهما: «انظر إلى ذلك! إن الأمور تسير دائمًا على ما يُرام في النهاية. كل شيء كان يسير على نحوٍ خاطئ طوال اليوم، لكن انظر كم نحن محظوظان الآن! إنهم يُخبروننا ألا نقلق بشأن الفاتورة!»
قال الآخر: «أرى أن الأمر كذلك بالفعل. هذا ما تعنيه عبارة «لا داعي للتردُّد ولو للحظة».»
فتحا الباب ودخلا. خلف الباب كان يُوجد رواق. كانت هناك لافتةٌ أخرى مكتوبة بحروفٍ ذهبية خلف الباب الزجاجي تقول:
«الزبائن الممتلئون والشباب مرحَّب بهم بنحوٍ خاص.»
شعر كلاهما بسعادةٍ غامرة عند قراءة ذلك.
قال أحدهما: «انظر، حسب ما تقول اللافتة، إننا مرحَّب بنا بنحوٍ خاص.»
قال الآخر: «لأننا نستوفي كلا الشرطَين!»
مشَيَا بخفة وحيويةٍ عبر الرواق حتى وصلا إلى بابٍ آخر كان هذه المرة مدهونًا باللون الأزرق الفاتح.
«يا له من مكانٍ غريب! أتساءل لماذا تُوجد كثير من الأبواب!»
«هذا هو النمط الروسي في البناء، بالطبع. إنه دائمًا كذلك في الأماكن الباردة أو في الجبال.»
كانا على وشْك فتح الباب عندما شاهدا لافتةً أعلاه مكتوبًا عليها بأحرفٍ صفراء:
«نأمل أن تُقدروا أن هذا مطعمٌ كثير الطلبات.»
قال أحدهما: «إنه مزدحم للغاية، أليس كذلك؟ في هذا المكان البعيد على الجبال؟!»
قال الآخر: «نعم بالطبع. عجبًا، حتى في العاصمة، يُوجد عددٌ قليل جدًّا من أفضل المطاعم في الشوارع الرئيسية، أليس كذلك؟»
أثناء حديثهما فتحا الباب. فوجدا لافتةً على الجانب الآخر تقول:
«يُوجد بالفعل كثير من الطلبات، لكن نأمل أن تكونوا صبورين.»
قال أحد الشابَّين وهو يقبض وجهه: «الآن ماذا يعني هذا؟»
«ممم … أعتقد أنها تعني أنهم مشغولون، وأنهم آسفون أنه سيمضي بعض الوقت قبل إعداد الطعام. أو شيء من هذا القبيل.»
«أعتقد ذلك أيضًا. أرغب في أن أجلس في غرفة في أسرع وقتٍ ممكن، ألا تريد أنت ذلك أيضًا؟»
«نعم، وأنا على استعداد لالتهام الطعام.»
لكن الوضع كان محبطًا للغاية؛ فقد كان هناك بابٌ آخر وقد عُلق على أحد جوانبه مرآةٌ تُوجد بالأسفل منها فرشاةٌ ذات يدٍ طويلة. وكانت تُوجد لافتةٌ على الباب مكتوبٌ عليها بأحرفٍ حمراء:
«على الزبائن تمشيط شعرهم، وتنظيف أحذيتهم من الوحل هنا.»
«صحيح وملائم جدًّا، أيضًا. بينما كنتُ في المدخل منذ قليل، كنتُ أعتقد أن هذا المكان مخصَّص للسكان المحليين فقط.»
«إنهم صارمون للغاية فيما يتعلق بآداب السلوك. أعتقد أنه لا بد أن بعض زبائنهم مهمُّون جدًّا.»
لذلك، مشَّط الشابان شعرهما بعناية، ونظفا حذاءَيهما من الوحل.
لكن ما إن وضَعا فرشاة الشعر على الرف المخصَّص لها حتى أصبحَت معالمُها غير واضحة، ثم اختفت، وعبَرَت جميع أنحاء الغرفة عَصْفة ريحٍ مفاجئة. أمسك الشابان أحدهما بالآخر، وفتحا الباب معًا، ثم دخلا الغرفة التالية. شعَر كلاهما بأنه إن لم يتَناوَلا في غضون وقتٍ قريب طعامًا ساخنًا فقد يحدُث تقريبًا أي شيء.
على الجانب الآخر من الباب كانت تُوجد لافتةٌ أخرى غير متوقعة تقول:
«من فضلكم، اتركوا بنادقكم وخراطيشكم هنا.»
بالفعل، كان هناك حاملُ بنادق أسودُ بالقرب من الباب.
قال أحد الشابَّين: «طبعًا. لن يتناول أحدٌ طعامه وهو يحمل بندقيته.»
قال الآخر: «بدأتُ أعتقد أن كل زبائنهم يجب أن يكونوا مهمِّين جدًّا.»
في الحال، نزَعا بندقيتَهما، وفكَّا حزامَيهما، ووضعوها على الحامل. الآن، كان هناك بابٌ آخر، بابٌ أسود كُتب عليه:
«لطفًا، اخلعوا قبَّعاتِكم، ومعاطفَكم، وأحذيتَكم.»
«ماذا عن ذلك … هل نخلعها؟»
«أعتقد أنه من الأفضل أن نفعل ذلك. لا بد أنهم مهمُّون للغاية، أولئك الذين يتناولون طعامهم في الغرف الخلفية.»
علَّق كلٌّ منهما قبَّعته ومعطفه على المِشجَب، ثم خلَعا حذاءَيهما، وعَبَرا الباب. على الجانب الآخر من الباب كانت تُوجد لافتةٌ تقول:
«من فضلكم اخلعوا دبابيس رابطات العنق، وأزرار الأكمام، والنظارات، والمَحافظ، وأي شيءٍ آخر يُوجد معدنٌ بداخله، على وجه الخصوص أي شيءٍ مدبَّب.»
بجانب الباب كانت تُوجد خزنةٌ سوداءُ جميلةٌ مفتوحة لوضع الأشياء فيها. حتى إنه كان يُوجد مفتاح لها.
«بالطبع! أتخيل أنهم يستخدمون الكهرباء في مرحلةٍ ما في الطبخ. لذلك فإن الأشياء المعدنية على وجه الخصوص تُشكِّل خطرًا، خاصةً الأشياء المدبَّبة. أعتقد أن هذا ما تعنيه العبارة.»
«أنا أعتقد ذلك أيضًا. أتساءل عما إذا كان ذلك يعني أيضًا أنه علينا دفع الفاتورة هنا عند الخروج؟»
«يبدو الأمر هكذا، أليس كذلك؟»
«بلى، لا بد أنه كذلك.»
خلعا نظارتَيهما وأزرار الأكمام وما إلى ذلك، ووضعاها في الخزنة وأغلقاها.
على مسافةٍ أبعد قليلًا، وصلا إلى بابٍ آخر يُوجد أمامه جرةٌ زجاجية. كُتبَ على الباب:
«رجاءً خذوا مرطِّب البشرة من الجرَّة، وادهنوا به وجوهَكم وأيديَكم وأقدامَكم.»
«لماذا يريدون من الشخص استخدام المرطِّب؟»
«حسنًا، إذا كان الجو باردًا جدًّا في الخارج ودافئًا جدًّا في الداخل، فسوف يتشقق جلد المرء؛ لذلك هذا المرطب لمنع حدوث هذا. لا بد من القول إنه يبدو أنهم يستقبلون هنا أرقى الناس. على هذه الحال، قد نتحدَّث عما قريب مع أناسٍ من الطبقة الأرستقراطية!»
فرَكا وجهَيهما ويدَيهما ببعض المرطِّب من الجرَّة، ثم خلعا جوربَيهما، وفرَكا قدمَيهما أيضًا به. ومع ذلك، بقي هناك قليل منه؛ لذلك أكل كلاهما بعضَه خلسةً، متظاهرين بفَركِ وجهَيهما به.
بعد ذلك، فتحا الباب بسرعةٍ كبيرة، ليجدا فقط لافتةً على الجانب الآخر منه تقول:
«هل وضعتُم المرطِّب في كل مكان؟ حتى على آذانكم أيضًا؟»
كان يُوجد هنا جرةٌ أخرى أصغر من المرطِّب.
«بالطبع … لم أفرك أذنَيَّ بالمرطِّب. ربما تكونان قد تشقَّقتا. إن مالك هذا المكان هو حقًّا شخصٌ يهتم بكل التفاصيل.»
«نعم، لقد أخذ بعين الاعتبار كلَّ التفاصيل الصغيرة. بالمناسبة، كل ما أريده تناوُلُ شيءٍ ما، لكن لا يبدو أن ذلك مرجَّحٌ جدًّا بوجود كل هذه الأروقة التي لا نهاية لها، أليس كذلك؟»
إن الباب التالي كان أمامهما بالفعل، وكان يحمل رسالةً أخرى:
«ستكون الوجبة جاهزة قريبًا. لن تنتظروا أكثر من خمسَ عشرةَ دقيقة. في هذه الأثناء، اسكبوا بعضًا من هذا العطر فوق رءوسكم.»
وهناك أمام الباب، كانت تُوجد زجاجةٌ ذهبيةٌ لامعة مليئة بالعطر.
لسوء الحظ، عندما سكَبا بعضًا من العطر عليهما، اكتشفا بنحوٍ غريب أنه كان له رائحة الخل.
قال أحد الشابَّين: «هذا الشيء له رائحة الخل بقوة. ما المشكلة فيه بحسَب اعتقادك؟»
«لقد ارتكبوا خطأً ما. لا بد أن الخادمة قد أصيبَت بدَور بردٍ أو ما شابه ذلك، ووضعَت مادةً أخرى في الزجاجة.»
فتَحا الباب، وعبَرا خلاله. وفي الجانب الآخر منه كان مكتوبًا على لافتة بحروفٍ بارزة ما يأتي:
«لا بد أنه قد أصابكم التعب بسبب كل هذه الطلبات، أيها المساكين. هذا آخرُ طلب؛ لذلك رجاءً خذوا بعض الملح من القِدْر، وافركوا به جيدًا جميع أنحاء جسمكم.»
كانت تُوجد بالفعل ملَّاحةٌ جميلةٌ مصنوعة من الخزف الأزرق، لكن في هذه المرة، انزعج الشابان بشدة. أدارا وجهَيهما الملطَّخَين بالمرطِّب ونظر أحدهما إلى الآخر.
قال أحدهما: «لا أحب هذا الأمر.»
قال الآخر: «ولا أنا أيضًا.»
«كثير من الطلبات يعني أنهم يُعطوننا أوامر.»
«نعم … وأصبحتُ أعتقد أن ذلك المطعم ليس مكانًا لتقديم الطعام، بل مكان لطبخ الناس وتقديمهم كطعام. وذلك ﻳﻌ… ﻳﻌ… يعني أﻧ… أﻧ… أننا …»
بدأ يرتجف، ويرتعش لدرجة أنه لم يستطِع أن يُكمِل كلامه.
«إذَن إﻧ… إﻧ… إننا … يا إلهي!» بدأ الشاب الآخر أيضًا يرتجف ويرتعش؛ ولذلك لم يتمكن هو أيضًا من متابعة كلامه.
«دعنا نخرج.» دفع أحدهما وهو ما زال يرتجف من رأسه حتى أخمص قدمَيه الباب الذي يُوجد خلفه. لكن من الغريب أنه لم يتزحزح.
في الجانب الآخر، كان يُوجد بابٌ بفتحتَين كبيرتَين، منحوتٌ عليه سكينٌ وشوكة فضيَّتان. وهناك لافتةٌ عليه تقول:
«لطفٌ منكم أنكم هنا. هذا سيجعل الأمور على ما يُرام حقًّا. الآن نرجو منكم أن تدخُلوا.»
والأسوأ من ذلك، أن عينَين زرقاوَين كانتا تنظُران إليهما خلسةً من خلال ثُقب مفتاح الباب.
صرخ أحدهما وهو يرتعش ويرتجف: «يا إلهي!»
صرخ الآخر وهو يرتجف ويرتعش: «يا إلهي!»
وانفجَر كلاهما في البكاء.
بعد ذلك مباشرةً، سمعا أصواتًا تتحدث بهمسٍ عند الجانب الآخر من الباب.
«انظر … لقد أدركوا الأمر. لا يبدو أنهم سوف يفركُون أجسادهم بالملح.»
«وماذا تتوقع؟ إن الطريقة التي اتبَعَها الرئيس كانت بالكامل خاطئة — «أيها المساكين» وما شابه ذلك — غبية، هذا هو حال الأمر.»
«مَن يهتم؟ في كلتا الحالتَين، لن نحصل حتى على القَدْر الكافي من العِظام.»
«كم أنت على حق! لكن إذا لم يحضُرا إلى هنا، فنحن من سيقع اللوم عليه.»
«هل ندعوهما؟ نعم، دعنا نفعل ذلك. مرحبًا أيها السيدان! من هذا الطريق، أسرِعا … من هذا الطريق! لقد غُسلَت الصحون، ومُلحَت الخضراوات بنحوٍ جيد. كل ما تبقى هو أن نضعكما بنحوٍ منسَّق مع الخضراوات الورقية في بعض الأطباق الناصعة البياض. من هذا الطريق الآن، بسرعة.»
بدا الاضطراب الشديد على الشابَّين لدرجة أن وجهَيهما كانا شبيهَين بورق المُهمَلات المُجعَّد. حدَّق كلٌّ منهما في الآخر، وأخذا يرتعشان ويرتجفان ويبكيان بصمت.
كانت هناك ضحكاتٌ مكتومة قادمة من خلف الباب، ثم صاح صوت مرةً أخرى قائلًا: «من هذا الطريق، من هذا الطريق! كلما أجهشتُما بالبكاء هكذا، زول كل المرطِّب الذي دهنتُما فيه وجهَيكما. (نعم، سيدي، إنهما قادمان، سيدي. سوف نُحضِرهما خلال لحظات، سيدي.) هيَّا، أسرِعا!»
«نعم، أسرِعا! فالرئيس قد وضع منديل المائدة الخاص به، وأمسك بسكِّينته في يده وهو يلعَق شفتَيه، بانتظاركما.»
غير أن الشابَّين المُحترمَين أخذا يبكيان ويبكيان.
ثم، فجأة، سمعا نُباحًا وهريرًا قادمًا من ورائهما، وفجأةً اقتحم الغرفةَ الكلبان الشبيهان بالدِّبَبة البيضاء. وفي لَمْح البصر اختفت العينان من خلف ثقب مفتاح الباب. أخذ الكلبان يجريان في أنحاء الغرفة في دوائر، وهما يُزمجران، ثم علا نُباحهما مرةً أخرى، وألقيا بأنفسهما على الباب الآخر. انفتح الباب، وتلاشيا داخل الغرفة كما لو أنهما قد ابتُلعا. من خلف الظلام الدامس أتى صوت مُواءٍ وبصقٍ وهريرٍ عالٍ، ثم صوت خشخشة.
اختفت بعد ذلك الغرفة في سحابة من الدخان، ووجد الشابان أنفسهما يقفان على العُشب وهما يرتعشان ويرتجفان من البرد. جميع أشيائهم من معاطفَ وأحذيةٍ ومحافظَ ودبابيس ورابطات عنق كانت موجودةً بقربهما، مُعلَّقةً على الأغصان أو مرميةً وسط جذور الأشجار. هبَّت عصفةُ ريح، فتحرَّك العشب، وأخذَت الأوراق بالحفيف والأشجار بالصرير والأنين.
رجع الكلبان وهما يلهثان، وكان شخصٌ ما من خلفهما ينادي قائلًا: «أيها السيدان! أيها السيدان!»
قالا بصوتٍ عالٍ وقد استعادا معنوياتهما فجأةً: «مرحبًا! مرحبًا! نحن هنا. من هذا الطريق بسرعة!»
أسرع نحوَهما، مُحدِثًا جلبةً عَبْر العُشب، مرشدهما الصياد المُحترِف، بردائه المصنوع من القَش، فشعَرَا أخيرًا حقًّا بالأمان.
تناوَلا قطع الدامبلينج التي أحضَرَها لهما المرشد، ثم عادا إلى العاصمة، وفي طريقهما اشترَيا بعض طيور الطرائد.
لكن بالرغم من عودتهما إلى العاصمة، ونقع جسدَيهما لمدةٍ طويلة في الماء الساخن، فإن وجهَيهما اللذين تجعَّدا بالكامل كأوراق المهملات ما كانا ليعودا قط إلى حالتهما الطبيعية مرةً أخرى.