الجُرَذ الناكر للجميل
في الحيز الدامس الظلام لسقف منزلٍ قديم كان يعيش جُرَذ.
في أحد الأيام، كان الجُرَذ يمشي على طول مَمَر تحت الأرض، ناظرًا حوله أثناء سيره، عندما جاء ابن عِرس مندفعًا من الاتجاه الآخر وهو يحمل كثيرًا من الأشياء التي تبدو جيدة. عندما رأى الجُرَذ، توقف للحظة وقال في عجلة:
«مرحبًا، أيها الجُرَذ! إن كثيرًا من كرات السكَّر قد سقطَت من الفتحة الموجودة في الخزانة حيث تسكُن. إذا أسرعتَ فسوف تحصُل على البعض منها أيضًا.»
تمايلَت شوارب الجُرَذ من الفرح، وانطلق مباشرةً دون أن يشكر ابن عِرس. لكن عندما وصل إلى المكان أسفل الخزانة، شعر فجأةً بشيءٍ ينخزه في ساقه، وسمع صوتًا حادًّا رقيقًا يقول:
«توقَّف! من هناك؟»
نظر الجُرَذ إلى الأسفل في ذهول، ووجد أنها كانت نملة. كان جنود النمل قد أقاموا بالفعل سلسلة متاريس حول كُرات السكَّر، وكانوا يلوِّحون مهددين بفئوسهم القتالية السوداء. كان عشرون أو ثلاثون منهم مشغولين بتفتيت كُرات السكر أو إذابتها قبل أخذها إلى مكان سكنهم. فارتجَف الجُرَذ من الخوف.
أعلنَت نملة كانت برتبة رقيبٍ أول بصوتٍ هادر: «تراجَع! هذه منطقةٌ ممنوعٌ الدخول إليها. عُد إلى المنزل.»
استدار الجُرَذ واندفع مباشرةً راجعًا إلى المكان المظلم في السقف، حيث دخل جُحره، واستلقى ساكنًا لفترة من الوقت. كان منزعجًا بشدة. فلا يمكن عمل شيءٍ حيال النمل؛ لقد كانوا جنودًا في النهاية، وقساة. لكن ما أغضَبه كثيرًا هو أن يُخدع من قِبل ابن عِرسٍ الماكر؛ فقد كان مثارًا للغيظ، كما اعتقد الجُرَذ، أنه كان عليه أن يسير كل تلك المسافة إلى الخزانة ثم تُعيده نملة الرقيب الأول، فقط بسبب ما أخبره به ابن عِرسٍ من معلوماتٍ خاطئة. لذلك تسلل الجُرَذ من جُحره مرةً أخرى، وذهب إلى مكان إقامة ابن عِرسٍ خلف سقيفة الأخشاب.
عندما رأى الجُرَذ، قال ابن عِرسٍ الذي كان يطحن بعض الذرة بأسنانه:
«حسنًا؟ هل حصلتَ على أيٍّ من كُرات السكَّر؟»
«ابن عِرس … أعتقد أنها صادمة تلك الطريقة التي ضلَّلتَني بها.»
«ما الذي تقصده بكلمة «ضلَّلتَني»؟ لقد بقي بعضها، بالتأكيد.»
«أوه، هذا صحيح، لكن النمل كان قد وصلوا إليه بالفعل.»
«هل وصلوا إليه، الآن؟ إنهم سريعون إلى أبعد حد، هؤلاء النمل.»
«لقد أخذوا كل الكمية. عليك أن تُعطيني تعويضًا لتضليلك إياي. نعم، تعويضًا.»
«هذا ليس خطئي. كل ما في الأمر أنك تأخَّرتَ قليلًا.»
«لا علاقة لذلك. عليك ألا تجعل الناس يثقون بك، الناس الذين هم أضعفُ منك. أريد تعويضًا!»
«أنت شخصٌ غريب، أليس كذلك؟ … إذ تتعامل بنُكران جميل مع شخصٍ أسدى لك معروفًا. حسنًا. إذا أردتَ، فسوف أعطيك حصَّتي من كُرات السكَّر.»
«تعويض! تعويض!»
«هيا، خذها، إذَن. خذ ما يمكنك حملُه واخرج من هنا. لقد سئمتُ منك ومن تذمُّرك. خذ كل ما يمكنك حملُه واخرج.»
وفي حالة من الغضب الشديد، رمى ابن عِرس بكُرات السكَّر عليه. جمع الجُرَذ قَدْر استطاعته منها، وانحنى.
صاح ابن عِرسٍ بغضبٍ أشد: «اخرج! لا أريد ما تركتَه أيضًا. سوف أرمي به ليرقات الذباب.»
انطلق الجُرَذ مباشرةً راجعًا إلى جُحره في السقف، حيث أكل كُل كُرات السكَّر باستمتاع.
وهكذا، وجد الجُرَذ نفسه غير محبوب تدريجيًّا، وفي النهاية لم يعُد يُوجد أي شخص له علاقة به. لذلك، بسبب عدم وجود أي أحد يمكن أن يكون صديقًا جيدًا، بدأ بإنشاء علاقات مع الأعمدة، والجواريف المكسورة، والدِّلاء، والمقشَّات، وما شابه ذلك. كان صديقًا بنحوٍ خاص لأحد الأعمدة.
في أحد الأيام قال له العمود: «أيها الجُرَذ، سيحل الشتاء قريبًا. ونحن الأعمدة سوف نبدأ بالصرير من البرد قريبًا. عليك صُنع فراشٍ جيد لك قبل أن يتأخر الوقت. لحسن الحظ، يُوجد فوق رأسي كثير من الريش وغيره من الأشياء التي تركَتْها العصافير في الربيع. لماذا لا تُحضِر البعض منها وتأخذها إلى المنزل بينما الأمور على ما يُرام؟ ربما سأشعُر بقليلٍ من البرودة هناك حول رأسي، لكنني سأستطيع التعامل مع الأمر بطريقةٍ ما.»
وجد الجُرَذ أنها فكرةٌ معقولة؛ لذا في ذلك اليوم نفسه، ودون تأخير، شرَع في حَمل الفِراش إلى منزله. لكن ولسوء الحظ، كان يُوجد مُنحدرٌ شديد في الطريق، وفي الرحلة الثالثة سقط فجأةً عليه.
أصيب العمود بالذهول. فصاح باضطراب، منحنيًا في محاولة لرؤية ما حدث: «هل تأذَّيتَ أيها الجُرَذ؟ هل تأذَّيت؟»
بعد لحظة، نهضَ الجُرَذ وقد الْتَوى وجهه بالكامل وقال: «أيها العمود، أنا مصدوم فيك؛ إذ تسمح لمثل هذه الأمور أن تحدُث لشخصٍ مثلي ليس قويًّا.»
قال العمود أكثر من مرة، وهو يشعر أنه المسئول الأول عن ذلك: «آسف أيها الجُرَذ. سامِحْني!»
قال الجُرَذ مستغلًّا الوضع: «إنها ليست مسألةَ مسامحة. لو لم تكن حريصًا جدًّا على إعطائي نصيحتك، لما حصل ذلك. لهذا أريد تعويضًا. هيا ادفَع حالًا!»
«لكنك تعرف جيدًا أني لا أستطيع ذلك.»
«لا أحب أن أُستغَل من قِبل أشخاصٍ مثلك؛ لذلك أنا لن أتراجع عن موقفي. هيا، الآن، ادفَع!»
عاجزًا عن فعل أي شيء، بكى العمود بمرارة، بينما كان على الجُرَذ أن يرجع لمنزله خالي الوفاض. ومنذ ذلك الوقت، أصبح العمود يخاف بشدة من الحديث معه مرةً أخرى.
بعد ذلك وفي أحد الأيام، قدَّم الجاروف للجُرَذ نصف كعكة كان قد تركها أحدهم. وتصادَف أن الجُرَذ في اليوم التالي كان يعاني من ألم في المعدة. ولذا، كالعادة، طالبه الجاروف، ليس بأقل من مائة مرة، بتعويضٍ مقابل ذلك. فلم يكن بوسع الجاروف سوى الاشمئزاز منه بشدة، وعدم مصادقته مرةً أخرى.
في وقتٍ لاحق، أعطى الدلو الجُرَذ قطعة من صودا الغسيل، وطلب منه أن يغسل بها وجهه كل صباح. فَرِح الجُرَذ بذلك بشدة، وبدأ من اليوم التالي بغسل وجهه بها. لكن لم يمضِ وقتٌ طويل حتى سقطَت عشر شعرات من شواربه. وعندها بالتأكيد، ذهب الجُرَذ للدلو ولأكثر من مائة مرة طالبَه بدفع تعويض له. لكن، لسوء الحظ، لم يكن لدى الدلو شواربُ ولا أي شيءٍ آخر لدفعه له، فبكى واعتذر له وهو في حَيرةٍ تامة. ومنذ ذلك الوقت لم ينطق بكلمةٍ واحدة معه.
واحدًا تلو الآخر، واجه جميع سكان المطبخ نفس المشكلة، وتعلموا تجنُّب الجُرَذ، وفي النهاية كانوا يتفادَونه على عَجَل بمجرد رؤيته.
في الواقع، كان هناك واحدٌ منهم فقط لم يكن لديه أي تواصُل بالجُرَذ. إنها مصيدة الجرذان المصنوعة من شبكةٍ سلكية.
من المفترض نظريًّا أن تلك المصائد تقف إلى جانب البشر، لكن هذه المصيدة كانت تشعُر بالضجر في الآونة الأخيرة بسبب إعلانات البشر في الجرائد التي تظهر بها صور لمصيدة مع قطة، وكلٌّ منهما توصف بأنها «يمكن التخلص منها بعد الاستخدام». هذا لا يعني أن البشر قد عاملوا من قبلُ مصيدة الجرذان بنحوٍ لائق، حتى قبل ذلك. لا، ولا لمرةٍ واحدة. فجميعهم تجنَّبوا لمسها، وكأنها شيءٌ نجس. لذلك كانت المصيدة أقل تعاطفًا مع البشر من تعاطفها مع الجرذان. ومع ذلك، فإن معظم الجرذان كانوا يخافون جدًّا الاقتراب منها.
في كل يوم كانت تناديهم بصوتٍ لطيف: «هيا، أيها الجرذان، تُوجد رأس سمكة مكاريل من أجل العَشاء الليلة. سأمسِك المزلاج بقوةٍ أثناء تناولكم لها. لا تخافوا. تعالَوا، أنا لستُ من النوع الذي يُغلِق الباب خلفكم. أنا لا أحب البشر أكثر مما تفعلون.»
لكن كان أي جرذ يقول، كما لو أن الأمر لا يهمُّ على أي حال: «ها، لن أقع في هذا الفخ»، أو «حقًّا؟ فهِمتُ … عليَّ أن أسأل الآخرين في عائلتي عن ذلك في وقتٍ ما.»
وفي صباح اليوم التالي، كان يأتي خادم بوجه متورد ليلقي نظرة على المصيدة ويقول: «لا شيء فيها مرةً أخرى. الجرذان تعلَم بأمرها، هذه هي المشكلة. يعرفون هذا في مدرسة الجرذان. لكن دعني أجرِّبها لمدة يومٍ آخر.» وكان يغيِّر الطُّعم في المصيدة.
في إحدى الليالي كالعادة كانت المصيدة تنادي: «تعالَوا، تعالَوا، الليلة هناك قطعة من كعك السمك الطري اللذيذ. بإمكانكم فقط الحصول على الطُّعم؛ فهو آمن تمامًا. أسرعوا الآن!»
تصادَف أن الجُرَذ الذي كان يعيش في السقف مَرَّ من هناك في ذلك الوقت.
فسألها: «هل ستدَعينني حقًّا أحصل على الطُّعم؟»
قالت المصيدة: «حسنًا، مرحبًا. أنت جُرَذٌ جديد هنا، أليس كذلك؟ نعم، طبعًا … ستحصل على الطُّعم دون أن تُحبَس بالداخل. هيا ادخل واحصل عليه.»
قفَز الجُرَذ إلى داخل المصيدة، والْتهَم كعكة السمك بأكملها، ثم قفز خارج المصيدة مرةً أخرى وقال: «كان ذلك لذيذًا جدًّا. شكرًا.»
«هل كان كذلك؟ أنا سعيدة. تعالَ ليلة الغد مرةً أخرى.»
في صباح اليوم التالي، جاء الخادم لينظر وقال غاضبًا: «اللعنة! لقد أفلَت بالطُّعم. هذا الجُرَذ ماكر. لكن الجيد في الأمر أنه دخل. حسنًا … يُوجد سردين اليوم.» وترك نصف سمكة سردين كطُعم.
أطبقَت المصيدة على السمكة، وانتظرَت بفارغ الصبر وصول الجُرَذ.
وما إن حلَّ الظلام حتى ظهر الجُرَذ.
قال الجُرَذ للمصيدة بطريقةٍ متعالية: «مساء الخير، لقد جئتُ كما طلبتِ مني.»
تضايقَت المصيدة قليلًا، لكنها ابتلعَت غُرورَه وقالت ببساطة: «ها هو الطعام، هيا تدبَّر أمرك.»
قفز الجُرَذ داخل المصيدة، وتناول قطعة السردين، وخرج مرةً أخرى. ثم قال باستعلاء: «سآتي وآكل مرةً أخرى من أجلك غدًا.»
ردَّت المصيدة: «تبًّا!»
عندما جاء الخادم ليُلقي نظرةً في صباح اليوم التالي، ازداد غضبه.
وقال: «يا له من حيوانٍ ماكر! لكنني لا أفهم كيف يتمكَّن من الإفلات بالطُّعم كل ليلة؟ أعتقد أن هذه المصيدة قد أخذَت منه رشوة.»
صاحت المصيدة، لكن بالطبع لم يتمكَّن الخادم من سماعها: «لم أفعل أي شيء من هذا القبيل! يا لها من إهانة!» مرةً أخرى وضع بعض الطُّعم في الداخل، هذه المرة كان عبارة عن قطعة من كعكةِ سمكٍ متعفنة.
طوال اليوم كانت المصيدة غاضبة من فكرة الاشتباه بها ظلمًا.
هبط الليل. ظهر الجُرَذ وقال كما لو كان الأمر برُمَّته يُشكِّل إزعاجًا هائلًا له: «أوه، ليس من السهل القدوم إلى هنا كل يوم. وكل ذلك من أجل رأس سمكة على الأكثر. لقد اكتفيتُ. وبما أنني هنا الآن، فسوف أُسدي للمصيدة معروفًا وهو تناوُل طُعمها. … مساء الخير أيتها المصيدة.»
كانت المصيدة تشتعل غضبًا لدرجة أن كل ما كان يمكن أن تقوله هو: «ساعد نفسك.»
قفز الجُرَذ على الفور إلى الداخل، ثم رأى أن كعكة السمك قد فسدت وصرَخ: «هذا يتجاوز الحدود! هذا الشيء عفن. كيف يمكنك فعل هذا بمخلوقٍ ضعيف مثلي؟ أريد تعويضًا. تعويضًا!»
كانت المصيدة غاضبة جدًّا لدرجة أنها لم تستطِع منع سلكها من الرجرجة والاهتزاز.
كان الاهتزاز هو الذي فعل ذلك.
بحركةٍ مفاجئة وخفة، أصبح المزلاج الذي رُبط الطعم به حُرًّا، فسقط باب المصيدة مغلقًا. لقد كان هذا هو السبب حقًّا.
جُن جنون الجُرَذ.
صرخ، قبل أن يعَضَّ السلك، وينطلق في دوائر، ويخبط على الأرض، ويصرُخ ويبكي: «كاذبة! مخادعة!» لقد كانت جلبة شديدة. لكن هذه المرة لم يكن مستعدًّا للمطالبة بتعويض. والمصيدة أيضًا، مع الألم والسخط لم تستطع فعل شيءٍ سوى الاهتزاز والارتعاش والارتجاف. واستَمَر هذا الوضع حتى الصباح.
عندما جاء الخادم بوجهه المتورِّد ليُلقي نظرة، رقَص في انتصار.
صاح: «لقد تمكَّنت منه! لقد تمكَّنت منه! لقد أمسكت به أخيرًا! يا له من حيوانٍ بغيض! حسنًا، اخرج الآن! اخرج، يا صغيري!»