نجم صقر الليل
كان صقر الليل طائرًا قبيحًا جدًّا حقًّا. كان على وجهه بُقعٌ بنية مُحمرَّة كما لو أن أحدهم قد دهَنَه بمعجون الفاصوليا، وكان له منقارٌ مُسطَّح وفمٌ ممتد حتى أذنَيه. أما ساقاه فكانتا غير مستقرتَين لدرجة أنه بالكاد كان يستطيع المشي حتى بضع ياردات.
كان الوضع سيئًا للغاية بالنسبة له، لدرجة أن كل الطيور الأخرى كان عليها فقط أن تُلقي نظرة على وجهه حتى تنفر منه. حتى طائر القُبَّرة، الذي لم يكن جميلًا جدًّا، اعتبر نفسه أجمل بكثير من صقر الليل. إذا التقى صقر الليل وهو ينطلق في وقتٍ مبكر من المساء، كان يُدير رأسه عنه بعيدًا وعيناه مغمضتان؛ كما لو أن المنظر كان حقًّا أكثر مما يستطيع تحمُّله. أما الطيور الأصغر حجمًا التي تُحِب الثرثرة فكانت تقول دائمًا أشياءَ سيئةً عنه.
كان أحدهم يقول: «حسنًا! ها هو قادم مرةً أخرى. فقط انظروا إليه، يا رفاقي! هل رأيتم شيئًا مثله من قبلُ؟! إنه حقًّا وصمةُ عارٍ علينا نحن الطيور!»
«أتفق معك تمامًا. عجبًا، انظر إلى فمه الضخم! أنا متأكد من أن له صِلةً بالضفادع.»
وهلُمَّ جرًّا. لو كان فقط صقرًا عاديًّا بدلًا من صقر ليل، لكان اسمه وحده كافيًا لحمل تلك الطيور الصغيرة الحمقاء على الاختباء، وهم شاحبو الوجوه ويرتعدون خوفًا منكمشين، بين أوراق الشجر. لكن الحقيقة أنه لم يكن حتى له صِلة بالصقر. والمدهش بشدة أنه كان ينتمي إلى عائلة طائر الرفراف الجميل نفسها وجوهرة الطيور، طائر الطنَّان. وإن تلك العائلة بأكملها لم تكن تسبِّب أي أذًى للطيور الأخرى. فطائر الطنان كان يقتات على رحيق الأزهار، وطائر الرفراف كان يقتات على السمك، بينما كان طائر صقر الليل يتغذى على صيد الحشرات المُجنحة. كما أن صقر الليل لم تكن لديه مخالبُ حادَّة ولا حتى منقارٌ حاد؛ لذلك لم يكن يخشاه أحد ولا حتى أضعف الطيور.
قد يبدو من الغريب حقًّا أن يُسمى صقرًا. في الحقيقة، كان يُوجد سببان لذلك. الأول هو جناحاه اللذان كانا قويَّين بشكلٍ استثنائي بحيث عندما كان يُحلِّق في الهواء كان أشبه تمامًا بالصقر. والثاني هو أن صياحه الحاد كان يُذكِّر الجميع أيضًا بالصقر الحقيقي.
هذا الأمر أزعج الصقر الحقيقي كثيرًا بالطبع. وفي كل مرة كان يَلمَح فيها صقر الليل، فإنه كان يرفع كتفَيه ويطلب منه بصوتٍ فيه وعيد أن يُغيِّر اسمه في أسرع وقت.
ثم، في وقتٍ مبكر من إحدى الأمسيات، زار الصقرُ بالفعل صقرَ الليل في منزله.
نادى عليه: «يا هذا … هل أنت موجود؟ لماذا لم تُغيِّر اسمك حتى الآن؟ إنه لأمرٌ مُخزٍ! ألا ترى أننا نحن الاثنين مختلفان كليًّا؟ انظر إلى الطريقة التي أجوب بها أجواء السماء طوال اليوم، بينما أنتَ لا تخرج أبدًا على الإطلاق إلا ليلًا أو في الأيام المظلمة الملبَّدة بالغيوم. وانظُر إلى منقاري أيضًا. وقارِنه بمنقارك!»
ردَّ صقر الليل: «أخشى أنني لا أستطيع أن أفعل كما تقول. أنا لم أختَر اسمي؛ إذ قد منحَني إياه الرب.»
«هذا ليس صحيحًا. فاسمي هو الذي يُمكِن لأي شخصٍ أن يقول عنه إنه هبةٌ من الرب، بينما اسمك مستعار؛ نصفه مني ونصفه الآخر من الليل. لذا أعِدْه لي!»
«لكن لا يُمكِنني ذلك أيها الصقر.»
«كلَّا، يُمكِنك! سوف أُطلق عليك اسمًا آخر عوضًا عنه. الجرنون، الجرنون … ما رأيك؟ هذا اسمٌ ملائم لك. وتذكَّر … عندما تغيِّر اسمك يجب أن تقيم احتفالًا لتُعلم به الجميع. أفهمتَ؟ ما عليك فعلُه هو أن تمُر على كل واحد في منزله مُعلقًا لافتةً حول رقبتك مكتوبًا عليها «الجرنون»، ثم تنحني وتقول: «من الآن فصاعدًا أريد أن أكون معروفًا باسم الجرنون».»
«أوه، لا يُمكِنني فعلُ ذلك أبدًا!»
«كلا، يُمكِنك ذلك. عليك أن تقوم به! إذا لم تفعل ذلك حتى صباح بعد غد، فسوف آتي وأمزِّقك إربًا بمخالبي. لا تنسَ. في صباح بعد غد، سوف أمُر على جميع منازل الطيور الأخرى، وأسألهم عما إن كنت قد زُرتَهم أم لا. وإذا قال لي أحدهم إنك لم تزُره فسوف تكون هذه نهايتك!»
«لكن كيف تتوقع مني أن أقوم بشيء كهذا؟ أفضِّل الموت على ذلك. لذا بإمكانك قتلي الآن.»
«كُف عن ذلك، وخُذ وقتك في التفكير فيما قلتُه لك. إن اسم الجرنون ليس اسمًا سيئًا حقًّا على الإطلاق.» وبسَط الصقر جناحَيه الكبيرَين، وطار من المنزل باتجاه عشه.
جلس صقر الليل دون حَراكٍ مغمض العينَين وهو يفكر. «يا تُرى، لماذا يكرهني الجميع بشدة؟ في الواقع أنا أعرف السبب جيدًا. ذلك لأن وجهي يبدو وكأنه قد دُهن بمعجون فاصوليا وفمي ممتد من الأذن إلى الأذن. لكن في الحقيقة أنا لم أفعل أي شيءٍ سيئ قط في حياتي كلها. عجبًا، إنني حتى ذات مرة أنقذتُ صغير إحدى الطيور البيضاء العيون كان قد سقط من عُشه وأعَدتُه إلى منزله. لكن والدته على الفور انتزعَتْه مني كما لو أني كنتُ لصًّا. ثم سَخرَت مني. والآن — يا ويلي! — يريدون أن أضع لافتةً حول عنقي مكتوبًا عليها «الجرنون»! ماذا يجب أن أفعل؟»
بدأ الليلُ بالفعل يحلُّ حوله، فطار تاركًا عُشه. كانت الغيوم تسبَح في السماء على ارتفاعٍ منخفض وهي تتلألأ على نحوٍ منذر بالشؤم، وكاد صقر الليل أن يحتكَّ بها وهو يجوب السماء صامتًا.
فجأة، فتح فمه على اتساعه، وفرد جناحَيه إلى الوراء بشكلٍ مستقيم، ثم انطلق كالسهم عَبْر الهواء. وأخذ يلتهم، في طريقه، الحشرات الواحدة تلو الأخرى. ثم وقبل أن يلامس الأرض ارتفع في الهواء وانطلق نحو السماء عاليًا مرةً أخرى.
أصبحَت الغيوم الآن رمادية اللون، وتوهَّجَت قِمم التلال البعيدة باللون الأحمر.
في كل مرة كان يُهاجِم فيها صقر الليل الحشرات، كان يطير بسرعةٍ كبيرة، فيبدو وكأنه سيشُق السماء نصفَين. لكن في هذه الليلة كان يُوجد بين الحشرات التي التهَمَها خنفساء قاوَمَت بقوةٍ أثناء مرورها في حلقه. استطاع صقر الليل ابتلاعها على الفور، لكنه شعر بقُشَعْريرةٍ بسيطة تسري في ظهره أثناء ذلك.
الآن الغيوم كلها سوداء، عدا تلك الموجودة في الجهة الشرقية، حيث انعكس عليها اللون الأحمر المشئوم لشمس المغيب. حلَّق صقر الليل عاليًا مرةً أخرى في السماء وهو يشعُر بألمٍ شديد داخل معدته.
لقد ابتلع خنفساءَ أخرى، لكن تلك الخنفساء رفرَفَت بقوةٍ محاولةً الخروج كما لو أنها كانت تحُك حلقه. وعلى الفور أنزَلها بطريقةٍ ما، ولكن بينما كان يفعل ذلك خفَق قلبه، وبدأ بالبكاء بصوتٍ مرتفع. أخذ يدور ويدور حول السماء وهو يبكي طوال الوقت.
قال لنفسه: «يا ويلي، ها أنا أكون كل ليلة هنا أقتُل الخنافس ومختلف أنواع الحشرات. لكن الآن سوف أُقتل على يد الصقر، ولا يُوجد صقرُ ليلٍ آخر غيري. فلا عجب أنني أشعر ببؤسٍ شديد. سوف أتوقف عن تناوُل الحشرات وأجوع حتى الموت. لكني أتوقع أن الصقر سيقتُلني قبل أن يحدُث ذلك. لا … سوف أهرُب بعيدًا، بعيدًا قبل أن يتمكن من الوصول إليَّ.»
كان الضوء الأحمر للشمس ينتشر تدريجيًّا كالماء، وبدت الغيوم كما لو أنها كانت هي نفسها تشتعل.
طار صقر الليل مباشرةً إلى منزل أخيه الأصغر منه، طائر الرفراف. ومن حسن الحظ أن هذا الطائر الوسيم كان لا يزال مستيقظًا يراقب قمم التلال الحمراء البعيدة.
قال وهو يشاهد صقر الليل يطير لأسفل نحوه: «مرحبًا، ما الذي أتى بك إلى هنا بشكلٍ غير مُتوقَّع؟»
«كل ما في الأمر أنني سوف أرحل بعيدًا، وأردتُ أن أراك قبل أن أذهب.»
«لا يمكن أن ترحل! فطائر الطنَّان يعيش بعيدًا أيضًا، وهكذا سأبقى هنا وحيدًا.»
«أخشى أن ذلك لا يمكن تجنُّبه؛ لذلك لا تتفوَّه بالمزيد بهذا الشأن. وتَذكَّر … أن تحاول ألا تصطاد سمكًا فوق حاجتك. أرجوك. … وداعًا.»
«ماذا حدث؟ يا هذا … لا تذهب الآن!»
«لا. لن يكون هناك أي اختلاف إذا مكثتُ هنا لوقتٍ أطول. بلِّغ طائر الطنَّان خالص محبتي له عندما تراه. وداعًا. لن نلتقي مرةً أخرى أبدًا. الوداع.»
اتجه صقر الليل نحو منزله وهو ينتحب. كان الليل الصيفي القصير يُفسِح المجال لطلوع فجر يومٍ جديد.
أخذَت أوراق نباتات السرخس تتمايل باللونَين الأخضر والذهبي، منتشيةً بسديم الصباح. أخذ صقر الليل يصرُخ بصوتٍ عالٍ وحاد. ثم نظَّف ورتَّب عُشه، ومشَّط ريش كامل جسده، وانطلق محلقًا مرةً أخرى.
تبدَّد السديم وأشرقَت الشمس لتَوها. كانت شديدة الوهج مما جعل صقر الليل يتردَّد للحظة، لكنه ثابَر واستمَر في طيرانه للأمام مباشرةً نحو الشمس.
وقال: «يا شمس، يا شمس! ألن تأخذيني معك لأعلى؟ سأكون مسرورًا بالموت في نارك إذا اضطُررت لذلك. قد يكون جسدي قبيحًا، لكن من المؤكد أنه سوف يصدُر عنه على الأقل قليل من الضوء وهو يحترق. هل ستأخُذينني معكِ لأعلى؟»
لكن وبالرغم من طيرانه أبعَد وأبعَد، فإنه لم يقترب من الشمس. في الواقع، بدا أنها قد أصبحَت أصغر حجمًا، ومع ذلك أبعَد.
قالت الشمس: «أنت صقر الليل، أليس كذلك؟ أعتقد أنك قد مرَرتَ بأوقاتٍ عصيبة حتى تطلب مني ذلك. لماذا لا تُحلِّق عاليًا في السماء هذه الليلة وتطلب من النجوم ذلك عوضًا عني؟ فأنت، كما تعلم، في الواقع أحد الطيور الليلية.»
انحنى صقر الليل على نحوٍ ما، لكنه فجأةً فقد توازُنه، وبدأ يتهاوى شيئًا فشيئًا، حتى سقط على العشب في السهل أدناه.
لبُرهة، كان كل شيء يبدو كالحُلم. فقد بدا لصقر الليل أنه كان يصعد عاليًا بين النجوم الحمراء والصفراء، أو أنه قد جرفَتْه الرياح بعيدًا بعيدًا، أو أن الصقر قد جاء وكان يمزِّقه بمخالبه.
بعد ذلك، سقط شيءٌ بارد على وجهه، وفتح عينَيه. لقد كانت حبات الندى تقطر من ساق عشبة بامباس صغيرة. كان الظلام شديدًا، وكانت السماء النيلية الداكنة مغطاةً تمامًا بالنجوم المتلألئة. حلَّق صقر الليل عاليًا في السماء. وكانت قمم التلال تتوهج باللون الأحمر مرةً أخرى تلك الليلة، فوجد صقر الليل نفسه وهو يُحلق بين الوهج الخافت لهذا الضوء والضوء البارد للنجوم أعلاه. ومرةً أخرى أخذ يطير عَبْر السماء، ثم فجأةً اتخذ قراره وطار مباشرةً لأعلى نحو كوكبة أوريون في الغرب.
نادى أثناء ذهابه: «أيتها النجوم! يا نجوم الغرب البيضاء المُزرقَّة! ألن تأخُذيني إليكِ؟ أنا على استعداد للموت في نيرانكِ إذا كنتِ تريدينني.»
لكن أوريون كانت مشغولةً للغاية بغناء أغانيها الشجاعة بحيث لا تُلقي أدنى انتباه لشيءٍ تافه مثل صقر الليل. وهكذا مترنحًا وعلى وشك البكاء، هبط صقر الليل حتى وصل في النهاية إلى مكان على الأرض ليأخذ قسطًا من الراحة. مرةً أخرى دار حول السماء. ثم ذهب إلى أعلى مباشرةً مرةً أخرى، هذه المرة باتجاه كوكبة الكلب الكبير في الجنوب.
نادى عليها وهو يصعد: «أيتها النجوم! يا نجوم الجنوب الزرقاء! ألن تأخُذيني إليكِ؟ سوف أكون مسرورًا بالموت في نيرانكِ، إذا لزم الأمر.»
قالت كوكبة الكلب الكبير وهي مشغولة بالوميض بالألوان الأزرق والأرجواني والأصفر: «لا تتحدث بهذا الهُراء! من تظن نفسك؟ إنك مُجرَّد طائر؛ هذا كل شيء. عجبًا، للوصول إلى هنا بجناحَيك ستحتاج لمئات وآلاف وملايين المليارات من السنين!» وأدارت وجهها عنه.
شاعرًا بخيبة أمل، رجع صقر الليل مترنحًا إلى الأرض. طار حول السماء مرتَين. ثم استجمع شجاعته مرةً أخرى، وطار بشكلٍ مستقيم لأعلى نحو كوكبة الدب الكبير في الشمال.
صاح بينما كان يصعد: «يا نجوم الشمال الزرقاء! ألن تأخُذيني إليكِ؟»
قالت كوكبة الدب الكبير بهدوء: «يجب ألا تقول أشياءَ ليس من المفروض أن تقولها. اذهب واسترخِ قليلًا. في أوقاتٍ كهذه، من الأفضل الغوص في مسطَّحٍ مائي به جبالٌ جليدية، لكن إذا لم يكن هناك واحدٌ قريب منك، فإن كوبًا من الماء المثلَّج سيَفي بالغرض.»
نزل صقر الليل بحزن على نحوٍ متعرج باتجاه الأرض مرةً أخرى. لكنه دار حول السماء أربع مراتٍ أخرى. ثم نادى للمرة الأخيرة على كوكبة العُقاب التي صعِدَت للتو على الضفة المقابلة لمَجرَّة درب التبانة.
«يا نجوم الشرق البيضاء! ألن تأخُذيني إليكِ؟ سأكون مسرورًا بأن أموت في نيرانك إذا اضطُررت لذلك.»
قالت كوكبة العُقاب بغرور: «يا إلهي، لا … هذا غيرُ واردٍ تمامًا! يجب أن تتمتَّع بالمكانة الاجتماعية اللائقة لكي تصبح نجمًا. وهذا يتطلب مالًا كثيرًا أيضًا.»
فقدَ صقر الليل كامل قُواه المتبقية. وهبط نحو الأرض طاويًا جناحَيه. لكن عندما أصبحَت ساقاه الضعيفتان على بُعد بوصاتٍ فقط من الأرض، انطلَق فجأةً مرةً أخرى عاليًا كالصاروخ. وعندما وصل للمناطق الوسطى من السماء، هزَّ جسمه بقوة، ونفض ريشه تمامًا كما يفعل النَّسر قبل مهاجمة دب.
أخذ يصيح ويصيح بصوتٍ خشِن وحاد. لقد كان صوت الصقر، وجميع الطيور التي كانت نائمة في السهول وفي الغابة بالأسفل استيقَظَت وارتجَفَت وهي تنظر متسائلةً لأعلى نحو السماء المُرصَّعة بالنجوم.
أخذ صقر الليل يصعد بشكلٍ مستقيمٍ أعلى فأعلى، أعلى من أي وقتٍ مضى. الآن لم تكن قِمم التلال المتوجِّهة بالأسفل أكبر من سيجارةٍ مشتعلة، ومع ذلك استمَر بالصعود. تجمَّدَت أنفاسه في صدره من شدة البرد، وأصبح الهواء خفيفًا جدًّا، فكان عليه أن يُحرِّك بجناحيه أكثر فأكثر بشكلٍ محموم ليُحافِظ على تقدُّمه.
لكن بالرغم من ذلك لم يتغيَّر حجم النجوم. وأثناء تنفُّسه كان صقر الليل يُصدِر صفيرًا كصفير المنفاخ. وكالشفرة كان الهواء المتجمد يخترق جسده. وفي النهاية تخدَّر جناحاه تمامًا وأصبَحا غير قادرَين على الطيران. ثم، بعينَين ممتلئتَين بالدموع حدَّق مرةً أخرى نحو السماء … وكانت تلك هي النظرة الأخيرة لصقر الليل. فلم يعُد يعرف ما إذا كان يسقُط أم يصعد، وما إذا كان متوجهًا للأعلى أم للأسفل. لكن قلبه كان في سلامٍ الآن، ومنقاره الكبير الملطَّخ بالدماء، رغم أنه ملتوٍ قليلًا، كان يبتسم قليلًا بالتأكيد، أيضًا.
بعد فترةٍ قصيرة، فتح صقر الليل عينَيه، ورأى بوضوحٍ تام أن جسده كان يتوهج بلطف بضوءٍ أزرقَ جميل مثل وهج الفوسفور.
بجانبه كانت تُوجد كوكبة كاسيوبيا. وخلفه تمامًا كان يسطع الضوء الأبيض المُزرَق لمَجرَّة درب التبانة.
استمَر نجم صقر الليل بالتوهج. أخذ يتوهَّج إلى الأبد. وما زال يتوهَّج حتى يومنا هذا.