القاطرة العتيقة رقم ستة وثمانين
وقفَ جون ساجَرت في زاوية مظلمة من المحطة، بعيدًا عن أشعة المصابيح القوسية اللامعة، وراحَ يرقب القاطرة رقم ستة وثمانين. كان السائق يُزوِّدها بالزيت، وفي العربة كان الوقَّاد — وهو يفتح بابَ بيت النار ويضع الفحم فيه — يقف في مقابل الظلام خلفه وكأنه لوحة حمراء رسَمَها رامبرانت. وبينما كان السائق يجول بحرص حول محرك القاطرة وعلبة الزيت في يده، مسحَ جون ساجَرت عينيه بكُمِّه وشعرَ بغُصَّة في حَلْقِه. كان يعرف كل قطعة ومسمار في ذلك المحرك العتيق العنيد؛ فهو أعتى الوحوش الحديدية وأكثرها مشاكسة على الطريق، ومع ذلك إذا جرى التعامُل معه بأسلوب صحيح، فإنه سيكون أحد أسرع الآلات وأقواها في الشركة؛ وذلك بصرف النظر عن التحسينات الكثيرة التي أُجريَت على القاطرات منذ أن غادرت القاطرة رقم ستة وثمانين مَصنعها.
وبينما كان ساجَرت يقف في مكانه هذا، راحَ يُفكِّر في السنوات السبع التي قضاها على مدوسة القاطرة العتيقة رقم ستة وثمانين، وفي الخدع الكثيرة التي لعبتها عليه أثناء تلك الفترة. وكما يقول الشاعر، إذا أصبح السجين والسلاسل التي يُكبَّل بها صديقَيْن من خلال ارتباطهما معًا لفترة طويلة، فلكَ أن تتصوَّر مقدار ما يكنُّه الرجل من مشاعر تجاه آلةٍ يفهمها تمامًا ويحبها، آلة هي رفيقه اليومي طوال سنوات، في حالات الخطر وفي غيرها. لقد مرَّ جون مع هذه القاطرة بالكثير من المواقف العصيبة معًا، ويبدو في هذه اللحظة أن الرجل قد نسيَ أن الكثير من تلك المواقف كان سببها مشاكسة القاطرة نفسها، وتذكَّر فقط أنها كانَتْ تقوم بما عليها بكلِّ شجاعةٍ في مراتٍ عديدة حين يكون الموقف بالغ الخطورة.
دوَّت الصيحة «ليصعد الجميع على متن القطار» في أرجاء المحطَّة وكان مصدرها سقف المحطَّة المقوَّس المرتفع، فتنهَّد جون وانسحبَ من أفكاره حول القاطرة وذهبَ ليأخذ مقعده في العربة. كان القطار طويلًا وبه عربات نوم كثيرة في نهايته. كان السائق قد وضَعَ من يده علبة الزيت، واتَّخذ موضعه في القاطرة، ووقفَ مُستعدًّا ليبدأ رحلته الطويلة في اللحظة التي سيحصل فيها على إشارة ذلك.
صَعِد جون ساجَرت إلى عربة التدخين في الجزء الأمامي من القطار. ووجدَ مكانًا في أحد المقاعد الأمامية، فغاصَ فيه وقد انتابه إحساسٌ غامض بعدم الارتياح لكونه داخل القطار وليس على متن القاطرة. راحَ يُحدِّق خارج النافذة ورأى الأضواء الكهربائية البراقة وهي تَنسابُ ببطءٍ خلفه، ثم بسرعة أكبر، رأى الأضواءَ الحمراء والخضراء والبيضاء الخاصة بمَصابيح الإشارة، ثم في النهاية راحت نوافذ المدينة المضيئة تمرُّ بسرعة كبيرة من جانبه، مما يدلُّ على أن المدينة لم تَخلد إلى النوم بعد. وفي النهاية دَلَفَ القطار السريع إلى الريف، فوضعَ ساجَرت وجهَه على زجاج النافذة البارد، وكان في ذلك غير قادر على أن ينفض عن نفسه إحساسه بالمسئولية، رغم معرفته بوجود رجل آخر يتولى أمر دوَّاسة الوقود.
وانتبه من لحظة استغراقه هذه على لمسة خفيفة على كتفه وطلب مُقتضَب يقول: «التذكرة من فضلك.»
أخرجَ من جيبه تذكرة، والتفت ليُعطيَها إلى المحصِّل الذي كان يقف إلى جانبه ويحمل على ذراعه مصباحًا مَطليًّا برَّاقًا من الزجاج البلوري.
صاحَ المحصِّل بمجرد أن رأى وجهَه: «مرحبًا يا جون، أهذا أنت؟ يا إلهي، لم تكن بحاجة إلى تذكرة لتسافر معي يا رجل.»
قال ساجَرت بنبرةٍ حزينة: «لقد أعطوني إياها لتُوصلني إلى المنزل، وربما لا تُفيدني تلك التذكرة. ولكنني لا أريد أن أسبِّب لك المشاكل.»
قال المحصِّل وهو يضع مصباحه على الأرض ويجلس بجوار السائق: «أوه، كنتُ لأخاطر بوضع نفسي في المشاكل إنْ آلت الأمور إلى ذلك. لقد سمعتُ بما حدث لك اليوم. الأمر في غاية السوء. إنْ ثَمِل رجلٌ أثناء تأدية عمله — كما نعرف أنا وأنت أن هناك مَنْ يفعلون ذلك — فلم يكن الأمر ليبدو بهذا السوء، أما ما حدث بأسوأ أبعاده فكان سوء تقديرٍ وفهمٍ ليس إلا، كما أنه لم يحدث شيءٌ حقًّا. والقاطرة رقم ستة وثمانين العتيقة تستطيع عادةً تحمُّل الكثير والخروج بنفسها من الخطر. أعتقدُ بأنك مرَرتَ بها بمواقف أسوأ من ذلك، ولم يتحدَّث أحدٌ ولو بكلمة عن الأمر.»
قال جون: «أجل، لقد مررنا بالكثير من المواقف السيئة معًا، لكن لن يكون هناك المزيد من ذلك. الأمر صعب كما تقول. لقد عملتُ لدى الشركة على مدى خمسة عشر عامًا، وعملتُ سبعَ سنين على القاطرة رقم ستة وثمانين العتيقة، والأمرُ في بدايته جلل. لكن أعتقدُ أنني سأعتاده.»
قال المحصِّل وهو يخفض صوته ليأتمنه على ما سيقول: «اسمع يا جون. إنَّ رئيس السكة الحديد يُسافر معنا الليلة؛ وعربته الخاصة هي العربة قبل الأخيرة على متن القطار. ما رأيك أن تَتحدَّث إليه؟ إذا كنت تخشى أن تفاتحه بالحديث، فسأُحدِّثه بشأنك وسأخبره بجانبك أنت من القصة.»
هزَّ جون ساجَرت رأسه.
وقال: «لن يُجدي الأمر نفعًا. لن يُلغي ما فعله أحد مرءوسيه، ما لم يكن هناك ظلم بَيِّن في الأمر. إنه المدير الجديد كما تعلم. ودائمًا ما تأتي المتاعب مع قدوم مدير جديد. إنه يجري تغييراتٍ جذرية. وأعتقد أنه يظن أنه سيخيف بقية السائقين بطرده واحدًا من أقدم السائقين على الخط.»
قال المحصِّل: «حسنًا، نحن لا نكنُّ له الكثير من التقدير فيما بيننا. أتعلم ماذا فعلَ الليلة؟ لقد عيَّنَ سائقًا جديدًا على القاطرة رقم ستة وثمانين. إنه سائق من أحد الخطوط الفرعية ولا يعرف الطريق. أشكُّ بأنه قد قاد قطارًا على السكة الرئيسية من قبل. والآن، أنا قلقٌ بما يكفي على أيِّ حال بشأن هذا القطار السريع وهذه الرحلة، فمؤشِّر الحرارة عند صفر درجة مئوية، والسكة زلقة كالزجاج، وأودُّ أن يكون هناك سائق يمكنني الاعتماد عليه.»
قال جون وهو مُتجهِّم الوجه: «من السيئ بما يكفي أن يكون السائقُ جاهلًا بالطريق، لكن الأسوأ من ذلك أن يكون جاهلًا بالقاطرة رقم ستة وثمانين العتيقة. ستَتحوَّل القاطرة إلى وحش كاسر لو عرفت بذلك.»
قال المحصِّل: «لا أعتقد أن هناك قاطرة غيرها يُمكنها أن تجرَّ هذا القطار وتصل إلى وجهتها في الموعد المحدد.»
أقرَّ ساجَرت الذي لم يستطع أن يُخفيَ حُبَّه للقاطرة حتى وهو يُلقي عليها باللوم: «لا! إنها ستقوم بعملها على خير وجه فقط إذا لاطفتها.»
قال المحصِّل وهو ينهض من مكانه ويرفع مصباحه: «إذن، ربما لا بأسَ بهذا السائق، لكنني سأشعر بأمان أكبر إذا تركت عربة التدخين وجلست في مقدمة القطار. آسف يا جون لأنني لا أستطيع أن أعرض عليك مضجعًا الليلة، لكن العربات كلها ممتلئة عن آخرها حتى مؤخرة القطار. ولا يوجد حتى كرسيٌّ واحد فارغ في الجزء الأمامي من القطار.»
قال ساجَرت: «أوه، لا يهم ذلك، لا أستطيع النوم على أيِّ حال. إنني أُفضِّل الجلوس هنا والنظر عبر النافذة.»
قال المحصِّل: «حسنًا، الرحلة طويلة. سأذهبُ الآن وأعرِّج عليك مرة أخرى في الليل.»
أشعَلَ ساجَرت سيجاره وحدَّق في الظلام. كان يعرف كل بوصة من الطريق، كل الأجزاء العلوية والسفلية من الطريق وكل تفاوُتات الارتفاع والمناسيب. بل كانت معرفته بالطريق في الليل الحالِك أفضل بكثير منها في وضَح النهار الساطع. وبين الحين والآخر كانت تمرُّ أمام ناظرَيه للحظة كتلةٌ سوداء ضخمة لحظيرة ما أو مجموعة من الأشجار، فيقول ساجَرت في نفسه: «عليه الآن أن يغلق بوابة البخار بمقدار بوصةٍ واحدة.» أو «ينبغي أن يفتح بوابة البخار الآن على مصراعيها.» توقَّف القطار بضع مراتٍ، لكنه رأى أنهم كانوا يُهدرون الوقت. من الوارد جدًّا أنَّ القاطرة رقم ستة وثمانين كانت مستاءة. وبسبب تفكيره في القاطرة تَحوَّل ذهنه إلى التفكير في مصيره هو. لا يُوجد إنسان في هذا العالَم مهم لدرجة أنه لا يُمكن الاستغناء عنه، ففي النهاية، في اللحظة التي يَتنحَّى فيها، يكون هناك دومًا إنسان آخر على استعداد لأن يَحلَّ مكانه. كان الرجال الحصيفون في المدينة الذين استمعُوا إلى دفاعه يعرفون تمامًا أنَّ القاطرة ما هي إلا مزيجٌ من الحديد والصلب والنحاس، وأنَّ عددًا معينًا من أرطال البخار سيجعلها تسير عددًا معينًا من الأميال في عدد معين من الساعات، وقد ابتسموا إليه تعبيرًا عن عدم تصديقهم حين قال لهم إن لكل قاطرة نوبات غضبها، وأخبرهم بأنها في بعض الأحيان تكون بحاجة إلى التدليل كأي امرأة أخرى. وحتى عندما يبذل الرجل قصارى جهده، فهناك بعض الأحيان التي لا يسعه فيها أن يفعل شيئًا ليهدِّئ من ثورتها؛ ومن ثمَّ كان لا بد من وقوع مشاكل، ولكن لكي يكون مُنصفًا، فقد أضاف بأن القاطرة دائمًا ما كانت تَندم على فعلتها في النهاية. وبسبب هذه الملاحَظة الأخيرة، تحوَّلت ابتسامتهم إلى نوبة ضحك، مما أصابه بالحيرة والارتباك.
تساءَل عمَّا تظنه الآن القاطِرة رقم ستة وثمانين بشأن السائق الجديد. ليس الكثير، على ما يبدو؛ ذلك أنها كانت تهدر الوقت، وهو أمرٌ لا دخلَ لها به في هذا القطاع من الطريق. ومع ذلك، ربما يكون خطأ السائق الجديد أنه لا يعرف متى يضغط عليها ليزيد سرعتها إلى أقصى درجة ومتى يتمهَّل. كلُّ هذه العوامل تدخل في مسألة الوقت. لكن كان من المرجَّح كثيرًا أن القاطرة رقم ستة وثمانين العتيقة كانت تتعجب كثيرًا — مثلما فعل حصان جيلبين — مما يَفعله هذا الشخص الذي يَمتطي صهوتها. تمتَم جون في نفسه: «سيكون في مأزق، حين تُدرك القاطرة ما يحدث.»
أتى المحصِّل مرة أخرى وجلسَ إلى جوار السائق. لم يَقُل شيئًا، لكنه جلسَ في مكانه وراحَ يفرز التذاكر بينما راحَ ساجَرت يُحدِّق خارج النافذة. وفجأة، هبَّ السائق واقفًا وقد اتسعت عيناه من الدهشة. كان القطار يَتمايل من جانب إلى آخر ويَنطلِق بسرعة هائلة.
رفعَ المحصِّل نظره إليه مبتسِمًا.
وقال: «من الواضح أنَّ القاطرة رقم ستة وثمانين ستُعوِّض ما فاتنا من وقت.»
أجابه السائق: «لا بدَّ أن تُبطئ من سرعتها لعبور تقاطع جي آند إم.» ثم صاحَ بعد لحظة: «يا إلهي! لقد انتقلنا إلى سكة جي آند إم بسبب تلك القفزة القوية.»
انتفضَ المحصِّل واقفًا. كان يُدرك خطورة هذا الأمر. فحتى أكثر القطارات سرعة يَنبغي أن يتوقف تمامًا قبل العبور إلى سكة حديدية أخرى. هذا هو القانون.
«ألَا يَعرف ذلك الأحمق في مقدمة القطار أنَّ عليه التوقُّف عند التقاطُع؟»
قال ساجَرت: «ليست المشكلة في هذا. إنه يعرف ذلك تمامًا. فحتى عُمَّال القطار يعرفون ذلك. لقد جَمَحَت القاطرة رقم ستة وثمانين. إنه لا يستطيع أن يكبح جماحها. أين ستمرُّ بالقاطرة رقم ستة الليلة؟»
«في بوينتسفيل.»
قال السائق: «إنَّها على مسافة ستة أميال فقط، وبناءً على هذه السرعة سنكون معها على السكة نفسها بعد خمس دقائق. إنَّ القاطرة رقم ستة تتأخَّر دائمًا، ولن تكون على السكة الجانبية. يَنبغي أن أصل إلى مقصورة القيادة بالقاطرة رقم ستة وثمانين.»
وبسرعةٍ تقدَّم ساجَرت عبر عربة الأمتعة، وقفزَ على الفحم في عربة الوقود. ثم نظر على السكة الحديدية ورأى الأضواء الأمامية للقاطرة رقم ستة وهي تُومض من بعيدٍ وكأنها نجمٌ خافت. وبالنظر إلى القاطرة، أدركَ جون الموقف في الحال. كان السائق يُلقي بحمولة جسمِه كله على مقبض الفرامل، وكان الخوف يبدو على وجهه وقطرات العرق تَتصبَّبُ على جبينه، وكان الوقَّاد يُساعده. قفز ساجَرت على أرضية القاطرة.
وصاحَ قائلًا: «تنحَّيَا جانبًا.» وكان في صوته نبرة آمِرة واثقة جعلت كلا الرجلَيْن يُطيعانه في الحال.
أمسكَ ساجَرت بمقبض الفرامل وبدلًا من أن يُحاول أن يُغلق بوابة البخار فتحها على مصراعيها. اهتزَّت القاطرة رقم ستة وثمانين وقفزت إلى الأمام. وغمْغَم جون من بين أسنانه قائلًا: «أيتها المشاكسة العتيقة!» ثم دفعَ المقبض فأعاده إلى مكانه، وقد انزلقَ المقبض في ذلك بكل سهولةٍ وكأنَّ شيئًا لم يكن يعوقه. أُغلِقَت بوابة البخار، لكن أضواء بوينتسفيل كانت تلمع بجوارهم وكانت السكة الجانبية الخالية على يسارهم، وكانوا يَنطلِقُون الآن بسرعة كبيرة على نفس السكة الفردية وأضواء القاطرة رقم ستة تزداد سطوعًا أمامهم.
صاحَ السائقُ الآخر وقد بدا الخوف في صوته: «اعكس حركتها، اعكس حركتها!»
قال ساجَرت: «لن أعكس شيئًا. ستنزلق لعشرة أميال إذا ما فعلت. اقفز من القاطرة إذا كنت خائفًا.»
فقفزَ السائق الآتي من السكة الفرعية على الفور.
قال ساجَرت إلى الوقَّاد: «انجُ بنفسك. سيقع تصادم حتمًا.»
قال الوقَّاد الذي كان يعرفه: «سأبقى بجانبك سيد ساجَرت.» لكنَّ يده كانت ترتعش.
كانت مكابح الهواء تُحدِث صريرًا في عجلات القطار الطويل على السكة وارتجافة خوفٍ عبر الأشجار المحيطة، لكن السكة كانت زلقة بفِعل الصقيع وكانت سرعة القطار لا تزال كبيرة. وفي اللحظة المناسبة، عكسَ ساجَرت اتجاه القاطرة فتطاير الشرر من ناقِلات الحركة فيها، فبدت وكأنها عجلة دوَّارة من الألعاب النارية.
صاحَ ساجَرت قائلًا: «على رِسْلِك. القاطرة رقم ستة تتراجع، حمدًا لله.»
وفي اللحظة التالية وقعَ التصادم. تهشَّمَ مِصباحان من المصابيح الأمامية، وكذلك عربتان من المقدمة، ووقفَ القطاران بمواجَهة أحدهما الآخر، لكن لم تقع أي خسائر فادحة، باستثناء الهرج البالغ الذي حدثَ جراء فزع الكثير من الركَّاب وذعرهم.
أما السائق الضخم للقاطرة رقم ستة، فقد قفزَ عنها وتقدَّم إلى الأمام، وهو يتلفَّظ بكل أنواع السباب.
«بحق الجحيم، ماذا تعني بسيرك على السكة في موعدنا بهذا الشكل؟ أهذا أنت يا ساجَرت؟ كنت أظنُّ أن هناك سائقًا جديدًا الليلة. لم أكن أتوقَّع ذلك منك.»
«لا بأسَ يا بيلي. لم يكن هذا خطأ السائق الجديد. لقد وقَعَ في الخلف وأعتقد أنَّ ساقه قد كُسِرت بسبب الطريقة التي قفزَ بها من القطار. إنَّ اللوم يقع على القاطرة رقم ستة وثمانين العتيقة. لقد كانت في حالة هياج. واستغلَّت وجود سائقٍ جديد لا يعرف كيف يشدُّ لجامها.»
أتى محصِّل التذاكر مُسرعًا.
وصاحَ قائلًا: «كيف الحال؟»
«كلُّ شيءٍ على ما يرام. لقد كسَرت القاطرة رقم ستة وثمانين أنفَها، ونالت جزاءها، هذا كلُّ ما في الأمر. أخبِر الركَّاب أنه ما من خطرٍ هناك، واطلب منهم أن يَصعدُوا على متن القطار. سنعود أدراجنا إلى بوينتسفيل. ومن الأفضل أن نرسل عُمَّال المكابح ليأتوا بالسائق الآخر. الأرضُ صلبةٌ الليلة بفِعل الصقيع، ومن المحتمَل أنه قد أُصيبَ.»
قال مُحصِّل التذاكر بنبرةٍ حادة: «سأذهب لأتحدَّث إلى رئيس السكة. إنه في حالة ذهنية تسمح له بأن يستمع إلى صوت العقل، كما استَشفَفْتُ من النظرة العابرة التي ألقيتها على وجهِه عند باب عربته قبل لحظات. إنه إن لم يُعِدك إلى وظيفتك مرة أخرى، فسأذهب لتحصيل التذاكر في إحدى عربات النقل العام. أنه أمرٌ يثير أعصابي كثيرًا وفائقٌ عن الحَدِّ.»
وكانت مقابلة محصِّل التذاكر مع رئيس السكة مُرضية على ما يبدو، ذلك أن القاطرة العتيقة رقم ستة وثمانين تُحاول أن تُؤدِّي عملها على نحو أفضل تحت توجيهات جون ساجَرت.