كيمياء اللاسُلطويَّة
قِيلَ في الصحف اللندنية إنَّ تفكُّك منظَّمة سوهو اللاسُلطويَّة كان سببه نقص الموارد المالية. والحقيقة أبعدُ ما تكون عن ذلك؛ فالمنظَّمة اللاسُلطويَّة ليست في حاجة إلى الموارد المالية، وما دام هناك من الأموال ما يكفي لشراء الجعة فإنَّ وجود المنظمة سوف يستمرُّ لا محالة. وقد أخبرني صحفيٌّ شابٌّ بالحقيقة وراء فضِّ منظَّمة سوهو، وقد كان هو رئيس الجلسة في آخر اجتماعات المنظمة.
لم يكن ذلك الشاب من دعاة اللاسلطوية وأنصارها، رغم أنه كان يتعيَّن عليه أن يدَّعي أنه كذلك خدمةً لمصالح جريدته؛ ومن ثمَّ فقد انضمَّ إلى منظمة سوهو حيث ألقى بعض الخطب الحماسية التي لاقت استحسانًا كبيرًا. وفي النهاية، أصبحت الأخبار التي تَتناول موضوع اللاسلطوية سلعةً كاسِدة في السوق، وقد تلقَّى مارشال سيمكنز الشاب أوامرَ من رئيس تحرير الجريدة التي يعمل بها تفيد بأنه يَتعيَّن عليه الآن أن يُحوِّل انتباهه إلى العمل البرلماني؛ ذلك أن رئيس التحرير لن يَنشر المزيد من أخبار اللاسلطويين في جريدته.
ربما يَتراءَى للمرء أن سيمكنز الشاب سُرَّ بالتخلُّص أخيرًا من عمله مع اللاسلطويِّين؛ حيث لم يكن لديه أي شغف تجاه هذه القضية. وقد سُرَّ الشاب فعلًا لذلك، لكنه وجدَ صعوبة في إرسال استقالتِه من المنظَّمة. ففي اللحظة التي تحدَّث فيها عن الاستقالة، بدأ أعضاء المنظَّمة ينظرون إليه بعين الرِّيبة. كان دائمًا ما يَرتدي ملابسَ أفضل من الآخرين، فضلًا عن أنَّ احتساءَه الجعة كان أقل منهم. وإذا كان هناك مَنْ يرغب في أن يَحظى بمكانة جيدة في تلك العصبة، فعليه ألَّا يتأنَّق في ملبسه وأن يشرب ما لا يقل عن جالون من الجعة في الاجتماع الواحد. ولم يكن سيمكنز يَحتسي من الجعة سوى «ربع جالون» فقط، وكان هذا الأمر يشي به طوال الوقت لولا الحماسة الزائدة التي كانت تَغلِب على خطاباته. وفي الكثير من المناسبات تجمَّع حوله الكثير من اللاسُلطويِّين المُخضرَمين والتمَسُوا منه أن يَحيد عن نواياه العَدائية والشريرة نحو مباني البرلمان.
ذهبَ الأعضاءُ الأقدم إلى أنَّ محو المجالس البرلمانية أمر مرغوب ولكنَّ الوقت غير مواتٍ بعدُ لذلك. وقد أشاروا إلى أنَّ إنجلترا هي المكان الوحيد الذي يُمكن للاسلطويين أنْ يعيشُوا فيه ويتحدَّثوا من دون تدخُّلٍ في شئونهم؛ ومن ثمَّ على الرغم من أنهم كانوا يتلهَّفُون شوقًا أن يذهب سيمكنز ويقوم ببعض التفجيرات في فيينا أو برلين أو باريس، فإنهم لم تكن لديهم الرغبة في أن يبدأ بلندن. وكانت تهدئة سيمكنز في الغالب عملية صعبة للغاية، وفي النهاية وبعد أن همسَ لنفسه «جبناء!» مرتَيْن أو ثلاثًا، اختتَم حديثه قائلًا: «أوه، حسنًا، أنتم أكثر درايةً منِّي؛ فأنا مجرد عضو شاب، لكن اسمحوا لي على الأقل أن أُفجِّر جسر ووترلو، أو أن أزرع قنبلة في شارع فليت، لكي نُبرهِن فقط أننا موجودون وعلى أهبة الاستعداد للعمل.»
لكن اللاسلطويين ما كانُوا ليُوافقُوا على هذا. إذا كان يريد تفجير الجسور، فيمكنه أن يبدأ بتفجير الجسور التي تمتد على نهر السين. وقد اتخذوا قرارَهم بأنهم لن يقوموا بأي تفجيرٍ في لندن ما دامت إنجلترا تُشكِّل لهم ملاذًا ومأوى.
صاحَ سيمكنز في غضب: «لكن انظروا إلى ميدان ترافلغار؛ فلا يُسمَح لنا بالاجتماع هناك.»
فقال رئيس الجلسة: «ومَنْ يُريد الاجتماع هناك؟ إنَّ الاجتماع في هذه الغرف يُوفِّر لنا قدرًا أكبر من الراحة، كما أنه لا توجد جعة في ميدان ترافلغار.» وقال بضعة أعضاء آخرين: «أجل، أجل. لم يَحِن الوقت لذلك بعد.» وهكذا هدَّءوا من حماسة سيمكنز، وسُمِحَ بصَب الجعة مرةً أخرى في هدوءٍ، في حين أنَّ واحدًا من دُعاة اللاسلطوية الأجانب، والذي لم يكن مسموحًا له بأنْ تطأ قدمه أرضَ بلاده، كان يقف متحدثًا بإنجليزيةٍ ركيكةٍ عن الأشياء الرائعة التي يُمكنهم القيام بها باستخدام الديناميت.
لكن عندما أرسلَ سيمكنز استقالته تغيَّرت نظرتهم إليه، ورأى في الحال أنه صارَ مُشتبهًا به. وقد نصحَه رئيس الجلسة هامسًا بأن يسحب استقالته. ومن ثمَّ، وقفَ سيمكنز الفَطِن متفهِّمًا حِدَّة طباع الجَمْع وقال:
«لا نية لديَّ للاستقالة، لكنكم لا تفعلون شيئًا سوى الكلام، وأريدُ أن أنتميَ إلى جمعية لا سُلطوية تُطبِّق مقولة «أفعال لا أقوال».» ولم يحضر الاجتماع التالي لذلك، وحاولَ أن يتخلَّص منهم بهذه الطريقة، لكن زارته إحدى لجان المنظمة في مَسْكنه، وظنَّت مالكة المنزل أن سيمكنز الشاب قد تورَّطَ في أمور سيئة حين رأت أولئك الرجال ذوي المظهر الخبيث الماكِر وهم يزورونه.
وُضِعَ سيمكنز في مأزق، ولم يَستطِع أن يتخذ قرارًا بشأن ما يَتوجَّب عليه أن يفعل. وباتَ واضحًا أنه لن يستطيع التخلص من مجموعة اللاسلطويين هؤلاء. فعادَ إلى رئيس التحرير طالبًا مشورته بشأن الوضْع، لكن لم يستطع هذا الرجل أيضًا أن يجدَ أيَّ مَخْرَج من هذا المأزق.
فقال له: «كان عليك أن تكون أذكى من ذلك، بدلًا من الانخراط مع أولئك الأشخاص.»
سأله سيمكنز في سخطٍ وغضب: «ولكن أنَّى لي الحصول على الأخبار؟» فهزَّ رئيسُ التحرير كتفيه. ولم يكن هذا الأمر يعنيه؛ ولو أنَّ اللاسُلطويِّين اختاروا أن يعكروا صفو حياة الشاب، فليس ثمة ما يَسعُه فعله.
وكان زميلُ سيمكنز في السكن طالبًا يدرس الكيمياء في لندن، ولاحظَ أنَّ الصحفي قد أصبحَ هزيلًا واهنًا من الجزع.
قال له سيدليتز ذات صباح: «تبدو منهكًا ومهمومًا يا سيمكنز، ما خطبُكَ؟ هل أصابك سهم العشق، أم أنَّ هناك دَينًا يُثقِل كاهلك؟»
فأجابه سيمكنز: «لا هذا ولا ذاك.»
قال سيدليتز: «ابتهِج إذن. إنْ كان لا هذا ولا ذاك، فأيُّ شيءٍ آخر من السهل علاجه.»
أدركه سيمكنز: «لست واثقًا من ذلك.» ثم جلسَ وأخبر صديقه ما كان يُزعجه.
قال سيدليتز: «آه، هذا يُفسِّر ما رأيتُ إذن. كان هناك همجيٌّ أشعث يتجوَّل في الأرجاء ويُراقب المنزل. إنهم يتتبعونك يا صديقي وحين يكتشفُون أنك صحفيٌّ ومن ثمَّ خائنٌ، فقد يقبضون عليك في إحدى الليالي المظلمة.»
قال سيمكنز وقد دفنَ رأسه بين يديه: «كم هذا مُشجِّع.»
سأله سيدليتز: «هل يتسم هؤلاء اللاسلطويُّون بالشجاعة، وهل هم على استعدادٍ للمخاطرة بحياتهم في سبيل أي شيء؟»
«أوه، لا أعلم. إنهم يتحدَّثون كثيرًا، لكنني لا أعلم ما يُمكن لهم القيام به. لكن يُمكنهم فعلًا القبض عليَّ في أحد الأزقة المظلمة.»
قال سيدليتز: «اسمع، لنفترض أنك ستَسمح لي بتجربة إحدى الخطط. دعني أحاضرهم عن كيمياء اللاسلطوية. إنه موضوعٌ جذَّاب.»
«وما النفعُ الذي قد يعود من ذلك؟»
«أوه، انتظر حتى تسمع المحاضرة. إذا لم أجعل شَعر بعضِهم يَنتصب رعبًا، فإنهم عندئذٍ أشجعُ مما نتخيَّل. لدينا حجرةٌ كبيرةٌ في حانة كليمنت، حيث نتقابل نحن الطلاب لأداءِ بعض التجارب ولتدخين التبغ. إنَّ نصف المكان نادٍ، ونصفَه قاعة محاضرات. والآن أقترح أن نُحضِر هؤلاء اللاسُلطويِّين إلى هناك، وأن نُوصِد الأبواب، وأن نُخبرهم شيئًا عن الديناميت وغيره من أنواع المتفجِّرات. وستقول أنت إنني أمريكيٌّ من دُعاة اللاسلطوية. أخبرهم أن الأبواب ستُوصَد لمنع دخول الشرطة، وأنه سيكون هناك برميلٌ من الجعة. ويُمكنك أن تقدِّمني بصفتي رجلًا من أمريكا حيث يعرفون هناك عن اللاسلطوية في عشر دقائق ما يعرفونه عنها هنا في عشر سنوات. وأخبِرهم أنني قضيتُ حياتي في دراسة المتفجِّرات، وسيكون عليَّ أن أضع بعض المساحيق على سبيل التنكُّر، لكنك تعرف أنني ممثل هاوٍ ضليع، ولا أعتقد أنه ستكون هناك مشكلة في هذا الشأن. وفي النهاية عليك أن تُخبرهم أن لديك موعدًا وأنك ستَتركني لأذهلهم لبضع ساعات.»
قال سيمكنز: «لكنَّني لا أرى نفعًا من كل ذلك، وإنْ كنت قد أصابني اليأس وعلى استعدادٍ لفعل أي شيء. لقد فكَّرتُ في تفجير نفسي في أحد اجتماعاتهم.»
وحين حلَّ مساء يوم الجمعة الذي سيُعقَد فيه الاجتماع، امتلأت القاعة الكبرى في حانَة كليمنت عن آخرها. ورأى المُجتمعُون هناك منصَّة في أحد أطراف المكان، وبابًا يُؤدِّي منها إلى حجرة في مؤخِّرة القاعة. وكانت هناك طاولة على المنصَّة، وعليها صناديقُ وأجهزة كيميائية وأدوات علمية أخرى. وفي تمام الساعة الثامنة، ظهر سيمكنز الشابُّ واقفًا وحده أمام الطاولة وقال:
«زملائي اللاسُلطويِّين، أنتم تعرفون جيدًا أنني سئمتُ الأحاديث الكثيرة التي نخُوض فيها، وسئمتُ كذلك قلة ما نأتي به من أفعال بعدها. وكنتُ محظوظًا بما يَكفي لأن أحصل على تعاون أحد دعاة اللاسلطوية الأمريكيِّين، الذي سيُحدِّثكم عن تلك القضية هناك. لقد أوصدنا الأبواب، والأشخاص الذين يَحتفظُون بالمفاتيح يَجلسُون الآن بالأسفل أمام مَدْخل الحانة، حتى يَستطيعُوا إخراجنا بسُرعة إذا ما وقع حريق. لا يوجد خطر كبير من اندلاع حريق، بيدَ أننا يَنبغي أن نُحصِّن أنفسنا جيدًا من تدخل الشرطة ومقاطعتها. والنوافذ — كما ترون — مُغلَقة ومُزوَّدة بقُضبان، ولا يُمكن لشُعاع ضوءٍ أن ينفذ من هذه الغرفة إلى الخارج. وحتى تَنتهي المُحاضَرة، لا أحدَ بوسعه أن يُغادِر الغُرفة، كما أن لا أحدَ بوسعِه الدخول إليها، وهذا إمعانًا في تحقيق الغرض.
لقد كرَّسَ صديقي البروفيسور جوزايا بي سليفرز حياته لدراسة كيمياء اللاسُلطوية، وهذا هو عنوان المحاضرة اليوم. وسيُخبركم عن بعض الاكتشافات المهمَّة، التي سيَكشِف عنها الآن لأوَّل مرة. ويؤسفني أن أقول إنَّ البروفيسور ليس في حالة صحية جيدة جدًّا؛ وذلك بسبب السلبيات والعوائق التي تَعتري خطَّ الحياة الذي انتهجه. لقد فقدَ عينه اليُسرى في انفجار سابق لموعده أثناء إجرائه بعض التجارب. كما أنه أصيبَ بإعاقة مستديمة في ساقه اليُمنى. وستُلاحظُون أن ذراعه اليُسرى معلَّقة في حمَّالة كَتِف، وذلك جراءَ إصابته في حادثة صغيرة وقَعَت في مختبره حين قَدِمَ إلى لندن. وكما سترَون، فإنه رجلٌ كرَّسَ رُوحَه وجسَدَه لخدمة القضية؛ ولذا آمُلُ أن تُنصتُوا إليه جيدًا وتُعيرُوه آذانًا مُصغية. ويُؤسفُني أنَّني لن أتمكَّن من البقاء معكم الليلة؛ وذلك لأنني مشغول بمهامَّ أخرى مُلحَّة يتوجَّب عليَّ القيام بها. ومن ثمَّ إذا سمحتُم لي، فسأُغادر من المدخل الخلفي بعد أن قدمت البروفيسور إليكم.»
في تلك اللحظة سُمعَ صوت وَقْع قدم خشبية، ورأى الحضور أمامهم رجلًا يَسير بعُكَّاز، وإحدى ذراعَيه مُعلَّقة في حمَّالة كتف ويلفُّ إحدى عينيه بضمادة، وقد نظرَ إليهم بعينه الأخرى بودٍّ.
قال سيمكنز: «زملائي اللاسُلطويِّين، اسمحوا لي أن أُقدِّم لكم البروفيسور جوزايا بي سليفرز من الولايات المتحدة.»
وهنا انحنى البروفيسور وصفَّقَ الحضور. وبمجرَّد أن بدأ التصفيق، رفعَ البروفيسور ذراعه السليمة وقال: «أيها السادة، أستميحكم عذرًا ألَّا تُصفِّقُوا.»
فيما يبدو، جرى العُرف في أمريكا على مخاطبة جميع الرجال من كل الفئات والأنواع ﺑ: «أيها السادة.»
وأكملَ البروفيسور حديثه: «في حوزتي بعض المتفجِّرات الشديدة الحساسية للغاية حتى إنها لتَنفجِر عند أقل اهتزاز؛ ولذا فإنَّني أطلبُ منكُم أن تَستمعُوا في صمتٍ إلى ما سأقول. وعليَّ أيضًا أن أطلُبَ منكُم تحديدًا ألَّا تَضربُوا الأرضَ بأقدامكم.»
وقبل أن يَختتمَ البروفيسور كلامه، كان سيمكنز قد انسلَّ خارجًا من المدخل الخَلفي، وبطريقة ما خلَّف فراره هذا تأثيرًا مكدرًا على الرفاق الذين نظروا إلى البروفيسور المُبتَلى بعيونٍ يملؤها العجب والتوجُّس.
سحبَ البروفيسور نحوه أحدَ الصناديق وفتحَ غطاءَه. ثم وضعَ يدَه السليمة في الصندوق ورفَعَها وتركَ شيئًا مثل نشارة الخشب المبلَّلة يَنسلُّ من بين أصابعه وقال في ازدراءٍ شديد: «هذا أيها السادة هو ما يَعرفه العالَم باسم الديناميت. ولا شيءَ لديَّ أقولُه ضده. ففي عصره كان الديناميت وسيلة فعَّالة للغاية لتوصيل أصواتنا إلى آذان العالَم أجمع، إلا أنَّ عصره هذا قد ولَّى وانقضَى. إنه الآن مثل العربة التي تجرُّها الجياد في مقابل القطار، أو مثل الخطابات في مقابل البرقيات، أو مثل السفينة الشراعية في مقابل السفينة البخارية. وسيكون من دواعِي سُروري الليلة أن أُقدِّم لكم مادة مُتفجِّرة شديدة القوة والفتْك، وبعدما ترون ما يمكن أن تفعله تلك المادة لن يسعكم سوى الاستهزاء بالمركَّبات البسيطة وغير الضارة كالديناميت والنتروجلسرين.»
ثم نظرَ البروفيسور إلى الحضور أمامه في تعاطفٍ ولطفٍ بينما كان الخليط الأصفر ينسل ببطءٍ من بين أصابعه إلى الصندوق مرةً أخرى. ثم راحَ البروفيسور يُكرِّر تلك الحركة مراتٍ ومرات.
وتبادَل أنصارُ اللاسلطوية الموجودون في الغرفة فيما بينهم نظراتٍ تنمُّ عن القلق والاضطراب.
ثم استطردَ البروفيسور قائلًا: «لكن، سيكون من المفيد لنا أن ننظر في أمر هذه المادة لبضع دقائق، وذلك بغرض المقارنة ليس إلا.» ثم قالَ وهو يدسُّ يدَه في صندوق آخر ويُخرج أمام أعينهم حجرًا أصفر اللون: «هَاكَ هو الديناميت في صورته المنضغطة. يوجد هنا ما يكفي لتدمير هذا الجزء من مدينة لندن. يُمكن لهذا الحجر الصغير أن يُحوِّل كاتدرائية القديس بولس إلى خراب؛ ولذا مهما بدا أنَّ الديناميت قد عفَا عليه الزمن، فعلينا دومًا أن ننظر إليه بإجلال واحترام، تمامًا كما ننظر إلى المصلحين من القرون السابقة الذين هَلَكوا في سبيل إعلاء آرائهم، وإنْ كانت آراؤهم اليوم متأخِّرةً كثيرًا عن رَكْبِ آرائنا الآن. وسأسمحُ لنفسي بإجراء بعض التجارب باستخدام حجر الديناميت هذا.» وبقوله هذا، أمسكَ البروفيسور بحجر الديناميت بيده السليمة وأطاحَ به على طول الممرِّ حيث سقطَ على الأرض فأصدرَ صوتًا مكتومًا بغيضًا. فوثبَ الحضور كلٌّ عن مقعدِه وتراجعُوا للخلفِ بعضهم فوقَ بعض. وانطلقت في الهواء صرخاتُ الذعر، لكن البروفيسور نظرَ في هدوءٍ إلى الجَمْع المضطرب أسفل منه وعَلَت وجهَه ابتسامةٌ شامخة وقال: «أستميحكم عذرًا أن تعودوا إلى مقاعدكم، ولأسبابٍ شرحتُها لكم بالفعل، أثقُ أنكم لن تستحسنوا أيًّا مما أقول لكم. لقد جسدتُم الآن إحدى الخرافات الشهيرة بشأن الديناميت، وقد برهنتُم بأفعالكم هذه كيف أنَّ هذه المحاضرة مهمة للغاية للوصول إلى استيعابٍ أفضل من جانبكم للمادة التي عليكم التعامُل معها. إنَّ هذا الحجر غير ضارٍّ بالمرة؛ لأنه مُجمَّد. إنَّ الديناميت في حالته المجمَّدة لا ينفجر، وهي حقيقة يعرفها جيدًا مَنْ يعملون في المناجم وجميعُ مَنْ يتعاملون معه، والذين يُفضِّلون بصفةٍ عامةٍ تفجير أنفسهم إلى أشلاء في محاولة إذابة الثلج عن هذه المادة أمام اللَّهب. هَلا أحضرتم لي هذا الحجر من فضلكم، قبل أن يذوب الثلج عنه بفِعل حرارة الغرفة؟»
تقدَّم أحد الرجال بحذرٍ شديد وحملَ الحجر وهو يُمسك به بعيدًا عن جسده، وسارَ على أطراف أصابعه نحو المنصة ووضعه بحذرٍ شديد على المكتب أمام البروفيسور.
قال البروفيسور بنبرةٍ لطيفة: «شكرًا لك.»
شهقَ الرجل شهيقًا عميقًا ينم عن شعوره بالارتياح بينما كان يعود إلى مقعده.
واستطردَ البروفيسور قائلًا: «هذا هو الديناميت المجمَّد، وهو كما قلت غير ضار من الناحية العملية. والآن، سيكون من دواعي سروري أن أُجريَ أمامكم تجربتَين مذهلتَين على الديناميت وهو غير مجمَّد.» وحين انتهى من هذه الجملة قبضَ على حفنة من الغبار المبلل الأشبه بنشارة الخشب ورشَّه على سندان صغير من الحديد كان موضوعًا على الطاولة. وقال: «ستستمتعون بهذه التجارب؛ لأنها ستُريكم كَم من السهل التعامُل مع الديناميت. ومن الأخطاء الشائعة أنَّ الديناميت ينفجر بفِعل الصدمات. يوجد ما يكفي من الديناميت هنا لتدمير هذه القاعة وإرسال كل مَنْ فيها إلى غياهب النسيان، لكنكم سترون بأنفسكم إنْ كانت الصدمات تؤدي إلى تفجير الديناميت أم لا.» ثم أمسك البروفيسور بمطرقة وهوى على المادة الموجودة على السندان مرتَين أو ثلاثًا، في حين وثبَ مَنْ هم أمامه من مقاعدهم واندفعوا بعنفٍ تجاه زملائهم من خلفهم، وقد سرَتِ القُشَعْرِيرة في أجسادهم. توقَّف البروفيسور عن طرقه وحدَّق فيهم بنظرةٍ فيها توبيخ لهم، ثم بدا أنَّ شيئًا على السندان قد جذبَ انتباهه. فانحنى عليه وراحَ ينظر بدقة إلى سطحه الحديدي. ثم انتصبَ في وقفته مرةً أخرى وقال:
«كنت على وشك أن أوبِّخكم على ما قد يبدو لأي رجل آخر دليلًا على الخوف، لكنَّني أدركتُ خطئي. كنت على وشك أن أرتكب خطأً فادحًا. لقد عانيتُ بنفسي بين الحين والآخر من أخطاء مشابهة. لقد لاحظتُ على السندان بُقعة شحم صغيرة، ولو تصادفَ أن طرقتُ على تلك البقعة بالمطرقة لكنتم جميعًا الآن تتلوَّون في سكرات الموت تحت أطلال هذه البناية. لكن لن يمرَّ الدرس المُستفاد هنا مرور الكرام. إنَّ بقعة الشحم تلك هي من النتروجلسرين الحر الذي نضحَ به الديناميت. وربما كان هذا هو مصدر الخطر الوحيد في التعامل مع الديناميت. وكما أوضحتُ لكم، يُمكنُكم أن تسحَقُوا الديناميت على سندان دون خطورة، ولكن إذا تصادفَ أن وقعت المطرقة على بقعة من النتروجلسرين الحر، فسينفجر الديناميت في لحظة. وأستميحكم عذرًا أن تغفروا لي إهمالي اللحظي العابر.»
هنا نهضَ رجلٌ في منتصف القاعة، ومرَّ بعضُ الوقت قبل أن يستجمع شتات نفسه ليتحدَّث، ذلك أنه كان ينتفض وكأنه مصابٌ بالشلل. وفي النهاية، قال بعد أن بلَّل شفتَيه بلسانه عدة مرات:
«أيها البروفيسور، إننا نتوق إلى أن نستمع إلى ما لديك حيال تلك المادة المتفجِّرة. وأعتقد أنني أتحدَّث باسم زملائي ورفاقي جميعًا هنا. إننا ليس لدينا أدنى شك حيال ما تعلِّمنا إياه، ونود كثيرًا أن نستمع إلى ما سوف تقول عن موضوع المحاضرة، ولا نُريد منك إهدار المزيد من الوقت الثمين على التجارب. إنني لم أَستشِر زملائي قبل حديثي هذا، لكنني أعتقد أنني أنطقُ هنا بصوت المنطق لديهم.» فدوَّت صيحات «هذا صحيح، حقًّا.» في جميع أرجاء القاعة. فنظرَ إليهم البروفيسور مرةً أخرى بنظرة ودٍّ وامتنان.
وقال لهم: «ثقتُكم فيَّ مؤثرة بالفعل، لكن إلقاء محاضَرة كيميائية من دون إجراء التجارب هي كجسد من دون رُوح. إنَّ التجارب هي رُوح البحث العلمي. ويتعيَّن علينا في مجال الكيمياء ألَّا نُسلِّم بأي شيءٍ جدلًا. لقد أريتكُم كيف أنَّ الكثير من الأخطاء الشائعة قد ظهرت فيما يتعلَّق بالمادة التي نتعامل معها. وما كان من المُمكِن إبراز كل تلك الأخطاء الشائعة لو أنَّ كل شخص قد أدَّى التجارب بنفسه؛ وعلى الرغم من أنَّني أشكرُكم على ثقتكم التي منحتموني إياها، فإنني لا أستطيع أن أحرمَكم المتعة التي ستحصلون عليها من إجراء تجاربي. وهناك خطأٌ شائع آخر مفاده أنَّ النار تؤدي إلى تفجير الديناميت. وهذا ليس بصحيح أيها السادة.»
أشعلَ البروفيسور عود ثقاب على بنطاله وأشعل المادة الموجودة على السندان. فاحترقت المادة بلهب أزرق شاحِب، وراحَ البروفيسور ينظر إلى الرفاق اللاسُلطويين حوله في نظراتٍ تنم عن انتصاره.
وفيما كان الجمهور المُرتعِد يُشاهد اللهب الأزرق الباهت في انفعال شديد، انحنى البروفيسور فجأة ونفخَ فيه فأطفأه. فانتصبَ في وقفته مرة أخرى وقال: «ينبغي لي أن أعتذر إليكم؛ لأنني نسيتُ أمر بقعة الشحم الصغيرة. لو أنَّ النار وصلت إلى بُقعة النتروجلسرين لانفجرت المادة، كما تعلمون. إنَّ المرء حين يُركِّز تفكيره على أمر بعينه، فإنه يكون عُرضة لنسيان أمر آخر. لن أجري مزيدًا من التجارب على الديناميت.» ثم قال موجِّهًا حديثه إلى مُرافِقِه المُرتعِش: «هَاكَ يا جون. خُذْ هذا الصندوق بعيدًا، وحرِّكه بحرصٍ شديد؛ لأنني أرى أن النتروجلسرين ينضح منه. وضَعْه بحرص بالغ في الغرفة المجاورة وكأنك تضع صندوقًا من البيض.»
وعندما توارى الصندوق عن أعيُن الحضور، راحَ الجميع يتنفسون الصعداء في أنفاس شهيقٍ عميقة تنم عن شعورهم بالارتياح.
ثم قال البروفيسور: «والآن أيها السادة، نأتي إلى المادة التي ستذهل أولي الألباب.» وعدَّلَ شعره براحة يده السليمة في حركة تنم عن شعوره بالرضا عن نفسه وراحَ يبتسم لمَنْ حوله ابتساماتٍ لطيفة.
«إنَّ المادة التي أنا على وشكِ أن أحدِّثكم عنها هي من اختراعي، وهي للديناميت كشرب حمض البروسيك في مقابل شرب الحليب الطازج.» ثم دسَّ البروفيسور يدَه في جيب سترته وأخرجَ ما بدا وكأنه علبة من الحبوب. ثمَّ أخذ حبَّة منها ووضعَها على السندان وبينما تراجَعَ إلى الخلفِ بضعَ خطوات على أطراف أصابعه راحَ يبتسم لها في حنوٍّ بالغ. «وقبل أن أبدأ بالحديث عن هذه المادة أريد أن أحذِّركم مرةً أخرى من أنها ستَنفجِر وستُحوِّل لندن من هنا حتى تشارينج كروس إلى خرابٍ وأطلال، وهذا إذا ما ضربَ أيُّ امرئٍ بقدمه على الأرض أو تحرَّك من مكانه، اللَّهم إلا إذا كان ذلك على أطراف قدميه. لقد قضيتُ عشرة أعوام من حياتي في إتمام هذا الاختراع. إنَّ هذه الحبوب التي تساوي العلبة منها الملايين في مقدورها أن تشفيَ كلَّ الآلام التي يُعاني منها الإنسان.»
ثم قالَ وهو يلتفتُ نحو مُرافقه: «أحضِر لي يا جون حوضًا من الماء!» ثم وُضِعَ حوضُ الماء أمامه على الطاولة في حذر شديد، وأفرغَ البروفيسور كلَّ الحبوب فيه، ثم أخذَ أيضًا الحبَّة التي كانت على السندان ووضعَها في الماء مع الأخريات.
ثم قال بعد أن تنهَّد تنهيدة عميقة: «والآن، يمكننا أن نلتقط أنفاسنا. يُمكن أن يضعَ المرءُ إحدى هذه الحبوب في قنينة ماءٍ صغيرة، ويضع القنينة في جيب سترته، ويذهب إلى ميدان ترافلغار ويخرج الحبَّة من القنينة، ويرمي بها في منتصف الميدان وستُدمر كلَّ شيء في نطاق دائرة نصف قطرها أربعة أميال، وسيحصل هو بنفسه على شرف الاستشهاد في سبيل القضية. وقد أخبرني الناس أنَّ هذا هو أحد سلبيات اختراعي، لكنني أميلُ إلى الاختلاف معهم في الرأي. إنَّ مَنْ يستخدم هذه الحبَّة لا بدَّ أن يعقد عَزْمَه على مشاركة مَنْ هم حوله في مصائرهم. ويُمكنُني القول إنَّ هذا هو التتويج العظيم لاختراعي. فهذا الاختراع يضع اهتمامنا بقضيتنا العظيمة موضِع اختبارٍ لحظي. أحضِر لي يا جون بحذرٍ شديدٍ الآلةَ ذات الوصلات الكهربائية من الغرفة المجاورة.»
وُضِعَت الآلة على الطاولة، وقالَ البروفيسور وهو يُمسك بشيءٍ خفيٍّ بين طرفَي إصبعيه السَّبابة والإبهام: «هذه هي أدقُّ إبرة مصنوعة من خامة الكامبريك، وسأضعُ على طرفِها جزءًا ضئيلًا من المادة التي تحدَّثت عنها.» وهنا انتقى بحذرٍ شديدٍ حبَّةً من الحبوب الموجودة في حوض الماء، وبنفس درجة الحذر وضعَ الحبَّة على الطاولة حيث أخذَ منها ذرَّة متناهية الصغر ووضعَها على طرف الإبرة وقال: «هذا الجزء ضئيلٌ للغاية بحيث لا يمكن رؤيته إلا باستخدام المجهر. والآن سأضعُ الإبرة وما عليها في الآلة وسأمرِّر إليها تيارًا كهربيًّا.» وبينما كانت يدُه تتَّجه نحو زر التشغيل تعالَت صيحات الجمهور قائلين: «توقَّف! توقَّف!» لكنه حطَّ بإصبعه على الزر فوقع انفجار هائل في الحال. شعرَ الحضور أنَّ البناية اهتزت من أساسها، وتكوَّنت سحابة كثيفة من الدخان في سماء القاعة فوق رءوسهم. وحين تَمكَّن البروفيسور من الرؤية مرةً أخرى من خلال الدخان المنقشع، نظرَ حوله باحثًا عن جمهوره. كان الجميع تحت المقاعد، وجاءت تأوُّهاتهم من جميع أرجاء القاعة. فقال البروفيسور بنبرةٍ تنمُّ عن القلق: «آملُ أنَّ أحدًا لم يتأذَّ. أخشى أنني أخذت الكثير من المادة على طرف الإبرة، لكن هذا يجعل في مقدوركم تخيُّل التأثير الذي تُحدثه كمية أكبر منها. من فضلكم اجلسُوا في مقاعدكم مرةً أخرى. هذه هي تجربتي الأخيرة.»
جلسَ الجمهور كلٌّ في مكانه مرةً أخرى، فأطلقَ الجميع تنهيدة ارتياح أخرى. سحبَ البروفيسور كرسيَّ رئيس المجلس نحوه وجلسَ فيه وهو يَمسح جبهته.
وفي الحال نهضَ رجلٌ وقال: «أودُّ أن نَشكُر جميعًا البروفيسور سليفرز على تلك التجارب الشيقة.»
رفعَ البروفيسور يدَه وقال: «لحظة واحدة، لم أنتهِ بعدُ. لديَّ اقتراح أقدِّمه لكم. أترون سحابة الدخان التي تحلِّق فوق رءوسنا؟ في غضون عشرين دقيقة سيترشَّح هذا الدخان ويختلط بجو القاعة. أنا لم أخبركم إلَّا بنصف مزايا هذا الانفجار الهائل. حين يختلط هذا الدخان بجو القاعة سيُصبح سُمًّا قاتلًا. يمكننا جميعًا أن نظل على قيد الحياة في أمانٍ تامٍّ على مدى التسع عشرة دقيقة القادمة، ولكنَّنا سنموت جميعًا مع أول نفس نستنشقه بعد ذلك. إنها لميتة مُريحة. لن يكون هناك ألم، ولن تكون هناك معاناة أثناء الموت، غير أنهم سوف يَعثُرون علينا في الصباح متصلِّبين وجامدين في مقاعدنا. إنني أقترحُ أيها السادة أن نعلِّم لندن الدرس المهم الذي تحتاج إليه بشدة. لا توجد قضية بلا شهداء يبذلون أرواحهم في سبيلها. لنكن نحن شهداء قضية اللاسلطوية العظيمة. لقد تركتُ في حجرتي أوراقًا توضح كيف مِتنا وأسبابَ ذلك. وستُوزَّع هذه الأوراق بحلول منتصَف الليل على كلِّ الصحف في لندن، وغدًا ستُذاع أسماؤنا النبيلة في كل أرجاء العالَم. والآن سأطرح هذا الاقتراح إلى التصويت. فليرفَع كلُّ مَنْ يؤيده يدَه اليُمنى كالمعتاد.»
وكانت يد البروفيسور اليُمنى هي اليد الوحيدة المرفوعة.
قال البروفيسور: «والآن كلُّ مَنْ لديه رأيٌ مُعارِض …» وهنا رفعَ الجميع يدَه.
قال البروفيسور: «إذن ربحَ المعارضون.» لكنَّه لم يكن يبدو عليه أي استياءٍ حيال ذلك. فاستطردَ قائلًا: «أيها السادة، أرى أنكم خمَّنتم اقتراحي الثاني — كما تخيَّلتُ أنكم ستَفعلون — وعلى الرغم من أنه لن تكون هناك صحف في لندن بحلول الغد لكي تُسجِّل ما حدث، فإنَّ صحف العالَم أجمع ستقصُّ أنباءَ تدمير هذه المدينة اللعينة. أرى من النظرة التي تعتلي وجوهكم أنَّكم تؤيدونني في هذا. إنَّ اقتراحي الثاني — وهو من أكثر الأمور التي خُطِّط لها بطشًا — هو أن نُفجِّر كلَّ تلك الحبوب الموجودة في الحوض. ولكي نحرص على ذلك، فقد أرسلتُ إلى عميل في مدينة مانشستر القصة الكاملة لكل ما دارَ هنا، وكذلك القرارات التي خرجنا بها من هذا الاجتماع، والتي ستقبلونها بلا أدنى شك.
أيها السادة، فليُعبِّر كلُّ مَنْ يؤيد تدمير لندن عن ذلك بالطريقة المعتادة.»
قال الرجل الذي كان قد تحدَّث سابقًا: «أيها البروفيسور، قبل أن تضع هذا القرار موضع تصويت أريدُ أن أقترح تعديلًا. هذا اقتراح في غاية الجدية والخطورة ويَنبغي عدم التعامل معه باستهانة. ولذا فإنني أقترحُ كتعديلٍ أن نُرجئ هذا الاجتماع ونَعقده في مقرِّنا في سوهو، وأن نُنفِّذ التفجير من هناك. كما أنَّ لديَّ عملًا بسيطًا يجب أن أنجزه قبل أن نَشرع في تنفيذ هذا المشروع الضخم.»
قال البروفيسور حينها: «أيها السادة، يأخذ هذا التعديل الأولوية. لقد تقرَّر إرجاءُ هذا الاجتماع حتى يمكنكم دراسة المشروع في مقرِّكم في سوهو.»
قال خمسة عشر رجلًا من الحضور وهم يهبُّون واقفين على أقدامهم: «وأنا أؤيد هذا التعديل.»
قال البروفيسور: «وفي غياب رئيس المجلس الدائم، من واجبي أن أضعَ التعديل موضع تصويت. كلُّ مَنْ يؤيد هذا التعديل يرفع يدَه اليُمنى.»
فرفعَ الجميعُ يدَه. «أيها السادة، موافَقة بتمرير التعديل. يسرُّني جدًّا أن ألقاكم غدًا مساءً في مقرِّكم، وسأحضر معي كمية أكبر من مُتفجِّراتي. فضلًا يا جون، اذهب وأخبِر الرجلَ أن يفتح الأبواب.»
وحين ذهبَ سيمكنز وسليفرز في مساءِ اليوم التالي إلى مقر الاجتماع الدائم لأنصار اللاسلطوية، لم يجدوا أيَّ إشارة على وجود اجتماع من أيِّ نوع، ومنذ تلك المحاضرة لم تعقد منظمة سوهو اللاسلطوية أيَّ اجتماع لها، فقد انحلَّت على نحو غامض.