الهروع إلى الشمال
قال جرانت: «سيمبسون، ماذا كنتَ بالأمس عندما كنت تجمع معلوماتٍ عن آل راتكليف؟»
«لقد كنت جُنديًّا سابقًا يبيع دفاترَ كتابة، يا سيدي.»
«أوه، حسنًا، يمكنك أن تكون جنديًّا سابقًا مرةً أخرى اليوم. محترمًا للغاية، نظيفًا، ترتدي مِعطفًا بياقة، وليس وشاحًا، وعاطلًا عن العمل. أريد أن أعرف عن السيدة إيفريت التي تعيش في المنزل رقم ۹۸ في برايتلينج كريسنت، قبالة شارع فولام. لا أريد أيَّ عمل خاصٍّ ببيع السِّلَع. إنها ليست من ذلك النوع، ويجب أن تكون حذرًا للغاية. تبدو كأنها من روَّاد الكنيسة. جرِّب ذلك. أعتقد أنك ستجد ذلك مفيدًا. فباستثناء النادي، هي المجتمع الأكثرُ ثرثرةً الذي أعرفه. وقبل كل شيء، أريد أن أعرف أين يعيش أصدقاؤها وأقاربها. لا تهتمَّ بمراسلاتها. يمكنني مراقبة ذلك بنفسي، وعلى أي حال، لديَّ فكرة أنه من غير المحتمل أن يكون ذلك مفيدًا. فالسيدة إيفريت ليست ساذَجة. ضع ذلك في رأسك وتذكَّرْه. لا تعمل أسرعَ مما تستطيع بأمان. إذا اكتشفتك، فهذا يعني أنه سيتعيَّن على شخص آخر تولِّي زمام الأمور، مما سيُفسد مسار التحقيق الواعد. وفي اللحظة التي تحصل فيها على شيءٍ ما، أخبرني، لكن لا تَعُد إلى هنا حتى تتحدثَ معي عبر الهاتف أولًا.»
كانت هذه هي الطريقةَ التي أدرَك بها السيد كالديكوت، كاهن كنيسة برايتلينجسايد الأبرشية، وهو يدفع بهدوءٍ جزازة العُشب التي رفضَت المُضيَّ قُدمًا عند العُشب القاسي في حديقته الأمامية مستمتعًا بشمس شهر مارس التي كانت تنشر أشعَّتها في كل مكان، أن شخصًا غريبًا كان يشاهد عمله بمزيجٍ غريب من التعاطف والحسد. ولما رأى الغريبُ أنه قد اكتُشِف أمره، حرَّك قُبعته على نحوٍ غير ملائم، في احترام واضح للكاهن، وقال: «هذا عمل شاقٌّ في يومٍ مثل هذا، يا سيدي. هل تسمح لي بمساعدتك؟»
كان الكاهن شابًّا ومُولَعًا جدًّا بإظهار عدم ترفُّعِه عن القيام بالأعمال اليومية. سأل بابتسامةٍ أخَوية قوية: «هل تعتقد أنني غيرُ قادر على القيام بعمل مثلِ هذا بنفسي؟»
«أوه، لا يا سيدي. الأمر ليس كذلك على الإطلاق. كل ما هنالك أنني سأكون سعيدًا جدًّا لكسب قطعةٍ نقدية نُحاسية أو قطعتَين مقابل القيام بذلك من أجلك.»
قال السيد كالديكوت، بعدما أُثيرت غرائزه المهنيَّة: «حقًّا؟ هل تبحث عن عمل؟»
قال الرجل: «هذا كلُّ ما في الأمر. هل أنت متزوج؟»
«لا يا سيدي.» كان سيمبسون على وشك إضافة شكر ورِع، لكنه أوقف نفسَه في الوقت المناسب.
«ما نوع العمل الذي تبحث عنه؟»
«أي شيء.»
«حسنًا، ولكن هل لديك مِهنة؟»
قال سيمبسون معتقدًا أنه قد يتمسَّك بالحقيقة بقدرِ ما تفيده: «يمكنني صُنع أحذية يا سيدي.»
«حسنًا، ربما يكون الأمرُ أكثرَ منطقيةً إذا قمتَ أنت بجزِّ العشب واهتممتُ أنا بمهامَّ أخرى. ادخُل وتناول الغداء معي في الساعة الواحدة.»
لكن هذا لم يكن على الإطلاق ما أراده سيمبسون. المطبخ كان هدفَه، وليس محادثة الكاهن في غرفة الطعام. وبارتباك بارع، استدار متردِّدًا من الجزازة التي كان قد وضع عليها يدَيه المتحمستين بالفعل، وقال متلعثمًا: «إذا كان الأمر لا يُشكل فارقًا بالنسبة إليك، يا سيدي، فأنا أُفضِّل تناول الطعام في المطبخ. كما ترى — أنا لستُ معتادًا على النوع الآخر.»
بدأ السيد كالديكوت كلامه في دعم أخوي: «تعالَ، تعال»، وكاد سيمبسون، خوفًا من فقدان فرصتِه في الحصول على ثرثرةٍ ثمينة، أن يصطدمَ بالرجل المبجَّل.
قال بقدرٍ كبير من الإقناع في نبرةِ صوته، لدرجة أن الكاهن أفسح المجالَ له: «أرجوك يا سيدي، إذا كنتَ لا تُمانع …»
قال ببعض الحدَّة: «حسنًا، حسنًا» ولم يُظهِر اتساعَ الأفق وروحَ الأخوَّة الحقيقية ولم يأخذهما بعين الاعتبار. «إذا كنت تُفضِّل ذلك حقًّا.» ذهب بعيدًا، ولكنه عاد بعد وقتٍ قصير، وبحجَّة الاستماع إلى تاريخ سيمبسون — صنَّف زائرَه على نحوٍ غير أخوي على الإطلاق باعتباره زميلًا محترمًا للغاية — ظلَّ في المكان حتى وقت الغداء، يُثرثر بمرح حول الأشياء التي يهتمُّ بها. تحدَّث عن الحرب — لقد كان قسًّا للقوات في روان — وعن الشتلات، وسخام لندن، وجلد الأحذية — وهذا الأخير بوصفِه ذا أهميةٍ محتملة لمستمعِه — والصعوبة التي واجهَها في إقناع الشباب بالقدوم إلى الكنيسة. عندما وجد سيمبسون أن خطبتَه الأخيرة قد أثبتَت بشكلٍ قاطع أن الربَّ لا يُوافق على الرهان، وأن أولئك الذين راهنوا ارتكبوا خطيئةً في حقِّ أنفسهم، وفي حق إخوانهم، وفي حقِّ الله، لم يُفاجَأ على الإطلاق من نُدرة أتباع السيد كالديكوت من الشباب.
قال السيد كالديكوت: «بما أنك شاب. هل يمكن أن تُخبرني لماذا لا يحبُّ الشبابُ الكنيسة؟» لكن لم يكن لدى سيمبسون نيةٌ لمغادرة منزل الكاهن قبل المساء إذا كان بإمكانه فعلُ ذلك؛ لهذا امتنَع عن الإجابة، واكتفى بهزِّ رأسه بأسفٍ للإشارة إلى استنكاره الحزين. وعِلمُه بالنصف كراون الأسبوعي الذي ذهَب لإثراء وُكلاء المراهنات بدلًا من مديري الإمبراطورية المحلية؛ جعَله يهاجم عمله بحماس جديد، لكنه كان سعيدًا عندما سمع صوتَ جرسٍ في المنزل وصرَفه الكاهن بمباركته للباحة الخلفية. وكان أهمَّ من أي وجبةٍ لسيمبسون متابعةُ الأمر الذي جاء من أجله.
وللكاهن — الذي علم أنه أكثرُ العزَّاب المرغوب فيهم — خادمتان: مدبِّرة منزلٍ طاهيةٌ و«مساعدة شخصية»، تبدو تمامًا مثل كلِّ خادمة تظهر في المسرح والسينما. لقد سرَّهما الترحيبُ بمثل هذا الرجلِ الأنيق على مائدتهما، وفي الساعة التي أخذَها لتناوُل وجبته، تعلَّم سيمبسون المزيد عن ضواحي الطبقة الدنيا أكثرَ مما كان يعرف طَوال حياته التي قضاها فيها. ولكن بعدما سمع أن السيدة إيفريت كانت أرملةً متكبِّرة متغطرسة لأن والدها كان كاهنًا، لم يتعلم شيئًا يريد أن يعرفه. عندما سأل عما إذا كان والدها كاهنًا هنا، قالتا أوه، لا، لقد كان في مكانٍ ما في الشمال. مكان صغير، قد يكون متأكدًا من ذلك. وظنَّت الطاهيةُ أن السيدة إيفريت حضَرَت جميع اجتماعات الكنيسة وما شابهَ ذلك، ليس لأنها كانت حريصةً على الكنيسة، ولكن فقط لتُذكِّر الجميع أن والدها كان كاهنًا. مفكرًا في هذا التوضيح اللافت حقًّا للدافع البشري، عاد سيمبسون إلى الحديقة لاستئناف الجزِّ الذي كان على وشك الانتهاء، وبعد وقت قصير انضمَّ إليه الكاهن مرةً أخرى. كانوا سيعقدون اجتماعًا اجتماعيًّا في قاعة الكنيسة ذلك المساء — هل سيهتمُّ سيمبسون بالمجيء؟ شكره سيمبسون، وقال بصدقٍ إنه سيَسعد لذلك. في تلك الحالة كانت هناك كراسيُّ ومثلُ هذه العوائق التي يجب حملها من الكنيسة إلى قاعة الكنيسة — فهل سيرغب سيمبسون في المساعدة؟ إذا نزل بعد تناول الشاي، فسيجد لجنةَ السيدات تستعدُّ للحدَث. كانت لجنة السيدات هي أكثرَ شيء أراد سيمبسون مقابلتَه في الوقت الحالي، وأعرب مرةً أخرى عن استعداده الكامل، وغادر الكاهن.
ذهب سيمبسون إلى الكنيسة بعد ظُهر يوم من تشذيب الحواف والنميمة بالتناوبِ مع الطاهية و«المساعدة الشخصية»، التي اختلقَت أعذارًا للمجيء والتحدث معه دون أن تهتمَّ على ما يبدو بما إذا كان يُصدق الأعذار أم لا، وشاي المطبخ الذي، رغم أنه أكثرُ إنتاجيةً من اليوم السابق في شارع ليمونورا، افتقَر إلى النَّكهة التي كان يوفرها وجودُ زميله. وكانت الكنيسة التي قد حدَّد موقعها بالفعل عبارةً عن مبنًى من الطوب الأحمر بشعًا للغاية، لدرجة أنه كان من الصعب تصديقُ أن ذلك كان غيرَ مقصود. كان اللون البنيُّ المصفرُّ والأزرق الصافي للنوافذ ذاتِ الزجاج الملوَّن يُغطيه بلطفٍ الآن الغسَقُ المعطاء، لكن المساء كان له رعبٌ خاص في قاعة الكنيسة ذاتِ الإضاءة الساطعة، حيث كانت هناك امرأتان أو ثلاثٌ يندفعن مثلَ الدجاج بلا هدفٍ وبكل حماس، يتحدَّثن كثيرًا ويُحققن القليل، حيث لم تفعل أيٌّ منهنَّ شيئًا دون أن تقترح إحداهن تعديلًا، مما يؤدِّي إلى قيام اللجنة على الفور بعقد جلسة. لقد تجاوز أمدُ نقاشاتهن حدودَ صبر الرجل العادي بسبب إذعانهنَّ المستمرِّ وغير الصادق لبعضهنَّ البعض، وبعد أن شاهدهن سيمبسون من الباب مدةً قصيرة، تمامًا كما شاهد جهود السيد كالديكوت مع جزازة العشب، تقدم إلى الأمام ببطء، حاملًا قبعتَه في يدِه، ولفت الانتباه إلى نفسِه. قالت إحداهن: «هل تبحث عن شخصٍ ما؟» وأوضح أن السيد كالديكوت أرسلَه للمساعدة. لقد حقَّق نجاحًا فوريًّا. في الواقع، لقد كان مرغوبًا فيه بشدةٍ لدرجة أنه بدأ يشعر بسعادة مفرِطة، وهي حالةٌ ذهنية لا علاقة لها بعضوٍ من إدارة التحقيقات الجنائية، التي انتهت فجأةً عندما التقى في وقتٍ لاحق من المساء بمنافِسيه. أبلغ مولينز عنهنَّ بعد ذلك سرًّا، مستخدمًا عباراتٍ تصويريةً يؤسفني أنه لا يمكنني كتابتها، لكنها لم تترك مجالًا للشكِّ في ذهن مولينز فيما يتعلَّق بنوع الرجال الذين حضَروا «حفلة السمَر» تلك. إجمالًا، كان سيمبسون يشعر بالمرارة حيالَ تلك الأمسية، على الرغم من عدم فَهْمي لسبب ذلك. كان شعره الأحمر الفاتح والنمش جوازَ سفره للسعادة — لا يمكن لأحدٍ أن يُقاومهما؛ فذلك اللون الزَّهري الذي كان يُزين المواقف الصعبة — كان مثل لون توت العُلَّيق، بلمسةٍ قرمزية — لم يؤذِه على الأرجح كما قد يؤذي أرواحًا أكثرَ حساسية؛ فقد كان حتى الآن أكثرَ الرجال الموجودين شعبيةً، وقد حصل على العديد من المعلومات التي جاء ليبحثَ عنها وينتظر أن يُبلغ عنها. ولكن تظلُّ الحقيقة أنه عندما انتهت الحيلة وقال له مولينز: «الرئيس مسرورٌ بك بشأن برايتلينج كريسنت»، علا وجْهَ سيمبسون اللطيفَ سخريةٌ لا تتماشى مع الشعر الأحمر والنمش، وقال مزمجرًا، نعم مزمجرًا: «حسنًا، لقد كدحتُ من أجل ذلك!»
انتهَت «حفلة السمَر» في وقت متأخر جدًّا في الساعة العاشرة إلا الربع، وساعد سيمبسون اللجنةَ مرةً أخرى في لعب لعبة الأخذ من شخص لإعطاء الآخَر، ثم «رافَق إلى المنزل» أكثرَ النساء ثرثرةً التي كانت لطيفةً معه. لذلك في صباح اليوم التالي، أجرى جرانت مقابلةً معه وسمع كلَّ ما كان من المفترض أن يعرفه عن السيدة إيفريت.
السيدة إيفريت كانت اسكتلندية. فُسِّر افتقارها إلى اللهجة من خلال حقيقة أنها كانت في لندن لمدة ٢٥ عامًا، وأنها جاءت أصلًا من الساحل الغربي. كان والدُها قسًّا في كنيسة وي فري «كنيسة اسكتلندا الحرة» في قريةٍ على الساحل الغربي لمقاطعة روس، والآن أصبح شقيقها قسًّا هناك. كان اسمُها لوجان. لقد كانت أرملةً منذ ١٥ عامًا وليس لديها أطفال. لم تكن تحظى بشعبيةٍ كبيرة لأنها احتفظَت بأمورها لنفسها، لكنها كانت تحظى باحترامٍ كبير. حتى حقيقة أنها تركَت شقَّتها لاثنين من وكلاء المراهنات لم تكن كافيةً لتحطَّ من قدرها في عيون كنيسة برايتلينجسايد الأبرشية. لقد ذهب سوريل لها عند خروجه من الجيش، ولم يكن حينها وكيلَ مراهنات؛ لذلك ربما تم إعفاؤها من أي تهمة بشأن اختيار الفساد عمدًا كساكن. لم يكن الرجلان معروفَين شخصيًّا لأيٍّ من مُرتادي الكنيسة. لقد نُظِر إليهما من بعيد، كما فهم جرانت، باعتبارهما مجذومَين أخلاقيًّا بلا منازع، ولكن يبدو أن موضوعهما يتمتَّع بهذا الانجذاب الذي لا يفقد سحرَه أبدًا، ويمتاز به الشرُّ الشامل مقابلَ الفضيلة، ولم يتم إخفاء أي تفصيلة من حياتهما عن الأشخاص الذين من المؤكَّد أن الرجلين لم يعرفاهم شكلًا. والرجلان، كما قالت السيدة إيفريت — التي اعتقدَ جرانت أنها لن تكذبَ بشأن شيء يمكن التحقُّق منه! — ذهَبا إلى كل مكانٍ معًا. لم يكن لدى أيٍّ منهما «فتاة». كان كِلاهما ذكيَّين للغاية وفقًا لمعايير برايتلينجسايد، ووفرَت لهما السيدة إيفريت كلَّ ما يحتاجان إليه. لم يعرف أحدٌ أيَّ أقارب للسيدة إيفريت في لندن، لكنها عادةً ما تذهب إلى اسكتلندا مرةً واحدة في السنة، وإذا كان سكانها موجودين، فكانت تُعين شخصًا ما لرعايتهم مقابلَ أجر.
عندما خرج سيمبسون من الغرفة ومعه حضورُه اللامع، أرسل جرانت إلى الرجال الذين كانوا في الخدمة في كينجز كروس ويوستون ليلة الإثنين، وطلب منهم وصْفَ المشتبَه بهم الذين استجوَبوهم. توقَّف عند قصة الرجل في كينجز كروس عن شابٍّ مع والدته. قال: «صف الأم»، وفعل الرجل ذلك بدقةٍ تامة.
«ألم يكن هناك أشياءُ أخرى محتملة على متن هذا القطار؟»
قال الرجل أوه، نعم، عدة أشياء. لقد استنتج بمرارةٍ أن الموطن الأصليَّ للرجال النحيفة ذَوي البشرة الداكنة وعظام الوجنتَين البارزة يجب أن يكون شمال اسكتلندا. فقد اندفعا نحو جميع القطارات المتجِهة شمالًا.
«ما الذي جعلك تعتقد أنه ليس الرجلَ الذي تريده؟»
«طريقته يا سيدي. وطريقة المرأة. وكانت حقيبته على الرف، والأحرف الأولى عليها من الخارج ليراها أيُّ شخص — جي إل. وكان بحوزته حقيبة جولف، وبدا بشكلٍ عام مستريحًا للغاية.»
فكَّر جرانت: أحسنتِ صنعًا يا سيدة إيفريت! لم يكن الرجل الذي ترك الأوراقَ النقدية في الدرج هو الذي فكَّر في حقيبة الجولف. وتساءل عما إذا كان تركُ الحقيبة على هذا النحو متعمَّدًا. كان لا يكاد يستطيع أن يُصدق أن بإمكان أيِّ شخص المخاطرةَ بلا داعٍ بنجاح الموضوع بأكملِه مقابل مثلِ هذه الخدعة الهائلة. الأرجح أن الأمر كان مصادفةً.
أين كان ذاهبًا؟
لم تكن هناك ملصقاتٌ على أمتعته، لكن محصِّل التذاكر قال إنه ذاهبٌ إلى إدنبرة.
لم يستغرق جرانت وقتًا طويلًا في معرفة وِجهة لامونت المحتملة. لم يكن هناك الكثيرُ ممن يحملون الاسم لوجان في كنيسة اسكتلندا، ولم يكن هناك سوى كنيسةٍ واحدة في مقاطعة روس-شاير. كان قسًّا للكنيسة الحرة المتَّحدة في كارنينيش — بعد أن خالف بشكلٍ واضح إيمانَ آبائه الصارمَ — وكانت كارنينيش قريةً على رأس بُحيرة على الساحل الغربي للمقاطعة.
ذهب جرانت إلى باركر وقال: «أنا ذاهبٌ للصيد في اسكتلندا يومًا أو يومَين.»
قال باركر، الذي عرَف كلَّ شيء عن الاعتقال الذي كان قد أخفَق فيه: «هناك أماكنُ مريحة أكثر من اسكتلندا لإخفاء شعورك بالخزي.»
«ربما يكون الأمر كذلك، لكن الصيد هناك ليس جيدًا. هذا هو عنواني التقريبي. سيكفيني يومان، أتوقع ذلك.»
«هل ستأخذ أحدًا معك؟»
«لا.»
«أعتقد أنه من الأفضل لك أن تأخذ أحدًا معك. فكِّر لحظةً كيف يكون رجلُ الشرطة الريفيُّ بالمناطق الجبلية.»
«يمكنه دائمًا صيدُ السمك بيده، لكنني لا أعتقد أن الأمر سيصل إلى ذلك الحد. ومع ذلك، قد أريد شخصًا ما ليأخذَ السمك إلى لندن.»
«حسنًا. متى ستذهب؟»
«سأذهب نحو الساعة السابعة والنصف من كينجز كروس الليلة، وسأكون في إنفرنيس قبل العاشرة صباحَ الغد. بعد ذلك سأبلغك.»
قال باركر: «حقًّا! أتمنى لك صيدًا جيدًا! لا تتعثَّر في خطاطيفك.»
أمضى جرانت وقتًا طويلًا في الترتيب لمتابعة البحث أثناءَ غيابه. لم يكن لديه ما يضمنُ أن الرجل الذي ذهب إلى كارنينيش هو لامونت. كان يُلاحق المشتبهَ به بنفسه لأنه كان الرجلَ الوحيد من بين الباحثين الذي رأى الشاميَّ بالفعل. لكن البحث في لندن سيستمرُّ كالمعتاد. قد يكون السفر إلى كارنينيش كلُّه خدعةً كبيرة. كان جرانت يُكنُّ للسيدة إيفريت احترامًا كبيرًا.
بينما كان يُجهز مُعدَّات الصيد الخاصةَ به ويبحث عن ملابسه القديمة، جاءت السيدة فيلد حاملةً معها شطائرَ ومشاعرَ مواساة، وشعر جرانت بعدم ملائمة كلٍّ منهما للموقف. ورفض الشطائر بحجَّة أنه سيحصل على عشاء جيد جدًّا في القطار وإفطار جيد جدًّا، مرةً أخرى في القطار، في الصباح.
قالت: «نعم؛ هذا كله جيد جدًّا، ولكنها ستكون ليلةً طويلة. أنت لا تعرف أبدًا اللحظةَ التي ستستيقظ فيها جائعًا وستكون سعيدًا بالشطائر حتى لو كان ذلك فقط لتمضيةِ الوقت. إنها محشوَّة بالدجاج، ولا تعرف متى سيكون لديك دجاجٌ مرةً أخرى. إن اسكتلندا دولةٌ فقيرة للغاية. الرب وحده يعلم ما سيتسنَّى لك الحصول عليه لتأكله!»
قال جرانت إن اسكتلندا في الوقت الحاضر تُشبه إلى حدٍّ بعيد بقيةَ بريطانيا، لكنها أكثرُ جمالًا.
قالت السيدة فيلد وهي تضع الشطائر بحزمٍ في حزام الغطاء: «لا أعرف شيئًا عن الجمال، لكنني أعلم أن إحدى قريباتي كانت تعمل خادمةً هناك بمجرد ذَهابها إلى موسم الفعاليات الاجتماعية مع قومها من لندن، ولم يكن بإمكانها رؤيةُ منزل، ولا حتى شجرة، في الريف بأكمله إلا منزلهم الخاص. ولم يسمع السكان الأصليُّون قط عن كعك الشاي، وكانوا يُطلقون على الكعك المسطح المدوَّر اسم «سكونز».»
قال جرانت، وهو يطوي بلُطفٍ في حقيبته أقدمَ سروال عنده مصنوعٍ من الصوف الخشن: «يا لهم من همج!»
عندما كان القطار ينطلق خارجَ محطة كينجز كروس، جلس لتأمُّل خريطة مسح لمنطقة كارنينيش مقياسها بوصة واحدة. إن تأمُّل خريطة مرةً أخرى منحه شعورًا لطيفًا. كانت هناك إثارةٌ مميزة في مطاردة رجلٍ في أرض ريفية مكشوفة. لقد كان الأمر أكثرَ بدائيةً وأكثر إنسانية، وأقل ميكانيكية من الآلات التي لا روح فيها والتي مدَّت وأراحت مجسات صلبة صامتة على ضفَّة نهر التيمز. كانت مواجهةً لرجلٍ ضد رجل. لن يكون هناك هاتفٌ إلا في أحد مكاتب البريد. ولن يكون هناك أيُّ استدعاء للقوات الاحتياطية لمنع أي شخص من الهروب. إنه ذكاؤك ضد ذكائه وربما سلاحك ضد سلاحه. لكن جرانت كان يأمُل ألا تتطور الأمور إلى ذلك الحد. فتقديم رجلٍ ميت إلى العدالة لن يُضيف سوى قدرٍ قليل من الرِّضا. والشرطة، على أي حال، لا تُرحب بأساليب محقِّقيها المختصرة. لذا كان عليه أن يفعل ذلك بهدوء. ومع ذلك، كان متأخرًا بيومين فقط. ولا يمكن أن يصل الرجل إلى وجهته قبل الليلة الماضية. وكلما طالت مدةُ استقراره، قلَّت شكوكه. في البداية كانت كلُّ صخرة تُخفي محققًا يبحث عنه، ولكن مع اعتياده على الريف — وكان جرانت على دراية بطبيعة الريف — فإن انفصاله التامَّ عن أيِّ مصالح خارجية سيكون له تأثيرٌ حتميٌّ في منحه إحساسًا زائفًا بالأمن.
تأمل جرانت الخريطة. تقع قرية كارنينيش على طول الضفة الجنوبية لنهر فينلي حيث يلتقي النهر بالبحر في بحيرة فينلي. على بُعد نحو أربعة أميال إلى الجنوب، التقَت بحيرةٌ ثانية بالأرض، وعلى الشاطئ الشمالي منها كانت هناك قريةٌ أكبر قليلًا على ما يبدو من كارنينيش، تسمى جارني. هذا معناه أن كارنينيش تقع على الجانب الشمالي من شبه جزيرة وتقع جارني على الجانب الجنوبي، والمسافة بينهما على شبه الجزيرة نحو أربعة أميال على طريقٍ جبَلي فرعي. قرَّر جرانت أنه سيبقى في جارني — كان هناك فندقٌ كان يعلم من الشائعات أنه يحتوي على حوض استحمام — ومن هناك سيُراقب كارنينيش بحجَّة أنه يصطاد في نهر فينلي. حتى وقتٍ متأخر من الليل كان مستغرقًا في تأمل الخريطة، حتى أصبحَت المنطقة مألوفةً له كما لو كان يعرفها من قبل. كان يعلم من التجارِب المريرة أن أفضل قارئِ خرائط يجب أن يُعاني من بعض الصدمات الشديدة عندما يُواجه الواقع وجهًا لوجه، لكن كان مطمئنًّا لفكرة أنه يعرف الآن المنطقة ربما أفضلَ بكثير من الرجل الذي كان يطارده.
ولم يجلب له الصباحُ سوى البهجة. فعندما فتح عينَيه على ضوء النهار، من خلال الشقِّ المفتوح في الجزء العُلوي من نافذته، كان بمقدوره رؤية الأراضي البور البنية وهي تنزلق ببطءٍ، وأعلن الصوتُ الصاخب للقطار المندفع حتى الآن عن اقتحامه لجبال جرامبيان. كان في استقباله هواءٌ باردٌ صافٍ متلألئٌ وهو يرتدي ملابسه، وخلال وجبة الإفطار، شاهد الأرض القاحلة البُنِّية ووراءها السماء الزاهية والثلج اللامع تتحول إلى ألواح سوداء مسطَّحة من أشجار الصَّنَوبر المثبتة بدقةٍ على سفوح التلال مثل رُقَع من الصوف، ثم إلى أشجار البتولا؛ أشجار البتولا التي نزَلَت من جانبَي الجبل وكأنها تُرافق أحدَ الجداول، أو أشجار البتولا التي كان يتدلَّى منها أثوابها الخفيفة ذات اللون الأخضر الجديد الرائع في غاباتٍ صغيرة مغطَّاة بعُشب ناعم. وهكذا باندفاع، استجمع القطار قُواه وهو ينحدر، متجهًا نحوَ الحقول مرةً أخرى — حقول واسعة في وديان عريضة وحقول صخرية ضيقة معلَّقة على سفوح التلال — والبحيرات، والأنهار، ومنطقة ريفية خضراء. تساءل وهو يقف في الممر بينما كان القطار يهتزُّ وينحرف ويتأرجحُ في آخِر انحدارٍ ناجح له إلى إنفرنيس، ما الذي كان يُفكر فيه الهارب اللندني الذي اقتُلع من شوارعه، وأمن المباني والمخابئ. ما كانت تمضيةُ أيام الأحد على النهر لتُهيِّئه للسيول السوداء التي كانت تنتظره في الغرب، ولا حرية أحد مواطني سري ستجعله يألفُ الخراب التامَّ المثير للأعصاب لتلك المستنقعات. هل ندم على هروبه؟ تساءل عن طباع الرجل. لقد كان الشخص المشرق والمبهج — على الأقل، وفقًا للسيدة إيفريت. هل كان أيَّ شيء أكثرَ من مشرق ومبهج؟ لقد اهتمَّ اهتمامًا كافيًا بشيء ليطعَن رجلًا في ظهره من أجله، لكن هذا لم ينمَّ عن أي إحساس. فبالنسبة إلى رجلٍ حساس، قد يكون الرعب من أن تكون وحيدًا وعاجزًا ومطارَدًا في مكانٍ مثل هذا أسوأَ من زنزانة من طوب ومِلاط مألوفَين. في الأيام الخوالي في المناطق الجبلية، كان الانتقال إلى التلال مرادفًا للهروب من العدالة — وهو ما يطلق عليه الأيرلنديون أن تكون فارًّا. لكن التمدُّن غير ذلك تمامًا. لا يوجد مجرمٌ واحد من بين ألف يفر الآن إلى المناطق الجبلية أو إلى ويلز بحثًا عن ملجأ. فالمرء يبحث عن وسائل الغذاء والحماية في مأواه هذه الأيام، وانتهى زمنُ السكن المهجور أو الكهف القابع على سفح التل. وكان جرانت واثقًا من أنه لولا وعدُ السيدة إيفريت بتوفيرِ ملاذ، لم تكن حتى رغبتها ستخرج لامونت من لندن. ما الذي شعر به لامونت عندما رأى ما جاء إليه؟
عند الوصول إلى إنفرنيس، غادر القطارَ المباشر المريح وعَبَر الرصيفَ الذي تعصف به الرياحُ إلى قطار محلِّي صغير تدحرجَ لبقية الصباح من الريف الأخضر إلى خرابٍ بُني مثل الذي استقبل جرانت عند الاستيقاظ. مشَوا ببُطء نحو الغرب وما زال الغرب بعيدًا، وتوقَّفوا لسبب غير مفهوم في محطات محدَّدة بشكلٍ يصعب فهمه أيضًا وسط مستنقعات شاسعةٍ خالية من السكان، حتى دُفع به خارج القطار بعد الظهر على رصيفٍ رملي، وانطلق القطارُ بعيدًا في الخراب من دونه. هنا، قيل له أن يستقلَّ سيارة البريد. كانت المسافة إلى كارنينيش تبلغ ٣٦ ميلًا، وإنْ حالَفه الحظ، سيكون هناك بحلول الساعة الثامنة في تلك الليلة. كل هذا سيتوقَّف على عدد الأشياء التي سيُقابلونها على الطريق. فمن أسبوعين اقتلعَت سيارةٌ العجلةَ اليمنى الأمامية لسيارة آندي، وكاد أن يقع بالعجلة اليُسرى في مصرف. أُرشد جرانت عبر مكتب الحجز، وفي المساحة المغطَّاة بالحصى خلف المحطة، شاهد الشيء الغريب الشكلِ الذي كان من المقرَّر أن يقضيَ فيه الساعات الخمسَ التالية، الذي من شأنه، إذا حالفه الحظُّ على الطريق، توصيلُه إلى جارني في الوقت المناسب. كان حافلة بالمعنى الحرفي. خلف مقعد القيادة كان هناك ثلاثةُ مقاعد طويلة، مبطَّنة بشكل غير كافٍ بوسائد، ومحشوَّة، على ما يبدو، بنشارة خشب، ومغطاة بقماش أمريكي. كان هناك، كما بدا له، خمسةُ مرشَّحين آخرين للمقاعد في هذه المركبة. استفسر جرانت حول استئجار سيارة للقيام بالرحلة، ولم تَنقل له التعبيراتُ على وجوه المحيطين به عدمَ جدوى سعيِه فحسب، بل نقلت إليه حقيقة أنه كان مذنبًا بارتكاب خطأ فادح في الذوق. لم يستهزئ أيُّ أحد بسيارة البريد. فقد كانت الشيء الوحيد المهم كلَّ يوم للسكان في الستة والثلاثين ميلًا بينه وبين البحر. استسلم جرانت لعدم الراحة، وتمنى أن تُنقذ الكوميديا الرحلةَ من الملل. وحتى الآن كانت الكوميديا غائبةً عنه. نجح في الحصول على مقعد من السائق وكان يأمُل في الأفضل.
أثناء سيرهم على طول الطرق الضيقة، مندفعين هنا وهناك حيث يجتاحهم الكثيرُ من الجداول في طريقها المنحدرِ من التلال، أدرك قوةَ ملاحظة الرجل بشأن مقابلة الأشياء. لم يكن هناك مجالٌ في معظم الأماكن لمرور حتى عربة أطفال.
سأل السائق: «كيف تتصرَّفون عندما تُقابلون شيئًا ما؟».
قال: «حسنًا، أحيانًا نعود نحن — وأحيانًا يعود هو.» بعد نحو خمسة أميال، شاهد جرانت دليلًا لهذه القاعدة الجديدة للطريق عندما واجَهوا قاطرة جر. لقد كانت عيِّنة مصغَّرة من نوعها، لكنها هائلةٌ بما يكفي في ظل هذه الظروف. فمن جهةٍ كان التل ومن الجهة الأخرى وادٍ صخري صغير. بأكبرِ قدر من الفكاهة، عكَس السائقُ اتجاه سيره، وعاد بسيارته غير العملية حتى تمكَّن من توصيلها إلى منعطفٍ جانبي لحصى الطريق. عبرَت قاطرةُ الجر برضًا تام، واستؤنفَت الرحلة. طوال الستة والثلاثين ميلًا، واجَهوا عقَبتَين إضافيتَين فقط، وكلتاهما كانتا سيارتين. في إحدى الحالتَيْن، كُشطت السيارة عن طريق الارتداد المتبادَل للحواف السفلية، حيث كانت العجَلة القريبة لسيارة البريد في مصرف، والعجلة القريبة للسيارة الأخرى في منعطفٍ من نبات الخَلَنْج والصخور. في الحالة الأخرى، أثبتَت السيارة أنها من طرازِ فورد، ومع القدرة المهجَّنة على التكيُّف التي يتمتع بها هذا النوعُ دخَلَت هذه السيارة دون تفاوض في المستنقَع، وبلا مبالاةٍ تامة دفعت بقوةٍ السيارةَ البريدية الثابتة في الوقت الذي تبادل فيه السائقان تحياتٍ غيرَ مفهومة. يبدو أن عرض البرِّمائيات هذا لم يُذهل أحدًا، وعلى الرغم من أن الماء كان الآن يغمر السيارة، لم يتم إبداء أي ملاحظة. كان من الواضح أنه حدثٌ يومي.
أخذ جرانت يفكر في حالة السيارة المحمَّلة عن آخرِها، وتساءل عما سيحدث للأشخاص على طول الطريق الذين لن يكون لديهم أيُّ وسيلة للسفر. انتاب الخوفُ نفسُه امرأةً عجوزًا صغيرةَ الحجم كانت تنتظر السيارة بجوار كوخ على جانب الطريق. عندما أبطأت السيارةُ سرعتَها ونزل السائق لمساعدتها، نظرَت بخوفٍ إلى المقاعد المزدحمة وقالت: «كيف ستوفر لي مكانًا، آندي؟»
قال آندي بمرح: «اهدَئي؛ لم نترك أحدًا قطُّ حتى الآن.»
علم جرانت أن عبارة «اهدئي» لم تكن توبيخًا في هذه المنطقة وليس لها علاقة بمعناها اللُّغوي. لقد كانت تعبيرًا عن رفضٍ غير جاد، وفي بعض الأحيان، عن إعجابٍ مباشر يشوبه عدمُ التصديق. ما قاله أندي كان يعني أن السيدة العجوز كانت كما يقول سكان الأماكن غير الجبلية «تتفوَّه بالحماقات». وبالتأكيد كان صادقًا فيما قال. فقد عثر على مكان، ولا يبدو أن أي شخص تضايقَ بشدة، ما عدا الدجاجات الموجودة في القفص بالخلف التي دُحرِجَت جانبًا بعض الشيء. لكنها كانت لا تزال على قيد الحياة بشكلٍ صاخب عندما طالب بها مالكُها الفَخور، الذي كان ينتظر على رأس طريقٍ لم يكن يؤدي على ما يبدو إلى أي مكان، وحملها بعيدًا في عربة يدوية.
قبل الوصول إلى جارني بعدَّة أميال شم جرانت رائحةَ البحر — رائحة الأعشاب البحرية المنبعِثة من البحر على ساحلٍ محزز. كان من الغريب شمُّ رائحتها دون استعدادٍ في مثلِ هذه البيئة التي لا تُشبه البحر على الإطلاق. وما زاد من غرابة الأمر ظهورُه فجأةً مثل بِركة خضراء صغيرة بين التلال. لم يُعلن عن حقيقة أنه كان محيطًا وليس بحيرة مستنقع سوى التدفُّق البنيِّ للأعشاب على طول الصخور. ولكن عندما اجتاحوا جارني بكل نجاح لأهم شيء حدثَ في ٢٤ ساعة، كشف صفٌّ طويل من رمال جارني في ضوء المساء عن بحرٍ بنَفسَجي يصطدم بلطفٍ بالرمال الفِضية الهادئة. ألقته السيارةُ عند مدخل النُّزُل المبلط، لكنه رغم أنه كان جائعًا، ظل منتظرًا عند الباب ليُشاهد الضوء وهو يغيب وراء الحدود الأرجوانية المسطحة للجزر ناحية الغرب. كان السكون مليئًا بأصوات المساء الصافية البعيدة. وكان يفوح من الهواء رائحةُ دخان النباتات المتحلِّلة والبحر. وكانت أضواءُ القرية تتألَّق بلونٍ أصفرَ صافٍ هنا وهناك. وتحول البحرُ إلى اللون الأرجواني، وأومضت الرمال بوهنٍ في الغسق.
وقد جاء إلى هنا ليُلقيَ القبض على رجلٍ ارتكب جريمةَ قتل وقعَت في أحد الصفوف بلندن!