الاعتقال
في غرفة طعام، كان هناك ثلاثة أشخاص يحتسون الشاي على المائدة: امرأةٌ مسنة تشبه بنسبة ضئيلة السيدة إيفريت، وفتاة صهباء ذات بشرة شاحبة، والشامي. كان لدى جرانت الوقت لملاحظتهم جميعًا من خلف الكاهن قبل أن يُفسح مضيفُه الطريقَ أمامه ليرَوه، وكان من دواعي سروره أن يرى طريدَه يتعرَّف عليه. اتسعت عينا لامونت لثانية عند رؤيته، ثم تورَّد الدمُ في وجهه وانحسر فجأة، وتركه شاحبًا مثل الموتى. فكر الجزء المُشاهِد في جرانت كيف كان داني ميلر سيسخر من مثلِ هذا العرض — داني، الذي بإمكانه قتل رجل ولا يكلف نفسه عناءَ تذكُّره. كان الشامي بالتأكيد أحدَ الهواة في اللعبة — ربما يكون قاتلًا عن طريق الخطأ وليس عن عمد.
قال الكاهن: «أحضرتُ لكم زائرًا. هذا هو السيد جرانت. لقد وجدته يصطاد، لكن لم يصطد شيئًا؛ لذا أحضرته ليحتسيَ بعض الشاي الساخن. أختي، السيدة دينمونت. ابنة أختي، الآنسة دينمونت. وصديق لنا، السيد لو. الآن، أين تود أن تجلس؟»
جلس جرانت على مقعد بجانب السيدة دينمونت وفي مواجهة لامونت. انحنى لامونت له عند تقديمه، لكنه لم يُبدِ حتى الآن أي علامة على فعل أي أمر متهوِّر. إما أنه أصيب بالشلل أو أنه سيأخذ الأمور بهدوء. وبعد ذلك عندما جلس، رأى جرانت الشيءَ الذي جعل قلبَه يقفز من الإثارة. كان كوب لامونت على الجانب الخاطئ من طبقه. كان الرجل أعسَر.
قال السيد لوجان: «أنا سعيدٌ لأنكِ لم تنتظرِي يا أجنيس» بنبرةٍ تنقل بوضوح اعتقادَه أنها انتظرَت. «لقد كانت أمسية رائعة عبَرتُ فيها الجسر المتأرجح وعدتُ إلى المنزل على الجانب الآخر من النهر.»
قالت ابنة أخته: «حسنًا، نحن سعداءُ لأنك فعلتَ ذلك؛ لأنك أحضرت السيد جرانت، مما يجعل عددنا فرديًّا؛ ولذا يُمكننا إجراء تصويت. لقد كنا نتشاجر حول ما إذا كان العِرْق المختلط في الشخص أمرًا جيدًا أم لا. لا أقصد الأسود والأبيض، ولكن فقط أعراقٌ بيضاء مختلفة. تقول أمي إن الشخص ذا العِرق الواحد هو الأفضل بالطبع، لكن هذا لأنها من أهل المناطق الجبلية بشكلٍ خالص، منذ الفَيَضان وقبل ذلك. فآلُ لوجان من سلالة ماكلينان، كما تعلم، ولم يكن هناك قطُّ أحدٌ من آل ماكلينان ليس لديه قاربٌ خاص به. لكن والدي كان من سكان الحدود وكانت جَدتي إنجليزية، وكانت جدة السيد لو إيطالية؛ لذلك نحن نتشبث بحزمٍ بالرأي الآخر. الآن، من المؤكد أن الخال روبرت سينحاز إلى أمي، لكونه مولَّدًا صرفًا من مواليد أهل المناطق الجبلية وعلى درجة أصيلة من العناد والاعتزاز المطلَق بعِرقه. لذلك نحن نتطلع إليك للحصول على الدعم. قل إن أسلافك مخلَّطون.»
قال جرانت، بصراحة تامة، إنه يعتقد أن السلالة المختلطة ذاتُ قيمة أكبرَ من السلالة الأصيلة. كان هذا حديثًا عن السلالة الأصيلة في شكلها اليوم. لقد أعطت الرجل الكثير من الجوانب بدلًا من إعطائه مزيدًا من الصفات، وكان ذلك شيئًا جيدًا. فهي تميل إلى المهارة والتنوُّع؛ ومن ثَم اتساع الأفق والتعاطف على نطاق واسع. بشكل عام، أيَّد وجهة نظر الآنسة دينمونت والسيد لو.
في ضوء طرافة المحادثة، كان جرانت مندهشًا من الحدَّة والجدِّية اللتين كان السيد لوجان يُناقضه بهما. كان مهووسًا بعِرقه، وقارنَه باستفاضةٍ بمعظم الدول الأخرى في أوروبا الغربية، مما تسبب في إلحاق الضرر الشديد بها. لم يكتشف جرانت إلا قُربَ انتهاء الشاي، أن السيد لوجان لم يخرج من اسكتلندا في حياته، وهو ما راق له بشدة. فهو لم يلتقِ بسكان السهول المحتقَرين إلا أثناء تدريبه لمنصب الكاهن قبل نحو ٣٠ عامًا، ولم يعرف الدول الأخرى على الإطلاق. لعب جرانت، بعدما أُحبطت جهوده — التي أيَّدتها بنبلٍ الآنسة دينمونت — لإجراء محادثة لطيفة، دور كورَس يوناني للسيد لوجان، وترك أفكاره تتعامل مع لامونت.
بدأ الشامي في الظهور بشكلٍ أفضل قليلًا. التقى بعينَي جرانت بشكل مباشر، وباستثناء العَدَاء الظاهر في عينيه، لم يكن هناك شيء لافتٌ للنظر بشأنه. لم يقم بأي محاولة لإخفاء الندبة الصغيرة على إبهامه، رغم أنه كان بالتأكيد يعلم، كما كان يعلم عن فنجانه الواشي، أنها دليلٌ دامغ. من الواضح أنه قرَّر أن اللعبة قد انتهت. وبالرغم من ذلك بقي أن نرى ما إذا كان سيأتي بهدوء عندما يحين الوقت. على الأقل كان جرانت سعيدًا برؤية وميض العداء في عينيه. إنه عمل بغيض أن تقبض على جَبان. فيمكن لضابط الشرطة أن ينال ضربةً خادعة قبل التوسُّل. ومن الواضح تمامًا أنه لن يكون هناك توسلٌ في هذه المناسبة.
شيء واحد تسبَّب في تقسية قلب جرانت على الرجل: التقدم الذي بدا أنه أحرَزه في جذبِ اهتمام الآنسة دينمونت في الأيام الثلاثة التي قضاها. حتى الآن، كانت ابتسامته السريعة تظهر ردًّا على ابتسامتها، وكانت عيناه تبحثان عن عينَيها في كثير من الأحيان أكثرَ من أي شخص آخر على الطاولة. بدَت الآنسة دينمونت فتاةً قادرة تمامًا على الاعتناء بنفسها — كانت تتمتع بكل الذكاء والقدرة الخاصة بالأشخاص ذوي الشعر الأحمر — لكن هذا لا يُبرر افتقارَ لامونت للمشاعر اللائقة. هل كان فقط يعدُّ له حليفًا؟ عادةً لا يكون للرجل الهارب من جريمةِ قتل مصلحةٌ إضافية في ممارسة الحب — خاصةً إذا كان غيرَ محترف في مجال الجريمة. لقد كان انتهازيًّا وقحًا عديمَ الرحمة. حسنًا، يجب ألا تكون لديه فرصة لمناشدة حليفه؛ سيضمن جرانت ذلك. في هذه الأثناء احتفظ بمكانه في المحادثة، وأشاد بسمك السلمون المرقَّط المقلي، الطبق الرئيسي مع شاي الخامسة والنصف في منزل القس. أكل الشامي أيضًا، وضبط جرانت نفسه وهو يتساءل عن مقدار الجهد المطلوب لابتلاع كلٍّ من هذه اللقمات. هل كان مهتمًّا أم أنه تجاوز الأمر؟ هل كان تعليقه الوقِح: «ألا تعتقد ذلك يا سيد جرانت؟» خدعةً أم حقيقة؟ كانت يداه ثابتتَين تمامًا — تلك اليد اليسرى الرفيعة الداكنة التي أنهَت حياة صديقه — ولم يتهرَّب من دوره في المحادثة. من الواضح أنه لم يكن هناك فرقٌ بين الرجل الذي جلس هناك الآن والرجل الذي جلس هناك لتناول الغداء. كان الشامي يقوم بذلك بشكل جيد.
في نهاية احتساء الشاي، عندما بدَءوا في التدخين، عرضَ جرانت على الآنسة دينمونت سيجارة، ورفعَت حاجبيها في رعب زائف.
قالت: «يا عزيزي، هذا منزلُ قس في المرتفعات. إذا كنت ترغب في الخروج والجلوس على حجر بجانب النهر، فسآخذُ واحدة، ولكن ليس تحت هذا السقف.»
من الواضح أن عبارة «تحت هذا السقف» كانت مقتبَسة، لكن خالها تظاهرَ بعدم سماعها.
قال جرانت: «لا يوجد شيء أفضل من ذلك، لكن الوقت قد تأخر، وبما أنني سأعود إلى جارني سيرًا على الأقدام، فأعتقد أنه من الأفضل أن أبدأ من الآن. أنا ممتنٌّ جدًّا لكم جميعًا على النهاية الجيدة ليومي. ربما يودُّ السيد لو السير معي قليلًا في الطريق؟ ما زال الوقت مبكرًا، وجيدًا جدًّا.»
قال الشامي: «بالتأكيد»، وسبَقه إلى القاعة. اختصر جرانت وداعه لمضيفته بسبب الخوف من اختفاء لامونت، لكنه وجده في القاعة يرتدي بهدوءٍ معطفَ المطر الذي كان يرتديه صباحًا. ثم خرجت الآنسة دينمونت لتنضمَّ إلى خالها، الذي كان يُرافقهما خارج المبنى، وكان لدى جرانت خوفٌ مفاجئ من أنها ستعرض عليهما مرافقتَهما. ربما كانت الطريقة الحازمة التي أدار بها لامونت ظهره قد أخافتها قليلًا. كان من الطبيعي أن يقول: «ألن تأتي معنا أيضًا؟»
لكنه لم يقل شيئًا. أدار ظهره، رغم أنه كان يعلم أنها هناك. هذا لا يعني سوى أنه لا يريدها، والاقتراح الذي كانت على وشك تقديمه تلاشى على شفتَيها. تنفَّس جرانت مرةً أخرى. لم يرغب في إثارة جلَبةٍ أمام أنثى هيستيرية، إذا أمكن تجنُّبُ ذلك. عند البوابة استدار الرجلان للإعلان عن وجودهما لدى الباب. بينما كان جرانت يرتدي قبعته البالية، رأى تحية لامونت. فقط خلع قبعته وارتداها مرةً أخرى، لكن جرانت لم يكن يعرف أن أيَّ إيماءة يمكن أن تكون لائقةً للوداع.
صعدا في صمتٍ أولَ ارتقاء طفيف للطريق حتى أصبحا بعيدَين عن المنزل، عند مفترق الطرق حيث اتجه الطريق السريع أعلى التل والمسارَ المؤدِّيَ إلى المزارع الصغيرة المتفرِّع على طول النهر. توقف جرانت هناك وقال: «أعتقد أنك تعرف ما أريدك من أجله، لامونت؟»
سأل لامونت، وهو يُواجهه بهدوء: «ماذا تعني بالضبط؟»
«أنا المفتش جرانت من سكوتلانديارد، ولديَّ مذكرة اعتقال ضدك بتهمةِ قتل ألبرت سوريل في صف الانتظار بمسرح وفينجتون ليلة الثالث عشر. يجب أن أُحذرك من أن أي شيء تقوله يمكن أن يستخدم دليلًا ضدَّك. أريد أن أرى أنه ليس لديك أيُّ شيء. هلا تُخرج يديك من جيبيك لحظةً وتسمح لي بإلقاء القبض عليك؟»
قال الرجل الهزيل: «لقد ارتكبتَ خطأ، أيها المفتش. قلتُ إنني سأتمشى معك قليلًا، لكنني لم أقل كم ستكون المسافة. هذا هو المكان الذي سأتوقف فيه.» انطلقت يده اليسرى من جيبه، وضرب جرانت يده، التي توقع أنها تحمل مسدسًا، وهي ترتفع، ولكن، حتى عندما غمُضت عيناه غريزيًّا، رأى وتعرف على وعاء الفلفل الأزرق من مائدة الشاي بمنزل القس. كان عاجزًا، شبه أعمى، يسعل ويعطس، ولكنه سمع وقْع أقدام الرجل الهاربة على مسار المستنقع، وحاول يائسًا أن يسيطر على نفسه حتى يتمكَّن من سماع اتجاه الأصوات التي تُولِّي الأدبار. ولكن مرَّت دقيقتان على الأقل قبل أن يتمكن من الرؤية جيدًا بما يكفي ليتمكن من المتابعة. تذكر ذلك المساء في شارع ستراند، وقرر أن يمنح نفسه الوقت الكافيَ. لا يمكن لأي رجل، حتى لو كان نحيفَ البنية مثل الشامي، أن يركض أكثر من وقت محدود. كانت المسافة التي يُحتمَل أن يكون قد قطعها متوقفةً على مدى شعوره بالإنهاك. واستنادًا إلى الاتجاه الذي اختاره، فإن الشامي، عندما يصل إلى نقطة الإنهاك هذه، سيكون في بلدة لن تُقدم له سوى القليل من وسائل الهروب. وبالطبع، سيكون فطنًا بما يكفي ليُدرك ذلك. لهذا، فإن الإجراء الأكثر ترجيحًا هو أنه سيُكرر أسلوب أمسية شارع ستراند: الاختباء، ربما حتى يحلَّ الظلام ويُصبح الوضع آمنًا للتحرك، والعودة إلى وسيلة أفضل للهروب.
فكر جرانت في أن الرجل الواقف على أرضٍ مرتفعة هو الذي سيتحكم في الموقف. على بُعد ياردات قليلة، تدفق مجرًى مائيٌّ صغير أسفل جانب التل. لم يكن الأخدود الذي صنعه عميقًا بما يكفي ليُتيح له التغطية واقفًا، ولكن إذا انحنى، فإنه يُخفي تقدُّمه أعلى جانب التل من أي شخص على بُعدٍ على طول مسار المستنقَع. بالتمحيص الدقيق حوله بقدر ما تسمح به عيناه اللتان لا تزالان تتألَّمان، انطلق نحو أخدودٍ صغير وانحنى، وصعده، متوقفًا كل بضع ياردات للتأكد من عدم وجود أي شيء في الأفق وأنه هو نفسه لا يزال متخفيًا بشكل جيد. بالأعلى، كان الأخدود تحدُّه أشجار البتولا المتقزِّمة، وبعد الصعود قليلًا كان يمرُّ عبر هضبة صغيرة مزدانةٍ ببضع أشجار البتولا الأكبر حجمًا. صحيحٌ أن الضباب الأخضر لأشجار البتولا ليس غطاءً مثاليًّا، لكن الهضبة أعطت منظرًا ممتازًا؛ لذلك قرَّر جرانت المخاطرة. بحذر، رفع نفسَه من الضفة الرملية للجدول إلى العشب الناعم للهضبة، وزحف عبره إلى حافة نبات خلنج كثيف يحيط بمنحدر من عدة أقدامٍ في مواجهة جانب التل. من هذا الموقع الممتاز، كان أمامه عملية المسح الفوريِّ الشامل للوادي، باستثناء لوح عن يمينه، تُخبئه إحدى الرقع المستطيلة من الحطب الذي يُميز المنطقة. طمأنَه مشهد الحطب. فالحطب سيمثل للامونت ما كان عليه الباب على الجانب الآخر من شارع بيدفورد. لم يكن لديه أدنى شك في أن لامونت كان يرقد هناك الآن، بانتظار أن يُظهر نفسه على الطريق في مكانٍ ما. الشيء الذي حيَّره هو ما اعتقده لامونت أنه سيحلُّ محلَّ الحافلات وسيارات الأجرة. ما الأمل الذي كان لديه غير الظلام؟ يجب أن يُدرك أنه إذا انتظر حتى حلول الظلام، فسيطلب جرانت المساعدة. بالفعل بدأ الضوءُ في الاختفاء. هل يجب أن يتخلَّى عن مخبَئه ويطلبَ المساعدة، أم أن هذا هو أكثرُ شيء أراده لامونت؟ هل كان سيُقدم للامونت أفضليةً الآن إذا ترك المراقبة وعاد إلى مطاردته؟ تمنى أن يتَّخذ قراره؛ أن يتمكن من رؤية لامونت وهو يتحرك. كلما فكَّر في الأمر أكثر، تأكد من شعوره بأن لامونت كان يعتمد على عودته لطلب المساعدة. كان من البديهيِّ القيامُ بذلك. فقد منح لامونت فرصةَ الذَّهاب بهدوء، ولم يستغلَّ هذه الفرصة، رغم أن مقاومته كانت تعني الإعلانَ عن مكانه الحقيقي؛ بالتأكيد، إذن، كان يتوقع أن المفتش لم يعد يهتمُّ بشأن مشاعره أو مشاعر الآخرين، وأنه سيعود لطلب المساعدة لإلقاء القبض عليه. ولما كان الأمر كذلك، سيبقى جرانت في مكانه ويراقب المنطقة.
استلقى هناك مدةً طويلة في نبات الخلنج الرطب الذابل، ينظر من خلال السعف المشقوق إلى وادٍ عريض هادئ. بمجرد أن أطلقَت مكابحُ سيارة صرخةً مدوية إلى يساره، حيث انحدر الطريق السريع أسفل التل، وبعد ذلك رأى السيارة تعبر الجسر الموجود قبل القرية، ركض مثل عنكبوت أسودَ صغير على طول الطريق في الجزء الخلفي من فندق كارنينيش هاوس، واختفى في الطريق الساحلي المتَّجه إلى الشمال. أطلق أحد الخرفان صوتَ مأمأةٍ بعيدًا على التل، وغنَّى طائر قُبَّرة متأخرٌ عاليًا في الهواء، حيث كانت الشمس لا تزال موجودة. لكن لم يتحرك شيء في الوادي سوى النهر، وبدأ الشفق الشمالي البطيء يستقر عليه. ثم تحرك شيء ما. كان بالأسفل بجوار النهر. لا شيء أكثر تحديدًا من وميض الماء المفاجئ في النهر نفسه، واختفائه مرةً أخرى. لكنه لم يكن النهر؛ شيء ما قد تحرك. انتظر بأنفاسٍ متقطعة، وقلبُه، المتكئ على العشب، يحافظ على وحدة إيقاع ضخِّ الدم في أذنيه. كان عليه أن ينتظر قليلًا، ولكن ما رآه كان واضحًا هذه المرة. من خلف صخرة ضخمة يبلغ ارتفاعها ١٢ قدمًا على ضفاف النهر، انسلَّ طريده للعيان واختفى مرةً أخرى أسفل الضفة. انتظر جرانت مرةً أخرى بصبر. هل كان سيختبئ هناك، أم أنه سيذهب إلى مكان ما؟ حتى في قلقه كان مدركًا لذلك الانغماس المسلِّي الذي يراقب به الإنسانُ حيوانًا بريًّا غيرَ واعٍ مشغولًا بشئونه — هذا الشعور «المرضي» الذي يشعر به جميعُ البشر عندما يتجسَّسون. وبعد قليل، أعلنَت حركةٌ لطيفة بعيدة في اتجاه مجرى النهر عن حقيقة أن لامونت لم يكن ثابتًا. كان متجهًا إلى مكانٍ ما. وبالنسبة إلى أحد سكان المدن، كان يؤدي عملًا رائعًا في الاختباء. ولكن حينها، بالطبع، كان هناك الحرب — فقد نسي جرانت أن لامونت كان كبيرًا بما يكفي ليُشارك في الخدمة العسكرية. ربما كان على دراية بكل الأشياء المعروفة عن فنِّ الاختباء. لم يرَ جرانت شيئًا في المرة الثانية — لم يُدرك سوى الحركة. ربما لم يكن ليرى شيئًا لو كانت هناك طريقةٌ للانتقال من تلك الصخرة إلى مأوًى بضفَّة النهر أفضل من الخروج إلى الخلاء. لم يكن هناك أي أثر آخر للحركة، وتذكَّر جرانت أن الضفة اليسرى للنهر ستوفِّر مأوًى جيدًا على طول الطريق تقريبًا. حان الوقت ليترك مقعده على المنصة وينزل إلى الساحة. ماذا يمكن أن تكون خطة لامونت؟ إذا تمسَّك بمساره الحالي، فسيعود إلى منزل القس في غضون ربع ساعة. هل هذا هو المكان الذي كان يتَّجه إليه؟ هل كان سيستفيد من الرقة التي أثارها من قبل بداخل الآنسة دينمونت؟ خطةٌ جيدة بما فيه الكفاية. إذا كان جرانت قد فعل ما كان يشتبه فيه لامونت، وعاد لطلب المساعدة، فإن آخِرَ مكان سيبحث فيه أيُّ شخص سيكون منزل القس نفسه.
أطلق جرانت السباب، ونزل الأخدودَ مرةً أخرى بالسرعة نفسِها التي صعد بها وبقدر ما تسمح به رغبتُه في البقاء متخفيًا. وعاد إلى مسار المستنقع وتردَّد متسائلًا عن أفضل خطة. بينه وبين النهر امتد جزءٌ من المستنقع، به صخورٌ متناثرة بالتأكيد، لكن لا يخبئ أي شيء أكبر من أرنب. لم يتمكن لامونت من الوصول إلى النهر دون أن ينجح في ملاحظته إلا بسبب الحطب البعيد. حسنًا، ماذا عن العودة الآن وطلبِ المساعدة؟ سأل الجزءُ المُشاهِد فيه: والقبض على الرجل الذي تخفيه ابنةُ أختِ الكاهن؟ سأل نفسه بغضب: حسنًا لم لا؟ إذا أخفته، فهي تستحقُّ كل ما سيحدث لها. حثَّه نصفه الآخر قائلًا: لكن حتى الآن ليست هناك حاجةٌ إلى الإشهار. تأكد من ذَهابه إلى منزل القس، ثم اتبعه واعتقله هناك.
بدا هذا منطقيًّا بما فيه الكفاية، وعبَر جرانت المستنقع الصغير إلى النهر بسرعة كبيرة، على أمل ألَّا يراه أحدٌ أسفلَ النهر حيث يمكن للامونت رؤيتُه. ما أراده هو عبور النهر. كان تعقُّب الرجل أسفلَ مجرى النهر محاولةً لاكتشاف أمرٍ معيَّن. لم يرد الرجلُ أن يركض؛ كان يريده أن يختبئ بسلام في منزل القس، حتى يتمكَّن من الانقضاض عليه بارتياح. لو كان بإمكانه عبورُ النهر بأي حال من الأحوال، لكان بمقدوره مراقبةُ تقدُّم الرجل من الأرض المرتفعة على الجانب الآخر، ويمكنه أيضًا التحركُ معه في الوقت ذاتِه، إذا تمكن من اللَّحاق به، دون أن يدرك الرجل أنه مطارَد. نظر إلى السيل. كان الوقت ثمينًا، ولم يَعُد التعرضُ للبلل شيئًا مهمًّا الآن. فالغطس في ماءٍ متجمِّد، بقرارٍ مأخوذ بدم بارد، شيء؛ والغطس في طُوفان في خضمِّ مطاردةٍ شيءٌ آخر. اختار جرانت بقعة حيث ينقسم النهر بصخرتَين كبيرتَين إلى ثلاثة أجزاء. إذا نجح في عبور الصخرة الأولى، فيمكنه عبورُ الثانية والضفة بقفزة سريعة، ولا يهمُّ كثيرًا إذا لم يصل إلى الضفة ما دامت يداه قد تمسَّكَتا بها. سيكون قد عبر للجانب الآخر. تراجع خطوة أو اثنتين وقاسَ المسافة إلى الصخرة الأولى بعينه. الصخرة الأولى كانت مسطَّحةً أكثرَ من الثانية، وكانت تُوفر مكانًا للهبوط؛ بينما كانت الثانية مدبَّبة، ويجب أن يَعبرها بسرعة. بعد تلاوة صلاة غير واضحة، ألقى بنفسِه في الفضاء، وشعر أن حذاءه المزوَّد بالمسامير ينزلق عندما اصطدم بالصخرة، وتمالك، وشعرَ بالصخرة تميل إلى البركة السوداء تحته، وقفز مرةً أخرى، لكنه كان يعلم حتى عندما قفز أن الصخرة المنزلقة كانت تفتقر إلى التوازن من أجل قفزته، واصطدم بجانب الصخرة الثانية، ووضع يدَيه على الضفة البعيدة في الوقت المناسب تمامًا لمنع وصول الماء لما فوق خَصرِه. شاكرًا ولاهثًا، سحب نفسَه خارج الماء، وسرعان ما عصَر سرواله الثقيل المصنوع من الصوف الخشن للتخلُّص من أكبر قدر ممكن من الماء الذي قد يعيقه بسبب وزنه، واتجه نحو الأرض المرتفعة وراءه. لم يسبق أن ظهر المستنقع بهذه الخطورة. غاصت الأعشاب النامية الجافة تحت قدمَيه في وحل المستنقع، وتشبَّث نبات العلَّيق الميت بإصرار مفعَمٍ بالحياة بسرواله المبتلِّ المصنوع من الصوف الخشن، وارتفعت أغصان أشجار البتولا المختبئةُ واصطدمَت به بينما كان يخطو على الطرف الأقرب، وكانت الحفرُ في انتظار قدمَيه بين نبات الخَلَنْج. كان يعتقد بشدة أن الأمر أشبهُ بجولة في قاعة موسيقى أكثرَ من أن يكون محاولةً جادَّة للتغلب على مجرم. لاهثًا، وصل إلى منعطف النهر، وألقى بنفسه أرضًا للاستطلاع. كان هناك الرجل الذي يتعقَّبه، على ارتفاع نحو ٥٠ ياردةً فوق منزل القس، يتحرك ببطءٍ شديد وحذر. خطر لجرانت أنه، المطارِد، كان يمرُّ بوقت عصيب، بينما اتخذ المطارَدُ مسارًا في العراء ممتعًا ومدروسًا جيدًا. حسنًا، لن يطول الأمر. في اللحظة التي وصل فيها الرجل إلى تلك البوابة الخلفية الصغيرة التي كانوا يضحكون عندها في سلامٍ شديد هذا الصباحَ، كان جرانت خارجَ نبات الخلَنْج ويتجه بأقصى سرعة ممكنة نحو المسار الوعر بجانب النهر. كان لديه سلاحٌ ناري صغير أوتوماتيكي في جيبه وزوجان من الأصفاد، وهذه المرةَ كان سيستخدمهما — كِلَيهما إذا لزم الأمر. لم يكن الرجل الذي كان يتعقَّبه مسلحًا وإلا لم يكن ليسرقَ وعاء الفُلفل من مائدة الشاي، لكنه لم يعد يُخاطر بعد الآن. لن يتمَّ اعتبار مشاعر أي شخص بعد الآن في هذه القضية — على الأقل مشاعره. لذا فلتحظَ كلُّ أنثى من هنا حتى آخر بقعة في البلاد بنوبة هيستيرية في آنٍ واحد — فهو لن يهتم بذلك.
كان جرانت لا يزال غاضبًا ومتجهمًا ويَعِدُ بكلِّ أنواع الانتقام الخيالية عندما اجتاز الرجل البوابة. لطالما تمنيت لو كان بإمكاني رؤية وجه جرانت في تلك اللحظة — رؤية الغضب والاستياء الساخطين لرجلٍ حاول فعل الأشياء بشكلٍ لائق، فقط ليتم استغلال أخلاقه، يتحوَّلان إلى مجرد دهشة مرتابة لطفل صغير ينظر إلى ألعابه النارية الأولى. رمش بشدةٍ، لكن الصورة ظلَّت كما هي؛ ما رآه كان حقيقيًّا. اجتاز الرجل البوابة. كان الآن في نهاية جدار منزل القس، ويتجه نحو الجسر. ماذا كان يفعل الأحمق؟ نعم، اعتبرَه جرانت أحمق. لقد توصل إلى طريقةٍ جيدة تمامًا للهروب — لمناشدة الآنسة دينمونت والاختباء في منزل القس — ولم يستغلَّ الأحمقُ ذلك. كان بالقرب من الجسر الآن. ما الذي كان يفعله؟ ماذا كان في رأسه؟ كان هناك هدفٌ وراء كلِّ حركة. لم يكن تقدُّمًا بلا هدف أو حتى تقدمًا خفيًّا بشكلٍ خاص. بدا وكأنه منهمكٌ جدًّا في التفكير في العمل الذي ينتظره بحيث لا يولي الكثيرَ من الاهتمام لظروفه الحاليَّة، ما يتعدى إلقاء نظرة عابرة خلفه على أسفل مجرى النهر. لا يعني ذلك أنه سيكون هناك الكثير من البحث الجيد عن مخبأ بالقرب من القرية. فحتى في هذه الساعة المهجورة، عندما كان الجميع يتناول وجبته المسائية ولم يكن أحدٌ في الخارج حتى، بعد ساعة، عندما يخرجون لتدخين الغليون في الغسَق عند نهاية الجسر، كانت هناك دائمًا فرصة لوجود أحدِ المارة، وأي ظهور للاختباء المتعمَّد سيقضي على أهدافه. صعد الرجلُ إلى الطريق بجانب الجسر، لكنه لم يتجه شمالًا إلى اليمين ولا يسارًا باتجاه القرية. عبر الطريق واختفى مرةً أخرى على ضفة النهر. ما الذي يمكن أن يحصل عليه هناك؟ هل كان سيدور حول الفندق، الذي يقع عند نقطة التقاء النهر بالبحر، ويحاول سرقةَ السيارة الفورد؟ لكن من الواضح أنه كان يتوقَّع أن يطلب جرانت المساعدة. لن يغامر أبدًا بالخروج من الشاطئ إلى المرأب بعد الانتظار بشكل متعمدٍ للسماح لجرانت بإعطاء تحذير. الشاطئ؟
الشاطئ! يا إلهي، لقد استوعب الأمر! ذهب الرجل ليركب قاربًا. كانت ملقاةً على الشاطئ المهجور، بعيدًا عن أنظار القرية. ظهر المد — كان على وشك الانحدار، في الواقع — ولم يكن هناك شخص، طفل أو بالغ، ليشهد رحيله. ألقى جرانت بنفسه أسفل جانب التل، وهو يسبُّ براعةَ الرجل في إعجاب متردد. كان جرانت يعرف القارب الساحلي الغربي، وكانت لديه فكرةٌ ذكية عن عدد المرات التي تم فيها استخدام هذه القوارب. فإذا كنتَ تُقيم في قرية على الساحل الغربي، فستجد أن أندر سلعةٍ على الإطلاق هي الأسماك الطازجة. قد تمرُّ أيام حرفيًّا قبل أن يكتشف أيُّ شخص أن قارب آل ماكنزي مفقود، وحتى حينها سيستنتجون أن شخصًا ما قد استعاره، وسيُوفرون «كلامهم الغاضب» — وهو مسار لا ينطوي على أي بذلٍ للطاقة — للمقترِض عندما يعيده. هل جلس لامونت وفكَّر في كل ذلك أثناء احتساء الشاي في منزل القس، فكَّر جرانت، عندما لمست قدماه المسارَ الوعر، أم أنه كان إلهامًا أرسلته السماءُ في لحظة الحاجة؟ إذا كان قد خطَّط لذلك، حسب اعتقاده، وهو يُسرع الخطى على الطريق المؤدي إلى الجسر الذي بدا بعيدًا بشكل غريب، فقد خطط أيضًا لعمليةِ القتل هذه في صف الانتظار. عندما يُفكر المرء في الأمر، حتى لو كانت جدَّة المرء إيطالية، فإن المرء لا يحمل الخناجر على أمل أن تُصبح مفيدة. كان الرجل شريرًا يتمتع بمهارة أكثر مما نُسب إليه، على الرغم من افتقاره إلى ضبط النفس في مناسبتَين.
قبل وقتٍ طويل من وصول جرانت إلى المسار الوعر في أول هبوط له إلى أسفل التل مثل الانهيار الجليدي، كان قد قرر مسارَ عمله. هذا الصباح، عندما خرج من فندق كارنينيش هاوس مع درايزدال، لاحظ وجودَ مرفأ خلف الفندق مباشرةً، ويبرز منه، إلى جانب الرصيف الصغير الذي يقود من ملجئه إلى البحر، ما كان جرانت متأكدًا في وقتٍ مضى من كونه مؤخرةَ زورقٍ آلي. إذا كان على حق، وكان درايزدال في الفندق، وصمد الضوء، فعندئذٍ سيُلقى القبضُ على لامونت لا محالة. لكن كانت هناك ثلاثةُ شروط في هذه المسألة.
بحلول الوقت الذي وصَل فيه إلى الجسر كان لا يكاد يستطيع التنفس. لقد جاء من الجانب الآخر من الوادي، والآن يتجه إلى أسفل هذا الوادي مرتديًا حذاءَ الصيد الثقيل الخاص به، وسرواله المبتل المصنوع من الصوف الخشن الذي كان يُثقل وزنه. ومتحمسًا كما كان، فقد بذل جهدًا حقيقيًّا من الإرادة ليتمكَّن من مُضاعفة سرعته في تلك المائة ياردة الأخيرة على الطريق الشمالي المؤدِّي إلى بوابات فندق كارنينيش هاوس. وبمجرد الوصول، انتهَت أسوأُ الأحداث؛ كان الفندق يقع على بُعد بضع ياردات فقط من البوابة، في الشريط الضيق بين الطريق والبحر. عندما رأى كبير خدم درايزدال رجلًا مبتلًّا لاهثًا عند الباب، قفز على الفور إلى استنتاجات.
قال: «هل هو السيد؟ ماذا حدث؟ هل غرق؟»
قال جرانت: «أليس هنا؟ اللعنة! هل هذا زورقٌ آلي؟ هل يمكنني أن أستعيره؟» ولوَّح بيده الخرقاء تجاهَ المرفأ، ونظر إليه كبيرُ الخدم بريبة. لم يكن أيٌّ من الخدم حاضرًا عند وصول جرانت في الصباح.
قال كبير الخدم: «لا، لا يمكنك يا ولدي، وكلما أسرعت في الخروج من هذا، كان أفضلَ بالنسبة إليك. فالسيد درايزدال سيجعلك تبدو تافهًا جدًّا عندما يأتي، يمكنني إخبارك بذلك.»
«هل سيأتي قريبًا؟ متى سيأتي؟»
«سيكون هنا في أي لحظة.»
«لكن «في أي لحظةٍ» معناه أنه سيكون متأخرًا جدًّا!»
قال كبير الخدم: «اخرُج! ولا تُكثر في الشراب في المرة القادمة.»
قال جرانت، ممسكًا بذراعه: «اسمع، لا تكن أحمق. أنا متزنٌ مثلك. تعالَ إلى هنا حيث يمكنك رؤية البحر.»
جذب شيءٌ ما في نبرة صوته انتباهَ الرجل، لكن بخوف واضح من العنف الشخصي اقتربَ من البحر بصحبة الرجل المجنون. في منتصف البحيرة كان هناك قاربُ تجديف، يسير بسرعة باتجاه البحر أسفل مصبِّ النهر الضيق عند المد المنحسر.
سأل جرانت: «هل ترى ذلك؟ أريد اللَّحاق بذلك القارب، ولا يمكنني فعل هذا في قاربِ تجديف.»
قال الرجل: «لا، لا يمكنك. يتدفق المدُّ هناك مثل جدول الطاحونة.»
«لهذا السبب يجب أن يكون لديَّ زورق آلي. مَن يُشغل المحرك؟ هل هو السيد درايزدال؟»
«لا، أشغِّله عادةً عندما يخرج.»
«هيا إذن. عليك أن تفعل ذلك الآن. السيد درايزدال يعرف كل شيء عني. كنت أصطادُ بالنهر طوال اليوم. في البداية، هذا الرجل بحوزته قاربٌ مسروق، ونحن نريده بشدة لأسباب أخرى؛ لذا تحرك.»
«هل ستتحمل كلَّ المسئولية إذا ذهبت؟»
«أوه، نعم، سيكون القانون في صفك تمامًا. أعدُك بذلك.»
«حسنًا، عليَّ فقط أن أترك رسالة» وانطلق إلى الفندق.
مد جرانت يده لإيقافه، لكن بعد فوات الأوان. لثانية خشي أنه لم يكن مقتنعًا، رغم كل شيء، وأنه كان يهرب فقط؛ ولكن في لحظةٍ عاد وركضا عبر العشب الطويل الضيق إلى المرفأ، حيث كان يطفو القارب «ماستر روبرت». من الواضح أن درايزدال قد سمَّى القارب على اسم الحصان الذي وفَّر فوزُه بالسباق الوطني الكبير المالَ اللازم لشرائه. بينما كان كبير الخدم يعبث بالمحرك، الذي أطلق دفقاتٍ تجريبية، جاء درايزدال عند نهاية الفندق بمسدسه، ومن الواضح أنه عاد لتوه من وقتِ ما بعد الظهر على التل، وحيَّاه جرانت بفرح، وشرح على عجَل ما حدث. لم يقل درايزدال كلمةً واحدة، لكنه عاد إلى المرفأ معه وقال: «كل شيء على ما يُرام، بيدجون؛ سأتولى الأمر من هنا، وأخرج السيد جرانت. هلا تتأكد أن هناك عشاءً جيدًا ينتظر شخصين — لا، ثلاثة — عندما نعود؟»
خرج بيدجون من القارب ببهجة لم يُكلف نفسه عناءَ إخفائها. أعطى القارب «ماستر روبرت» دَفعة، وشغَّل درايزدال المحرك، وبهدير انطلقا بعيدًا عن الرصيف إلى البحيرة. بينما كانا ينحرفان في مسارهما إلى البحيرة، ثبَّت جرانت عينيه على البقعة المظلمة المقابلة للون الأصفر الباهت للسماء الغربية. ماذا سيفعل لامونت هذه المرة؟ هل سيأتي بهدوء؟ في الوقت الحاضر غيَّرت البقعةُ المظلمة مسارَها. بدا وكأنه يصل إلى الأرض على الجانب الجنوبي، وعندما ابتعد عن الأفق المضاء، أصبح غيرَ مرئي على خلفية التلال الجنوبية.
سأل جرانت بقلق: «هل تستطيع رؤيته؟ فأنا لا أستطيع رؤيته.»
«نعم؛ إنه يتجه إلى الشاطئ الجنوبي. لا تقلق؛ سنكون هناك قبل أن يصل إلى هناك.»
ومع انطلاقهما بسرعةٍ كبيرة، اقتربا من الشاطئ الجنوبي بطريقةٍ تبدو كأنها معجزة. وفي غضون لحظة أو اثنتين، تمكَّن جرانت من ملاحظة القارب مرة أخرى. كان الرجل يجدف يائسًا إلى الشاطئ. كان من الصعب على جرانت، الذي لم يكن على دراية بالمسافات على الماء، أن يقيس بُعده عن الشاطئ وإلى أي مدًى كانا يبتعدان عنه، لكن البطء المفاجئ في سرعة «ماستر روبرت» أخبره بكلِّ ما يريد أن يعرفه. كان درايزدال يبطئ بالفعل. وفي دقيقةٍ واحدة كانا يَلْحقان به. عندما كان القاربان على بعد نحو ٥٠ ياردة، توقف لامونت فجأةً عن التجديف. فكر جرانت: هل استسلم؟ ثم رأى الرجل ينحني في القارب. فكر جرانت، في حيرة: هل يعتقد أننا سنطلق النار؟ وبعد ذلك، عندما أوقف درايزدال المحرك وكانا يقتربان منه بتروٍّ سلس، قفز لامونت، بلا معطف ولا قبعة، على قدميه ثم إلى الحافة العُليا من جانب القارب، كما لو كان سيغوص. انزلقت قدمُه ذات الجورب على الحافة الرطبة، وخرجَت قدَماه من تحته. سمعا بوضوح صوت خبطة مؤلمة، حيث اصطدمَت مؤخرة رأسه بالقارب واختفى تحت الماء.
كان جرانت قد نزع معطفه وحذاءه عند وصولهما إليه.
سأل درايزدال بهدوء: «هل تستطيع السباحة؟ إذا لم تستطع، فسننتظر حتى يظهر مرةً أخرى.»
قال جرانت: «أوه نعم، يمكنني السباحةُ جيدًا بما يكفي عندما يكون هناك قاربٌ لإنقاذي. أعتقد أنني سأُضطر إلى الذَّهاب من أجله إذا كنت أريده. لقد تعرَّض لخبطة فظيعة.» وقفز من فوق جانب القارب. بعد ست أو سبع ثوان، برز رأسٌ داكن اللون على السطح، وجذب جرانت الرجل الفاقد للوعي إلى القارب، وسحبه بمساعدة درايزدال.
قال: «تمكنتُ منه!» وهو يُدحرج الجسد الواهن على الأرض.
ثبت درايزدال قارب التجديف بمؤخرة القارب «ماستر روبرت» وشغل المحرك مرةً أخرى. راقب باهتمام بينما كان جرانت يعصر بلا مبالاة ملابسه المبللةَ ويفحص بعنايةٍ أسيره. كان الرجل فاقدًا الوعيَ تمامًا، وكان ينزف من جرح في مؤخرة رأسه.
اعتذر جرانت لأن الدم تجمَّع وكون بِركة صغيرة قائلًا: «آسف على الألواح الخشبية.» قال درايزدال: «لا تقلق. يمكن فركها. هل هذا هو الرجل الذي تريده؟»
«نعم.»
نظَر إلى الوجه الداكن اللاواعي مدةً من الوقت.
«ما الذي تريده منه، إذا لم يكن السؤال طائشًا؟»
«جريمة قتل.»
قال درايزدال: «حقًّا؟» كما لو أن جرانت قال «سرقة خِراف.» نظر إلى الرجل مرةً أخرى. «هل هو أجنبي؟»
«لا؛ إنه من سكان لندن.»
«حسنًا، في هذه اللحظة يبدو كما لو أنه سيهرب من حبل المشنقة بعد كل شيء، أليس كذلك؟»
نظر جرانت بحدةٍ إلى الرجل الذي كان يعتني به. هل كان بهذا السوء؟ بالتأكيد لا!
بينما كان فندق كارنينيش هاوس يسبح أمامهم عبر المياه قال جرانت: «كان يُقيم مع آل لوجان في منزل القس. لا يمكنني إعادته إلى هناك. الفندق هو أفضلُ مكان، على ما أعتقد. وعندئذٍ يمكن للحكومة أن تتحمل كلَّ العناء.»
لكن عندما طافا بسرعةٍ إلى منصة الهبوط، ونزل بيدجون، الذي كان يراقب عودتهما، لمقابلتهما، قال درايزدال: «الرجل الذي ذهبنا من أجله فاقدُ الوعي. في أي غرفة أُشعِلت المدفأة من أجل السيد جرانت؟»
«الغرفة المجاورة لغرفتك يا سيدي.»
«حسنًا، سنحمل هذا الرجلَ إلى هناك. وأخبر ماثيسون أن يذهب إلى جارني من أجل الدكتور أندرسون، وأخبر العاملين بفندق جارني أن السيد جرانت سيبقى معي الليلة، وليحضر أغراضه.»
اعترض جرانت على هذا الكرم غير الضروري. وقال: «يا إلهي، لقد طعن الرجل صديقه في ظهره!».
ابتسم درايزدال: «أنا لا أفعل ذلك من أجله، على الرغم من أنني لن أَدينَ أسوأ عدوٍّ لي بالفندق هنا. لكنك لا تريد أن تفقد رَجُلَك الآن بعد أن حصلتَ عليه. إذا حكمنا بالمظهر فقط، فقد قضيت وقتًا لا بأس به في القبض عليه. وبحلول الوقت الذي يُشعلون فيه المدفأة بإحدى غرف النوم الباردة جدًّا هناك» أشار إلى الفندق عبر النهر «ووضعه في السرير، سيكون رجُلك قد فارق الحياةَ تمامًا. بينما هنا توجد غرفة، دافئة وجاهزة، يمكنك أن تغتسل فيها. من الأسهل والأفضل تركُ الرجل هناك.» ثم أردفَ بينما كان الرجل ينصرف: «بيدجون! لا تتحدث مع أحدٍ عن هذا الأمر. تعرض هذا الرجل النبيل لحادث أثناء ركوبه القارب. لاحظنا ذلك وخرجنا لمساعدته.»
قال بيدجون: «جيد جدًّا يا سيدي.»
لذلك، حمل جرانت ودرايزدال، فيما بينهما، الجسد الواهن إلى الطابق العلوي، وقدَّما الإسعافات الأولية في غرفة النوم الكبيرة المضاءة بنيران المدفأة؛ وبعد ذلك، وضعه بيدجون وجرانت على الفراش، بينما كتب درايزدال رسالةً قصيرة إلى السيدة دينمونت يوضح فيها أن ضيفها قد تعرَّض لحادث بسيط وأنه سيبقى هنا طوال الليل. كان يعاني من ارتجاج طفيف، لكن ليس هناك ما يدعو للقلق.
عندما سمع جرانت طرقًا على الباب، كان قد غيَّر للتو ملابسه وارتدى بعض الملابس الخاصة بمضيفه، وكان ينتظر بجانب الفراش حتى الإعلان عن موعد العشاء، وعندما سُمح لها، دخلت الآنسة دينمونت الغرفة. كان رأسها مكشوفًا وتحمل صرةً صغيرة تحت ذراعها، لكنها بدَت رابطة الجأش تمامًا.
قالت: «لقد أحضرتُ بعض الأشياء الخاصة به»، وذهبَت إلى الفراش وفحصَت لامونت بهدوء. لكسر حاجز الصمت، قال جرانت إنهم أرسلوا في طلب الطبيب، لكنه كان حسب رأيه — رأي جرانت — ارتجاجًا بسيطًا. كان لديه جُرح في مؤخرة الرأس.
سألت: «كيف حدث هذا؟» لكن جرانت كان يواجه هذه الصعوبة طوال الوقت الذي كان يُغير فيه ملابسه المبتلة.
«التقينا بالسيد درايزدال، وعرَض علينا التنزُّه معه. انزلقت قدم السيد لو على حافة رصيف الميناء، واصطدمت به مؤخرة رأسه عندما سقط.»
أومأت برأسها. بدَت وكأنها في حيرة بشأنِ شيء ما ولم تكن قادرة على التعبير عن نفسها. «حسنًا، سأبقى وأعتني به الليلة. إنه لَأمر جيد للغاية أن يستضيفه السيد درايزدال.» فتحت صرتها دون إظهار أي تعبيراتٍ على وجهها. «هل تعلم، كان لديَّ هاجس هذا الصباح عندما كنا ذاهبين إلى أعالي النهر أن شيئًا ما سيحدث. أنا سعيدة جدًّا لأن هذا ما حدث وليس شيئًا أسوأ. كان من الممكن أن تكون وفاة شخص ما، وهذا أمر لا يمكن علاجه.» كانت هناك وقفة صغيرة، بعدها قالت بقلقٍ، وهي لا تزال مشغولة، «هل ستقضي الليلة مع السيد درايزدال أيضًا؟»
قال جرانت: «نعم»، عندها فُتح الباب ودخل درايزدال بنفسه.
«هل أنت جاهزٌ أيها المفتش؟» قال: «لابد أنك جائع»، ثم رأى الآنسة دينمونت. منذ تلك اللحظة، اعتبر جرانت دائمًا أن درايزدال رجل «مخابرات» من الدرجة الأولى لم يُستفَد منه بالقدر الجيد. لم تَبْدُ عليه أي علامات اندهاش.
«حسنًا، آنسة دينمونت، هل كنتِ قلقة بشأن تغيُّب ضيفك؟ ليس هناك داعٍ للقلق، على ما أعتقد. إنه مجرد ارتجاج بسيط. سيحضر الدكتور أندرسون عما قريب.»
مع امرأةٍ أخرى، ربما يكون هذا مقبولًا، لكن جرانت شعر بالإحباط عندما التقى بعين الآنسة دينمونت الذكية. قالت لدرايزدال: «شكرًا لاستضافته هنا. ليس هناك الكثيرُ مما يمكن فعله حتى يأتي. لكنني سأبقى الليلة، إذا كنتَ لا تُمانع، وأعتني به.» ثم التفتت إلى جرانت وقالت بتروٍّ: «مفتشٌ في ماذا؟»
قال جرانت على الفور، ثم تمنى لو لم يفعل ذلك: «المدارس». عرف درايزدال أيضًا أنه كان خطأً، لكنه دعمه بإخلاص.
«لا يبدو عليه، أليس كذلك؟ لكن التفتيش هو الملاذ الأخير لغير المثقَّفين. هل هناك أي شيء يمكنني توفيره لكِ قبل أن نذهب ونأكل يا آنسة دينمونت؟»
«لا، شكرًا. هل يمكنني رن الجرس للخادمة إذا أردتُ شيئًا؟»
«بالتأكيد. ولنا إذا احتجتَ إلى ذلك. نحن فقط في الغرفة بالأسفل.» خرج وتحرك على طول الرَّدهة، ولكن، بينما كان جرانت يتبعه، غادرت الغرفة معه وسحبَت الباب خلفها.
قالت: «أيها المفتش، هل تعتقد أنني حمقاء؟ ألا تدرك أني عملتُ مدةَ سبع سنوات في مستشفيات لندن؟ لا يمكنك أن تعاملني كريفية ساذجة ليس لديها أيُّ أمل في النجاح. هلا تتفضل وتخبرني ما هو اللغز؟»
كان درايزدال قد اختفى في الطابق السفلي. وأصبح وحده معها، وشعر أن إخبارها بكذبةٍ أخرى سيكون إهانةً كبرى. «حسنًا، آنسة دينمونت، سأقول لكِ الحقيقة. لم أكن أريدك أن تعرفي الحقيقة من قبلُ لأنني اعتقدتُ أنها قد تُنقذك من … من الشعور بالأسف حيال الأشياء. لكن الآن ما باليد حيلة. لقد جئتُ من لندن لاعتقال الرجل الذي كان يقيم عندكِ. وكان يعرف ما أتيتُ من أجله عندما أتيت في وقت احتساء الشاي، لأنه يعرفني شكلًا. لكن عندما جاء معي إلى أعلى الطريق، هرَب. في النهاية، استقلَّ قاربًا، وجرح رأسه بقفزه من القارب عندما لاحقناه.»
«وماذا تريد منه؟»
أصبح الأمر حتميًّا. «لقد قتل رجلًا في لندن.»
«قتل!» كانت الكلمة بيانًا وليس سؤالًا. بدَت وكأنها تفهم أنه لو كان الأمرُ غيرَ ذلك، لكان المفتش قال القتل غير العمد. «إذن هذا يعني أن اسمه ليس لو؟»
«لا؛ اسمه لامونت … جيرالد لامونت.»
كان ينتظر الانفجارَ الأنثوي المحتوم وقول «لا أصدق ذلك! لم يكن ليفعل مثل هذا الشيء!» لكن هذا لم يحدث.
«هل تعتقلُه للاشتباه فيه، أم أنه ارتكب تلك الجريمة؟»
قال جرانت بلُطف: «يؤُسفني أنه ليس هناك من شكٍّ في ذلك.»
«لكن خالتي … هل … كيف توصلَت إلى إرساله إلى هنا؟»
«أتوقع أن السيدة إيفريت كانت تشعر بالأسف عليه. كانت تعرفه بعضَ الوقت.»
«قابلتُ خالتي مرةً واحدة فقط في الوقت الذي كنت فيه في لندن — لم تكن تحب إحدانا الأخرى — لكنها لم تَبْدُ لي من الأشخاص الذين يشعرون بالأسف على جانٍ. من المرجح أن أصدِّق أنها فعلَت الأمرَ بنفسها. إذن فهو ليس حتى صحفيًّا؟»
قال جرانت «لا، إنه موظف لدى وكيل مراهنات.»
قالت: «حسنًا، شكرًا لإخباري بالحقيقة أخيرًا. يجب أن أجهز الأشياء للدكتور أندرسون الآن.»
سأل جرانت لا إراديًّا: «هل ما زلتِ ستعتنين به؟» هل كان انفجارُ عدم التصديق سيحدث الآن؟
قالت هذه الفتاةُ الرائعة: «بالتأكيد. حقيقة أنه قاتلٌ لا تُغير من حقيقة إصابته بارتجاج، أليس كذلك؟ وحقيقة أنه استغلَّ ضيافتنا لا تُغير حقيقةَ أنني ممرضةٌ محترفة، وحتى لو لم يكن الأمر كذلك، فربما تعلم أنه في الأيام الخوالي في المناطق الجبلية كان الضيف يَحظى بكرم الضيافة والمأوى حتى لو كان سيفُه ملطخًا بدماءِ شقيق مُضيفه. لا أقوم في كثير من الأحيان بالترويج للمناطق الجبلية، لكن هذه مناسبةٌ خاصة نوعًا ما.» التقطت أنفاسَها وهو لا يعلم ما إذا كانت تضحك أم تبكي، ربما مزيجٌ من الاثنين، وعادت إلى الغرفة لتعتنيَ بالرجل الذي استغلها واستغل منزلها دون ضمير.