السيدة براكسفيلد تؤيِّد
وسط الاهتمام الذي سرى في أرجاء القاعة مصحوبًا بهمهمات الحاضرين، نظر السائل نظرةً ذات مغزًى إلى المُحلَّفين الاثني عشر، وكأنَّ لسان حاله يطلُب منهم الإصغاء جيدًا، ثم التفت مُجددًا إلى شاهدته.
«إذن فقد قبلتِ عرضَه بالزواج. هل حدَّدتما موعدًا لذلك؟»
«نعم.»
«متى؟»
«فورًا تقريبًا. ولهذا السبب، أخبرَني بأنه مُضطر إلى الذهاب إلى نيويورك لأجل عملٍ شديد الأهمية في غضون الأسبوع أو الأسبوعين المُقبلَين. فقررتُ الذهاب معه. لذا رتَّبنا لحصوله على رُخصة مدنية خاصة ثم الزواج فورًا.»
«هل حدَّدتُما أي تاريخ معين؟»
«نعم. صباح الإثنين المقبل، في ساوثهامبتون.»
«إذن، يُمكننا أن نعتبِر أنكِ وجاي ماركنمور، في ظلِّ ما كان بينكما من حبٍّ قديم، ولمَّا صرتِ متاحة للزواج، قد تجدَّد حُبكما وقررتُما الزواج فورًا بلا أي تأخير؟»
«نعم، أظن ذلك.»
«جيد جدًّا. والآن يا سيدة تريزيرو، أُريدكِ أن تعودي بذاكرتكِ إلى أيام عزوبتك. لقد اعترفتِ بأنَّ كثيرين كانوا يسعون إلى خطبتك. أليس صحيحًا أنك كنتِ تُفضِّلين، من بين هؤلاء الكثيرين، شابَّين من هذه المنطقة تفضيلًا خاصًّا، وأنَّ أحدهما كان السيد جاي ماركنمور والآخر كان السيد جون هاربورو، الذي يعيش في منزل جرايكلويستر.»
لم تُبدِ السيدة تريزيرو أيَّ تردد في الإجابة عن هذا السؤال.
إذ اعترفت قائلة: «كانا في مقدمة المفضلين عندي — آنذاك — بالتأكيد.»
«إلى حد أنَّ الناس في هذه المنطقة قد شاع بينهم أنَّك لا تستطيعين حسمَ قرارك واختيار واحدٍ منهما؟»
«أظنُّهم كانوا يقولون ذلك.»
«الآن، آلَ الوضعُ في النهاية إلى عدم زواجك بأيٍّ منهما، بل وزواجك من شخصٍ آخر.»
«كانت لديَّ أسباب.»
«ما الأسباب؟ كل هذا مهم للقضية الماثِلة أمام هيئة المُحلَّفين. فلتُخبرينا بالأسباب.»
«حسنًا، لقد صار كلاهما يُضمِر غَيرةً شنيعة من الآخر. تحوَّلا من صديقَين مقرَّبَين إلى عدوَّين لدودَين. أو بالأحرى، كان هاربورو يُكِنُّ عداءً خبيثًا فظيعًا تجاه جاي. فقد ظنَّ هاربورو أنَّ جاي قد سمَّم أفكاري تجاهه.»
«وهل سمَّم جاي أفكارك تجاهه؟»
«كلَّا، لم يفعل! لكنَّ هاربورو دائمًا ما كان غيورًا وشكَّاكًا، وصار شديد … شديد العنف في كل شيءٍ إلى حدِّ أنني … حسنًا، رفضته.»
«و… ماذا فعلتِ بعدئذٍ مع غريمه؟»
بدأت السيدة تريزيرو تفرُك خواتمها بأصابعها.
وأجابت بعد سكوتٍ لحظي: «حسنًا. الحقيقة أنني … أنني سئمتُ هذا النزاع؛ لذا قلتُ لجاي إنَّ استمرار علاقتنا مُستحيل، وقبلتُ زواج الكولونيل تريزيرو.»
«فهمت. لقد تخلَّصتِ من كِلا الشابَّين الساعِيَين إلى خطبتك، وتزوجتِ رجلًا أكبرَ سنًّا وأرشد عقلًا. ممتاز. ولكن الآن يا سيدة تريزيرو، أظن أنَّ شيئًا ما قد حدث قبل ذلك. لقد قلتِ للتوِّ إنَّ هاربورو كان يُكِنُّ عداءً خبيثًا فظيعًا تجاه جاي ماركنمور. والآن، هل صحيح أنَّ هاربورو توعَّد غريمه في حضورك؟»
«نعم، صحيح.»
«متى؟ وفي أي مناسبة؟»
«كان يومًا التقانا فيه أنا وجاي ونحن عائدَين من الصيد. اندلعتْ ثورة غضبٍ صاخبة؛ فقيلت ألفاظ نابية غاضبة وفقدَ هاربورو صوابه. قال لجاي إنه سيقتله. وأعرف يقينًا أنه توعَّدَه بعدئذٍ مرةً أخرى؛ إذ قال إنه سيقتله.»
«من أين لك هذا اليقين؟»
«لأنَّ جاي أخبرَني به.»
«أكان خائفًا من هاربورو؟»
«أظنه كان كذلك. فهاربورو كان ينتابُه غضبٌ أسودُ بغيضٌ جدًّا حين يَحُول أحدٌ بينه وبين مُبتغاه.»
«وما السبب المُحدَّد الذي جعله يتوعَّد بقتل غريمه؟»
«حسنًا، كما قلتُ للتو، كان يتصوَّر أنَّ جاي قال لي أشياء مُنفِّرةً عنه، وأنَّ فُرَصَه في الزواج بي قد تحطَّمت بسبب ذلك.»
«إذن، أفهم من ذلك أنَّ هاربورو، في تلك الفترة، طلب منك الزواج؟»
حدَّبت السيدة تريزيرو حاجبيها في نظرة ذهول.
وأجابت قائلة: «مرارًا وتكرارًا!» وأضافت: «دائمًا ما كان يطلُب منِّي الزواج.»
«و… هل أعطيتِهِ أي إجابة قاطعة؟»
«لا أظنُّني قد استقررتُ على إجابة قاطعة. ففي إحدى الفترات ربما كنتُ سأقبل، ثم أرى أنني سأرفض. كلَّا، لا أظنني قلت قَط إنِّي سأقبل أو سأرفض، قطعًا.»
«وأفترضُ أنَّ فرصة جاي ماركنمور في أن يتزوَّجك كانت قائمة طوال هذا الوقت.»
«نعم.»
«هل كان يطلُب منك الزواج أيضًا؟»
«أوه نعم. دائمًا ما كانا يُضايقانني بإلحاحهما المُستمر … كلاهما.»
«وفي النهاية تصوَّر هاربورو أنَّ غريمه يتعمَّد إضعاف فرصته؟»
«نعم، بالتأكيد. هكذا قال.»
«ولنا أن نقول إنَّكِ رفضتِ كلَيهما لاحقًا، وقبلتِ زواج الكولونيل تريزيرو؟»
«نعم.»
«هل رأيتِ أيًّا منهما مُجددًا بعد خطبتك إلى الكولونيل تريزيرو؟»
«لم أرَ جاي ماركنمور قَط. أمَّا هاربورو، فرأيتُه مرةً واحدة. التقيته في عصر أحد الأيام بالقُرب من هنا، مصادفة.»
«هل حدث بينكما أي شيء؟»
«نعم. انخرط في واحدةٍ من نوبات انفعاله. وبَّخني بحدَّة. قال إنني أوهمته طوال ثلاث سنوات بأنني أحبُّه، ثم هجرته. وأنهى كلامه بتكرار أنه يعرف أنَّ جاي ماركنمور هو السبب وراء ذلك، وأنه إذا صادفه مُجددًا، مهما طال الزمن، فسيُرديه قتيلًا بالرصاص كالكلب.»
حين خفتت الضجَّة التي أحدثها هذا الرد في القاعة، رمق السائل السيدةَ تريزيرو بنظرة متفحِّصة.
«أتُقسِمين على أنَّه قال ذلك، بموجب قَسَمك على قول الصدق؟»
«أُقسِم، بموجب قَسَمي على قول الصدق.»
«هل قال لك هاربورو إنَّه إذا التقى جاي ماركنمور مُجددًا، مهما طال الزمن، فسيُرديه قتيلًا بالرصاص كالكلب لأنَّه هو السبب في تحطيم فُرَص هاربورو في الزواج بك؟»
«نعم. هذا بالضبط ما قاله.»
«إذن، أفهم من ذلك أنَّ هاربورو كان يُحبك بشدَّة آنذاك؟»
قالت السيدة تريزيرو بنبرةٍ خفيضة: «بل بجنون، على ما أعتقد! كان يتصرَّف كالمجنون. وكنت خائفة منه.»
«وحين أطلق هذا التهديد، كان جاي ماركنمور قد رحل من هنا بالفعل؟»
«أوه نعم، قبل ذلك بوقتٍ قصير.»
«وهل رحل هاربورور بعد ذلك على الفور؟»
«رحل قبل زواجي ببضعة أيام.»
«الآن، في أثناء سنوات زواجك السبع — أو الست بالأحرى، على ما أظن — هل التقيت هاربورو أي مرة؟»
«إطلاقًا!»
«هل وصلتكِ منه أي أخبار في تلك الفترة؟»
«لا.»
«ولا عنه؟»
«سمعت — مرة واحدة فقط — من أحد أصدقائي في سيلكاستر أنه لا يزال بالخارج، وأنَّ منزل جرايكلويستر كان مُغلقًا آنذاك لبضع سنوات.»
«جيد جدًّا. ثم مات زوجك بعد ذلك بفترة، وعُدتِ إلى إنجلترا وأخذتِ بيت الأرملة الموجود هنا. وفي يوم الإثنين الماضي، عاد السيد هاربورو إلى جرايكلويستر. والآن، يا سيدة تريزيرو، أودُّ أن أسألك سؤالًا بالغ الأهمية. هل التقيتِ جون هاربورو يوم الإثنين الماضي؟»
خيَّم على القاعة صمتٌ مُطبِق. فقد تردَّدت السيدة تريزيرو في إجابتها. واشرأبَّت أعناق الحاضرين جميعًا ترقبًا لما ستقوله. ثم تحدثت أخيرًا.
«نعم!»
«أين؟ وفي أي وقت؟»
«أمام بوابات بيته، عند جرايكلويستر، في حوالي الخامسة عصرًا.»
«هل كنتِ وحدك؟»
«نعم. خرجت لأتمشَّى وحدي قليلًا، مع كلابي.»
«أكان اللقاء مصادفة؟»
«بالتأكيد. فلم أكن أعرف إطلاقًا أنه عاد إلى الديار.»
«هل شهد اللقاء أي … حرج، إن جاز لنا أن نُسمِّيَه هكذا؟»
«حسنًا، نعم. كنت متفاجئة. أمَّا هو، فبدا مذهولًا ومضطربًا. تصافحنا بالطبع وتحادَثْنا قليلًا. مجرد حديث عادي.»
«هل تضمَّن أي إشارة إلى علاقاتكما السابقة؟»
«لا.»
«أي كان مجرد حوار مُهذَّب، دون التطرُّق إلى شيءٍ مُعين؟»
«هكذا بالضبط. لكنه سأل عمَّا إذا كان يستطيع — أو بالأحرى عن الوقت الذي يستطيع فيه — أن يأتي لزيارتي.»
«وماذا كان ردُّكِ؟»
«كان ردي … حسنًا، أخبرته أنه يستطيع الحضور متى شاء. فماذا عساي أن يكون ردِّي سوى ذلك؟»
«هل كان يعرف أنك صِرتِ حرة؟ وأنَّ الكولونيل تريزيرو قد مات؟»
«أوه نعم، لقد ذكرت ذلك بنفسي.»
«ثم افترقتُما، حسبما أظن؟»
«نعم.»
«وأين رأيتِه بعد ذلك؟»
«في صباح اليوم التالي، في غرفة الجلوس النهارية هنا، حين جئتُ لتقديم التعازي في وفاة السير أنطوني، وسمعتُ أنَّ جاي قد مات.»
«وأعتقد أنكِ اتهمتِه في الحال بأنه القاتل؟»
«نعم.»
سكت المُحامي عن الاستجواب، وتردَّد بعض الوقت، ثم جلس في كرسيه فجأة، وبدا أنه قد اكتفى بهذا القدر، وأخرج علبة سعوط من جيبه، ثم نقَرَ عليها برويةٍ قبل أن يأخذ منها كمية كبيرة ويتنشقها. كانت همهمات من الإثارة قد سَرَت بين الحاضرين حين أدلت السيدة تريزيرو بإجابتها القاطعة الأخيرة، ولم تكد الهمهمات تتلاشى حتى قام السيد ووكينشو، محامي السيد هاربورو، إلى الطاولة. وحدَّق بإمعان إلى الشاهدة.
قال لها: «أريد أن أطرح عليكِ سؤالًا مُحددًا جدًّا. وأريد إجابة قاطعة تمامًا. هل تعتقدين صدقًا أنَّ السيد جون هاربورو قد قتل جاي ماركنمور؟ فكِّري!»
ردَّت السيدة تريزيرو في تحدٍّ: «فكَّرت!» ثم أضافت: «أعتقد ذلك بالفعل.»
«تعتقِدِين أنَّ السيد هاربورو ظلَّ مُضمِرًا رغبته في الثأر — إن كان قد رغب فيه أصلًا بالفعل — طوال سبع سنوات، واغتنم الفرصة الأولى لإشباعها؟»
قالت السيدة تريزيرو مُبدِية بعض التجهُّم: «أظنه أطلق النار على جاي ماركنمور.»
«هل تظُنِّين أنَّ السيد هاربورو عاد إلى الديار وهو ما زال يُحبك؟ أجيبي!»
«أظن هذا مُمكنًا. فطالما كان يقسِم على أنَّه لن يُحب امرأةً أخرى سواي أبدًا. ومن المؤكَّد أنه لم يتزوَّج.»
«سأقترح عليك هذا الافتراض. التقى السيد هاربورو بكِ عصر يوم الإثنين. لنفترِض أنَّ كلَّ حُبِّه القديم قد تجدَّد بمجرد رؤيتك، ولنفترض، فوق ذلك، أنه قرَّر السعي مرة أخرى إلى خطبتك. هل تعتقدين أنه من المُرجَّح أن يستهل مساعيه بإطلاق النار على رجل؟»
«لن أفترض أي شيء. أعتقد أنه أطلق النار على جاي. التقيا — مصادفة — وأطلق عليه هاربورو الرصاص.»
«أنتِ سريعة جدًّا في إطلاق التأكيدات يا سيدة تريزيرو! تؤكِّدين بكل هدوء أنهما التقَيا. كيف! في الرابعة صباحًا، في ماركنمور هولو؟»
نظرَت السيدة تريزيرو حولها. كانت نظراتها الخاطفة المُتقطِّعة قبل هذه اللحظة مقصورةً على قاضي التحقيق وأعضاء هيئة المُحلَّفين، لكنها في هذه المرة ألقت نظرة شاملة على القاعة المكتظة. وبينما كانت تلتفت لتواجِه السيد ووكينشو مرةً أخرى، ابتسمت ابتسامةً توحي بازدراء لتلميحه الخبيث.
ردَّت قائلة بكل جرأة: «أعرف أنَّ جون هاربورو كان هناك في ماركنمور هولو في الرابعة صباحًا من ذلك اليوم. وأعرف أيضًا أنه قد شُوهِد هناك!»
فسكت ووكينشو فجأة. والتفت ناظرًا إلى مُوكِّله، وكذلك التفت إليه كلُّ مَن كان في القاعة. وسرَت موجة من همهمات الدهشة في القاعة مرةً أخرى. عاد ووكينشو إلى هاربورو، الذي جلس صامتًا بلا حراك، وهمس له المحامي بسرعة، فاكتفى هاربورو بإيماءةٍ شبه لا مُبالية. وبعد ذلك بلحظة، صُرفت السيدة تريزيرو من مقصورة الشهود، واستُدعيت شاهدة أخرى إليه.
«إليزابيث براكسفيلد!»
شعر السيد فرانسيمري ورفاقه الأحد عشر باهتمامٍ جديد ينشأ في نفوسهم وهم يُحدِّقون إلى مالكة نزل سيبتر السابقة. وكان أحد عشر منهم يتساءلون بالفعل عمَّا ستقوله. لكنَّ السيد فرانسيمري، في ظل درايته بعادات السيدة براكسفيلد الصباحية المُبكرة، بدأ يتوقَّع ما ستقوله.
ترك قاضي التحقيق مهمة استجواب هذه الشاهدة للمُحامي الذي كان يمثِّل سلطات الشرطة. ولم يُضِع المحامي وقتًا قبل التطرُّق إلى صلب الموضوع مباشرة.
«أعتقد يا سيدة براكسفيلد أنَّك كنتِ تُدعَين سابقًا بالسيدة رين، وكنتِ آنذاك تملكين نزل سيبتر، وأنَّك قبل ذلك كنتِ تُدعين الآنسة رولينجز، ابنة توماس رولينجز، الذي كان يملك نزل سيبتر قبل زوجك الراحل بيتر رين، أليس هذا صحيحًا؟»
أجابت السيدة براكسفيلد: «صحيح تمامًا يا سيدي.»
«أي أنَّك عشتِ طوال حياتك في ماركنمور، وتعرفين كل أهلها؟»
«نعم يا سيدي؛ بل وأعرف الموجودين في نطاق أميالٍ عديدة حولها.»
«هل تعرفين السيد جون هاربورو؟»
«نعم يا سيدي، أعرفه منذ صباه.»
«هل رأيتِه صباح الثلاثاء الماضي؟»
«أجل.»
«في أي وقت؟»
«الساعة الرابعة وعشر دقائق.»
«أين؟»
«بالقُرب من بيتي يا سيدي؟»
«وأين يقع بيتك؟»
«فوق الروابي يا سيدي؛ منزل وودلاند كوتيدج، على بُعد نحو مائتي ياردة من مُنخفَض ماركنمور هولو.»
«كيف لك رؤيته — هو أو أي شخص آخر — في تلك الساعة من الصباح الباكر؟»
«لا غرابة في ذلك يا سيدي. فأنا غالبًا ما أنهض من فراشي في الساعة الرابعة، مع سطوع ضوء الفجر. فأنا أُربِّي الكثير من الطيور الداجنة، وأنهض للاعتناء بها.»
«وهل كان الضوء ساطعًا في ذلك الصباح؛ أي صباح الثلاثاء؟»
«ساطعًا بما يكفي يا سيدي.»
«ساطع بما يكفي لأيِّ مدًى من الرؤية؟»
«حسنًا يا سيدي، حين نظرتُ من نافذتي، استطعتُ رؤيةَ الكثير. بيت ماركنمور كورت هنا، والقرية، وكل ما أمامهما، ومنارة ويذرسلاي على أحد الجانبين، وأجمة بول كلامب على الجانب الآخر. فقد كان ذلك الصباح أكثر صفاءً وإشراقًا من المُعتاد، وكان صافيًا ومشرقًا جدًّا.»
«ورأيتِ السيد هاربورو؟»
«أجل يا سيدي.»
«من نافذتك؟»
«من نافذتي.»
«أين كان حين رأيتِه؟»
«كان نازلًا على جانب التل من ناحية ماركنمور هولو يا سيدي. كان ماشيًا بمُحاذاة جانب أحد الأسيجة.»
«كم كان يبعُد عنك حينئذٍ؟»
«حوالي مائة ياردة.»
«كان السيد هاربورو، حتى اليوم الذي سبق ذلك، بعيدًا عن ماركنمور طوال سبع سنوات. ألم تندهشي كثيرًا حين رأيته هناك؟»
«كلَّا، لم أندهش يا سيدي.»
«لِمَ لمْ تندهشي؟»
«لأنني كنتُ قد سمعت أنه عاد إلى الديار مُجددًا؛ سمعت ذلك في الليلة السابقة. كنتُ قد نزلت إلى القرية، وكان الجميع يعرف أنه عاد إلى الديار.»
«وهل أنتِ مُتيقنة من أنَّ الرجل الذي رأيته كان السيد هاربورو؟»
«تمام اليقين يا سيدي. مُستحيل أن أكون قد أخطأتُ في ذلك.»
«حسنًا، إلى أين كان ذاهبًا؟»
«أسفل جانب التل المُنحدِر في اتجاه بيته يا سيدي، جرايكلويستر.»
«وكم يبعُد جرايكلويستر عن وودلاند كوتيدج؟»
«نصف ميل يا سيدي.»
«هل كان مهرولًا حين رأيتِه؟»
«لا يا سيدي؛ بل كان يمشي بوتيرةٍ عادية، ربما يمكنك القول إنه كان يمشي الهوينى.»
«وأنتِ متأكدة من الوقت الذي رأيتِه فيه، في الساعة الرابعة وعشر دقائق صباحًا؟»
«متأكدة يا سيدي. فلدي ساعة مضبوطة بالدقيقة في غرفة نومي لا تُقدِّم ولا تؤخِّر أبدًا. وكنت قد نظرتُ إليها قبل أن أرى السيد هاربورو مباشرة.»
أومأ المحامي برأسه إلى السيدة براكسفيلد وجلس، وحين لم يَقُم أي شخص آخر ليسألها أي أسئلة، غادرت مقصورة الشهود. فانحنى قاضي التحقيق إلى الأمام نحو بعض مُساعديه المسئولين، وبينما كان يحادثهم هامسًا، نهض ووكينشو واقترب من الطاولة مجددًا.
قال: «السيد هاربورو يرغب في دخول هذه المقصورة، والإدلاء بشهادته يا سيدي. أرى — بعد الأقوال التي سمعتموها للتو — أنَّ الآن هو الوقت المناسب لسماعه.»
فاتَّكأ قاضي التحقيق، الذي كان عجوزًا، في كرسيه وخلع نظارته، ونظر إلى ووكينشو ثم إلى موكله.
قال: «أظن أنَّ السيد هاربورو يعي تمامًا أنه ليس مُلزمًا بالإجابة عن أي أسئلة ربما — إذا أجاب عنها بطريقة مُعينة — قد تُدينه.» وأضاف: «بالطبع إذا كان يودُّ الإدلاء ببيان، فليفعل.»
فقاطعه ووكينشو قائلًا: «ما يُريده مُوكِّلي يا سيدي هو إخبارك وهيئة المُحلَّفين بالحقيقة الصريحة الواضحة بشأنه وشأن تحرُّكاته فيمَّا يتعلق بهذا التحقيق. فليس لديه ما يُخفيه ومن المؤكَّد أن قول الحقيقة سينفعه مهما كان النفع ضئيلًا.»
فقال قاضي التحقيق: «جيد جدًّا. دعونا نستمع إلى أقواله الآن.»
فالتفت ووكينشو إلى هاربورو وأشار له بالتوجُّه إلى المقصورة.