الفصل التاسع
بينما كان حسن أفندي بهجت يفاوض طاهر أفندي عفت في قاعة فندق كونتيننتال كان خليل بك مجدي في غرفة يوسف بك رأفت يتفاوضان المفاوضة التالية:
قال: لو تعلم يا عزيزي يوسف أي حد بلغت المودة بيني وبين طاهر أفندي، فقد أصبحنا صديقين حميمين، وقد صادفت من كرم أخلاق هذا الرجل العجب العجاب.
– لا ريب عندي أنه رجل نبيل جدًّا والظاهر لي أنه ذو ثروة كبيرة جدًّا.
– جدًّا جدًّا — على ما أرى — وقد اجتمعت به في هذا الأسبوع في محل من محلات القمار فاحتجت إلى خمسمائة جنيه فقدمها لي في الحال، كما يقدم أحدنا للآخر الجنيه الواحد.
– إذن هو مقامر.
– لا أظنُّهُ من المولَعين بالقمار؛ لأنه يأتي مع قوم من أهل الثراء في باريس، يختلفون أحيانًا إلى محلات القمار؛ بُغية التسلية فلا يلعبون بمبالغَ طائلة، أما هو فلم يلعب إلا نادرًا، بل كان أكثر الأوقات متفرجًا.
– ولكن لا بد أن يُصبح مقامرًا مثلك — بعد حين — إذا طال تردده على هذه المحلات.
– لا أظن يا يوسف بك؛ لأنه يظهر أن الزمان تَقَلَّبَ كثيرًا على هذا الرجل، حتى لم تعد تؤثر عليه هذه العادات، ومع كلٍّ فهو وشأنُهُ، على أنه قد أظهر لي مودةً فائقة وذكر لي مرارًا أنه يود أن يخدمني أي خدمة أبتغيها، ولا أُخفي عليك أني مديون كثيرًا وكنت أظن أني أربح من القمار ما يفي ديوني كما ربحت في الأشهر السابقة فخاب فَأْلِي.
فقاطعه يوسف بك قائلًا: ليتك خسرت أولًا؛ فربما كانت الخسارة تردعك عن اللعب، فإلى متى يا خليل بك أنت مفتون بهذه العادة المدمرة؟
– وحقك، إني شاعر بغَلَطي وجهالتي وقد حصل ما حصل، وطاهر بك وعدني بأن يُقرضني ثمانية آلاف جنيه على أنه طلب أن توقِّع أنت وحسن على الصكِّ بشهادتِكما.
– ثمانية آلاف جنيه يا خليل؟!
– أتعني: أنه مبلغ كبير عليَّ اقتراضه أم على طاهر أفندي إقراضه؟
– أعني كِلَا الأمرين.
– أما أنا فإني مدين هنا بكثير يا يوسف، وأما هو فالثمانية آلاف جنيه ليست شيئًا يذكر عنده، ولَمَّا طلبتُها منه وعد بها في الحال — كما لو طلبت منك جنيهًا — ولما ذكرت له مسألة الفائدة استاء مني وقال لي: ليس بيننا مثل هذه الطفائف وإنما أرجو منك أن تُشهد فيه صديقيك، ولكن شهادة حسن على الصك أود أن أتجنبها؛ لأنه يصعب عليَّ جدًّا أن يعرف أني مدينٌ بمبلغ كبير كهذا، ولو لم يكن طاهر أفندي نفسه هو الذي طلب شهادتكما لكنت أبحث عن شاهدٍ آخرَ غير حسن، فما العمل يا يوسف؟
– لا أظن إشهاد حسن معرَّة يا خليل حتى تتجنبه، فحسن أنبلُ مما تظن، وإذا أوصيناه أن يكتم أمر الصك يستحيل أن يبوح به، فلا بأس أن تشهده إذا كان مقرضك يريد ذلك.
فتقمقم خليل وتبرَّم، وقال: لا أحب أن يكون هذا الغلام مُطَّلِعًا على أحوالي الداخلية، ولكن لا بأس. دعني أكتب هذا الصك هنا.
وفي الحال جلس إلى المكتب وكتب الصك، وما كاد ينتهي منه حتى دخل حسن باسم الوجه مُشرقَ المحيا، فقال له يوسف: أراك يا عزيزي حسن مشرق الطلعة فعساك مشرق القلب أيضًا!
– كما تظن؛ فإني كنت أقضي مهمة، فنجحت — والحمدُ لله.
فقال له خليل بك: أظنك ظفرت بقلب غادة.
– بل شيء أفضل من قلب الغادة لي الآن، وأنت تعلم أن الأمور تُتمنَّى بحسب الحاجة إليها، فإذا كنت يومًا في ظماء شديد كانت كأس الماء أفضل عندك من الغادة.
– صدقت، والآن أنا في حاجة إلى ثمانية آلاف جنيه لمشروعٍ مهمٍّ ومفيد جدًّا، وقد سألتها صديقَنا طاهر أفندي فوعدني بها بكل بشاشة، وها إني قد كتبت الصك فألتمس منك أن تشهد عليَّ أني قبضت المبلغ الذي فيه.
فوقع حسن ثم يوسف وطوى خليل الصك وجلسوا جميعًا يتحادثون إلى أن قاربت الساعة العاشرة فتفرقوا.