الأصدقاء، الأعداء!
عندما اتصل صديقي بطرابلس، اهتمت كل الدوائر، لم يكن صديقي مواطنًا عاديًّا، ولكنه كان يحظى بمكانة خاصة في أماكن كبيرة في العالم العربي، وأكثر خصوصية في طرابلس. وكان يتصور لحظة اتصاله بطرابلس طالبًا عونًا ماديًّا لإصدار مجلة ٢٣ يوليو ستفتح على الفور جميع خزائن الأرض! لم يكن على دراية بألاعيب السياسة وخفاياها. وكنت على عكسه تمامًا أدرك أن مجلة بهذا الاسم ستحارَب بشدة من كل الجهات. وأن الحرب ضدنا ستكون أكثر سخونة من النظم أصحاب الكتب والشعارات.
ولقد أثبتت التجربة أنني كنت على حق وأثبتت أيضًا أن صديقي كان يعيش في وهم … المهم أن طرابلس اهتمت بالاتصال التليفوني الذي أجراه صديقي معها. وفي اليوم التالي طار أحد المسئولين إلى جنيف بطائرة خاصة، ومن هناك أجرى اتصالًا سرِّيًّا بصديقي، واستفسر منه عما يطلبه. وأكد له في بداية الحديث أن لديه أوامر من جهات عليا بأن يضع نفسه تحت أمر صديقي ورهن مشيئته.
وعرض صديقي الأمر على المسئول الليبي، ويبدو أن ما سمعه المسئول من صديقي كان آخر شيء يتوقعه … في البداية نزل الخبر عليه كالصاعقة. ثم بعد ذلك راح يسأل عن بعض التفاصيل: من الذي سيرأس تحرير المجلة؟ من الذي شارك في التحرير؟
وعندما علم المسئول القادم من طرابلس أن العبد لله سيكون رئيسًا للتحرير، طلب مهلة لكي يعود إلى الجهات العليا قبل أن يعِدَ بأي شيء، ولم تمضِ ساعة حتى عاود المسئول القادم من طرابلس الاتصال بصديقي، وفي هذه المرة أبدى اعتذار طرابلس عن تمويل مثل هذه المجلة؛ لأنهم يعتقدون في طرابلس أن رئيس التحرير — العبد الله — ليس ناصريًّا ولكنه يعمل في مخابرات حزب البعث، وفي نهاية المكالمة نصح المسئول القادم من طرابلس صديقي بأن يتمهل بالنسبة لهذا المشروع.
لماذا؟ لأن أشياء كثيرة قد تغيرت على خريطة العمل السياسي في العالم العربي … وأغلق صديقي الخط التليفوني بينه وبين المسئول الليبي، ورفض بعد ذلك أن يرد على المكالمات التليفونية التي راحت تطارده من هناك. ولم أحاول من جانبي أن أنفي أو أؤكد لصديقي اتهامات المسئول الليبي، ولكني اقترحت عليه أن يتصل بهم من جديد ويبلغهم أنه استغنى عن خدماتي، وأنه سيقبل رئيس التحرير الذي سترشحه طرابلس. ولكن الرجل رفض أن يعاود الاتصال بهم. وكنت أتمنى أن يفعل حتى يكتشف أنهم سيرفضون تمويل مجلة باسم ٢٣ يوليو؛ فهذا التاريخ بالنسبة لهم ينبغي أن يبقى في متحف التاريخ، وعلى كل من يريد أن يكافح، فعلى طريق الفاتح من سبتمبر؛ فهو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وهو السبيل الوحيد إلى الوحدة العربية وإلى الثورة العالمية، وإلى إعادة العرب إلى العصر الباهر القديم!
وسألت صديقي والهمُّ بادٍ عليه: وماذا بعد؟ فأجاب في يأس شديد: لا شيء. وسنؤجل الموضوع إلى أجل غير مسمى. قلت له: ولكن هناك أبواب أخرى تستطيع أن نلجأ إليها … ورد صديقي بنبرة ذات مغزى: بغداد تقصد؟ وبهت صديقي حين قلت له إن موقف بغداد من مجلة اسمها «۲۳ يوليو» سيكون هو نفسه موقف طرابلس. وقال صديقي بهدوء: ومَن هناك غير طرابلس وبغداد؟ فقلت: هناك عرب آخرون ويمكنهم تمويل المجلة، دعني أجرب حظي وستكون معي في الصورة على الدوام.
وقع اختياري على صديق طيب من رجالات الخليج تمتد صلتي به إلى أيام بعيدة مضت، تعرفت إليه في القاهرة عندما كان طالبًا، وكان فقيرًا ومستنيرًا، يحمل عروبته في جيبه بدل كيس النقود، وبعد أن تفجَّر النفط في بلاده صار ثريًّا وألمعيًّا، ولكنه ظل بسيطًا وأبقى على صلاته القديمة، وكان فخورًا بأصدقائه من الكمسارية والمكوجية وباعة السمك الذين عرفهم في القاهرة تلك الأيام.
اتصلت بالرجل فرحب بي، ولم يستغرق الاتفاق معي على تمويل المجلة أكثر من جلسة واحدة. لكنه اشترط شرطًا واحدًا: ألا يُذكر اسمه على الإطلاق، لا في جلسات خاصة ولا على صفحات المجلة. وأعتقد أننا حافظنا على عهدنا والتزامنا به حتى الآن. وعندما سافر الرجل إلى الإمارات التي يعيش على أرضها، لم ننتظر أكثر من أسبوع، بعده تم تحويل المبلغ الذي اتفق عليه إلى بنوك لندن. وكان المبلغ المتفق عليه هو ربع مليون جنيه إسترليني.
والحق أقول: إنني أنا الذي اقترحت المبلغ وحددته … وتصورت لحظتها أنني سأكون موضع اهتمام خاص من ملكة بريطانيا باعتباري أحد المستثمرين الكبار الذين سينهضون بالاقتصاد البريطاني إلى عنان السماء! لم أكن على دراية بأسعار لندن. وكنت حتى تلك اللحظة أعيش في جو مصر وفي أسعارها. حتى البلد الذي استقرت عائلتي فيه (العراق) كانت أسعاره تنافس أسعار مصر في الستينيات.
المهم أن رأس المال وصل، وبدأنا الاستعداد لإصدار ٢٣ يوليو. اتصلنا ببعض الكتَّاب داخل مصر ولبى النداء أساتذة كبار، منهم الكاتب الكبير محمد عودة والكاتب صلاح عيسى. وجاءنا الرسام جورج من باريس. واتصل بنا الرسام صلاح الليثي وكان في لندن للعلاج، واتصل بنا نبيل السلمي من ألمانيا، وجاء فهمي حسين من بيروت، ولحق به بكر الشرقاوي، وحضر جمال إسماعيل من أبوظبي، وجاء أمين الغفاري من مصر وانضم إلى كتيبة ٢٣ يوليو، واستكملت الكتيبة عدتها بقدوم الكاتب المسرحي ألفريد فرج من منفاه بالجزائر.
اشترينا ماكينات الطبع واستأجرنا المكان في حي مزدحم بالعرب، هو حي إيرلس كورت.
ولكن قبل مجيء أحد من الزملاء، انهمكت وحدي بمساعدة بعض أبناء المهنة الذين كانوا يعملون في لندن بإصدار العدد الصفر، واتصلت بالفريق سعد الدين الشاذلي لينشر مذكراته عن حرب أكتوبر في المجلة، ولكنه اعتذر لأنه باع حق النشر لمجلة تصدر في باريس. ومع ذلك صدر العدد الصفر يحمل مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي. طبعًا اعتمدت على ما جمعته من أحاديث سعد الشاذلي في الصحف المصرية بعد المعركة وكان لا يزال رئيسًا للأركان، ونشرت إعلانًا عن مذكرات علي صبري التي ستُنشر قريبًا. ولم تكن هناك مذكرات لعلي صبري، ولكننا اعتمدنا على أقواله في التحقيق في قضية ١٥ مايو.
ولكن يبدو أن صديقي الذي كان يقف خلف المجلة لم ترُق له هذه المذكرات. فقد كان يعتبر نفسه ناصريًّا، ولكن لا علاقة له بمجموعة ١٥ مايو. واكتشفت أن الأمور بين الناصريين وصلت إلى حد مؤسف، وأن الخلافات بين الفرق الناصرية هي نفسها الخلافات بين الفرق الشيوعية، وأدركت أن ما أصاب الحركة الشيوعية في الماضي سيصيب الحركة الناصرية في قادم الأيام.
المهم أني انتصرت في هذا الموقف ونشرت مذكرات علي صبري بعد ذلك، لا لسببٍ إلا لعجز صديقي عن تدبير مادة أخرى تحل محل مذكرات علي صبري، وهذا العجز سيتكرر كثيرًا بعد ذلك، لدرجة أني استعنت بصور عبد الناصر لنشرها في عدد شهر يوليو من جرائد تصدر في الخليج، وكان صديقي قد وعدنا بصور لعبد الناصر لم تُنشر بعد، ولكنه اعتذر في آخر لحظة، وحتى لا ينكشف أمره باعتبار أن هذه الصور لا توجد عند أحد غيره.
على أية حال لقد بدأت ملامح «۲۳ يوليو» تتضح، وكنت قد رسمت سياسة لها وهي تقضي بعدم مهاجمة أي نظام عربي، وأن نكون بمعزل عن الخلافات التي تشق الصف العربي وأدت بالنظم العربية إلى حد المواجهة الساخنة في بعض الأحيان … ولما كنت مقيمًا مع عائلتي في بغداد، كان لا بد أن أذهب إلى بغداد لنطلعها على ما نعدُّه في الخفاء. ولكني قبل السفر إلى هناك، علمت من بعض الأصدقاء هناك أن حملة شرسة يشنها ضدي وضد المجلة بعض المصريين المقيمين هناك والذين احترفوا السياسة كوظيفة، أشاعوا ان المجلة تمولها ليبيا، وادَّعوا أني حصلت على عشرة ملايين جنيه تحت الحساب … ولم يكن لهذه الأوهام المُبالغ فيها بالطبع إلا هدف واحد هو تنفير الكتَّاب من العبد لله. فكيف أحصل على هذه النقود كلها ثم أطلب من الآخرين أن يتعاونوا معي بأجر رمزي؟ وأحيانًا بلا أجر على الإطلاق.
فوجئت أيضًا بحملة يشنها الحزب الشيوعي المصري الذي يتخذ من باريس قاعدة لنشاطه، وأشاع الشيوعيون أنني أعمل لحساب البعث العراقي، وأنني حصلت على ملايين الجنيهات للهجوم على الحزب الشيوعي، وقالوا أيضًا إن المجلة ستبدأ ناصرية وتنتهي ساداتية وعلى طريق الكامب. وكانت النتيجة أن أبواق الإشاعات المسعورة من القاهرة تتهمني بالعمالة للنظام الليبي وحزب البعث العراقي. وكان سروري بهذا الاتهام لا حد له؛ إنه يعني أن أجهزة القاهرة لم تعثر على الممول الحقيقي للمجلة وأنها تتخبط في الظلام. ولم يكن في وسعي أمام سيل الإشاعات المنهمر من كل جانب إلا أن أرفع يدي إلى السماء وأقول: اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا بهم كفيل!
وفي الطائرة التي أقلَّتني إلى بغداد سرح فكري في الماضي البعيد إلى العام ١٩٥٥م وحتى قيام الوحدة. ففي تلك الأيام كنت مسئولًا عن الشئون العربية في جريدة الجمهورية القاهرية وكنت أنتقل كثيرًا بين بيروت ودمشق والقدس وعمان. ولكن الظروف حالت بيني وبين زيارة بغداد. كان نوري السعيد يحكم بغداد بطريقة غبية، وكان يغلق أبوابها في وجه كل من يكتب كلمة واحدة ضد حكومته، وكان الطرد من نصيب كل سياسي معارض وكل صحفي عراقي مشاكس. كانت حدود العراق مغلقة مع سوريا مفتوحة مع غيرها من الجيران! وبحكم عملي الصحفي توثقت الصلة بيني وبين معظم الأحزاب التي كانت تمارس نشاطًا في الشرق العربي، ولكن صلتي كانت أوثق بالحزب الشيوعي العراقي وبحزب البعث الذي كان يشارك في حكم دمشق. وكان الحزب الشيوعي العراقي يكافح تحت الأرض في بغداد، بينما قيادته تقيم في دمشق. كان هناك عبد القادر إسماعيل وعامر عبد الله وعزيز الشريف والدكتور صفاء، وكانوا على اتصال بحكومة عبد الناصر في القاهرة، وظل شهر العسل قائمًا بينهما حتى قيام الوحدة. وفي نهاية عام ١٩٥٧م، حين تبين لهم أن الوحدة ستقوم بيننا وبين سوريا على حساب الشيوعي السوري، أعلنوا العداء لعبد الناصر والوحدة وعارضوا قيامها، واضطر خالد بكداش إلى مغادرة دمشق قبل انعقاد الجلسة التاريخية للمجلس النيابي السوري الذي أقر خلالها الوحدة ووافق على قيامها.
وقد كتب للعبد لله أن يشهد اللقاء التاريخي الذي تم بين أكرم الحوراني رئيس المجلس النيابي السوري وبين خالد بكداش رئيس الحزب الشيوعي وعضو المجلس النيابي … وقال: خالد بكداش لأكرم الحوراني: إننا نعارض الوحدة ولا نوافق على قيامها إلا بشروط. وقال: أكرم الحوراني: وما هي هذه الشروط؟ ورد بكداش: إننا نشترط قيام وحدة فيدرالية وأن يكون لسوريا وضع خاص؛ فلا حل للأحزاب ولا وجود للحزب الواحد ولا حل للحزب الشيوعي على نحو خاص. وقال أكرم الحوراني بهدوء شديد: إنك عضو بالمجلس النيابي، وأمامنا في المساء جلسة تاريخية، وواجبك أن تعارض الوحدة في المجلس وأن تحدد شروطك. ومن جانبنا سنتيح لك الفرصة كاملة لتقول ما عندك. وسنضع تحت أمرك كل أجهزة الإعلام المتوافرة لدينا … وسكت خالد بكداش وقال: إذن، نلتقي في المجلس هذا المساء.
•••
كنت في تلك الأيام شابًّا قليل الخبرة متحمسًا دون دراية حقيقية بأساليب الطرق الملتوية للسياسة العربية؛ ولذلك سألت أكرم الحوراني بعد انصراف خالد بكداش: كيف تسمح له بمعارضة الوحدة في المجلس النيابي وتضع تحت يده أجهزة الإعلام وفي وقت شديد الحساسية عظيم الخطر كالذي نحن فيه الآن؟! وضحك أكرم الحوراني وقال: إنها نصيحة لن يعمل بها خالد بكداش؛ فهو أذكي من أن يمتثل لنصيحتي. ولما بدت علامات البلاهة وعدم الفهم على وجه العبد لله مضى أكرم الحوراني يشرح قوله.
قال الحوراني: أعتقد أن خالد بكداش لن يحضر جلسة الليلة؛ لأنه إذا حضر سيضطر للصمت، وقد يفسر الصمت على أنه موافقة. قلت: ولكنه يستطيع أن يعارض ولن يمنعه أحد في المجلس. وردَّ أكرم الحوراني: بالطبع لن يمنعه أحد داخل المجلس، ولكن الملايين المحتشدة خارج المجلس ستقتحم المجلس النيابي وستقوم بسحل خالد بكداش وكل من يعارض الوحدة. وهو يعلم ذلك تمامًا؛ لذلك أرجح أنه لن يشارك في جلسة الليلة. وصدق حدس الحوراني، فلم يحضر خالد بكداش في الجلسة، ووافق المجلس بالإجماع على قيام الوحدة بينما كانت الملايين تملأ الشوارع ترقص وتغني للوحدة وتهتف بسقوط نوري السعيد.
وفي صباح اليوم التالي اتصل بي عامر عبد الله وطلب مني ضرورة أن أمرَّ عليه في المساء لأمر هام ورجاني عدم التخلف لأنها مسألة حياة أو موت … وعندما طرقت الباب على عامر عبد الله لم يكن وحده، وكان معه بالإضافة إلى عزيز الشريف وعبد القادر إسماعيل عدد آخر من الرفاق حضروا جميعًا من بغداد للاشتراك في اجتماعات اللجنة المركزية.
وكان واضحًا أن هؤلاء الذين عبروا الحدود سرًّا من العراق إلى سوريا هم قادة الميدان، وأنهم يقودون العمل السياسي اليومي للحزب الشيوعي في بغداد، ولكن في الحدود التي رسمتها القيادة الحقيقية التي تعيش في دمشق، وكان واضحًا آثار الفروق العميقة بين قادة الخنادق وقادة الفنادق! ولم أكن وحدي أنا الآخر، كان معي زميل صحفي من القاهرة أصر على الذهاب معي، وقضى الليل كله يشترك في النقاش أحيانًا ويدير دفته أحيانًا. وكان رأي اللجنة المركزية أن عبد الناصر بتحالفه مع حزب البعث وبضربه للحزب الشيوعي إنما ينقذ مخططًا استعماريًّا، وكان لهذه الأسطوانة من الكلام وقعٌ آخر غير وقعها الآن.
المهم أن صديقي الصحفي المصري كان يتكلم أحيانًا في صف عبد الناصر وأحيانًا إلى جانب الحزب الشيوعي العراقي … وعندما انتهت الجلسة التاريخية كما وصفها أحد قادة الميدان القادمين سرًّا من بغداد كان الفجر على الأبواب وكان الإرهاق قد نال منا جميعًا، ومع ذلك وقف صديقي الصحفي المصري يتحدث بصوتٍ عالٍ عند الباب عن الفرق بين الثورة والدولة، وعن وجوب الالتحام بين الفصائل الثورية مع تقدير الظروف الموضوعية وفهم طبيعة المرحلة، وملاحظة الفروق الدقيقة بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي وما هو ديناميكي وما هو استاتيكي!
ويبدو أن عامر عبد الله كان على خبرة بسلوك هذا النوع من الرفاق، خصوصًا بعد سهرة طويلة حول مائدة حافلة بالمأكولات والمشروبات، فسحبني من يدي إلى ركن بعيد وقال: عندنا رسالة هامة لك ونريد أن تقوم بتوصيلها لعبد الناصر. وسألته عن قيمة الرسالة وأهميتها. قال: إنها رسالة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي إلى القيادة المصرية. وقلت لعامر عبد الله: وما دامت الرسالة على هذا النحو من الأهمية، فلماذا لا تسلمها إلى السفير محمود رياض؟ وردَّ عامر عبد الله: لقد وقع اختيارنا عليك لأننا لا نرغب في سلوك قنوات رسمية وتقليدية. وأخجل الرد تواضعي، فتسلمت الرسالة من عامر عبد الله وانصرفت.
أغرب شيء أن هذه الواقعة حدثت عند الفجر وأنني اتجهت بعدها مع صديقي الصحفي إلى الفندق ولم أستيقظ من نومي إلا في الثانية عشرة ظهرًا، ولكني اكتشفت أن خبر الرسالة وصل إلى عبد الحميد السراج وإلى السفير محمود رياض. وأثبتت دمشق أنها — شأنها شأن كل العواصم العربية — ليس فيها أسرار!
وفي اليوم التالي وصلتني برقية من القاهرة تدعوني للعودة. وتكررت الرسائل حتى انتهت آخر الأمر ببرقية من كلمتين: «عد فورًا.» ولم أربط بين البرقيات الواردة من القاهرة وبين الرسالة التي تسلمتها من الحزب الشيوعي العراقي. ظننت أن الأمر مجرد محاولة من بعض المنافسين في الجريدة لأن إقامتي في دمشق طالت؛ ولذلك لم أحفل كثيرًا بهذه البرقيات وعدت في الوقت الذي وجدته مناسبًا.
ولكني اكتشفت خطأ حساباتي وأن الأمر أكبر مما أتصور وأخطر. فما إن سلمت الرسالة للرئيس السابق أنور السادات باعتباره رئيسًا لتحرير جريدة الجمهورية، حتى صدر قرار بفصلي من جريدة الجمهورية. وبعد أسابيع قليلة كنت مربوطًا بسلسلة حديدية ومستقلًّا قطارًا بائسًا قطع الرحلة بين القاهرة والواحات في ثلاثين ساعة. وقضيت عامين معتقلًا في سجن المحاريق، وعلمت بعد ذلك أن الرسالة التي سلمني إياها عامر عبد الله كانت تحمل إنذارا للرئيس عبد الناصر، وإذا تم حل الحزب الشيوعي السوري بعد قيام الوحدة، فإن الشيوعيين العرب سيكافحون في المستقبل، ولكن ضد عبد الناصر وضد القومية العربية.
ما أتعس السياسة العربية حين تفقد المعلومات وحين تتخذ القرارات على أوهام وتخمينات! لقد تصور الحزب الشيوعي العراقي — لأنني أعمل محررًا في جريدة الجمهورية — أنني عين عبد الناصر ومندوبه في دمشق، وتصور عبد الناصر أنني شيوعي أعمل على المستوى العربي، وإلا فلماذا اختارني الشيوعيون بالذات لأكون رسولهم على عبد الناصر؟
وبين تصور الشيوعيين وتخمينات جهاز عبد الناصر قضيت عامين في سجن الواحات، وترددت على سجون أخرى كثيرة من معتقل الفيوم إلى سجن القلعة، وعندما التقيت بعامر عبد الله بعد ذلك بعشرين عامًا في بغداد وعلى مائدة غداء أقيمت على شرف أحمد حمروش، قال لي عامر عبد الله وكان قد صار وزيرًا للدولة في عهد الرئيس البكر: إننا مدينون لك بعامين قضيتهما في سجون مصر.
تذكرت ذلك كله والطائرة التي تقلُّني إلى بغداد تحلِّق على ارتفاع شاهق. وتذكرت كيف باءت كل محاولاتي لدخول بغداد بالفشل. حتى عندما قامت الثورة وانفرد عبد الكريم قاسم بالأمر، حاولت دخول بغداد دون جدوى، ظلت أبوابها موصدة في وجهي حتى بعد ذهاب نوري السعيد، ولم أدخل بغداد إلا بعد سقوط عبد الكريم قاسم ولفترة قصيرة لم تستمر إلا أيامًا قليلة. وانقطعت صلتي بعد ذلك ببغداد، حتى ذهبت إليها في رحلة ضياع لم أكن أدري لها نهاية، ولكن ها أنا ذا ذاهب إلى بغداد وقد اختلفت الأمور فيها كثيرًا عن ذي قبل. فعائلتي كلها تقيم هناك، وأنا بصدد إصدار مجلة في لندن. ولا أعرف ماذا يخبئه القدر للعبد لله هناك، بالرغم من وجود أصدقاء كثيرين لي في الحزب وفي السلطة، وهي صداقات وصلات تضرب في بطن الزمن إلى ربع قرن أو أكثر. فقد بدأت صلتي بحزب البعث في الخمسينيات قبل الوحدة، وتعرفت في دمشق على مفكر الحزب ميشيل عفلق وعلى تاليران العرب صلاح البيطار. ولكن الذي بهرني من الأعماق وشدني إليه تمامًا هو أكرم الحوراني، وأطلقت اسمه على ابني أكرم. أما زكي الأرسوزي فقد كنت أتردد عليه في مقهى في دمشق، وكان يجلس فيه أغلب أوقات فراغه، وكان دائم الشكوى من الزمان ومن الناس، وكان يبدو بائسًا إلى أقصى حد، ويبدو أن حالته النفسية التي تبحث عن تقهقره وتقدُّم رفاقه هي التي لوَّنت نظرته المتشائمة للحياة والناس.
وتوطدت الصداقة بيني وبين عبد الله الريماوي والدكتور منيف الرزاز، كما أنني كنت على صلة وثيقة بعبد الفتاح الزلط وعبد الغني قنوت، وكان بعض هؤلاء قد فر من دمشق ويعيش في بغداد ويحتل مراكز رئيسية.
ولكن في اليوم التالي لوصولي إلى بغداد اكتشفت أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، وأن عقدي كموظف بوزارة الإعلام براتب شهري قدره مائتا دينار قد تم إلغاؤه بجرَّة قلم. وأن مرتبي لم يُصرف لعائلتي منذ شهرين. بينما كان وزير الإعلام وقتئذٍ هو نقيب الصحفيين العرب. وأدركت أن هذا الذي حدث هو أولى ثمرات مجلة ٢٣ يوليو التي لم تصدر بعد، ولكن، على كل من يقبض على جمرة النار أن يتحمل لسعاتها.
•••
انتهت أزمتي في العراق سريعًا، ولم أشأ التدقيق في قرار الفصل وأسبابه؛ ولذلك ارتضيت التفسير الذي قدمه أحد المسئولين … ولكن حز في نفسي أن قرار الفصل صدر بتوقيع نقيب الصحفيين العرب وكان وقتها وزيرًا للإعلام. المهم أنني قبلت المنصب الذي عرضوه عليَّ كمحرر بجريدة الثورة، ورفعوا مرتبي إلى مائتين وخمسة وعشرين دينارًا وكان مائتي دينار في وزارة الإعلام، وفي نفس الوقت نشرت أخبار اليوم مقالًا لأحد الأرزقية أكد فيه أنني أحصل على ملايين الدنانير من حكومة العراق.
ولم أضيِّع وقتًا طويلًا في بغداد، اتصلت بالزملاء الصحفيين الذين كانوا قد تركوا مصر، واستجاب على الفور فتحي خليل الذي قُدِّر له بعد ذلك أن يموت بعيدًا عن مسقط الرأس والخلان. ووافق سعد زغلول على التعاون معنا، وأبدى أحد الزملاء ترددًا ووعد بأن يتعاون معنا بعد أن يتأكد من عدم وجود علاقة بيننا وبين الأسطول السادس الأمريكي! وعرضت منصب رئيس مجلس الإدارة على الأخ رئيس الحزب الثوري إياه، ولكنه رفض بشدة، ورفض حتى مناقشة الفكرة. وسألني زميل آخر عما إذا كنت قد حصلت على تمويل، فلما أجبته بالإيجاب قال: طب ما تقسم معايا. وقلت للزميل إياه: لقد حصلنا على تمويل لإصدار مجلة، فتعالَ معنا وتولَّ رئاسة تحرير المجلة وتولَّ إنفاق ما حصلنا عليه، وتقاسم معنا ما تقضي به الأقدار، فإن قضت علينا بإطلاق الرصاص، فليكن نصيبك رصاصة في قدمك أو رصاصة في ذراعك، وإن قضت علينا بملايين الجنيهات فليكن نصيبك منها نصيب الأسد. ولم يقتنع صديقي بمنطقي ولم يقبل العرض الذي قدمته، وتفرَّغ بعد ذلك للتشنيع على المجلة قبل أن ترى النور.
غادرت بغداد بعد عشرة أيام في طريقي إلى دمشق. واستقبلني في المطار مندوب من الإعلام، وخصصوا للعبد لله سيارة القصر الجمهوري. ومع ذلك فتشوني تفتيشًا دقيقًا للغاية في المطار. لم يكن هناك سبب إلا أنني قادم من بغداد. واستقبلني الوزير أحمد الإسكندر بحفاوة، ورحَّب بصدور المجلة وأبدى استعداده للمساعدة، ولكنه اعتذر عن تمويل المجلة. وقال: إن أحوالنا في سوريا ليست على ما يرام.
واستقبلني عبد الله الأحمر وسجلوا لي حديثًا في تليفزيون دمشق، ولم يسمح لي قطب تليفزيون بغداد وانطلقت من دمشق إلى دولة الإمارات، ووافقت وزارة الإعلام على الاشتراك في المجلة، وكانت هي الدولة العربية الوحيدة التي دفعت الاشتراك.
ووعدت وزارة الإعلام في قطر بالاشتراك، ولكن الاشتراك لم يصل حتى هذه اللحظة. وعدت بعد جولتي في الخليج إلى بغداد، ودفعوا للمجلة ثلاثين ألف دينار تحت الحساب. وكان الاتفاق يقضي بتوزيع خمسة آلاف نسخة تباع بسعر ربع دينار وتتقاضى عنها مؤسسة التوزيع نسبة أربعين في المائة، وتُخصم السلفة التي حصلنا عليها من نصيبنا في التوزيع.
وطرت إلى الجزائر واجتمعت بالفريق سعد الدين الشاذلي الذي وعد بكتابة بعض المقالات في المجلة. وسهرت ليلة مع الزعيم الزعيم الفلسطيني أبو إياد ووعدني بالوقوف إلى جانب المجلة. وحضر اللقاء الأستاذ ألفريد فرج. وكان أبو إياد متحمسًا بمشروع مجلة ٢٣ يوليو، ولكن يبدو أنه في غمرة انشغاله بعظائم الأمور لم يتمكن من ترجمة حماسه إلى أفعال، وعندما ذكَّرناه بما وعد وطاردناه بالمكالمات التليفونية أرسل إلينا اشتراك منظمة التحرير وكان عشرة آلاف دولار جاء بها الأستاذ بكر الشرقاوي من بيروت!
وكان المبلغ الذي وفر لدينا لشراء ماكينات صف الحروف وتأجير مقر المجلة في ٢٦ واريك رود في حي إيرلس كورت في لندن.
وعندما صدر العدد الأول من المجلة، كان كل ما تبقى معنا من رصيد المجلة ستين ألف جنيه إسترليني فقط لا غير. ولا بد أن أذكر هنا أن الفضل في إصدار العدد الأول يرجع إلى الزميل مودي حكيم. فقد اضطررنا إلى طبع العدد الأول في مطبعته، وتقاضى ثمانية آلاف جنيه إسترليني مقابل طبع عشرين ألف نسخة من المجلة. وتحمَّل عواقب هذا العمل الذي يثير جنون البعض في مصر، بالرغم من أنه كان يعمل مندوبًا لمجلة روزاليوسف في لندن.
ولا بد أن أذكر هنا موقف الزميل الأستاذ المرحوم الأستاذ حسن فؤاد، وهو الذي تولى رئاسة تحرير مجلة صباح الخير بعد القبض عليَّ في قضية ما يسمى مراكز القوى، ثم استقال من رئاسة التحرير بعد زيارة السادات للقدس، وعندما التقيت به في لندن وعرضت عليه المشروع وكان لا يزال مجرد فكرة أبدى حماسًا شديدًا، وتطوع فوضع تصميم غلاف المجلة كما ظهرت به، واتصلنا بخطاط مصري ليكتب اسم ٢٣ يوليو، ويبدو أنه كان يؤمن بكل حرف تكتبه جرائد القاهرة عنا؛ ولذلك طالبنا بعدة ألوف من الجنيهات. ولما رفضنا الدفع بالطبع عرض علينا استخدامه كوسيط في شراء العقارات التي نفكر أن نشتريها في لندن، وانتهى به الحال إلى عدم الحصول على أجر الخطوط التي كتبها للمجلة.
واكتشفت بعد صدور العدد الأول من المجلة أن المجلة ممنوعة من دخول أقطار عربية كنت أضعها في خانة الأصدقاء. لقد منعت المجلة من دخول ليبيا والجزائر ولبنان. وكان تفسير الجزائر لهذا الموقف أنها تمنع دخول الصحف العربية التي تصدر في أوروبا. ولم نسمع شيئًا من ليبيا إلا الرفض. بينما كانت إذاعة طرابلس تذيع كل ما ننشره عن نظام الرئيس السادات وتذكر اسم المجلة في كل النشرات! أما عن سبب منعها في لبنان، فقد كان مضحكًا للغاية ومنسجمًا مع الأحوال العامة على مستوى الأمة والتي تدعو إلى الرثاء.
فقد حدث أن غضبت حكومة لبنان من موقف صحف القاهرة التي انحازت إلى عملية السلام وزيارة السادات للقدس. فصدر قرار من وزارة الإعلام اللبنانية بمنع الصحف المصرية من دخول لبنان. ولما كانت مجلة ٢٣ يوليو مصرية، فقد شملها قرار المنع. وعبثًا حاولنا إقناع الرقيب اللبناني بأن مجلة ٢٣ يوليو مصرية أي نعم ولكنها معارضة. ويبدو أنه كان فاهمًا أكثر منا ما ينبغي منعه من دخول لبنان.
المهم أننا وجدنا إقبالًا شديدًا من القراء في كل مكان وصلت إليه المجلة. وبلغ توزيعها في الكويت أربعة آلاف نسخة، وفي سوريا خمسة آلاف نسخة، وفي العراق عشرة آلاف نسخة، زادت بعد ذلك وبناء على نصيحة مؤسسة التوزيع إلى خمسة عشر ألف نسخة. وطلبت اليمن الشمالية مائة نسخة فاعتذرنا لأن تكلفة الشحن أكثر من ثمن البيع، ووزعنا في تونس خمسمائة نسخة، وفي المغرب ألفي نسخة، ومثلها في الأردن، وعندما سمحت السعودية للمجلة بالتوزيع في مدنها بدأنا بألف نسخة، ووصلنا إلى ثمانية آلاف نسخة بعد ثلاثة أسابيع، وكان توزيعها في أوروبا في الشتاء يصل إلى ألف نسخة وفي الصيف يتضاعف إلى ألفي نسخة، أكثرها كان يباع في لندن. ولسوء الحظ لم نستطع الوصول بالمجلة إلى موريتانيا والصومال وجمهورية الصحراء.
والحق أقول: إن المجلة تعرضت للتوقف بعد العدد التاسع ولكن فتح أبواب السعودية أمام المجلة أتاح لنا الاستمرار؛ لأن متعهدا عربيًّا دفع لنا مقدمًا خمسين ألف جنيه إسترليني مقابل الكميات المطلوبة. وتعرضت المجلة مرة أخرى للتوقف في العدد السابع عشر، واتصلنا بأحد العرب المقيمين في لندن، فدبر لنا لقاءً مع سفير عربي وفي نفس الوقت يشتغل بالتجارة ويعتبر واحدًا من أغنى أغنياء العصر، واستقبلنا الرجل في قصره وناقش معنا أحوال المجلة، وسألنا عما إذا كان الفريق سعد الشاذلي يقف وراء المجلة، فأجبناه بأنه ينشر فيها مقالاته.
•••
المهم أن الرجل أبدى استعداده للمساعدة، وقال إنه سيتصل بنا خلال أيام. وفي اليوم التالي اتصل بنا أحد العرب، وكان يشغل منصبًا اقتصاديًّا عربيًّا في لندن، وحذرنا من المندوب الذي سيرسله لنا السفير الذي وعد بالمساعدة. وقال: إن مندوب السفير — حسب علمه — يعمل موظفًا في المخابرات البريطانية. ومع ذلك انتظرنا مندوب السفير، ولكنه لم يظهر قط. كما أن السفير لم يتصل في أي وقت. ويبدو أنه كان مكلفًا بالحصول منا على بعض المعلومات بشأن علاقة الفريق سعد الشاذلي بالمجلة.
وساءت أحوالنا المالية إلى درجة كبيرة. واضطررنا إلى الاستغناء عن بعض الموظفين وبعض العاملين في التحرير، وصارحت من تبقَّى من المحررين بحقيقة الأوضاع في المجلة.
واقترحت تخفيض المرتبات، وأشهد أنها كانت هزيلة، ووجدت ترحيبًا من الجميع، ولا بد أن أذكر هنا شابًّا مصريًّا اشتغل بالصحافة في القاهرة بعد دخولي السجن، ولم يكن قد سبق لي رؤيته أو التعرف عليه، ولكن عندما طلبت من الأستاذ محمد عودة أن يرشح لي بعض الصحفيين الشبان، رشح لي اسمين: عبد العال الباقوري وعاصم حنفي، ولكن فجأة ذهب الباقوري إلى الإمارات وعمل في إحدى الصحف هناك، وفجأة أيضًا وجدت عاصم حنفي أمامي في لندن، لم يكن معه إقامة ولم يكن معه نقود، ولم يكن له هدف إلا الاشتراك في تحرير «۲۳ يوليو»، وكان على دراية جيدة بالعمل الصحفي وصاحب طريقة وله أسلوب، وقد اعتمدت عليه كثيرًا بالرغم من جنونه وتصرفاته المزعجة؛ فقد كان من هذا النوع المثالي الذي لا يرى في الحياة إلا اللون الأبيض واللون الأسود. وصار بالرغم من كل ذلك أحد أعمدة «۲۳ يوليو»، وكان أول من وافق على تخفيض مرتبه واقترح أن يعمل المحررون جميعًا في صحف أخرى ويتقاضوا أجورًا وفي نفس الوقت يعملون في «۲۳ يوليو» بالمجان، ولكن هذا الاقتراح لم يرَ النور لأسباب كثيرة. ثم فجأة لاحت لنا بارقة أمل وسط ليل المشاكل الطويل.
اتصل بي مهندس مصري يشتغل بالسياسة، وكان يقيم في بغداد لسنوات طويلة ويدير شركة كهرباء، وحقق أرباحًا بلغت عدة ملايين من الدولارات، وقال لي على الهاتف: سنتعاون معًا، وسنضمن للمجلة الاستمرار.
وهتفت: يا فرج الله! ولكن ما حدث بعد ذلك كان أغرب من الخيال!