ماذا يريد «مارتينز»
وقف «عثمان» ينظر عبر النافذة إلى الرجال الثلاثة والأبقار الشاردة، كانوا قد خلعوا أقنعتهم، وكم كانت مفاجأة له عندما دقَّق النظر فيهم أن يتعرَّف على أحد رجال «مارتينز» بينهم، إذن فهناك خيانة …!
قبل أن يفعل «عثمان» أي شيء سمع صرخة عالية، وشاهد أحد الرجال يُحيط عنقه بذراعيه وقد بدا عليه الاختناق، وشاهد «عثمان» أحد الثعابين الضخمة يتدلى من فرع شجرة وقد أطبق على رقبة الرجل … وانطلقت رصاصة من أحد الرجال، وهوى الثعبان الضخم. ولكن الرجل الملدوغ ترنَّح وسقط من فوق حصانه، ونزل أحد الرجلين وحمل زميله إلى تلٍّ قريب …
واستيقظ «فيجو» العجوز على صوت الطلقة، فشرح له «عثمان» ما حدث، فهز «فيجو» رأسه وقال: لا فائدة من محاولة إسعافه، إنه ثعبان «الفايبر» القاتل، أضخم وأغزر ثعابين أمريكا سمًّا … ولا يُمكن النجاة من لدغته، خاصةً في منطقة الرقبة!
أحس «عثمان» بالبرودة تسري في جسده … كان الموت بالسم من الأشياء التي يَكرهها بعمق، وتمنَّى أن يخرج من هذه الأدغال سالمًا … وفجأة ومن فوق التل الذي تمدَّد عليه الرجل المصاب، أشار الرجل الثاني ناحية الكوخ، وقال «عثمان» ﻟ «فيجو»: لقد اكتشفا مكاننا …
وتقدم الثالث الذي يركب الحصان ناحية الكوخ وقد أخرج مسدسه، وبهدوء شديد فتح «عثمان» زجاج النافذة، ثم وضع بندقيته على حافة النافذة … كان يُمكن أن يصيب الرجل بطلقة في القلب، ولكنه لم يكن يُريد أن يقتله، وأحكم التصويب ثم أطلق رصاصة واحدة أطارت المسدس من يد الرجل الذي وقف مذهولًا مكانه وقد بدا الرعب في عينَيه … فتح «عثمان» النافذة وقفز منها خارجًا، وعينه على الرجل الثاني الواقف فوق التل، وكان معه كل الحق في هذا الحذر، فقد امتدَّت يد الرجل بسرعة إلى جراب البندقية في سرج الحصان واستعد للإطلاق … ولكن «عثمان» كان أسرع، وطارت البندقية في الفضاء، وصاح «عثمان» في عنف: لا حركة بعد ذلك!
ثم نادى «عثمان»: «فيجو» … اخرج الآن واربط الرجلين …
خرج «فيجو» مُستعدًّا بقطعة حبل، ومشى بخطواته الثقيلة إلى الرجل الأول، وطلب منه النزول من فوق الحصان فأطاعه صاغرًا، فقيَّد يديه خلفه ثم ساعده على الصعود إلى حصانه، وكذلك فعل بالرجل الثاني، ثم انحنى على الرجل الذي لدغه الثعبان، وأشار ﻟ «عثمان» من بعيد أنه قد انتهى …
أصبح الموقف على ما يرام … فقد أسر «عثمان» الرجلين، وأصبح عنده حصانه، وحصان الرجل الذي مات، وفي إمكانه الآن العودة ومعه الدليل العجوز «فيجو» …
وقرر «عثمان» أن يسير فورًا، وسرعان ما كان اللصان يسيران في المقدمة وخلفهما «فيجو» و«عثمان»، وأخذت الأبقار التي جمعها «عثمان» سريعًا تجري أمامهم …
كانت الشمس قد بزغت أخيرًا من خلف السحب، وكانت أشعتها تتسلل من بين الأغصان الكثيفة كأنها شلالات من النور … ومضت القافلة بإرشاد «فيجو» عبر المستنقعات والأحراش الكثيفة نحو ساعة، ثم ظهرت حدود المراعي، وظهر على الفور مجموعة من الرجال يركبون الجياد مقبلين من بعيد. وأطلق «عثمان» طلقة دوت في الفضاء، وسرعان ما كانت المجموعة تتجه إليه …
بعد دقائق قليلة اتضح أن المجموعة لم تكن سوى «مارتينز» و«كاردوفا»، و«أحمد»، ومعهم مجموعة من المساعدين بينهم «قيس» … كانوا جميعًا يركبون الجياد، ويحملون الأسلحة، وكان واضحًا أنهم يَبحثون عن عصابة سرقة الماشية … وعلى حدود المراعي والمستنقعات التقى الجميع، وبدا على وجه «مارتينز» الإعجاب وهو يرى الفتى الأسمر «عثمان» يقود الأسيرَين وقد أعاد ما استطاع من الأبقار …!
قال «مارتينز»: ماذا حدث؟!
رد «عثمان»: عصابة من لصوص الماشية … أحدُهم من رجالك!
نظر «مارتينز» إلى «كاردوفا»، الذي قال: مَن هو؟! إنني لا أراه هنا!
عثمان: لقد قام أحد ثعابين «الفايبرز» بمهمَّة القضاء عليه …
مارتينز: وماذا كان يعمل «فيجو» معهم؟!
عثمان: لقد اختطفوه عنوةً ليكون دليلهم؛ فقد هربوا عن طريق المستنقعات حتى لا يطاردهم أحد …
مارتينز: وبعد ذلك؟!
عثمان: هربت منهم … واستطعت إنقاذ «فيجو» الذي أطلقوا عليه رصاصة للخلاص منه، ولكنها لم تقتله … ثم ساروا في المستنقعات بدونه، ففقدوا أربعة رجال وبعض الأبقار … وعاد ثلاثة، مات أحدهم كما قلت بلدغة ثعبان، وهذان الرجلان الباقيان قد عدت بهما …
مارتينز: إنك حارس أكثر من مُمتاز! ومن الآن ستعمل معي داخل القصر …
تبادل «أحمد» و«عثمان» نظرة سريعة … ثم تحرَّك الجميع عائدين … وبمجرد أن وصلوا إلى بوابة القصر، أصدر «مارتينز» أوامره بإعطاء «عثمان» شارة حرس القصر، والسماح له بالمبيت فيه … وهكذا اختار «عثمان» غرفة مُجاورة لغرفة «أحمد» في القصر … وفي نفس هذا الوقت كان «قيس» يُسرع مبتعدًا بفرسه إلى حيث التقى «بإلهام» عند حدود مراعي «مارتينز» وأخبرها بكل ما حدث …
عادت «إلهام» مسرعةً إلى كوخ «فيجو»، ووجدت العجوز قد وصل قبلها بدقائق قليلة، وأسرعت «إلهام» إلى «هدى» وتبادَلا التحيات الحارة … وبينما كان «فيجو» يغتسل بعد رحلته الشاقة، كانت «هدى» و«إلهام» تتحدثان بسرعة خارج الكوخ … فأبلغت «هدى» إلى «إلهام» تعليمات «رقم صفر» … وأخبرتها «إلهام» بالأحداث التي مرَّت منذ سفرها … وهكذا عاد الشياطين الخمسة ليكونوا في منطقة الأحداث معًا …
-
الحصول على أكبر قدر من المعلومات عن اتحاد العصابات التي تُحرك أحداث اختطاف العلماء، والهدف منها …
-
إنقاذ العالم المصري «جمال زهران» …
وقال «أحمد» هامسًا في أذن «عثمان» وهما يجلسان معًا في غرفته: لقد اكتشفتُ خلال الأيام القليلة التي قضيتها هنا، بعض الأشياء ذات الأهمية الخاصة لنا … إن مطار قصر «مارتينز» هو المحطة الأولى التي يَصل إليها العلماء المُختطَفون … وباعتباره مطارًا خاصًّا فلا يفتشه أحد، وبعد أن يقضي العالم المخطوف بعض الوقت هنا، تأتي طائرة خاصة لتحمله إلى حيث أعدت العصابة مركزًا علميًّا ليَعمل فيه هؤلاء العلماء … وكما تعرف فإن عِملهم ينحصر في إعداد قنابل ذرية صغيرة، يُمكِن حملها بواسطة شخص واحد … وتفجيرها في أي مكان …
عثمان: وهل عرفت مكان هذا المركز العلمي؟
أحمد: لا … ولكن كما يتَّضح من الأدلة والاستنتاجات، فإن هذا المركز يقع في نصف الكرة الجنوبي، وبالطبع ليس هذا تحديدًا ذا قيمة؛ فنصف الكرة الجنوبي قارة بأكملها، مُميتة في معظم مناطقها … وبالطبع، فإن محاولة البحث عن المركز دون تحديد المكان، تشبه البحث عن حبة من الرمل في قاع المحيط …
عثمان: هل هناك أيَّة معلومات عن العالم المصري «جمال زهران»؟
ابتسم «أحمد» وهو يردُّ: لقد كان هنا!
بدا الاهتمام على وجه «عثمان» … وقال: كان هنا؟!
أحمد: نعم؛ بعد يوم واحد من اختطافه … أي إنه نُقل من السويد مباشرةً إلى هنا، ولا أدري كيف مرَّ بالحدود؛ فهذه مسألة سوف نكشفها فيما بعد …
عثمان: ولكن كيف عرفتَ أنه كان هنا؟!
أحمد: كنت أتحدث مع الطاهية «ميراندا» عن الطعام الذي تقدمه، وكيف تجيد طهوه، وكانت سعيدة جدًّا بهذا الحديث، وأخذت تُعدِّد لي الشخصيات الهامة التي دخلت هذا القصر وأعجبت بالطعام الذي تُعدُّه …
عثمان: فهمت!
أحمد: ماذا فهمت؟!
عثمان: لا بد أنها قالت لك عن شخص كان يطلب طعامًا معينًا …
أحمد: بالضبط، كان يطلب طعامًا ليس به لحم أو شحم الخنزير … ثم أكثر من هذا، وصفت لي «ميراندا» كيف كان يُصلي، وعرفت على الفور من هذه المعلومات ومن تاريخ الخطف أنه «جمال زهران»، وقد قضى هنا ليلتَين، ثم جاءت الطائرة وحملته بعيدًا …
عثمان: إن «مارتينز» رجل خطير!
أحمد: جدًّا!
عثمان: الشيء الذي يُحيِّرني، هو لماذا يستغل مثل هذا الشخص عقله العبقري في الإجرام … إنه ليس فقيرًا لنقول إنه في حاجة إلى المال، إنه مليونير، بل وأكثر من مليونير …
أحمد: إنها عبادة القوة يا «عثمان» …! بعض الناس تصبح القوة والسيطرة عندهم هدفًا، أهم من الأموال، وأهم من الملايين، إنه يُريد أن يثبت أنه أقوى رجل في العالم … وتصور أنت رجلًا يملك القنبلة الذرية، ويتحكَّم في الدول والحكومات!
عثمان: إن هذا جنون!
أحمد: نعم … إنه نوع من الجنون!
عثمان: وما هي خطتك؟
أحمد: أولًا، أن أعرف مكان المركز العلمي حيث يوجد العلماء … إن معرفة المكان تعني أننا قطعنا نصف الطريق نحو الهدف …
كانت الساعة قد اقتربت من منتصف الليل، وأحس «عثمان» برغبة قوية في النوم، فترك «أحمد» وأوى إلى فراشه. وقام «أحمد» يتجوَّل في القصر … كان ضمن مهامه التأكد من أن كل شيء على ما يرام قبل أن يأوي إلى فراشه.
مشى «أحمد» محاذرًا عبر ردهات القصر الفخم … كان الجميع نائمين، فلم يكن هناك شيء يدعو إلى تشديد الحراسة بعد انتهاء اجتماع زعماء العصابات … ودار «أحمد» حول القصرة دورة واسعة … وعندما كان يمرُّ قرب مكتب «مارتينز» لاحظ أن المكتب مضاء، ولم يكن من عادة «مارتينز» أن يسهر في غرفة مكتبه، إلا إذا كان عنده ضيوف لا يُريد أن يراهم أحد … ودهش «أحمد» لوجود ضيوف في مثل هذه الساعة المتأخرة، لأنه لم يُخْطَر بوجود هؤلاء الضيوف، رغم أنه هو الحارس الخصوصي الأول للمليونير.
اقترب «أحمد» من النافذة المضاءة … كانت حافة النافذة مُرتفعة عن الأرض بنحو مترين، ولم تكن هناك مشكلة في الوصول إليها، فقد كانت مباني القصر من النوع القديم الذي تكثر فيه الأفاريز والزوائد الحجرية. ووقف «أحمد» يستجمع قوته ثم قفز وتعلَّق بالإفريز البارز، واعتمد على عضلات ذراعيه القويتين، ورفع جسمه إلى أعلى، ثم انكمش كالقط على الإفريز، وأخذ يرفع رأسه مُحاذرًا، ليرى ضيوف منتصف الليل …