لص في قصر المليونير!
كان حضور «قيس» المفاجئ، ومظهره المُضطرِب باعثًا على القلق … ووقف «أحمد» ونزل قيس من على الحصان، وأسرعت «إلهام» تقدم له شريحة من اللحم الساخن … وقال «قيس» وهو يقضم قطعة اللحم باستمتاع: إنهم يبحثون عنك أنت و«عثمان» في القصر!
أحمد: لماذا؟!
قيس: يقولون إن ثمة محاولة لسرقة شيء من خزينة «مارتينز» قد حدثت …
صاح «أحمد» بضيق: غير معقول! كيف؟!
قيس: ولكن اللص لم ينجح في فتح الخزينة الحصينة، وقد اتصلوا ﺑ «مارتينز» في المدينة وسيأتي بعد ساعة.
قفز «أحمد» إلى حصانه وكذلك فعل «عثمان». وقال «أحمد» ﻟ «إلهام»: لا تنسي الجهاز الصغير … دبري مع «قيس» كيف يصلني غدًا … إن الحوادث تسبقنا!
واختفى «أحمد» و«عثمان» في الظلام. وجلس «قيس» مع «إلهام» و«هدى» و«فيجو» العجوز، صامتين يأكُلون اللحم، بينما كان حديث «أحمد» و«عثمان» وهما يشقَّان الظلام في طريقهما إلى القصر، يدور حول حادث السرقة الذي لم يتمَّ …
قال «عثمان»: يبدو أن ﻟ «مارتينز» أعداءً كثيرين!
أحمد: بالطبع … إن المشروع الذي يحاول تحقيقه، لم يسبق له مثيل … تصور قنابل ذرية صغيرة يُمكن حملها والتهديد بتفجيرها في أيِّ مكان؟! إنك لا تحاول سرقة بنك أو شركة، بل في إمكانك تهديد دولة بأسرها!
عثمان: ومن تتوقَّع أن يكون السارق؟
أحمد: لا بد أنه في مركز قريب من «مارتينز» …
عثمان: لماذا؟!
أحمد: لأنني أعتقد أنه مثلنا، يُحاول سرقة الفيلم الذي يُصوِّر مركز الأبحاث الذرية في القطب. فهذا بالتأكيد أهم شيء في قصر «مارتينز» … ولو كان لصًّا عاديًّا يريد سرقة بعض المجوهرات أو الأموال، لحاول في مكان آخر … إن قصر «مارتينز» قلعة حصينة، فإذا صح استنتاجي، من أنه جاء لسرقة الفيلم فلا بد أنه من داخل القصر، أو له صديق داخل القصر … فالفيلم قد وصل أمس فقط، ولا أحد يعلم بذلك إلا «مارتينز» وأنا!
عثمان: هل تشكُّ في شخص معين؟
أحمد: هناك شخص واحد يُمكنه أن يعرف بوصول الفيلم …
عثمان: «كاردوفا»؟!
أحمد: بالضبط …
عثمان: ولكن كيف اكتشفوا اللص إذن؟!
أحمد: لا أدري! ولا بد أنه حدث بالصدفة …
وصل الصديقان إلى القصر … أسرعا بترك الجوادين في الإسطبل، ثم دخلا … كان الدهليز الواقع أمام مكتب «مارتينز» مُضاءً، وقد وقف فيه خمسة أشخاص … أحد الخدم وثلاثة من الحراس، و«كاردوفا»، ولم يَكد «كاردوفا» يرى «أحمد» و«عثمان» حتى صاح: أين كنتما؟!
أحمد: لقد ذهبنا في نزهة سريعة، للقاء أصدقائنا عند كشك «فيجو» …
كاردوفا: وتركتُما القصر تحت رحمة اللصوص؟!
أحمد: ماذا حدث؟!
كاردوفا: أحد اللصوص دخل مكتب «مارتينز» لسرقة الخزينة …
أحمد: وهل سرق شيئًا؟
كاردوفا: لا …
أحمد: وأين هو؟
كاردوفا: لقد هرب من النافذة … فقد دخل أحد الخدم بالصدفة إلى المكتب فرآه …
أحمد: ألم يُطارده أحد؟!
كاردوفا: لقد اختفى قبل أن أعلم، وأنت المسئول … لو كنتَ موجودًا لما حدث شيء من هذا!
أحنى «أحمد» رأسه … كانت هذه حقيقة لا تَقبل الجدل، واتجه إلى باب المكتب، ولكن «كاردوفا» صاح به: لا تدخل … طلب «مارتينز» ألا يدخل أحد حتى يصل …
مضت فترة … ثم سمعوا جميعًا صوت سيارة «مارتينز» تقف بباب القصر، وبعد لحظات دخل المليونير، وكان وجهه هادئًا وإن كان شاحبًا، واتجه إلى باب غرفة المكتب دون أن يُلقي نظرة واحدة على الواقفين، ثم خرج بعد لحظات، وكان وجهه مُتوردًا وقد لمعت في عينيه نظرة ساخرة … قال «كاردوفا» في لهجة اعتذار وخوف: لا أدري يا سنيور كيف ترك الحارس مكانه دون أن يُخبرني!
كان يشير إلى «أحمد» … فقال «أحمد»: إنني مخطئ … وعلى استعداد لتقديم استقالتي فورًا!
مطَّ «مارتينز» شفتيه في امتعاض وقال: في الأغلب لم يُسرَق شيء منها. وسوف أتأكد على كل حال بعد ساعات …
لم يَلتفِت أحدٌ إلى ما قاله «مارتينز»، إلا «أحمد» … لقد كان يعرف كما قالت له «إلهام» أن هذا النوع من الخزائن لا يَفتح إلا في ساعة معينة، حتى صاحبها لا يستطيع فتحها إلا في الموعد الذي ضُبطت عليه …
تحرك «مارتينز» مبتعدًا دون أن يتحدث إلى أحد، واتجه إلى غرفته … كانت الساعة قد اقتربت من منتصف الليل، فانصرف الجميع … وعندما اختلى «أحمد» و«عثمان»، قال «أحمد»: هذه السرقة ستُقدم لنا مساعدة قيمة …
عثمان: كيف؟!
أحمد: إنَّ هذا النوع من الخزائن كما قالت لي «إلهام» لا يفتح إلا في الساعة التي سبق تحديدها لفتحه، وسوف يأتي «مارتينز» للتأكد في الساعة المحددة …
عثمان: إذا كان الأمر كذلك، فمعنى ذلك أن الخزينة لم تسرق، فلماذا يعود «مارتينز» للتأكد؟!
أحمد: لأنَّ الفيلم خطير جدًّا، ويُمكن لمن يحصل عليه أن يُحطِّم «مارتينز» والمشتركين معه … ولهذا فإن «مارتينز» لا بد أن يزداد تأكدًا …
عثمان: ما هي خطتك؟
أحمد: ببساطة سوف نتبادل السهر حتى نسمع «مارتينز» وهو ذاهب إلى غرفة المكتب، ستكون هذه هي الساعة التي تفتح فيها الخزينة، وسوف يُوفِّر علينا هذا يومين كاملين … يومًا لنضع فيه جهاز تسجيل الوقت تحت الخزينة، ويومًا لفتحها.
عثمان: سأنام أنا أولًا …
أحمد: من الأفضل أن أنام أنا أولًا؛ ففي الأغلب سيكون موعد فتح الخزينة في ساعة مبكِّرة من الصباح، وأُفضِّل أن أكون مستيقظًا في هذا الوقت …
أوى «أحمد» إلى فراشه، وبقي «عثمان» ساهرًا … ومضى الوقت بطيئًا، وكان «عثمان» يرهف أذنيه لعله يسمع وقع خطوات «مارتينز»، ولكن القصر ظل هادئًا طوال الليل، حتى بدأ الفجر يتسلَّل عبر الردهات، فأيقظ «عثمان» «أحمد» الذي قام نشيطًا، فاغتسل، وأعد لنفسه كوبًا من الشاي ثم جلس للمراقبة … وقد صدق ظنه، ففي الساعة الخامسة صباحًا سمع صوت خطوات «مارتينز» تتسلَّل عبر الدهليز. وفتح «أحمد» بابه فتحة بسيطة، وشاهد المليونير وهو يدخل غرفة المكتب …
ما كاد «مارتينز» يغلق باب المكتب عليه حتى أسرع «أحمد» يَجري إلى الباب … نظر حوله فلم يجد أحدًا قد استيقظ بعد، فوضع أذنه على الباب وسمع صوت باب الخزينة وهو يفتح، فعاد مسرعًا إلى غرفته، وتمدَّد على الفراش.
في الثامنة صباحًا بدأ التحقيق في حادث محاولة سرقة الخزينة … كان «مارتينز» قد طلب جميع الحراس في غرفة «كاردوفا»، ثم وجه لهم الحديث قائلًا: لقد وقعت حادثتا سرقة في أقل من ٤٨ ساعة … أولًا سرقة الماشية … ثانيًا محاولة سرقة خزينتي الخاصة، وفي المرتين لم يحدث شيء ذو قيمة. ولكن الخطير في المسألة أنَّكم لا تقومون بواجبكم …
كانت أنظار «أحمد» مركَّزة على «كاردوفا» الذي بدا مُتوتِّرًا، فقد كان هو رئيس الحراس، وأي تقصير هو في النهاية مسئوليته الخاصة … كان «أحمد» يشكُّ في أن «كاردوفا» مشترك في محاولة السطو على الخزينة؛ فهو مُجرِم مُحترِف يبيع نفسه لمن يدفع أكثر، ولا بد أن عصابة معادية ﻟ «مارتينز» قد اشترته، وطلبت منه أن يَسرِق الفيلم. وربما كانت هذه العصابة من العصابات المشتركة في عملية المركز الذري، ولكنها تريد أن تَنفرِد بالعمل وحدها …
كانت هناك عشرات الاحتمالات، ولكن المهم في نظر «أحمد»، كان الحصول على الفيلم سريعًا حتى لا يَنكشِف أمرهم … وقد صحَّ ما توقعه عندما قال «كاردوفا»: إن سرقة الماشية، ثم محاولة سرقة الخزينة حدثَتا بعد التحاق الحُراس الجدد عندنا …
كان يوجه حديثه ﻟ «مارتينز»، مُحاوِلًا إثارة شكوكه في «أحمد» و«عثمان» و«قيس» … وكان معه كل الحق؛ فسرقة الماشية تمَّت أثناء حراسة «عثمان». ومحاولة سرقة الخزينة تمَّت أثناء حراسة «أحمد» …
رد «أحمد»: ولكن يا سنيور «كاردوفا»، لقد كاد «عثمان» يَدفع حياته ثمنًا لعملية السطو … وأنا كنتُ في رحلة سريعة إلى كوخ «فيجو»، ومن الممكن سؤاله، فماذا تقصد بهذا التلميح إلينا … هل تتَّهمنا بالتقصير، أم تتَّهمنا بالمشاركة؟
رد «كاردوفا» بحدة: إنني لا أتَّهم أحدًا، ولكني أضع الحقائق أمام السنيور «مارتينز»، وله أن يختار منها ما يحلو له …
أحمد: على كل حالٍ سأقُوم بالتحقيق في حادث محاولة سرقة الخزينة. وسوف تَكشِف الحقائق عمن يكون المتهم فيها …
صاح «كاردوفا» غاضبًا: ماذا تقصد؟!
وقبل أن يردَّ «أحمد»، رفع «مارتينز» يده وقال: لا أريد مهاترات بينكما … المهم الآن هو أني لا أريد أن أسمع عن محاولة أخرى للسرقة، دون أن تُمسِكُوا باللص، وإلا فإنني لن أتردَّد في طردكم جميعًا، وسأجد حراسًا أفضل منكم …
وقام «مارتينز» فانفض الاجتماع، وتبادل «أحمد» و«كاردوفا» نظرات العداء والتحدِّي … وعندما خلا الجو، جلس «أحمد» و«عثمان» في جانب من الحديقة الكبيرة، وقال «أحمد»: الليلة، لا بد أن تدخل «إلهام» إلى القصر … إنَّ الأمور لا تسير في طريقها الطبيعي، وأخشى أن ينكشف أمرنا …
عثمان: وكيف ستدخل «إلهام»؟!
أحمد: سوف ترسل «إلهام» مع «قيس» الجهاز الإلكتروني الذي يكشف عن موعد فتح الخزينة، وقد عرفنا الآن متى تفتح … إنها تفتح مرتين، مرة قرب منتصف الليل كما رأيت أنا … ومرة في الخامسة صباحًا … وبما أنني لست متأكد من الموعد الأول بالضبط، إلا أن الموعد الثاني مؤكد، لهذا فإنني أريدك أن تَخرُج الآن … اذهب إلى «قيس»، واطلب منه أن يذهب سريعًا إلى «إلهام»، ويطلب منها الاستعداد لتكون جاهزة لدخول القصر في الساعة الرابعة وخمسة وأربعين دقيقة، وعليها أن تقف عند الشجرة الثالثة المُجاوِرة للباب الخلفي للقصر، وعليها أن تطلق صيحة الخفاش وستكون أنت هناك، وستقودُها إلى غرفتي، وسأترك النافذة مفتوحة لتدخُلا منها … والباقي سنُرتِّبه معًا …
عثمان: سأذهب الآن …
أحمد: قل ﻟ «قيس» إن على «إلهام» أن تُحضِر جميع مهمات فتح الخزينة، وأن تحضر معها من المدينة فيلمًا «خامًا» ليس مُصوَّرًا، وسنضعه مكان الفيلم، حتى إذا ما فتح «مارتينز» الخزينة في أي وقت ووجد الفيلم مكانه اطمأنَّ. وأظن أنه لن يخرجه للتأكد …
وأسرع «عثمان» خارجًا. وبقي «أحمد» في القصر يُفكِّر في الخطوات القادمة الخطيرة …