متاعب الشباب الجنسية
كتب إليَّ شاب في سن السابعة عشرة يقول إنه عندما يرى صورة فتى في سنه أو أصغر منه، أو عندما يقابل أحدًا في هذه السن، يحس رعشة تزلزل جسمه حتى يكاد يغمى عليه، وأنه يتخيل عن هذه الصورة أو هذا الشخص اللذين يلقاهما خيالات متعاقبة لها قوة جبرية؛ إذ لا يستطيع التخلص منها، وهي خيالات الإعجاب العظيم حين يكون هناك مكان لهذا الإعجاب، وهو يقول بالحرف: «ومهما يكن من شيء فإني أشعر بهذا الميل كذلك عندما أكون سائرًا في طريق، أو عندما أقابل أحد أصدقائي بصحبة شاب أو شبان معه، أو عندما أقابل أحد أصدقائي بصحبة شاب أو شبان معه، أو عندما أكون في مجلس من مجالس الحديث، أو في اجتماع من الاجتماعات، فيقع نظري على هؤلاء الشبان … فماذا أشعر … أشعر بهذه القوة التي تصعد من نفسي في حرارة والتهاب، وماذا أجد؟ أجد ذلك الميل القوي العنيف وما يتبعه من انفعالات حادة … إلى هنا لا أدري من أمري شيئًا، نفس الدافع المجهول ونفس الشيء الغامض اللذان أحس بهما عندما تقع عيناي على صورة … وإلى هنا لم يصور الخيال شيئًا من تلك الصور الرائعة أحيانًا أخرى، والمترددة بين ذلك في بعض الأحيان … ثم ماذا … إن قلبي يدق دقًّا عنيفًا، ويضطرب اضطرابًا شديدًا … كل ذلك في مثل ومضات البرق المتلاحقة التي لا تكاد تظهر حتى تختفي، ولا تكاد تختفي حتى تظهر …».
هذه عبارات قليلة من ثماني صفحات كتبها هذا الفتى الذي لم يكد يتجاوز المراهقة.
وهذه الإحساسات تكاد تكون طبيعية في جميع المراهقين، وأيضًا المراهقات، وقد تستمر إلى العشرين؛ وهي أن الشاب يعجب بشاب آخر في سنه أو أصغر منه، والفتاة كذلك تعجب بفتاة أخرى في سنها أو أصغر أو أكبر منها.
وهذا الإعجاب هو بالطبع جنسي في أساسه؛ أي: إنه شاذ، وكثيرًا ما يحدث الاتصال الشاذ في هذه السنين.
ولكن إذا كانت البيئة حسنة، وكان الاختلاط بين الجنسين مباحًا، فإن هذا الاتجاه الجنسي الشاذ يتجه نحو الجنس الآخر، وينسى الشاب إعجابه بالشبان كما تنسى الفتاة إعجابها بالفتيات، وعندئذ يعود كلاهما إلى الحال السوية، وهذا هو ما يحدث في أوربا وأمريكا وجميع الأقطار التي تجيز الاختلاط بين الجنسين في المجتمع وفي المدرسة الابتدائية والثانوية والجامعة.
وذلك لأن الخيال الجنسي يتربى بالاختلاط ويصل إلى هدفه، فالشاب يحب الفتاة أو الفتاة تحب الشاب؛ لأن كلًّا منهما — بالاختلاط — ماثل أما الآخر لا يغيب، أما إذا كان هناك فصل وحرمان بحيث تعيش الفتيات منعزلات في مدرسة داخلية — مثلًا — فإن خيال الشاب ينقشع من إحساساتهن، وعندئذ تتجه الطاقة الجنسية نحو الفتيات، وكذلك الشأن في الشاب الذي لا يرى غير الشبان، فإن خياله — لهذا الحرمان — يتجه نحو شاب آخر.
ثم إذا دامت هذه الحال جملة سنوات؛ وخاصة في سني التوتر الجنسي فيما بين الخامسة عشرة والعشرين، فإن هذا الاتجاه الشاذ يثبت وينمو في هذا الاتجاه، ويصعب — عندئذ — أن نجذب الشاب من جديد إلى المرأة، كما يصعب أن نجذب المرأة إلى الرجل؛ لأننا في الحالين إزاء شذوذ قد تربى ورسخ، ولكن ليس معنى الصعوبة هنا التعذر التام، وإنما نعني أن كلًّا منهما يحتاج إلى تربية جديدة ومرانة جنسية جديدة.
ويكثر الشذوذ في مصر للانفصال القائم بين الجنسين، وهذا الشذوذ يغلب في المدن ويندر في الريف؛ لأن الاختلاط في الريف متوافر بسبب الأعمال الاضطرارية التي تجمع بين الجنسين، بل كذلك الحال في الطبقات الفقيرة في المدن، فإن الانفصال ليس تامًّا، ولذلك لا يكثر الشذوذ الجنسي في هذه الطبقات كما يكثر بين أفراد الطبقة المتوسطة؛ وخاصة لأن سن الزواج تتأخر بين هذه الطبقة.
ولهذا الوضع الاجتماعي أثر آخر؛ فإن العادة السرية بين الريفيين من الجنسين، وكذلك بين الطبقات الفقيرة في المدن، تكاد تكون مجهولة، بخلاف الحال بين الطبقة المتوسطة حيث تفشو كثيرًا.
وعلة ذلك واضحة، وهي أن سن الزواج بين الريفيين وبين أفراد الطبقات الفقيرة في المدن تكون عادة مبكرة، ولكنها تتأخر بين أفراد الطبقة المتوسطة، ثم إن الاختلاط الجنسي بين الريفيين وبين فقراء المدن متوافر، وهذا الاختلاط نفسه يجعل العادة السرية بعيدة عن الذهن والخيال؛ لأنه يجر كلًّا من الشاب والفتاة إلى الواقع، وهذا الواقع ليس مغريًا إلى درجة الجنون أو الحماسة التي تحمل على ممارسة العادة السرية بإسراف؛ أي: إن هذا الاختلاط يبعث على الاتزان الجنسي.
أما الحرمان فإنه يثير خيالات بعيدة عن الواقع، وهي خيالات تنحو نحو الكمال الكاذب الذي لا يتحقق في كل من المرأة والرجل، وعندئذ تطغى الرغبة الجنسية وتغري بالعادة السرية.
وعندما يتطاول الحرمان بين الجنسين أيام المراهقة نجد حالًا غريبة عند الشاب، هي الفصل بين الأحلام الخيالية المتسامية التي تمثل المرأة في جمال رائع ونفس عالية، وبين الشهوة الجنسية الغشيمة التي تمثلها العادة السرية، وعندئذ تنشق شخصية الشاب في الاتجاه الجنسي، أو هو يعيش حياتين جنسيتين مختلفين: حياة الأحلام المثلى وخيالاتها اللذيذة عن المرأة، وحياة الشهوة السفلى وما فيها من ضعة وهوان.
وهذا الانشقاق يؤذيه أكبر الأذى في مستقبله؛ لأن شخصيته لا تتناسق ولا تتواءم، إذ هو مزعزع بين وزنين وقيمتين لا تكاد توجد بينهما صلة.
والعلاج السليم للشذوذ الجنسي، وأيضًا للعادة السرية، هو الاختلاط بين الجنسين؛ بحيث يعيش الشبان مع الفتيات من المهد إلى اللحد ليس بينهما انفصال، حتى تتجه الطاقة الجنسية نحو هدفها الطبيعي.
ثم بعد ذلك يجب التبكير في الزواج، ولم يعد هناك من الموانع ما يحول دون ذلك في عصرنا، فقد كان التأخير يعلل بأن الشاب قبل الثلاثين لا يستطيع أن يعول عائلة.
ولكن من قال إنه يجب أن يعول عائلة قبل هذه السن؟ بل من قال إنه يجب أن يعول حتى زوجته؟
يستطيع الشاب أن يتزوج في العشرين، ولكن يجب أن يتزوج فتاة عاملة كاسبة مثله، أو إذا كانت طالبة — مثلًا — فإن أبويها يعلمانها وهي متزوجة، ثم يمتنع الزوجان عن التناسل بضع سنوات إلى أن يجدا القدرة المالية للتناسل، ومنع الحمل في أيامنا مكفول ميسر.
وقبل أن نترك هذا الموضوع يجب أن ننبه إلى أن شيئًا من الكظم المعتدل للشهوة الجنسية (القصدي وليس القهري) يعود بالنفع والقوة والصحة لكل من الشاب والفتاة، بل إن هذا التحفظ يؤدي إلى اتزان أخلاقي حسن، وليس أبغض من الفتاة المستهترة أو الشاب المستهتر.
ذلك لأن الاستهتار في الجنس قد ينتهي إلى ألوان من الاستهتار في سائر أخلاقنا وسلوكنا، فتتزعزع المسئولية ويضعف إحساسنا بالواجبات الاجتماعية.