ضرورة الاختلاط بين الجنسين
من أخبار لندن أن حزب العمال الذي يتولى الحكم انهزم في الانتخابات الأخيرة للمجالس البلدية، وأن بعض المعقبين قد عزا هذه الهزيمة أو بعضًا منها إلى أن حكومة العمال قد أجازت تعلم الصبيان التربية الجنسية في المدارس، وأن الآباء قد اشمأزوا من الأسلوب الصريح الذي تلقن به هذه المعارف لصبيانهم.
وليس بعيدًا أن يكون المحافظون قد استغلوا نفور بعض الآباء من هذا الموضوع فبالغوا في الاتهام وأسهبوا في ذكر المساوئ، وللمحافظين مزاج عام هو المحافظة على التقاليد التي ينتفعون بها في السياسة.
ولكن إذا صح أن المحافظين قد نجحوا وانتصروا برفع راية الحياء الاجتماعي فإن انتصارهم لن يدوم طويلًا؛ لأن القرن العشرين هو قرن التنوير الجنسى، وقد كان الإنجليز قبل نحو أربعين سنة يمنعون أو يحاولون منع الاستحمام المختلط عند الشواطئ، ولكننا نعرف أن السويديين؛ رجالًا ونساء وأطفالًا ينزلون إلى البحر وهم عراة لا يسترون شيئا من أجسامهم، وقد تنتشر هذه العادة في الأمم الأخرى.
وقد ظهر في هذا القرن أيضًا كاتبان إنجليزيان؛ أحدهما فيلسوف عميق يدعى «هافلوك إليس»، والآخر سيدة راسخة في العلوم تدعى «مارى ستوبس»، وكلاهما دعا دعوة صريحة في الشئون الجنسية حتى منعت مؤلفاتهما إلى حين، ولكن الحكومات التي منعت عادت فأجازتها وأخذت برأيهم؛ لأنها وجدت أن المعرفة نور، وأن التستر يؤدي إلى الجهل، ولا يمكن أن ينفع الجهل أحدًا.
ثم طلع علينا «فرويد» في الأربعين سنة الأخيرة فأفاض وأسهب في الشئون الجنسية، وجعل العقيدة الجنسية بؤرة تتشعع منها ألوان النشاط البشرى، وعزا الجنون والشذوذ إلى التربية السيئة التي يحصل عليها الناس عن الشئون الجنسية، أو إلى الحرمان الجنسي الذي يحدث أنواعًا مختلفة من الكظم تندس إلى جهازنا النفسى مكتومة معبأة، ثم تنفجر في اختلال ذهني أو عاطفي نسميه جنونًا أو شذوذًا، ولهذا أصبحت الصيحة العامة في عالم التعليم هي: تعلموا واعرفوا، بل واختبروا.
وهناك من يعتقد أن هذه الدعوة تحمل شيئًا من الإسراف؛ لأن الكظم الذي لا يتجاوز حدود الاعتدال ينفعنا؛ إذ هو طاقة محبوسة نستطيع أن نوجهها إلى ألوان من النشاط الاجتماعي والثقافى أو الديني، وهذا — كما يبدو لنا — صحيح؛ لأن الأمم التي تعودت الزواج المبكر وأسرفت في الاستهتار انحطت وانهارت.
وليس عجيبًا أن يكون موضوع الشئون الجنسية من الموضوعات التي يعزف الناس عن الحديث عنها؛ لأن هذا العزوف خوف كامن في نفوسنا من هذه القوة الطاغية التي تزعزعنا أحيانًا، والتى يحس كل منا أنه مهتم بها، ونحن نتجنب هذا الموضوع في حديثنا، ولكنه يعود موضوع أحلامنا في النوم أو في اليقظة حين نجد الفراغ والاسترخاء.
و«الجنس» بؤرة سيكلوجية في نفس الرجل، تحيط بها مركبات مختلفة قد ترفعه إلى السماء أو تهبط به إلى الحضيض، فهو استطلاع وشجاعة وفهم وتأنق، كما هو أحيانًا عدوان وتعذيب وشذوذ، وهو كذلك بؤرة نفسية عند المرأة تشع منها مختلف الإحساسات والاتجاهات، ولكن حين تكون الزواجر والنواهي كثيرة عند المرأة — كما هي الحال في مصر — تتأثر تأثرًا سيئًا جدًّا قد ينتهى باتهامها بالبلادة والجمود؛ لأن الزجر الجنسي يؤدي إلى أن تقول المرأة أو الفتاة لنفسها: يجب أن أتراجع ولا أفكر في هذا الموضوع، أو لا أمارس هذا العمل.
وبعض ما نعزوه إلى المرأة من تخلف ذهني عن الرجل يعود إلى هذا الروح الازدجاري؛ أي إلى كثرة النواهي والزواجر التي نعالج بها هذا الموضوع أمام المرأة، فنحن ننهاها عن التفكير في موضوعات اجتماعية أو ثقافية أخرى، ثم يكون بعد هذا خوفها من الاستطلاع والدراسة، ثم تكون البلادة؛ لأن الذكاء يحتاج إلى تفكير حر ومعيشة حرة.
وفي المجتمع العلمي يجب أن يعيش الذكور مع الإناث منذ ميلادهم إلى يوم وفاتهم، لا ينفصل جنس من الآخر؛ لأن هذا هو الوضع الطبيعي الذي تصرخ به الطبيعة، والمجتمع الذي يعارض الطبيعة مجتمع فاسد، وهو لن يستطيع أن يهزمها؛ لأن الطبيعة ترد اللطمة، فيكون من الانفصال بين الجنسين تلك الشذوذات الجنسية التي شاعت في أمم شرقية عديدة، بل قد يكون الجنون.
وأني أقرر موقنًا بأن الشيزوفرينا، وهي أعصى الأمراض النفسية، تتفشى في مصر كثيرًا جدًّا لهذا الانفصال بين الجنسين؛ فالشبان لا يجالسون الفتيات ولا يرافقونهن، فتمتلئ رءوسهم بهذيان جنسي، ثم يمتد الكظم، ثم يكون الانفجار بالجنون.
وهناك أمارات كثيرة تدل على أن هذا الانفصال يؤذينا في نواح مختلفة؛ فإن الحرمان الذي أدى إلى الكظم يجعل حديث شبابنا جنسيًّا إباحيًّا، ونكاتنا جنسية بذيئة،؟ وبعض مجلاتنا الأسبوعية مواخير مطبعية لعرض الأجساد التي يراها الشاب فتخفف عنده حد الكظم.
يجب أن نعمم التربية الجنسية حتى يعرف صبياننا قبل شبابنا الحقائق، ويجب أن نشجع الاختلاط بين الجنسين ويجب أن نعيش القرن العشرين.