كيف تختار الزوجة وتسوسها؟
هناك اعتبارات بشرية حيوية، واعتبارات أخرى اجتماعية عرفية، ونحن نترجح في سلوكنا بينهما في كل ما يتصل بنشاطنا ومطمعنا وأهدافنا، وموقفنا من الزواج هو على الدوام موقف التردد بين هاتين الكفتين.
فالقيم البشرية الحيوية في الزواج هي الصحة والذكاء والجمال؛ أي إن هذه القيم أصلية في الرجل أو المرأة، وهي تورث في الأبناء والأحفاد، وليس اختيارها سهلًا؛ لأننا عندما نختار الفتاة السليمة أو الذكية أو الجميلة يجب ألا نقنع بحصولها وحدها على هذه الصفات، بل يجب أن نعرف عائلتها من ناحيتي الأب والأم، وهل تحتوي هذه العائلة على مرض وراثي، أو نقص في الذكاء، أو حتى دمامة جسيمة؛ لأن هذه الفتاة قد تكمن فيها هذه الصفات بحيث تعقب أطفالًا لا يردون إليها، وإنما يردون إلى عائلتها ويبرزون نقائصها.
وهذه القيم البشرية هي أعظم ما يجب أن نلتفت إليه وقت الزواج، بل هي في نظري كل شيء، ويمكن إهمال سائر الميزات الأخرى عند المقارنة بها.
أما القيم العرفية الاجتماعية فكلنا يعرفها، وهي — للأسف — مقدمة على القيم البشرية الحيوية، فالشاب يطلب الفتاة الثرية أو التي تنتسب إلى عائلة وجيهة، بحيث يستطيع أن يرتفع اجتماعيًّا بالإصهار إليها، أو هو حتى يطلب الفتاة المتعلمة.
وكل هذه اعتبارات اجتماعية لا أنكر قيمتها، ولكن عند المقارنة يجب أن نفضل عليها الذكاء والصحة والجمال؛ لأن هذه جميعها تورث في الأعقاب، أما الصفات الاجتماعية فلا تورث.
والزواج هو في النهاية اشتراك جنسي غايته التناسل، ونعني هنا غايته الأولى، فيجب على الشاب أن يفكر كثيرًا في هذه الميزات الأصلية الطبيعية في الفتاة، كما يجب على الفتاة أن تفكر فيها أيضًا عندما تختار الشاب، فإذا أضيفت إلى ذلك ميزات اجتماعية فنعمَّا بها، وإلا فالميزات الطبيعية وحدها تكفي وتفضل.
ولا عبرة بأن تكون الفتاة متعلمة أو ثرية أو من عائلة وجيهة إذا كان لها شقيق أبله أو أم مغفلة، أو أن العائلة تحمل عاهة أو شوهة وراثية؛ لأن ليس هناك ما يكفل ألا تعقب هذه الفتاة أبناء يحملون هذه النقائص، وهنا الكارثة، بل المأساة التي لا تعالج.
كن بشريًّا عندما تقدم على الزواج، واطلب الميزات العنصرية الأصلية في زوجتك، ووسيلة ذلك بعد أن تسأل عن الفتاة نفسها أن تسأل عن أبويها وأخوالها وأعمامها؛ وذلك لأن الولد ينزع إلى عائلة أبيه أو أمه أحيانًا، وقد رأيت هذا الأسبوع صبيًّا نزع إلى والدة جده لأمه، وكانت الصفة التي نزع إليها طول القامة؛ إذ هو يزيد على أخوته نحو ربع متر، ولم تظهر هذه الصفة في العائلة منذ خمسين سنة، والحكم في الصفات الحسنة أو السيئة هو كالحكم في هذه الصفة.
فإذا استوفينا في هذه الميزات البشرية فلا بأس أن ننظر إلى الميزات الاجتماعية، وأهمها هو التكافؤ الاجتماعي، بحيث نختار الفتاة التي ننتمي إليها، فلا تكون أعلى أو أدنى منا؛ وذلك كي نكفل التماثل في العادات والأذواق، فلا يجوز للشاب الذي لم يستعمل طوال حياته سوى الترام أن يتزوج فتاة من عائلة ثرية لم تستعمل سوى «الأتومبيل»، ولا يجوز للشاب المتعلم أن يتزوج فتاة أمية. وكذلك الشأن في الأخلاق؛ إذ يجب أن يكون هناك أيضًا تماثل، وخير ما يكفل للشاب أو الفتاة الوقوف على أخلاق الآخر هو إطالة الخطبة، وصحيح أن أيام الخطبة هي أيام المداراة والتظاهر بأسمى الأخلاق، ولكن إطالتها توضح الحقائق إلى حد بعيد.
وعندما نقدم على الزواج نجد أننا بين عاملين؛ أحدهما العاطفة المادية المتوثبة، وهي تنبع من الحيوان الذي في كل منا، وأحيانًا تطغى علينا وتعمينا، وقد يكون مرجعها ثديين رخيمين، أو عينين حوراوين، أو لثغة ساحرة، أو ساقين قد أحسنت الطبيعة هندستهما. وفي النهاية نجد أن مرجع استجمالنا لهذه الصفات أن هذه الفتاة تشبه أمنا التي رضعنا ثدييها قبل ٢٥ أو ٣٠ سنة، فيجب أن نحذر.
أما العامل الثاني، فهو العقل؛ أي: الوجدان الذي يتخلص من العاطفة أو يكاد، وعلامته أن نسأل: كيف تكون هذه الفتاة بعد عشر سنوات، ثم بعد عشرين سنة؟ وكيف يكون أبنائي منها؟ وكيف نتحدث ونشترك في الحياة بعد ثلاثين سنة؟
العقل هو الإنسان الذي يسيطر على الحيوان في طبيعتنا، فيجب أن نجعل له حق الاختيار دون العاطفة التي تنبع من العناصر الحيوانية القديمة في هذه الطبيعة.
هذا من حيث الاختيار، أما من حيث السلوك، أو كيف نسوس الزوجة، فإن ما يقال هنا هو إننا ما دمنا قد أحسنا الاختيار فإن الحياة الزوجية تسير سيرها الطبيعى، ولكن مع ذلك نحتاج إلى بعض الملاحظات.
وأهم هذه الملاحظات أن نجعل الزواج بداية وليس نهاية، فإن القصص والدرامات المسرحية والسينمائية قد أحدثت أسلوبًا وعينت توجيهًا، وليس هدفها بداية الحياة؛ لأننا نرى القصة تدور حول الحب وكفاح المحبين في التغلب على العقبات ثم تنتهى بالزواج، وكأن كل شيء قد تم.
مع أن قصة الحياة يجب أن تكون قصة الزواج أكثر مما تكون قصة العزوبة التي تسبقه، أو قصة الكفاح الذي يؤدي إليه؛ أي إننا في حاجة إلى قصص تبدأ بإتمام الزواج، ثم تصف كيف استطاع الزوجان أن يعيشا خمسين سنة، وكيف عمل كل منهما لترقية الآخر وإنضاج شخصيته، وكيف استطاعا تربية الأطفال حتى صار الطفل رجلًا، وكيف كان بيتهما مضيفة متمدنة للأصدقاء، بل متحفًا جميلًا بما فيه من كتب وطرف وأثاث.
يجب أن تبدأ القصة من ليلة الزفاف ولا تنتهي بهذه الليلة كما هو الشأن الآن، وخير ما يعمل لبقاء الزواج هو نموه؛ أي: ارتقاؤه، نعني ارتقاء الزوجين المشترك بالثراء والثقافة والوجاهة والخدمة، وما دام هناك إحساس متزايد بالارتقاء؛ أي: بالنمو، فهناك لذة العيش، أما حيث يكون الركود فلا يكون سوى السأم الذي يخفف منه الزوجان بأكل اللب والتضخم اللحمي والتجمد الذهني، وهذا هو الموت الذي لا غش فيه.
وخير ما يبقي لنا نحافة الجسم ويقظة الذهن ولذة العيش إنما هو الإحساس والعمل لارتقاء أنفسنا وارتقاء مجتمعنا، بل إننا حين نخدم المجتمع ونعمل لارتقائه ننبه بهذه الخدمة أسمى الكفاءات في أنفسنا، فنرتقي ونعيش الحياة الهادفة، ونحس السعادة.