ليلة العرس
قلما يتزعزع الشاب ويحس هوانًا يعم شخصيته ويخيم على جوه السيكلوجي مثلما يتزعزع عندما يحس عجزًا جنسيًّا، ويزيد هذا التزعزع إذا كان هذا العجز يقع ليلة العرس، بل يحدث كثيرًا أن يكون وقع الصدمة المفاجئة عظيمًا بحيث لا يستطيع الشاب مواجهتها، ولذلك قد يفر ويغادر عروسه، أو قد ينتحر.
ولكل شاب كرامة جنسية، أو إحساس عاطفي بالرجولة، فإذا جرحت هذه الكرامة بالعجز المفاجئ فإن الجو السيكلوجي كله يتغير، ويعود الشاب وهو يتساءل عن قيمة الحياة وعن مكانته الاجتماعية، وهو ينظر عندئذ بعين التوجس إلى وسطه ومستقبله.
وما دامت ليست هناك علة جسيمة لهذا العجز فإن مرجعه يجب أن يكون نفسيًّا؛ أي: حالًا نفسية معينة قد أدت إليه.
فقد يحدث — مثلًا — أيام الخطبة أن يتردد الشاب في الزواج، وكأنه يعتقد أن الإقدام على هذه الخطوة يحتاج إلى زيادة في التبصر، أو أن خطيبته ليست هي الفتاة المثلى من الناحية الاجتماعية أو الثرائية، وهذا التردد أو الشك؛ أي: «أتزوج أم لا أتزوج»؟ يحدث عجزًا جنسيًّا سرعان ما يزول إذا زال هذا الشك أو التردد، وخطورة هذا العجز أنه يحدث أيام الخطبة حيث الفرصة قائمة، إذ قد يؤدي إلى أن يترك الشاب خطيبته.
وأحيانًا يحدث العجز ليلة العرس، وتقع هذه الحال كثيرًا حيث يكون الانفصال بين الجنسين قائمًا، كما في مصر؛ فإن الشاب يتعرف إلى خطيبته ولكنه يبقى منفصلًا منها بقوة العرف الاجتماعي فلا يألفها، ويبقى بينه وبينها حاجز من الحياء أو الاحتشام؛ إذ هو لا يقاعدها إلا بحضور والديها مثلًا، فإذا كانت ليلة العرس بقي هذا الحاجز قائمًا، وقد يؤدي في حالات قليلة إلى العجز. والعلاج هنا واضح، وهو أن يكون بين الخطيبين شيء من الألفة أيام الخطبة.
وهناك ما يسمى «نيوروز الترقب»؛ أي تعيين الميعاد وترقبه في ليلة العرس، وهو يحدث خوفًا يؤدي إلى العجز، وهذه الحال أقرب الأشياء إلى حال الطالب الذي يترقب الامتحان ويخشاه ثم يسيء الإجابة لهذه الخشية، وإذا كانت هناك ألفة سابقة أيام الخطبة فإن هذا العجز يكون بعيد الوقوع.
وإذا لم يكن هناك مانع من تناول كأس من الخمر فإن هذين الاحتمالين للعجز، من الاحتشام السابق أيام الخطبة ومن خشية الترقب، يزولان.
ولكن هناك حالًا أخرى هي وليدة الثقافة الدينية أو الفنية، ذلك أن الشاب قد يحب فتاة ثم يغشى شخصيتها بالسمو، كأنها الفتاة المثلى التي لم يخلق مثلها، والتى حوت الجمال كله، وهي — بالطبع — جميلة، أو على شيء من الجمال الفني الذي ربما يقارب ما يرسم من الصور؛ وخاصة الدينية، وفي وسط كالوسط الذي نشأنا فيه حيث نسمي الأعضاء التناسلية «عورة»، ونعد الاتصال الجنسي نجاسة يجب أن نتطهر منها، يحس الشاب عجزًا نحو خطيبته؛ لأنه يربأ بها عن هذه النجاسة، ويرفعها إلى مستوى فني، ويناقض الاتصال الجنسي ويمنعه، ويعزو فرويد هذه الحال إلى «مركب أوديب»، وهو أن الشاب ينظر إلى هذه الفتاة كما لو كانت في مكان أمه، فهو يحس أنه آثم في حبه لها، ولذلك يمتنع عن الاقتراب منها؛ وخاصة إذا كان قد مارس الاتصال الجنسي مع البغايا المتهتكات.
وسواء أكان مرجع العلة ما يقوله فرويد أو ما نعتقده نحن من الترفع الفني، فإن العجز يقع عندما تكون الفتاة جميلة عليها مسحة من القداسة؛ لأن الحب هنا يتغلب على الشهوة، والحنان يأخذ مكان العدوان.
وذلك لأن الاتصال الجنسي هو في صميمه عدوان.
والعلاج هنا هو تعطيل الوجدان بعض الشيء، وكأس من الخمر تكفي لهذا؛ لأن الشاب ينتقل من موقف التقديس لخطيبته إلى موقف طبيعي يغريه بالاتصال، بالعدوان الجنسي.
وإلى هنا نترك ليلة العرس وننتقل إلى ذلك العجز الذي يحدث في سني الزواج، فقد يعيش الزوجان نحو عشر سنوات وهما في حال سوية، ثم ينتهي الزوج إلى النفور والجمود، وهناك أسباب كثيرة لهذه الحال نذكر بعضها:
وأول ذلك أن تكون الزوجة منافرة مغاضبة، بحيث يتكرر موقفها هذا أو يكاد يدوم، وبحيث يحس الزوج أنه هدف للاحتقار والسباب منها، فهو— عندئذ — يشمئز من الاتصال بها وكأنه يعاقبها، وقد يجنح إلى التعرف إلى امرأة أخرى يجد فيها ما يشبعه.
وسبب آخر لجمود الزوج الذي قد يؤدي إلى عجز جنسي تام أو غير تام، وهو رثاثة الزوجة وشعثها؛ إذ هي لا تتزين أمام زوجها، وضرورات البيت من طبخ وغسل وتنظيف تمتهنها، فتبدو رثة الملابس مشعثة الشعر فينفر الزوج منها، بل يكرهها لهذه الرثاث؛ وخاصة لأنه لا يرى النساء من طبقته إلا حين يكن متزينات بل مبهرجات، وهذه حال تستطيع الزوجة أن تعالجها بنفسها، وأن توفق بين ضرورات الخدمة المنزلية وبين مظهرها الجنسي.
والنوم في غرفة واحدة يؤدي أحيانًا إلى نفور أو ضعف جنسي؛ وذلك لأن الألفة الزائدة بين الزوجين حين يرى كل منهما الآخر وهو ينزع ملابسه، أو وهو في مباذل بعيدة عن التأنق، هذه الألفة تضعف القوة الجنسية بينهما؛ وخاصة إذا كانت الزوجة قد تعودت تزيين وجهها وحاجبيها، فإنها في الصباح قبل التزين تثير في زوجها الاشمئزاز.
ولذلك يحسن بكل من الزوجين أن ينام في غرفة على حدة إذا كان هذا مستطاعًا، فإذا لم يكن فليحذر كل منهما التبذل والرثاثة والشعث في ملابسه ومظهره وسلوكه ولغته، فقد يشمئز أحد الزوجين من الآخر لأنه يحمل في فمه رائحة الثوم أو البصل، أو لأن الألفة قد حملته على ألا يبالي السلوك المرحاضي في غرفة نومه، وهذه الحيوانية جديرة بأن تنثلم منها شباة الشهوة، وأن تؤدي إلى الجمود الجنسي.
وكثير من الأزواج عندما يحس ضعفًا أو عجزًا جنسيًّا يعمد، على سبيل التعويض لكرامته المجروحة، إلى القسوة، فيضرب زوجته مثلًا. ومعنى الضرب هنا أن ها هنا رجولة تقوم بالعدوان مقام الاتصال الجنسي، وهذا — بالطبع — غير مضاعفات نفسية أخرى؛ كالتردد والشك والغم والإحساس المؤلم بالهزيمة، ولها جميعها آثارها السيئة في السلوك الاجتماعي وفي تحصيل الرزق؛ لأن الجو النفسي كله تغمره — عندئذ — شكوك واغتمامات، وقد يغامر الزوج بمخاطرات كي يعيد إلى نفسه الثقة والكرامة، فقد يضرب زوجته — كما ذكرنا — أو هو يصخب في البيت ويؤكد رياسته، أو هو قد يخرج وينشد شذوذًا جنسيًّا.
والرجال يتفاوتون في الرجوع النفسية التي تؤدي إليها الحياة الزوجية، فالرجل الذي نشأ على مواجهة الحقائق ومعالجتها بالشجاعة لا يخشى ليلة العرس، وهو قادر على أن يتخطى العقبات التي تصدم غيره من أولئك الذين أذلتهم تربية الأبوين القاسيين فاعتادوا الخوف وأصبح الترقب عندهم دفاعًا نفسيًّا مسرفًا.
وخير ما يجعل الحياة الزوجية سعيدة هو الاتصال الدائم بين الجنسين قبل الزواج، الاتصال من المهد إلى اللحد طوال العمر، حتى تأخذ الحقائق مكان الأحلام، وحتى لا يفاجأ الشاب بالفتاة كأنها حيوان غريب لم يألفه من قبل.
ويجب أيضًا أن نربي جميع أطفالنا على الشجاعة، بل نعودهم الاقتحام ومعالجة الصعوبات وتخطي العقبات، ونجعل الانتصار عادتهم. والانتصار يمكن أن يكون عادة، وهم عندما ينشئون شجعانًا يستطيعون مجابهة الحقائق ومحاولة صعوباتها، فلا ينتحر أحد عند الهزيمة، ولا يجمد عند الصعوبة، بل يحاول في استبشار وتفاؤل ويكرر المحاولة.