الحب حنان والشهوة عدوان
اشتهاء الجنس الآخر قريب الشبه جدًّا من الجوع إلى الطعام؛ إذ هو ينبعث بعاطفة العدوان والامتلاك والخطف، وحين نتأمل الذكر من الحيوان وهو يحتوي الأنثى وقت التلاقح، بل قبيل ذلك في اللحظات السابقة، نجد علامات الأكل والاقتناء، إذ هو يعضها، ثم هو في هذه اللحظات يكون على استعداد للبطش بغريمه إذا تقدم لأنثاه، فهو مشبوب الإحساس للعدوان والأكل.
وكثيرًا ما تتغلب عاطفة العدوان على عاطفة التلاقح في الذكر؛ (أي الشهوة الجنسية)، فهو أحيانًا يتقدم إلى الأنثى وكأنه يريد أن يأكلها بدلًا من أن يلقحها، وكثيرًا ما يحدث في حدائق الحيوان أن يعمد الذكر الذي كان مفصولًا من الأنثى في قفص آخر إلى تمزيقها وقتلها عندما يراد إتمام التلاقح بينهما؛ إذ هو حين يراها تنبعث فيه عاطفة العدوان والأكل والاقتناء والخطف، كما تنبعث أيضًا العاطفة الجنسية، ثم يختلط عليه الإحساس، فإذا لم يلقحها مزقها وحاول أن يأكلها.
والأكل عدوان واقتناء، بل هو قتل، ولذلك كانت الكلمة التي تعبر عند الفراعنة عن معنى أكل ومعنى قتل واحدة، وظني أنها كذلك في اللغة العربية، (قتل = أتل، أكل = أتل).
ذلك لأن الحيوان البري يقتل قبل أن يأكل، فالعدوان والجوع يشتبكان في نفسه، وكذلك الحال في الاشتهاء، فإن الذكر يشتهي الجنس الآخر؛ أي: يجوع إليه، والجوع يثير في نفسه العدوان. ومما يزيد هذا العدوان أن يكون له غريم يزاحمه على الأنثى، فإذا احتوى الأنثى عضها وقبض عليها وكأنه يأكل، والتقبيل عند البشر هو صورة مهذبة من العض، بل العض (الأكل) لا يزال باقيًا في التلاقح البشري.
وأحيانًا يزيد هذا الاتجاه العدواني الاقتنائي بين البشر؛ إذ كثيرًا ما نسمع عن رجل يعذب المرأة ويقرصها ويعضها، وقد يضربها وقت الاشتهاء الجنسي، وهذه هي «السادية» التي تبلغ أحيانًا حد الجنون أو حد الإجرام؛ فإن الاغتصاب هو عدوان جنسي.
هذه هي الشهوة الجنسية كما هي عارية، ومن الخطأ، بل الخطر، أن يتزوج أحد الشبان فتاة لأنه يشتهيها؛ إذ يجب أن يحبها، ولكن الحب يناقض الشهوة.
الحب حنان والشهوة عدوان، وأحيانًا يطغى الحب فتزول الشهوة تمامًا، وكثيرًا ما يحدث هذا للشبان، فإن الشاب قد يعرف فتاة تمتاز بجمال رائع، وفيها رقة ووداعة، وفي الأغلب تشبه أمه قبل عشرين أو ثلاثين سنة حين كان يرضع ثدييها، وحين كان لا يحب في الدنيا أحدًا سواها، ثم يحس أن الشهوة عدوان، وكذلك الثقافة الشرقية التي نشأ فيها تحمله على الاعتقاد بأن الاتصال الجنسي نجاسة، فهو ينتهى إلى أن يرفع هذه الفتاة عن المستوى الحيواني، فيكف إحساسه العدواني نحوها، وأيضًا يحيلها في ذهنه إلى شخصية «طاهرة» يجب أن تكون بعيدة عن النجاسة، والاتصال الجنسي نجاسة، فهو إذن يكف نفسه، من حيث لا يدري، عن هذا الإحساس الجنسي النجس، ثم ينتهي بالعجز عن الاتصال بها.
وأسوأ ما في هذه المركبات أنها تتبلور في الليلة الأولى من الزواج، فيجد الشاب نفسه أنه في الذروة من الحب، وفي الحضيض من الشهوة، ويعتقد أن زواجه فاشل، وقد ينتحر لهذا السبب.
والعلاج سهل، بل أسهل من السهل، فإن كأسًا أو كأسين من الخمر تعيدان إليه حيوانيته وعدوانه وشهوته.
وليست الشهوة مصدر الحب الذي يحسه الشاب نحو خطيبته، وإنما هو ثمرة الثقافة من ناحية كما هو ثمرة حبه لأمه وإحساسه نحوها من ناحية أخرى، إحساس التعلق والطهر والحنان والخدمة والرقة، ونحن ننقل هذا الإحساس نحو الأم إلى زوجتنا، ولكن إذا طغى هذا الإحساس قطع الشهوة، والزواج الأمثل هو الذي يجمع بين الشهوة والحب.
والشهوة تشتعل وتنطفئ، وهي تتردد «كالحمى الراجعة»، ولكن الحب دائم، فهو الذي يربط الزوجين ويسمو بهما إلى المستوى الثقافي بحيث يحسان أنهما شريكان في الآمال والعادات الاجتماعية، والاهتمام بالبيت وبالأطفال.
وكثيرًا ما يتغلب الحب على الشهوة، دون أن يقتلها، بحيث يستحيل الإحساس الجنسي عند الزوجين إلى حنان حتى وقت التلاقح، ومعنى هذا أن الشهوة قد دربت وهذبت حتى تخلصت مما كان فيها من أكل ونهم واقتناء.
ويجب أن يغمر الزواج الحب أكثر مما تغمره الشهوة، بل يجب أن تربى الشهوة على أسلوب الحب؛ أي: الحب المثقف بالتعاون والحنان والاشتراك في التفكير والآمال، الحب الدائم الذي لا يجيء ويروح في تشنجات وتوترات سرعان ما تنفرج، ثم يكون الانطفاء، بل أحيانًا الاشمئزاز.
وهذا هو ما يقع أحيانًا في الزواج، فإننا في العادة ننجذب إلى الفتاة ونخطبها بقوة الاشتهاء الجنسي فقط، فإذا طالت مدة الخطبة غمرنا حنان الحب، فإذا تزوجنا ساد الحب على الشهوة، وتعود عندئذ علاقتنا بالزوجة أشبه بعلاقتنا بالأم، وذلك لأن المعاشرة تثير في نفس الزوجين ألوانًا من العطف والحنان والاهتمام تجعل الشهوة في المكان الثاني.