كيف نجعل أطفالنا رجالًا؟
الوسيلة الوحيدة لذلك هي أن نحبهم ونحترمهم منذ الساعة الأولى من ميلادهم.
ومعنى ذلك أن نعاملهم بالعدل؛ فالأم التي ترضع ابنها وهو بعد في الأسبوع الأول من عمره، ثم تنزع عنه الثدي قبل أن يشبع إنما تسيء إليه وتجعله غير مطمئن إلى طعامه، والأم التي تنادي طفلها كي يتغدى وهو مشغول بلعبته، ثم تنزعها منه حتى يذهب إلى المائدة، إنما تسلك سلوكًا غير متمدن معه، وهي تغرس في نفسه قلقًا وكراهة، بل ربما عداوة.
فنحن الكبار لا نحب أن يخطف أحد طبق الطعام منا، أو أن يخطف الكتاب أو الجريدة التي نقرءها، ومع ذلك نحن أقدر على التعقل، ولكن الطفل الذي ينتزع منه الثدي أو تخطف منه اللعبة لا يتعقل، فالأثر فيه أكبر، وهو يجد في خطف الثدي أو اللعبة قلقًا نفسيًّا؛ وخاصة عندما يتكرر هذا العمل.
وأسوأ ما في الطفل أنه عاطفي وليس عقليًّا، فهو يسلك سلوك الحيوان ويحب أن نعامله كما لو كان حيوانًا صغيرًا، ثم نتدرج به حتى ينمو فنعامله رويدًا رويدًا بالتعقل. والسنوات الأربع أو الخمس الأولى التي يقضيها الطفل في البيت هي الطراز الذي تبنى عليه رجوعه العاطفية بعد ذلك في المجتمع؛ لأن العائلة هي المجتمع الأول الذي يقبل منه الطفل جميع القيم والأوزان بعد ذلك طوال حياته إلا بمجهود كبير، بل كبير جدًّا … ولذلك قلما ينجح في تغييرها.
وهذه القيم والأوزان التي تمت عنده بالرجوع العاطفية إنما تثبت؛ لأنه لم يكن يتعقل حتى يرفض بعضها أو يرفضها كلها.
فإذا كان قد تربى في وسط من الخوف؛ حيث يصخب الأب ويزعق ويبطش، فإنه ينشأ على أن الرجال الذين يشبهون أباه مخوفون.
فإذا التقى بأحدهم له المكانة السيكلوجية للأب، كما يكون أحيانًا رئيسًا، فإنه يخاف ويجزع عند مقابلته، وهو يخجل عند لقاء سائر الرجال؛ لأن الخجل درجة من الخوف.
وإذا كان هذا الطفل قد ضرب كثيرًا في البيت من والديه أو من أخيه الكبير فإنه ينشأ وضيعًا يحس الهوان.
وهو قد ينجح في دروسه لأنه قد تعلم الخضوع، ولكنه لن ينجح في الحياة؛ إذ هو قد حرم الجرأة والإقدام.
ثم هو قد يقع في أمراض نفسية مختلفة؛ لأن الخوف راسخ في نفسه، فهو يخاف كل شيء؛ يخاف الرعد والبرق، ويخاف الخبر الصغير عن أحد الأمراض التي يشتبه في أنه مريض بها، ويخاف الفصل من عمله، ويخاف الخسارة المالية.
والصحة النفسية هي الشجاعة؛ ولذلك يجب أن ندرب الأطفال ثم الصبيان على الشجاعة.
فمن ناحية علينا أن نعلمهم كيف يسيرون في الظلام، علينا ألا نذكر أمامهم كلمة عفريت أو بعبع.
وعلينا أن ندربهم على النشاط الرياضي لما فيه من جرأة وإقدام، وعلى الحديث مع الكبار. وعلينا قبل كل شيء ألا نتيح لأنفسنا أن نضربهم أو نصفعهم إلا في حالات الزجر عن المخاطر.
ومعنى هذا أننا نستعمل الزجر لمنع الطفل من الوقوع في الخطر، فنضربه إذا اقترب من النار أو النافذة، مع التفسير الممكن والمصالحة حتى تعود إليه طمأنينته.
ولكن يجب ألا نضربه كي يدرس؛ لأن العقوبة تجدي في الزجر، ولكنها لا تجدي بتاتًا في الإغراء أو التحريض؛ أي إن العقوبة سلبية وليست إيجابية يراد منها: «ألا تفعل».
وعلى الأبوين أن يحذرا تنشئة طفلهما على الجبن بما يعاملانه به من قسوة … ولعله من الحسن أن نذكر الآباء بأن الشذوذ الجنسي السلبي قد ينشأ في الصبي، ثم في الشاب، بسبب الجبن والعجز عن الإصرار على كلمة «لا».
ومعنى هذا أن الشخص الذي يراوده يكون في العادة أكبر منه، فهو يقف منه موقفًا سيكلوجيًّا يشبه موقف الأب أو الرئيس، والصبي يستجيب له بما تعلم ونشأ عليه من خضوع وذل.
إن أخلاقنا هي مجموعة من العادات والاتجاهات، وليست هذه سوى الرجوع الانعكاسية العاطفية الأولى التي غرست في نفوسنا منذ الطفولة، وقد يكون تفوق التلميذ في فصله عادة لأنه نشأ في البيت على حب الانتصار، كما قد يكون الفشل عادة لأن الصبي قد تعود منذ الطفولة العجز والاستكانة والرضى بالذل.
والصبي الذي تعود الشجاعة يكرر المحاولة عند الفشل وفيه عناد وصلابة، بل هو يفعل ذلك عندما يكون رجلًا … والصبي الذي تعود الجبن لضرب أبويه له يستكين للفشل كما يستكين للضرب.
وقد ذكرنا أن الطفل الذي نشأ على الجبن والخوف قد يقع في الشذوذ الجنسي السلبي لأنه تعود الخضوع، والآن تذكر أن الطفل المدلل الذي تعود الحصول على كل ما يطلب قد ينشأ على شذوذ جنسي إيجابي؛ لأنه — لأنانيته — لا يبالي إحساس غيره أو احترام العادات الاجتماعية.
إن الطريق السوي لتربية أبنائنا أن نعاملهم المعاملة النزيهة الشريفة العادلة.
من هم الآباء الذين يسيئون تربية أولادهم؟
هم الأب القاسي الذي يضربهم، والأم التي تدللهم، والأب الذي يترك أم أولاده ويتزوج غيرها ويتركهم هملًا، أو يأخذهم كي يعيشوا مع زوجة أبيهم، حيث يجدون الحرمان أو تمييز إخوتهم لأبيهم عليهم.
وهم أيضًا الآباء الذين يتشاجرون ويتسابون أمام الأطفال، فيعممون في البيت جو الخصومة والشقاق والخوف.
إن البيت هو المجتمع الأول الذي يتعلم فيه الطفل أخلاقه، وتتربى فيه عواطفه، فليكن هذا المجتمع راقيًا عادلًا، يتماسك بالحب والوفاق، ويعامل الأطفال بالرفق والنزاهة بلا قسوة وبلا تدليل.
ليكن هذا المجتمع معهدًا حرًّا تحترم فيه حرية الرأي، وتستجاب فيه المطالب العادلة للصغار قبل الكبار.