الشباب عقيدة
من أحسن ما قرأت لأندريه جيد قوله إن الشباب ليس فترة عابرة من العمر، تقع بين العشرين والأربعين مثلًا، ثم تزول، وإنما هو عقيدة يجب أن نؤمن بها ونعمل بمقتضاها حتى ولو بلغنا التسعين.
إن الشباب يمتاز بالحماسة، واللدونة الذهنية، والرغبة في الاختبارات الجديدة، والنشاط، والسعي، والمغامرة، والحب.
وكل هذه الصفات يجب أن نعتقد نحن الشيوخ في قيمتها العالية، وأن نمارسها لأن الشباب عقيدة، وقد كان أندريه جيد شابًّا حين شرع يدرس الإنجليزية واللاتينية وهو في الثامنة والسبعين.
ولقد لقيت من الشبان من مارسوا الشيخوخة، وكأنها كانت عقيدتهم، وذلك بالركود والتجمد وتعود العادات العتيقة التي يمارسها الهَرِمون والمهدمون؛ إذ كانوا يقضون وقتهم قعودًا بلا نشاط على كراسي المقاهي، أو كانوا يطلقون عيونهم في الفضاء ذاهلين كأنهم نيام، أو كانوا يرفضون الاشتباك في المناقشات الذهنية لأنها تتعبهم.
وإزاء هؤلاء رأيت بل عرفت شيوخًا آمنوا بعقيدة الشباب، فهم يبكرون في الصباح، ويقرءون ويستمتعون بالتجوال والسياحة، ويشتركون في المعارك الذهنية العالية، ويدرسون، بل ويتطورون، تحس حين تقعد إلى أحدهم أنه ناهض يستطلع ويستفهم ويستزيد من الاختبارات كي يستقطر منها حكمة العيش ولذة الذهن والجسم، وهو متفائل يتحدث بلهجة المنتصر الشجاع الذي لا يخشى المستقبل.
والشيخوخة الناهضة هي منظر جميل نحب جميعًا أن نمتع عيوننا برؤيتها، ونستمع إلى رواية اختباراتها: شيخ في الثمانين أو التسعين قد احتفظ بنحافته فلم يستكرش ولم يترهل، وقد عني بنظافة جسمه وعقله، فهو لا يؤمن بالغيبيات الخرافية، وهو إلى ذلك مثقف يقرأ الصحف ويشتري الكتب ويزور أوربا والسودان، ويهتم بالتغيرات المتوالية في عصره، مثل هذا الرجل هو تحفة بشرية عالية؛ لأنه جعل الشباب عقيدته.
وكما نعتقد نكون، فإذا اعتقدنا أننا شباب عشنا بإحساسنا وأفكارنا ونظرتنا في جو الشباب بما توحي إلينا فكرته، وبالعادات والاتجاهات التي يبعثها فينا.
حبذا الشباب نؤمن به إلى يوم وفاتنا، ونعمل بجميع مقتضياته.