جنون الاقتناء
من أجمل الكلمات الخالدة التي فاه بها هولمز، أحد القضاة في المحكمة العليا في الولايات المتحدة، قوله: «الحياة صورة نرسمها، وليست أرقامًا نجمعها».
وقد عاش هولمز أربعًا وتسعين سنة عرف فيها المجد، إذ بلغ أعلى مناصب الدولة؛ لأن القاضي في المحكمة العليا يستطيع أن يلغي قانونًا يصدره البرلمان، أو أمرًا يصدره رئيس الولايات المتحدة نفسه.
وقد عرف السعادة حتى إنه قال عقب وفاة زوجته أنه عاش معها ستًّا وخمسين سنة من شهور العسل.
ولكنه عرف ما هو أحسن من المجد ومن السعادة، وهو الخدمة؛ فإنه قضى عمره كله وهو يخدم ويؤدي عمل الرجل الصالح، وهو أن ينتج للعالم أكثر مما يستهلك.
وقوله إن الحياة صورة نرسمها وليست أرقامًا نجمعها هو حكمة قد استقطرها من عمره المديد الذي أوشك على أن يصل إلى المئة، ذلك أن كثيرين من المغفلين البارعين يقضون أعمارهم مسخرين في اقتناء المال بصوره المختلفة؛ سواء أكان أرضًا زراعية، أو قصورًا، أو سيارات، أو مصوغات، أو نحو ذلك، وهم ينظرون بالعين الحسابية إلى ماضيهم، فقد كانوا قبل عشرة أعوام لا يملكون سوى ألف جنيه، أما الآن فثروتهم تزيد على عشرة آلاف، وكانوا قبل خمسة أعوام لا يقتنون سوى سيارة، أما الآن فإن لهم سيارتين، ونحو ذلك من ضروب الاقتناء الذي يعد بالأرقام.
ولكن الحياة ليست أرقامًا نجمعها، وإنما هي صورة نرسمها بحيث نعرف قيمتها بما تحوي من ملامح جميلة جليلة، وألوان زاهية نضرة، وبما احتوت من حب يجعل أيامنا جميعًا «شهور عسل»، وبما أنتجته لنا من تربية وتثقيف تمتلئ منهما عقولنا نورًا وبصيرة.
أجل، يجب أن نقول آخر العمر: ما أجمل ما كانت حياتي، وليس ما أكثر ما حويت من مال وعقار!