كما نعمل نكون
كان أرسطو طاليس يقول إن الأخلاق ليست شيئًا آخر سوى العادات؛ أي: عادات العمل والاتجاه والسلوك والتفكير، ونستطيع أن نزيد بمعارفنا السيكلوجية العصرية على ما قال بشيء من الإيضاح.
وذلك أن العادات؛ أي: الأخلاق، تنغرس فينا في السنوات الخمس أو الأربع الأولى من الطفولة، وإننا نكاد نتجمد على ذلك سائر حياتنا.
ونستطيع أن نقول إن الوسيلة لتكوين العادة هي العمل، ومن هنا القول «كما نعمل نكون»، فإذا شئنا أن نكون أبرارًا خيرين فإننا يجب أن نمارس البر ونعمل الخير؛ لأننا ونحن نتحرك في تأدية المروءة لمحتاجها أو الخدمة لطالبها نحس إحساس البر الخير، فيعود هذا الإحساس جزءًا من أخلاقنا، وهكذا الشأن في كل ما نعمل ونؤدي.
فكما تثار عاطفة الحب بالتقبيل، وكما يثار الجوع بتناول اللقمة السائغة، وكما يثار إحساس النشاط بالمشي أو الجري، بل كما تثار عاطفة القتال بين الكلاب بالممارسة بينها، كذلك تحملنا أعمالنا وألوان نشاطنا على إيجاد عواطف الحب أو الكراهية، والرفق أو البطش، والبر أو العقوق، وهذه العواطف هي في النهاية أخلاقنا.
فإذا شاء الشاب أن يكون شريفًا فليمارس الأعمال الشريفة، ولتكن ممارسته إيجابية وليست سلبية مقصورة على تجنب الرذائل؛ أي: عليه أن يؤدي المروءة وينهض بالخدمة، وهو حين يفعل هذا ينفع الناس، ولكنه هو ينتفع أيضًا؛ لأن نشاطه هذا قد استحال إلى أخلاق سامية في نفسه.
ومن هنا أيضًا قيمة التربية بالعمل وليس بالتلقين والنصيحة والزجر؛ لأن الطفل حين يعمل يحس عاطفة معينة هي جزء من أخلاقه التي سيعيش بها سائر عمره، بل كذلك الشأن في الرجل مع ما في ذلك من صعوبة.