العنة الذهنية في كتَّابنا
- (١)
فقد لا يجد الرجل إغراءً كافيًا، كأن تكون المرأة غير جميلة، وهو عندئذ يفقد الحماسة.
- (٢)
وقد تحدث العنة لأن الرجل يخاف، يخاف ضميره أو يخاف سلطة خارجية.
- (٣)
وكذلك تحدث إذا كان الرجل مترددًا لا يدري هل يقدم أم يحجم؟
وهذه الأسباب للعجز الجنسي نجدها، كما هي، في العجز النفسي أو الأدبي، وليس هذا غريبًا، لأن العجز في الحالتين نفسي.
فإذا كان الموضوع الذي يعالجه الكاتب لا يبعث فيه الحماسة لأنه لا يغريه بالكتابة، فإنه عندئذ لا يحسن الكتابة. وكلمة الحماسة هنا تكاد تكون كلمة جنسية، ولكن أبا تمام عندما أراد أن يجمع نخبة الأشعار العربية، قديمها وحديثها، سمى كتابه «الحماسة».
الحماسة هي الغلو، هي الرغبة المتسلطة، وهي صفة الكاتب عندما يحب موضوعه كما هي صفة المحب في اشتهائه الجنسي. وكثيرون من كتَّابنا لا يحسنون لأنهم يكتبون في موضوعات لا يحبونها، يكتبون للمال، كذلك الذي يتزوج للمال، بلا حب، فلا يجد حماسة؛ ولذلك لا يحسن الحب.
الحماسة في الكاتب تحرك عواطفه، ثم ذهنه، وهي تسوقه إلى التنقيب عن الكلمة والمعنى، وتنصب له الهدف، وتعين الأسلوب، وتحمله على بذل الجهد للإتقان.
وإذا كان الكاتب خائفًا يخشى ضميره أو يخشى سلطة خارجية فإنه هنا أيضًا لا يحسن؛ لأنه عندما يكتب ضد ضميره يتمحل ويروغ ويمكر، وهو في كل هذا يحس أنه سافل، فينتزع الكلمات ويغتصب المعاني؛ أي إنه يزيف، وهو كذلك أيضًا عندما يكتب وهو يحس أن هناك رقيبًا سيقرأ كلماته ويحذف منها، أو أن هناك قانونًا يهدده بالمحاكمة.
وكذلك تحدث للكاتب عنَّة ذهنية إذا كان مترددًا لا يعرف هل هو على حق أم باطل، وهل يجب عليه أن يكتب أم لا يكتب، وهذا التردد فضلًا عن أنه يفقده الحماسة، فإنه يعطل ذهنه فلا يستطيع الاختراع أو الاختلاق، وكثير من كتابنا في هذا الموقف يطالبون بالمحافظة على التقاليد، ثم في الوقت نفسه، يحسون أنهم يجب عليهم أن يأخذوا بروح العصر الحاضر، فيترددون، وهذا التردد يجمد أذهانهم.
وجميع كتَّابنا تقريبًا على هذه الحال، في عنة ذهنية؛ لا يتحمسون لأنهم يخافون أو يترددون، أو هم يكلفون أعمالًا لا يحبونها فلا تغريهم ولا تحمسهم.
الحماسة، الغلواء، الحب، الاشتهاء النفسي للفن، هذه هي أسس الإحساس والإتقان في الكتابة، وجميعها غير متوافرة في مصر.
نحن في مصر نكتب تحت إشراف الرقابة الحكومية، وفي حدود التقاليد. وليس في مصر، بل ليس في الأمم العربية كافة، كلمة أشأم علينا من كلمة التقاليد التي نعيش بها في ألف ليلة وليلة من الظلام.
إن أوربا قد فصلت الدين من الدولة فانطلق الذهن حرًّا يسعى ويثب بلا قيود، وابتكر واختلق وجدد وابتدع، أما نحن فإننا حين نقعد إلى مكتبنا كي نكتب نجد كلمة «لا» منصوبة أمام أعيننا وأذهاننا، فنحجم أو نتردد، أو نكتب السخف ونحن على وجدان بأنه سخف.
نحن الكتَّاب نقف من الأدب والفن موقف المرأة العربية قد ضرب عليها الحجاب، فلما تخلصت منه بقي منه شيء في نفسها: حجاب نفسي يقول: هذا محظور، وهذا جائز، ولكن … التقاليد.
ونحن كذلك، قد تخلصنا من بعض القيود الشرقية، ولكن بقيت علينا رقابة الحكومات والتقاليد.