كيف نعالج الخوف؟
هذا العنوان مخطأ، وصوابه أن نقول: كيف نعالج كظم الخوف.
ذلك أن الخوف مما نلقى من أخطار طبيعي، فنحن حين نلقى ذئبًا ونخافه فنجري وننجو لا يحدث لنا أي ضرر أو مرض، فقد خفنا وفررنا وانتهى الخوف، ولكن إذا كنت أنا بغرفتي ثم رأيت ثعبانًا ضخمًا يتسلل إلي من النافذة، ثم عجزت عن الفرار من الغرفة لأني حاولت أن أفتح الباب فلم أعرف، أو لأني ارتبكت لفرط التأثر ووجدت نفسي محبوسًا مع هذا الثعبان الضخم، فعندئذ أجدني في كظم لا يطاق، فأنا أتجلد وأحمل على نفسي بالشجاعة أو التشاجع، وهذا هو المرض.
فليس الخوف مرضًا ولكن كظم الخوف هو المرض، وهكذا الشأن في الأمراض المتفشية؛ إذ هي كظوم مختلفة؛ أي إننا نخاف ثم نجد أن مجتمعنا يمنعنا من الاعتراف بالخوف والعمل على التخلص منه، ولذلك محض الحديث عن الخوف وبث الشكوى إلى صديق أو طبيب يخففان من الخوف وأشباهه؛ كالغيرة والشك ونحوهما.
فالتلميذ يخاف الامتحان ويخجل أن يذكر ذلك.
والجندي يخشى القتال ولا يبوح بما في نفسه.
والفتاة تخشى أن تتأخر بها سن الزواج. وكرامتها تمنعها من ذكر ذلك.
والزوجة تخشى الضرة أو الطلاق أو الكهولة التي تنقص من محاسنها.
وكلنا نخشى الفقر، وكذلك نخشى المباراة العامة لجمع الثروة لئلا نفشل أو نفلس.
والأم تخشى المرض أو الموت لأولادها … إلخ.
ونحن كلنا نخاف ولكننا ننكر أننا نخاف، وحتى حين لا ننكر ذلك نجد أن المجتمع يعرضنا للخوف، كتلك الأم التي تخشى الحوادث في الشوارع ثم لا تستطيع أن تمنع صبيانها من الخروج من البيت؛ لأن الحضارة تقتضي ذلك.
والخوف إحساس بدائي حيواني يتصل بفسيولوجية الجسم القديم قبل أن نكون بشرًا، وهو يهجم بقوة بدائية مرغمة بحيث لا يستطيع المخ الجديد التصرف به أو ضبطه أو محوه مع منع الضرر أو الخطر، ولذلك عندما نحبس هذا الإحساس، نجد أنه قد التوى علينا، فيعود وساوس مزعجة أو قلقًا أو أرقًا أو همًّا مترددًا، وأحيانًا يندس إلى أعضائنا الداخلية فيفسد الأمعاء بالإسهال، أو يصيب المعدة بالقرحة، أو القلب بالخفقان، أو الرأس بالدوار.
ويجب لذلك ألا نقاوم الخوف وإنما نعالجه، والعلاج الأول هو الامتناع عن الكظم، وذلك بأن نبوح بما في النفس لصديق أو زوجة، ونبث الشكوى لهما، ونتحدث ونتجاذب المشكلة التي نخافها. ومعنى هذا ألا نجتر الموضوع الذي نخافه؛ لأن الاجترار هو استهلاك بلا إنتاج، ولكن عندما نشترك مع صديق في بحث الموضوع الذي نخافه نجد منه تحليلًا موضوعيًّا يغلب عليه العقل، أما حين نجتر نحن هذا الموضوع فإن تفكيرنا فيه يبقى ذاتيًّا عاطفيًّا.
- (١)
وأول ما نحتاج إليه في معالجة الخوف أن يكون أبوانا أيام طفولتنا قد أوجدا جوًّا من الطمأنينة في البيت؛ لأن هذا الجو يعوِّدنا الشجاعة، فلا نخرج إلى الدنيا ونحن خائفون نجزع لأقل خطوة، بل نواجه الأخطار الكبيرة بقلب جريء؛ لأن نفوسنا مطمئنة، وعادات البيت الأولى باقية فينا. ولكن يجب ألا نتكلف الشجاعة؛ لأن التكلف كظم للخوف، والشجاعة الناجعة هنا هي تلك التي اكتسبناها عادة رسخت عندنا منذ الطفولة.
- (٢)
أما العلاج الثاني، فهو أن نعيش في مجتمع لا يغرق في المباراة التي تبعث على الجهد المضني وتثير الخوف والحسد والغيرة، والمجتمع الريفي أقل مباراة من المجتمع المدني؛ لأن المطامع فيه محدودة، ونستطيع أن نقلل من شأن الروح الاقتنائي وننقص من حدته بأن نوضح فضائل القناعة والاعتدال، ونشغل النفس باهتمامات أخرى غير جمع المال. ولكن كل هذا لا يجدي قليلًا أو كثيرًا إذا كان الوسط الذي نعيش فيه اقتنائيًّا مغرقًا في المباراة؛ لأنه يكون لها عواطف اقتنائية، ويدفعنا إلى المباراة وإلى كل ما يجري في أثرها من خوف الفشل أو التخلف أو الغيرة … إلخ.
- (٣)
قد يخفف من الروح الاقتنائي في المجتمع إيجاد ضمانات اجتماعية كما هي الحال في إنجلترا؛ مثل التعويض عن العطل، أو المعاش بعد سن الستين، أو المعالجة المجانية أو التعليم المجاني، فإن هذه الضمانات تقلل من الخوف.
- (٤)
يجب ألا ننسى أن الجسم والنفس وحدة غير منفصلة؛ فراحة الجسم تؤدي إلى راحة النفس، وكذلك العكس، ولذلك إذا تفاقم الخوف حتى صار نيورزًا فإن الانطراح على الفراش والبقاء فيه جملة أيام هو خير ما يجب أن نفعل، ولكن قد يكون السرير هنا فرصة لزيادة الاجترار؛ أي: زيادة القلق، ولذلك يجب أن يكون هناك صديق يحدث ويسري عنا القلق.
- (٥)
يجب ألا نكتم ما نخافه؛ أي: يجب أن نبوح به.
- (٦)
هذا البوح درجات؛ فإني أبوح لصديقي عما أخافه، وفي هذا تخفيف، بل تعقيل من صديقي لي؛ إذ هو سيحدثني ويخفف عني ويخرجني من العاطفة المظلمة إلى العقل النير، ثم هناك درجة أخرى، وهي أن أبوح لنفسي بما أخافه، كأن أقعد إلى مكتبي أشرح لنفسي كيف تكون هذا الخوف عندي، ومتى كان ذلك، وما هي نتائج هذا الشيء الذي أخافه. أفعل هذا وكأني أحلل نفسي، وفي الأغلب عندما أكتب تاريخ هذا الخوف أجد أنه لم يكن يستحق اهتمامي. وأخيرًا هناك البوح الكامل أو العلِّي، وهو أن أقعد إلى رجل قد اختص بالتحليل النفسي، فهو يسألني وأنا أجيب.، فينكشف المخبوء الذي كنت أخبئه ليس عن صديقي فقط، بل عن نفسي.
- (٧)
وهناك علاج هو أشبه بالوقاية، وهو أن تتعدد اهتماماتنا في هذه الدنيا، حتى لا يستأثر اهتمام واحد بكل قوانا النفسية، فإذا فشلنا فيه؛ أي: في موضوع هذا الاهتمام الواحد، أحسسنا أننا قد فشلنا في الدنيا.
ولذلك من الحسن أن يهتم التلميذ الذي يخشى الامتحان بالتفرج في الدور السينمائية، وباللعب، وباتخاذ هواية ما إلى جنب دروسه. ويجب على الآباء ألا يعتقدوا أن في هذا مضيعة لوقته؛ لأن التلميذ الذي ينفق بعض وقته في هذا النشاط قبل أن يحس الخوف المؤلم الذي قد يتفاقم إلى نيوروز؛ وكذلك الشأن بالتاجر الذي يجب أن يسري عن نفسه همومه المالية بالقراءة أو الزيارة أو أي نشاط اجتماعي أو رياضي آخر، وهلم جرًّا.