مشكلات الشباب
تبدأ مشكلات الشباب حوالي الرابعة عشرة من العمر حين يحس المراهق أنه إزاء قوة جنسية بادئة، ولكنها متسلطة طاغية، وهو يجد من الظروف الاجتماعية ما يصده، بل أحيانًا ما يخزيه مما يحس ومما ينشد، فالحياة أمامه ملتغزة لا يفهمها، ومرهقة لا يتحملها، وهو يلجأ إزاء هذه الحال إلى نوع سيئ من النشاط الجنسي في الظلام.
والعادة أن الشاب فيما بين سن الرابعة عشرة وسن العشرين ينشد في خياله فتاة أو سيدة أكبر منه سنًّا بنحو عشر سنوات، وكذلك الشأن في الفتاة، فإنها لا تستجمل من في سنها، وإنما تنشد رجلًا يزيد على عمرها بنحو عشر سنوات أو أكثر؛ ولذلك نرى كثيرًا يتزوجن بشبان يكبرونهن بخمسة عشر أو عشرين سنة، وعلى الرغم من الفارق العظيم بين العمرين فإن الزواج ينبني على الحب، ولكن من الحسن ألا يزيد فرق السن على عشر سنوات.
والمشكلة الجنسية في هذه الفترة من العمر متعقدة، بل ملتغزة، وليس ذلك لأن التعقد أو الالتغاز أساسيان في الطبيعة البشرية، ولكن لأن المجتمعات المتمدنة قد جعلت سن الزواج متأخرة، بل أحيانًا متأخرة جدًّا؛ ولذلك لا يعاني الشاب الذي يعيش في وسط بدائي أو زراعي، مثل هذه الصعوبات التي يعانيها الشاب في وسط المتمدن؛ إذ هو يتزوج في سن مبكرة، بل أقول أكثر من ذلك، وهو أنه يختلط بالجنس الآخر اختلاطًا يرفه ويخفف عنه قبل أن يتزوج.
ولا يمكن أن يقترح الإنسان حلًّا حاسمًا لهذه المشكلة؛ لأن هناك حالات شخصية يجب أن تكون محل الاعتبار والتقدير، ولكن حسبنا أن نقول بوجه عام إنه يمكن التبكير في الزواج، أي حوالي سن العشرين، إذا كان الزوجان يتفقان على الامتناع عن التناسل، وإذا كانت الزوجة ترضى بأن تعمل وتكسب كما يعمل ويكسب زوجها، وهما إذا فعلا ذلك، فإن نفقات العيش لا تزيد على الزوج، إذ هو يعيش — عندئذ — مع زوجته ولا ينفق أكثر مما كان ينفق وهو أعزب. وقد أخذ الأمريكيون بالزواج المبكر على هذا الأساس الجديد، وهو أن الزوجة تعمل وتكسب، ثم يؤجل التناسل سنوات حتى يجد الزوجان أنهما قادران على نفقات الأطفال، وقد تكف الزوجة — عندئذ — عن العمل والكسب أو لا تكف.
وباشتغال المرأة في الأعمال العامة وتكسُّبها عاد الوسط المتمدن في كل من أمريكا وأوربا إلى حال تشبه الحال التي يعيش فيها البدائيون والفلاحون في الريف الساذج، ولكننا في مصر نعاني صعوبات كثيرة تمنع التبكير في الزواج، وأهم الموانع هو — بالطبع — أن الشاب في بداية حياته الاكتسابية لا يستطيع أن ينفق على زوجة متعطلة في البيت ثم على أطفالها.
والطلبة في الجامعات الأمريكية يتزوجون الطالبات، ولكن الفرق بين الطالب المصري والطالب الأمريكي أن هذا الثاني يكسب؛ إذ هو إلى جنب دراسته الجامعية يؤدي عملًا ما، وهكذا أيضًا الشأن في زوجته الطالبة، وهذه حال لن نبلغها في مصر إلا إذا ارتفعت الأجور.
ونحن لا نزال نحتاج إلى سنوات قبل أن نعمم الاختلاط بين الجنسين حتى يخف الإرهاق الجنسي، وبهذا الاختلاط يزول الشذوذ الجنسي بين الشبان، كما تزول العادة السرية. وقد شاع الشذوذ الجنسي في الأمم الشرقية لهذا الانفصال القائم بين الجنسين، كما أن شبابنا يمارسون العادة السرية مع اشمئزازهم منها وكراهيتهم لها لهذا الانفصال أيضًا، ولست أعني أن أوربا وأمريكا تخلوان من هاتين الرذيلتين خلوًّا تامًّا، وإنما أعني أن الشباب هناك أقل انغماسًا فيهما من شباب الأمم الشرقية؛ لأنه يختلط بالجنس الآخر.
والمشكلة الجنسية هي بؤرة المشكلات عند الشبان، ومن هذه البؤرة تتشعب مشكلات أخرى؛ ذلك أن النشاط الجنسي هو الأساس لألوان مختلفة أخرى من النشاط الاجتماعي والثقافي والحرفي والفني.
فالشاب عندما يخرج من المراهقة ويشرع في الرجولة يحس شهامة جديدة تجلب له مشكلات جديدة، فهو لا يطيق تدخل أبويه في سلوكه، ولا يحب أن يستمع إلى نصيحتهما بشأن اختيار الأصدقاء أو السهرات أو الملاهي، وهو يأخذ بتجارب اجتماعية جديدة كي يؤكد أن له شخصية؛ فهو يدخن، أو يربي شاربه بضعة أشهر، أو يصطنع في حديثه لهجة شاذة كي يظهر ويبرز، وكل هذه محاولات لا بأس بها، ويمكن أن يرتد عنها إذا كان الناصحون له يصونون كرامته ولا يجرحون شهامته المبتدئة، فإنه في هذه السنوات يحاول أن يتخلص من طفولته، وأن يتخذ أسلوبًا يؤكد به استقلاله، وكل هذا حسن يجب ألا نعترض عليه، وإنما نوجه الشاب ونبين له المجتمعات الحسنة التي يجب أن يعرفها وينتفع بالاختلاط بها.
والشاب في سن الاستطلاع الجنسي ينبعث نحو استطلاعات أخرى، فهو يسأل عن الله والدين ومعاني الشرف والطهارة، ويشرع في دراسة السياسة ويقتني الكتب. وقد كانت سن الخامسة عشرة عندي سن الحمى الثقافية التي كان يبعثها عندي كظم جنسي مؤلم، لم نكن نعرف — وقتئذ — كيف ننفرج منه؛ لأن الانفصال بين الجنسين كان تامًّا مئة في المئة.
ويجب أن تتوافر للشاب في هذه السن الكتب والجرائد والمجلات الجدية التي تحيله إلى رجل جد وشرف وشهامة، وللأسف لا يجد شبابنا هذه الوسائل الثقافية، وإنما يجدون بدلًا منها مجلات مصورة تغريهم بممارسة العادة السرية وتعطيهم صورة مخطأة عن المرأة، بل إن هذه الصور كثيرًا ما تخيفهم من الزواج وتصدهم عنه.
وشعاع آخر يشع من بؤرة الاستطلاع أو القلق الجنسي، هو الاتجاه الفني، فإن الشاب يستجمل صورة الفتاة ووجهها وقوامها، ويتخيلها في أوضاع مختلفة، وهذا الإحساس بجمالها ينتشر في أرجاء نفسه إلى إحساس بجمال الشفق والطبيعة والشجر، وإلى تقدير الموسيقى والغناء والرقص، وإلى التأنق في تفكيره، بل هو قد ينظم الشعر وقتئذ.
ويتشعع أيضًا من سني الاستطلاع الجنسي اختيار الحرفة؛ لأن الحرفة والعائلة والزواج وكسب العيش كل هذا مركب سيكلوجي واحد يعود إلى الغريزة الجنسية، وكل واحد من هذه الأشياء يتصل بالآخر.
وأخيرًا يجب أن أقول إن صعوبات الشاب في مصر أثقل من الصعوبات التي يلاقيها الشباب في أمريكا أو أوربا؛ لأن الاختلاط بين الجنسين هناك قد خفف إلى حد كبير من إرهاق الغريزة الجنسية، كما أن الفرص الاجتماعية للشباب أكثر مما هي عندنا، ولذلك يجب أن نعطف على شبابنا، وأن نقدر صعوباتهم ونيسرها ونمهدها كلما حانت فرصة.