حروب دولة الرسول (الجزء الثاني)
«في الوقتِ الذي أخذتْ فيه أحوالُ المُسلِمينَ الاقتصاديةُ في التحسُّنِ المُطَّرد، بعد أن وَضعَتْ بدرٌ بيدِ المُسلِمينَ القوةَ المادية، سلاحًا، ومالًا، ومَنحتْهم مزيدًا من الثقةِ النفسيةِ في أنفُسِهم وفي مَشروعِهم وفي قائدِهم، فامتلَئوا — بتلك القوةِ المعنويةِ — جرأةً، وأخذوا بتأديبِ المُخالِفينَ في يَثرِب، وإلقاءِ الرُّعبِ في قُلوبِهم، بل وقَتلِ أيِّ شخصٍ يَتجرَّأُ على مُعارَضةِ الدولة.»
يَرصدُ «سيد القمني» منهجيةَ الرسولِ الحربيةَ في التعامُلِ معَ المستجداتِ الداخليةِ والخارجية؛ حيثُ حرصَ الرسولُ على بناءِ دولتِه واستِئصالِ شَأْفةِ المُعارِضِينَ لسيادتِه، مُتَّخِذًا من هزائمِ المسلمينَ دافِعًا للمُضيِّ قُدمًا، وهو ما حدَثَ بعدَ هزيمتَيْ بدرٍ وبئرِ معونة، حيثُ طردَ يهودَ «بني النضيرِ» إثرَ مُماطَلتِهم في المساهَمةِ في تحمُّلِ جزءٍ من ديةِ «بني عامر»، ومُحاوَلتِهم الفاشلةِ لاغتيالِ الرسُول، وما تبعَ ذلكَ من تأليبِهم قريشًا على الخروجِ فيما عُرِفَ بغزوةِ «الخندق»، التي تَظهرُ فيها خيانةُ يهودِ «بني قُريظة»؛ فكانَ جزاؤُهم مذبحةً لم تَسمعِ العربُ بمثلِها من قبل. وتَتوالى الغزواتُ والفُتوحاتُ حتى يُتوَّجَ الجهدُ الحربيُّ بفتحِ مكة. ومع اتساعِ الدولةِ ظهرَ الانقسامُ داخلَ المجتمعِ الإسلاميِّ معَ استيعابِه الطُّلَقاء؛ وهو ما أدَّى إلى احتجاجِ بعضِهم على تقسيمِ الرسولِ لغنائمِ «هوازنَ» مُتَّهِمِينَ إيَّاه بعدمِ تطبيقِ العدالة.