القصص القصيرة
«كان منزلًا صغيرًا، من طابق واحد وثلاث نوافذ، يُشبِه إلى حدٍّ كبير عجوزًا حَدْباء صغيرة بقَلنسُوة. كان مَطليًّا بالجير الأبيض، بسطحٍ قرميدي ومدخنة متساقطة الطلاء، وكان غارقًا كله في خُضرة أشجار التوت والأكاسيا والحور التي غرسها أسلافُ وأجداد أصحابه الحاليين.»
يتميَّز الإنتاج القصصي ﻟ «تشيخوف» بالتكثيف الشديد؛ إذ يستطيع بمهارة فائقة أن يقدِّم لك فكرة عميقة في قصةٍ قصيرة لا تتجاوز بضعَ صفحات؛ قصةٍ تضج بالمشاعر والمواقف الإنسانية المُعبِّرة عن جوهر الحياة والوجود، والمدهش أنه يقدِّم لك ذلك ببساطته المعهودة التي لا تخطِئها عين، فتجعل الفكرةَ تَنفذ إلى أعماقك وتَتملَّكك ولا تَتركك إلا بعد أن تترك أثرَها في نفسك. سعى «تشيخوف» في قصصه التي يضمها هذا الكتابُ إلى التعبير عن الإنسان المعذَّب الذي يعاني في هذا العالَم الذي يحكمه الأقوياء والأغنياء، فيسلِّط الضوء على جنة الفقراء داخل أرواحهم، ساخرًا من رفاهية الأغنياء وسلطة الأقوياء، جاعلًا من المشاعر الإنسانية زادَ الحياة، ومن الإنسان أسمى ما في الوجود لكونِه إنسانًا؛ وهذا ما تَلمسه بعمق في هذه المجموعة القصصية التي خطَّها بقلم الألم على صفحة الإنسانية الخالدة منتبِهًا لأدقِّ تفاصيل الحياة.