الكبش والآنسة
وأبلغه الخادم يجور: هناك آنسة جاءت تسأل عنكم.
– آنسة؟ هم … ترى مَن هي؟ على العموم سِيان، ادعُها.
ودخلَت غرفة المكتب بهدوء فتاة وسيمة، سوداء الشعر، ترتدي ملابس بسيطة … بل وبسيطة جدًّا. وعندما دخلَت حيَّت بانحناءة، وأخذت تقول بصوت مرتعش: أرجو المعذرة. أنا … قالوا لي إن حضرتكم … إنه من الممكن أن أجدكم في الساعة السادسة فقط.
– تَشرَّفنَا … تَفضَّلي اجلسي! أي خدمة؟ اجلسي لا تخجلي!
– لقد جئتكم في طلب.
مضَتِ الآنسة تقول وهي تجلس في ارتباك وتعبَث بأزرارها بيدين مرتعشتين: لقد جئتُ … لكي أطلب منكم بطاقة سفر مجانية إلى موطني. سمعت أنكم تعطون وأنا أريد أن أسافر، وليس معي … أنا لستُ غَنِية … بطاقة من بطرسبرج إلى كورسك.
– هم … هكذا … ولماذا تريدين السفر إلى كورسك؟ ألا يعجبك الحال هنا؟
– لا، هنا يعجبني، ولكن … أهلي، أريد أن أسافر إلى أهلي؛ لم أرهم منذ مدة طويلة … كتبوا لي أن ماما مريضة.
– هم … وأنت هنا مُوظَّفة، أم طالبة؟
وأخبرَته الآنسة بالمكان الذي كانت تعمل فيه وعند مَن، وكم كانت تتقاضى، وبحجم العمل الذي كانت تؤديه.
– هكذا … كنتِ تَعمَلين … نعم، لا يمكن القول إن مُرتَّبك كان كبيرًا … لا يمكن القول … ليس من الإنسانية ألَّا تُصرَف لك بطاقة مجانية … هم … إذن فأنت مسافرة إلى أهلك … حسنًا، وربما كان لديك في كورسك حبيب، هه؟ حبُّوب، هئ، هئ، هؤ … خطيب؟ آه، تَخجلِين؟ أوه، لا داعي! هذا شيء محمود فَلتسافري … حان الوقت لكي تتزوَّجي … ومن هو؟
– موظف.
– شيء محمود … سافِري إلى كورسك … يقال إنه على بعد مائة فرسخ من كورسك تنتشر رائحة حساء الكرنب وتزحف الصراصير … هئ، هئ، هؤ … لا بد أن الحياة مُملَّة في كورسك هذه؟ لا تخجلي، انزعي القبعة! نعم، هكذا! يا يجور، هات شايًا. لا بد أن الحياة مملة في هذه اﻟ … أم … ما اسمها … كورسك؟
لم تكن الآنسة تتوقَّع مثل هذا الاستقبال الرقيق فَشعَّ وجهُها بالسرور، ووصفَت للسيد المحترم كل ما في كورسك من ألوان التَّسلية … وأخبرَته أن لديها أخًا موظفًا، وعمها مدرس وأبناء أخيها تلاميذ … وقدَّم يجور الشاي … وتناولَت الآنسة الكوب بِوجَل، وراحَت ترشفه دون صوت وهي تخشى أن تَصدر عنها مَصمصة … وكان السيد المحترم يَتطلَّع إليها وهو يبتسم بسخرية … لم يَعُد يشعر بالمَلل.
وسألها: هل خَطيبك وسيم؟ وكيف تعرَّفتُما ببعض؟
وأجابت الآنسة بخجل على هذين السؤالين. واقتربت بمجلسها من السيد المحترم في ثقة، ورَوت له وهي تبتسم كيف تقدَّم الخُطَّاب هنا في بطرسبرج فرفضَتهم … تحدَّثَت طويلًا. وأنهَت حديثها بأن أخرجَت من جيبها رسالة من والديها وقرأَتها على السيد المحترم.
ودقت الساعة الثامنة.
– والدك خطُّه لا بأس به … بأي زخارف ينمق الحروف؟ هئ، هئ … حسنًا، لقد حان وقت انصرافي … لا بد أن المسرح بدأ عَرضُه … وداعًا يا ماريا يفيموفنا.
فسألت الآنسة وهي تنهض: إذن أستطيع أن آمل؟
– بماذا؟
– بأن تعطوني بطاقة مجانية.
ارتدَت الآنسة مِعطفها وخرجَت … وعند المدخل الآخر قيل لها إنه سافر إلى موسكو في السابعة والنصف.