بداية عادية ولكن …!
مالت الشمس إلى المغيب، عندما لاحت في الأفق طائرة نَفَّاثة صغيرة … سرعان ما انحدرت على ممر سِري أُخفيت معالمه حتى كاد لا يُرى، إلا لعين الطيَّار الخبير … قائد طائرة الزعيم رقم «صفر» … فُتح باب صخري إليكتروني، فتوارت داخله الطائرة، وهدأت زوبعة رملية خفيفة، أعادت الصَّمت إلى الصحراء … ودخل الزَّعيم بسرعة وحوله بعض الرجال.
في صالة اجتماعات مقر الشياطين السري، جلس «أحمد» و«فهد» و«عثمان» يتحدثون … بينما انهمك «بو عمير» في إجراء اتصال لاسلكي …
ثم أعلن في ميكروفون داخلي عن وصول الزعيم، وبسرعة انضم «بو عمير» والتأم شمل الأربعة … وفُتح باب صغير، في نفس اللحظة التي خفتت فيها الإضاءة، ودخل الزعيم الذي لم يرَ أحدٌ ملامحه مطلقًا … بدا حازمًا … لا يتردد في اتخاذ القرار الحاسم في الوقت المناسب، ومعاونوه وقد عرف كل واحد منهم ما ينبغي عمله … وقد تمرسوا طويلًا على الأعمال الخارقة العَنيفة في أي بقعة من العالم … وكل منهم له سجل حافل في محاربة الإجرام …
أومأ الزَّعيم إلى الشياطين الأربعة، وهم من فريق الشياطين اﻟ «١٣» … الصفوة المنتقاة، وجلس الجميع وساد السكون لحظة … ثم فتح الزعيم حقيبته وأخرج بعض الأوراق، واعتدل في جلسته وتفحص برهة «أحمد» وزملاءه.
رقم «صفر»: كانت مُهَمَّتكم الماضية موفَّقة بصفة عامة … إنني راضٍ عنها … لقد استرحتم وحان وقت العمل … أمامكم مهمة أكثر صعوبة. وسوف تعتمدون فيها على أنفسكم تمامًا … لن تبتعدوا كثيرًا عن عيوننا، والمطلوب منكم في هذه المهمة الاعتماد على إمكانياتكم. وستجدون أنفسكم في مدن جديدة عليكم … إنها بالقطب الشمالي، أو قريبًا منه … مغامرة خطيرة قد تقودكم إلى أخطر لغز صادفتموه في حياتكم … هناك جهاز مخابرات لدولة كبرى تُبدي اهتمامًا بالموضوع غير عادي، فهو يتعلق بأحد الأسرار الكبرى لهذه الدولة … لقد حاولوا الاتصال بنا، ولكننا فضَّلنا العمل بمفردنا كإجراء وقائي؛ حتى لا يتسرب أي خبر عفوًا … وكما قلتُ سوف تعتمدون على أنفسكم … سينقطع الاتصال اللاسلكي عنكم فترات كثيرة … الأجهزة السرية الصديقة، والمعادية، لا تنفك تعمل بنشاط زائد، ولكني أثق بقدراتكم تمامًا …
أحمد: لقد أثرت فضولنا يا سيدي؟
رقم «صفر»: هناك خطوات سوف توضح لكم في الوقت المناسب … ما يمكنني أن أُصرح به الآن هو أنَّ مُهِمَّتكم ستقتصر بدايةً على البحث عن شخص مفقود يُدعى «جونز بيكلي» تُوفيتْ أخت له كانت قد هاجرت إلى أمريكا منذ سنين عديدة، وأوصت له بمليون دولار مودعة الآن في بنك، ولن يُصرف لأحد سواه … هناك محامٍ يُدعى «روبرت جابلر» يتولى هذا الأمر.
أحمد: هل في الأمر جريمة؟
رقم «صفر»: لا يبدو الأمر كذلك … ما نعرفه عن المدعو «جونز» أنه عمل كصائد للحيتان … ولكن المركب تعرض للغرق، فهجر هذا العمل بعد أن أُصيب … إنه الآن في حوالي الخامسة والخمسين من عمره … وقد كلف المحامي روبرت بعض الرجال بتقصي آثار «جونز»؛ فالمحامي يريد عمولته بالطبع … ابتدأ البحث عند ساحل النرويج، حيث غرقت الباخرة … وانتهى البحث عند بعض زملائه … كل ما قدموه هو ورقة صغيرة مكتوبٌ عليها كلمة: «توركو!»
أحمد: يبدو أن «جونز» هذا قد عاد إلى موطنه الأصلي؟
رقم «صفر»: محتمل هذا … ومهمتكم الآن تعقب آثاره … غدًا سوف تستقلون طائرة إلى نيويورك، ومنها إلى هلسنكي عاصمة فنلندا كما تعلمون، ثم تبحثون عن «توركو» …
فهد: ولكن لماذا من نيويورك بالذات، وهناك طرق طيران أقصَر؟
رقم «صفر»: خانك ذكاؤك يا «فهد»!
أحمد: لا بد أنها موطن المحامي.
ابتسم الزعيم بُرهة: وهز رأسه موافقًا ثم قال: لقد رتبنا الأمر بالفعل مع المحامي كأنها عملية محدودة، سيجهز بعض المعلومات حال وصولكم إليه … وستكون هناك بعض الإجراءات التمويهية بالطبع.
وبسرعة جمع الزَّعيم أوراقه وطوى حقيبته … تطلَّع بثقة وتودُّد إلى «أحمد» وزملائه، ونهض وسرعان ما اختفى، وساد السكون، حيث استغرق الأربعة في تفكير عميق لم يُفِيقُوا منه إلا على صوت يُنادي عليهم أن يتجهوا إلى جهاز الخدمة السفرية لتسلم جوازات السفر.
عثمان: لا بُدَّ من شحن المزيد من الملابس الثقيلة.
قال «أحمد» ضاحكًا: لا تخشَ شيئًا يا «عثمان»، يبدو أن حركاتنا ستكون أسرع من البرد نفسه.
فهد: ولكن الزعيم لم يخبرنا بباقي الفريق!
أحمد: رُبما سيكتفي بنا … أو يضيف إلينا البعض في الوقت المناسب.
ضحك الثلاثة، واتفقوا على السفر مساء اليوم إلى القاهرة؛ حيث يبدأ الإعداد لبقية الرحلة.
في السابعة مساءً التقى الجميع في المقر السِّري الصغير بالقاهرة، حيثُ كانت «ريما» هناك.
ارتفعت الموسيقى … ومعها ضحكات الرفاق … ولكن هذا لم يسكت التليفون عن الرنين بإلحاح … أسرعت «ريما» ترد على التليفون … وفجأة ظهرت الدهشة على ملامحها، وسكتت، وأعادت السماعة بهدوء … سأل «أحمد»: ماذا حدث؟
ريما: مكالمة غريبة … الصوت قريب من أذني، ولكن لا أتذكره … لقد قالت إن الحكومة الفيدرالية تطلب «الزعيم» … ثم أغلقت التليفون …
شَعر «أحمد» بالقلق، فلا يمكن أن تكون هذه المكالمة لهم … ولكنه لم يستطع تقديم أي تفسير … وآثر ألا يخبر أحدًا …
قالت «ريما»: المائدة جاهزة … هل أسرعتم؟
وقف «أحمد» قليلًا، ولاحظت «ريما» ذلك، فاقتربت منه حين سمع الاثنان صوت عربة بالخارج …
صاحت «ريما»: لعلها «زبيدة» قادمة!
وأسرعت ومعها «أحمد» إلى الخارج، ومضيا في ممر الحديقة حتى وصلا إلى الطريق … وبمجرد أن خطا «أحمد» خطوة، لاحظ وجود سيَّارة سوداء، تقف قريبًا جدًّا، وقد فتحت أبوابها ولا أحد بجوارها … وفجأة ظهر ثلاثة رجال اتجه أحدهم إلى «أحمد» مباشرة، وهو يقول مهددًا بمسدسه: أسرِع بدخول العربة فورًا وبلا مقاومة.
انسحبت «ريما» مسرعة في الظلام، ليتسع الوقت لها لإخطار بقية الشياطين، ولم يكن معها سلاح لتتدخل.
في أقل من ثانية تقدم رجلان بسرعة إلى «أحمد» شاهري سلاحيهما، واستعد «أحمد» للقاء صاخب، وفجأة أطبق أكثر من شخص على «أحمد» من ظهره، ولكنه انحرف بسرعة البرق … انطلقت رصاصة طائشة، مَزَّقت سكون الليل، وحدث ارتباك مفاجئ … لَكَمَ «أحمد» أقرب رجل إليه، وحاول آخر الوصول إلى السيارة واندفع داخلها، وأطلق لها العنان مُحْدِثًا جلبة شديدة فاصطدم بحافة الرصيف، فَعَادت من شدة الصدمة إلى الخلف … قفز «أحمد» واستطاع أن يضرب بقبضته رجلًا منهم … وفجأة أحاط به أكثر من واحد وهم يحاولون تَكْبيلَه، ولكن سرعان ما خرج من المنزل فريق الشياطين وتمت السيطرة على الموقف … ولم تستغرق المعركة سوى دقيقتين …
تم تفتيش الرجال بدقة، وأُحيط بهم في ركن من المنزل … وتم إجراء اتصال لاسلكي مع مقر الشياطين السري في نفس الوقت الذي انهمكت فيه «ريما» في تصوير المجرمين … استمع الزعيم إلى حديث «أحمد» عن الحادث، وأصدر إليه بعض التعليمات بشأن تسليم المجرمين إلى الشرطة … ثم أخبره بأنَّ موعد الطائرة في السابعة صباح الغد …
حاول «فهد» و«عثمان» استجواب المجرمين الأربعة … فاعترف أحدهم بأنَّ شخصًا لا يعرفه كلفه بالمهمة …
ولكن المجرم آثر الصمت بعد ذلك، ولم تُفلح محاولات دفعه إلى الكلام … واتصل «أحمد» بأحد عملاء رقم «صفر» في الشرطة السرية، وسرعان ما أقبلت سيارة حملت المجرمين الأربعة.
لم تكد سيارة الشرطة تبتعد حتى ظهرت سيارة، سرعان ما تبين للشياطين أنها عربة خاصة بمقر الشياطين …
وفي داخل البيت كان أحد مُعاوني الزَّعيم يشرح للشياطين أحدثَ جهاز اتصال لاسلكي ثم قال: يمكنكم إيصال الجهاز بأي راديو عند وقت الإرسال المتفق عليه … وهذا كتاب الشفرة … حافظوا عليهما تمامًا فسوف تحتاجون إليهما كثيرًا في هذه العملية.
وحالما انتهى معاون الزعيم من مهمته … كانت عملية تحميض وطبع صور المجرمين الأربعة قد تمت … دَسَّ المعاون الصور في حقيبته، وأسرع خارجًا من المنزل متمنيًا للشياطين رحلة موفقة.