أين المدعو جونز؟
أعاد «أحمد» فحص محتويات حقيبة السفر … ثم تطلَّع إلى ساعته … كانت حوالي الخامسة والنصف صباحًا … وقبل أن يهم بالجلوس سمع صوت سيارة بالخارج، وعندما اقترب من النافذة لمح «عثمان» و«بو عمير» … لَوَّحَ «أحمد» بيده، وسرعان ما حمل حقيبته وخرج مسرعًا …
– أين «فهد»؟!
سأل «أحمد» فأجابه «عثمان» بأنه سيصل إلى مطار القاهرة مباشرةً، وربما يكون قد وصل إلى هناك بالفعل … وسرعان ما توارت السيارة عن الأنظار …
وصل الثلاثة إلى المطار حوالي السادسة، وسرعان ما التأم شمل الأبطال الأربعة، وبسرعة تم فحص أوراقهم وبدأ طابور الركاب يصعدون الطائرة الضخمة … تفحص «أحمد» وجوه الركاب بدقة، وقد أخفى وجهه بنظارة وشارب صغير، غَيَّرا معالم وجهه تمامًا … كذلك فعل «بو عمير» و«عثمان» و«فهد» … كلٌّ بطريقته الخاصة …
مرت دقائق ضاحكة بين الشياطين الأربعة قبل أن تُقلع الطائرة في جو مشبع بغمام الصباح المعتاد، وسرعان ما استغرق البعض في النوم … وآثر الآخرون قراءة الصحف، بينما الأطفال يتطلَّعون من النوافذ الصغيرة … أمَّا الشَّياطين الأربعة، فقد انهمكوا في تفكير محسوب حول مُهَمَّتهم الخطيرة القادمة … والتي بدأت بمحاولة الاختطاف الفاشلة في مساء اليوم السابق.
بعد أن استقرت الطائرة … بدأ الركاب في رفع الأحزمة التي ربطوها قبل الإقلاع، وظهرت المضيفة وآخر يُساعدها في توزيع الطعام … واغتنم «عثمان» الفرصة ليسأل المضيفة …
عثمان: نحن في رحلة إلى أيسلاند لمشاهدة الإسكيمو … هل ذهبت إلى هناك؟
ابتسمت المضيفة قائلة: ليس هناك إسكيمو في أيسلاند … ولا حتى دِبَبة!
عثمان (مُتصنعًا الدَّهشة): إذن ماذا سنرى هناك يا … يا؟
المضيفة: ليلى … اسمي ليلى … وسترى هناك أناسًا … وربما تجد بعض الأشباح إذا حالفك الحظ!
فهد: يا لها من رحلة شيقة … خصوصًا مع وجود الأشباح!
عثمان: إنني أُفضِّل الدببة على أي حال!
ضحكت ليلى وأسرعت تُلَبِّي رغبات باقي الركاب … ولكن هذا الجو المرح، لم يستطع إخفاء معالم الجدية والاهتمام على وجوه الشياطين الأربعة …
هبطت الطائرة النفاثة في أحد المطارات للتزود بالوقود … هبط بعض الركاب، وصعد آخرون … وبعد ساعتين عادت إلى الإقلاع، ومَرَّت ساعات طويلة قبل أن يستيقظ «أحمد» ويوقظ الآخرين …
صاح «أحمد»: انظروا.
تطلَّع «فهد» و«بو عمير» و«عثمان» إلى النوافذ … كان الثلج يُغطي كل شيء … البياض النَّاصع يحيط بالقمم والأرض، وارتفع صوت الميكروفون يُعلن وصول الطائرة إلى مطار نيويورك … همس «بو عمير» في أذن «فهد»: إذا كان هذا هو الحال في نيويورك … فما بال الحال في القطب الشمالي؟
هَزَّ «فهد» رأسه مُبتسمًا ولم يجب. انتهت إجراءات الخروج من المطار … وبدأ الشياطين الأربعة في ترتيب مكان إقامتهم في نيويورك لمدة يوم لا أكثر … كانت وجهتهم المحامي «روبرت جابلر»، وسرعان ما حددوا موعدًا للاجتماع به …
أبدى المحامي شعوره بالرَّاحة عند رؤيتهم وأجاب على أسئلتهم … لم يكن لديه معلومات كافية عن مكان إقامة «جونز بيكلي» صائد الحيتان، سوى البلدة التي يحتمل أن يكون فيها الآن، وهي مدينة «توركو»، إلا إذا عاد إلى نشاطه السابق … وفي هذه الحالة سيكون من الصعب العثور عليه … ولكنه زودهم ببعض المعلومات عن أصدقاء له هناك، ربُما يمكنهم مساعدة «أحمد» وأصحابه … ثم أخبرهم عن رقم «التليكس»؛ فربما احتاجوا له في أي وقت …
وفي الفندق … أجرى «أحمد» اتصالًا لاسلكيًّا عن طريق جهاز اللاسلكي الخاص بمقر الشياطين السري، وتلقى من الزعيم التعليمات الجديدة في هذه المرحلة من رحلتهم المثيرة.
استعد «أحمد» و«عثمان» و«فهد» لمعاودة السفر بالطائرة … بينما بقي «بو عمير» حسب تعليمات الزعيم الأخيرة لإجراء بعض الاتصالات … وهبطت الطائرة أخيرًا في مطار هلسنكي … ونسي الثلاثة متاعب الرِّحلة بسُرعة … وأخبرهم رجل الاستعلامات أن هناك أوتوبيسًا يسير بعد ثلث ساعة، وأنَّ العاصمة تبعد قليلًا عن المطار.
قال «عثمان»: ولكن لماذا لا نتجه مباشرة إلى «توركو»؟
رد «أحمد»: هل نسيت تلك العناوين التي أمدنا بها المحامي؟
فهد: وربما تمكنا من إجراء اتصال بالشركة صاحبة الباخرة التي تعرضت للغرق.
أحمد: محتمل إذا فشلنا في العثور على «جونز» هذا!
لم يكن الأمر يحتاج إلى جهد للحصول على عنوان صديق المحامي، ويُدعى «لورانس» وهو باحث أمريكي يُجري بعض الدراسات الجيولوجية لحساب شركة فنلندية أمريكية مُشتركة. انتهى «أحمد» من تدوين عنوان «لورانس» في مكتب استعلامات المدينة بالمطار، وانتبه فجأة إلى رجل بدين أصلع يرتدي بالطو غامقًا له حافة عريضة من الفراء، وهو يحاول أن يسترق النَّظر إلى ما يكتبه وسرعان ما تقهقر بسرعة … ولكنه عاد وهو يتظاهر بأنه يسعل ثم قال مُتصنعًا المرح: سيدي … كنت فقط أحاول معرفة …
أحمد: معرفة ماذا؟ … من أنت؟
الرجل: يبدو أنكم من الشرق … أعني من دولة عربية … آه … أنا زرت هذه البلاد كلها ولي فيها أصدقاء!
أحمد (بحسم): هل أخبرتنا ماذا تريد؟! … نحن في عجلة!
الرجل: لا لا … كنتُ فقط سأُبدي الرَّغبة في المساعدة … إنكم غرباء … أليس كذلك؟
فَغَرَ رجلُ الاستعلامات فاه دهشة … عندما دفع «أحمد» الرجل بكوعه … تقهقر الرجل معتذرًا بسرعة، وسرعان ما اختفى وهو يتعثر في سيره.
عثمان: يجب أن نحترس … إننا لا نتوقع أن ينتظرنا أحد … أو يساعدنا مخلوق … ربما تكون محاولة اختطاف جديدة!
صاح رجل الاستعلامات ولم تزل الدهشة تتملكه: من أنتم بحق السماء … جواسيس؟
ابتسم «أحمد» وقال مازحًا: صديقي الأسمر هذا، احتال عليه رجل بالأمس، فخاف أن تتكرر المحاولة.
رجل الاستعلامات: يا صديقي الطيب، لا أحد في فنلندا كلها يحتاج إلى الاحتيال، اطمئن يا سيدي.
أحمد: هذا ما أحاول إقناعه به!
رجل الاستعلامات: أمنياتي لكم بإقامة طيبة!
شكره «أحمد»، وانصرف الثلاثة بسُرعة إلى سَيَّارة الأتوبيس التي تحركت إلى العاصمة، وبدأت المتاعب الحقيقية … وجَالَ في ذهن الثلاثة كلمات الزَّعيم … بأنهم سوف يعتمدون تمامًا على أنفسهم في هذه المغامرة … لاذ الثلاثة بالصمت حتى وصلت السيارة، وسرعان ما استقلوا تاكسيًا إلى فندق «شيراتون». ولاحظ الثلاثة أنَّ الشوارع قد خلت من المارَّة … وبدت المدينة مهجورة إلا من سيارات عملاقة تزيح كتل الثلج … وسجنت السيارات داخل أردية بيضاء ناصعة من الثلج … وأطفال يتبارون في التزحلق، ولا شيء أكثر من ذلك … ولكنَّهم عندما وصلوا الفندق، كان المكان مختلفًا تمامًا … إذ ازدحم الفُندق بالنُّزَلاء عن آخره، وهم في غاية المرح والبهجة … هدأ الثلاثة قليلًا، وقد زال عنهم الكثير من الكآبة التي أسكتتهم عن الكلام طوال رحلة السيارة من المطار … وحادث الرجل ذو المعطف …
عرف الثلاثة حجرتهم، وبعد أن أبدلوا ملابسهم المبَلَّلَة من أثر تساقط الثلج … قال «عثمان»: أعتقد أنَّ صالة الطعام في الدور الثالث.
ابتسم «فهد» وقال بخبث: آه … وكيف توصلت إلى هذه المعلومة الخطيرة؟
عثمان: مجرد حدس … أو الحاسَّة السادسة كما يقولون.
أحمد: حسنًا … من المهم أن تكون لك هواية مفيدة على أي حال.
فهد: ولعلها تلفت الأنظار إلينا!
أحمد (مستدركًا): ولعلها … تلفت أنظار الرجل الغامض.
فهد: ولقد تركناه في المطار … وربما سبَقَنا إلى هنا.
صاح «عثمان»: كفى! … كفى هذا! … ربما يكون أحد الأشباح التي ذكرتها ليلى المضيفة …
فهد: إذن ما الحل في هذه المشكلة؟
جذب «عثمان» زميليه وهو يخرج من الحجرة: الحل أن نتيقن بالفعل … هيا إلى الدور الثالث.
ولكن «فهد» وقف ليسأل: مهلًا … ولكن متى سنبدأ البحث عن «جونز»؟
عثمان: عن طريق «لورانس» بالطبع!
أحمد: ولكن لماذا لا نجرب الاستعانة بدليل التليفون؟
كانت فكرة طارئة، ولكن سرعان ما بدأ البحث … ولكنهم لم يجدوا أي اسم لشخص يُدعى «جونز بيكلي» …
فهد: يبدو أنَّ المهمة لن تكون سهلة.
أحمد: لنبحث تحت اسم «بيكلي».
ولكنهم لم يجدوا سوى اسم سيدة تُدعى «روزيتا بيكلي» … وعندما اتصلوا بها أخبرتهم أنها لا تعرف أحدًا يُدعى «جونز» … اكتفى الثَّلاثة بهذا الجهد وآثروا تناول بعض الطعام … والإخلاد إلى الراحة حتى اليوم التالي …