المطاردة وحل الشفرة!
دَقَّ التليفون بصوتٍ متقطعٍ مستمرٍّ، ففتح «أحمد» عينيه، وأضاء مصباحًا جانبيًّا … تطلَّع إلى ساعته. كانت العاشرة صباحًا … رفع «أحمد» السماعة ليسمع شخصًا يبلغه بوجود زائر …
أحمد (ولم يزل يمسح عينيه): مَن … مَن أنت؟
المتحدث: سيدي … أنا من استعلامات الفندق، هناك زائر يُدعى مستر «بو عمير».
أحمد: دعه يصعد.
وصل «بو عمير» قادمًا من نيويورك بعد أن أنجز مُهِمَّة خاصة كلفه بها رقم «صفر»، وحاملًا منه آخر التعليمات … وبعد أن تناول الأصدقاء الأربعة إفطارًا سريعًا، طلب «أحمد» من موظف خدمات الفندق الاتصال تليفونيًّا بالباحث الجيولوجي «لورانس» وتم التعارف بينهما بسرعة، وأخبره «لورانس» أنَّ مقر شركته قريب من الفندق، وبعد ربع ساعة سيصل إليهم.
وصل «لورانس» ورحب بالتعاون معهم، ولكنَّه اعتذر؛ لأنه على وشك السفر إلى منطقة بعيدة ولن يعود قبل يومين، واقترح عليهم نشر إعلان في الجرائد، فربما أفادت هذه الفكرة … ووعد بالاتصال بهم حالمَا يعود من رحلته …
وأضاف: تصور هنا خمس جرائد يومية … يمكننا أن نمر عليها بالعربة الآن!
وهكذا كتب الإعلان في الجرائد: «إلى السيد «جونز بيكلي» … نرجو الاتصال بفندق شيراتون لتحصل على قيمة بوليصة تأمين من حقك.»
سأل «لورانس» بدهشة: ولكن لماذا ذكرت أنها بوليصة تأمين يا سيدي «أحمد»؟
أحمد: حتى لا يشجع الإعلان المحتالين … وغيرهم!
ودع الأصدقاء الأربعة «لورانس»، واقترح «عثمان» أن يقوموا بعد ذلك بجولة على الأقدام للتعرف على المدينة … وافق الثلاثة على الاقتراح وساروا قليلًا … ولكن فجأة توقف «بو عمير» وسأل: ولكننا نسينا أمرًا هامًّا … أين «توركو» من الخريطة؟
فهد: ولم العجلة؟ أعتقد أن ما فعلناه هو الصواب!
أحمد: عندك حق؛ فنحن ما يدرينا أن «جونز» هذا في «توركو» … لعله هنا في هلسنكي. وعلى أي حال الجرائد تصل إلى كل مكان.
اقتنع «بو عمير» وعاودوا السير … قال «عثمان»: بعد فترة، ما رأيكم سأدعوكم إلى بعض الطعام الشعبي هنا هناك مطعم صغير مشهور في الميدان الرئيسي … يطهون فيه الأسماك على الثلج.
ضحك الثَّلاثة ولكن «فهد» سأل: وهل صدقت هذا؟ على أي حال احترس؛ فإنني لمحت من فترة الرجل ذا المعطف الأسود يتعقب خُطانا!
وقف الجميع يحملقون في «فهد» الذي استرسل في مرح: لم أشأ أن أسبب لكم إزعاجًا … والآن ما رأيكم نلبي دعوة «عثمان»؟
لم يُجِب أحد، وسادت فترة صمت … ولكن «أحمد» قال فجأة: ولِمَ لا … دعونا نتعرف على هوية هذا الرجل.
وهكذا واصل الأربعة السير بسرعة، حتى وصلوا إلى المطعم الصغير … لقد كان غاصًّا بالنَّاس، ولكن ذلك لم يلفت نظرهم حتى حضر «الجرسون» ليدوِّن ما يُريدون … وفات وقتٌ طويلٌ حتى تضايق الأربعة … وأخيرًا لمح «أحمد» الجرسون مهرولًا، فناداه «أحمد» غاضبًا: أكثر من ساعة مرت و…
قال الجرسون بسرعة: معذرة سيدي … ولكننا جميعًا مشغولون كما ترى!
أحمد: إنني لا أرى شيئًا غير عادي.
الجرسون: كيف يا سَيِّدي … اليوم غير عادي بالنسبة للمطعم … فعما قليل سيحضر إلينا ضيوف مُهِمُّون!
تطلَّع الأربعة إلى بعضهم … ولكن الجرسون أسرع يقول بفرح غامر: الطبق سيصل حالًا … حالًا.
عثمان: طبق واحد لا يكفي … لقد طلبنا أربعة.
أحمد: أي طبق؟
الجرسون: طبق زوار الفضاء يا سَيِّدي … سوف يُقيم لهم المحافظ حفل استقبال؛ لأنهم فضلوا الهبوط في مدينتنا هنا، والحفل هنا يا سيدي … أي تكريم لنا … عذرًا.
وأسرع الجرسون يسلك طريقه بصعوبة وسط الزحام في المطعم الصغير … هزَّ الأربعة رءوسهم في ريبة، وفَجْأة صاح «عثمان»: انظروا … لقد وصل موكب المحافظ.
نظر الثلاثة ففوجئوا بالرجل الغامض ذي المعطف يختلس إليهم النظر …
نهض «أحمد» بسرعة في اتجاهه … ولكن الرجل سرعان ما توارَى عن أنظاره وسط زحام المستقبلين.
لم يتحمل الأربعة هذا الزِّحام والارتباك، فآثروا العودة إلى الفندق … وعندما هبط المساء كان موعد الإرسال اللاسلكي قد اقترب … جهز «أحمد» جهاز اللاسلكي للعمل، وفي الموعد المحدد تمامًا بدأ الجهاز يعمل ويكتب آليًّا: «اختفت الشمس، ولكن القمر ما زال يضيء … ك. م. د … فاز بالدوري. انتهت الرسالة …» ولكن بقي الدور الأهم … حل هذه الألغاز عن طريق كتاب الشفرة.
راجع «أحمد» الرِّسالة بدقة، وحالما انتهت المراجعة بدت الرِّسالة واضحة ومُثيرة في نفس الوقت:
«إنَّ أحد علماء الفضاء ويُدعى «جاك» قد اختُطف في فنلندا.»
قرر «أحمد» الذهاب إلى الميناء، فقفز إلى أوَّل تاكسي على باب الفُندق، وسأل «أحمد» السائق: لماذا هذا الزِّحام الآن؟
السائق: ألم تسمع عن طبق الفضاء الذي هبط في فنلندا؟! … الجميع ينتظرون كما ترى.
أحمد: ينتظرون ماذا؟
السائق: ينتظرونهم لمدة ثانية … لقد وعدوا بالهبوط، ثم توقف التَّاكسي ومدَّ «أحمد» يده بالأجرة والبقشيش، مما جعل السائق يرفع له قبعته شاكرًا …
هَزَّ «أحمد» رأسه … وقد بدأت ملامح القضية تظهر، ولكن ما علاقة «جونز» صائد الحيتان بالطبق الطائر.
تساءل «أحمد» وهو يتجول في أنحاء الميناء، وتوالت أَمَامه يافطات الشركات البحرية، وهو يُتابعها بنظره … وعاد يسأل نفسه: وما علاقة الرجل ذي المعطف بهذا كله؟
توقف «أحمد» عند يافطة «شركة أعالي البحار الفنلندية» … صعد بعض الدرجات وفجأة لمح شخصًا، إنه «لورانس» صديقه الجديد … وهَمَّ بالهبوط ثانية، وفجأة أسرع الشخص بسرعة، وتوارى بعيدًا … تعجب «أحمد» وعاد يصعد ثانية، ودخل صالة صغيرة، اقترب من سكرتيرة ابتسمت ونهضت تُرحب به في تودد ظاهر، وتحكم ياقة معطفها الأصفر من البرد … قالت السكرتيرة: مرحبًا بك يا سيدي.
لم يكن هذا استقبالًا عاديًّا، فقال «أحمد» بهدوء: شكرًا … كنتُ أُريد استئجار مركب للشحن، ولكن أُفضِّل معرفة بعض المعلومات … إنني مندوب شركة صناعية أجنبية … هل يمكنني دعوتك على الغداء؟
أسرعت السكرتيرة بالترحيب بهذه الدعوة … وتواعدوا على اللقاء بعد ساعة في مطعم مجاور …
تجول «أحمد» قليلًا في الميناء … مُتطلِّعًا إلى بعض البواخر وتطلَّع إلى ساعته، وعاد إلى نفس الطريق … دخل المطعم المتفق عليه … كان شبه خالٍ والإضاءة خافتة، واختار مائدة قريبة من الباب … بعد دقائق لمح السكرتيرة … لم تظهر ملامحها، ولكنه لمح معطفها الأصفر الفاقِع … عندما لمحته توقفت، وأشارت له وخرجت بسرعة.
انْدَهش «أحمد» لذلك وخرج … فجأة عند مُنحنًى قريب أحسَّ بضربة شديدة على رأسه من الخلف، ولم يدرِ شيئًا … وعندما أفاق، فتح عينيه فوجد نفسه مُلقًى على المقعد الخلفي لسيارة أخذت تنهَبُ الأرض … لم يستطع معرفة اللهجة التي تكلم بها السائق ومرافقه في المقعد الأمامي للسيارة، ولكنه جاهد ليتبين ملامحهما … لم يعرف السائق ولكن من بجواره كان هو … إنه الرجل الأصلع الذي يطارده … ولكن ما علاقته بالسكرتيرة؟ … أو لعلها شبيهة لها. لقد كانت ملامحها غير واضحة … ولكن إلى أين تتجه السيارة؟ لم يُضيِّع «أحمد» الوقت في التفكير … لا بد أنهما يريدان التخلص منه. وكان لا بد من المجازفة … مد يده بهدوء وضغط على مقبض الباب … وانتهز فرصة دوران السيارة وبطء سيرها، وألقى بنفسه من السيارة متدحرجًا على الثلج الهش الذي خفف من أثر السقوط … تدحرج بسرعة في شبه منحدر … وغَطَّاه الثلج للحظة … بقِيَ في مكانه فترة حتى اطمأن إلى أن الرجل الأصلع والسَّائق لم يعثرا عليه، فزحف حتى الطريق … لقد كان خارج المدينة في بقعة مجهولة، ولم يكن هناك مفر من إيقاف سيارة عائدة إلى العاصمة … ولكن ما هذا؟
– جرار زراعي؟ … لا بأس على أي حال …
وعندما عاد «أحمد» إلى الفندق، وحكى ما حدث له لرفاقه، راحوا جميعًا يفكرون في هذه الألغاز، وفجأة صاح «فهد»: نسينا أن نخبرك بأنَّ الزعيم بعث رسالة هذا الصباح … إنه يطلب منا التوجه فورًا إلى السهل البركاني، وهو مكان يبعد عن العاصمة نحو ٢٥٠ كيلو مترًا …