سِباق مع الوقت!
أطال «أحمد» النَّظر في سقف الحجرة، ولم يستطع النوم … فجأة نهض وأضاء المصباح، ورفع القفار إلى الضوء ليفحصه بدقة، وقَلَّبَه برفق … وكانت المفاجأة. لقد قرأ بوضوح حرفين منسوجين هما: «ك. ج.»
إذن إنه قفاز كابتن «جاك» بالفعل.
فنهض مرتديًا ملابسه، ولم يشأ أن يوقظ أصدقاءه، وخرج بسرعة من الفندق، وقد دَسَّ القفاز في جيب معطفه الداخلي …
لم يبدُ على «لورانس» أي دهشة، وهو يرى «أحمد» يقبل عليه بعد منتصف الليل … واستمع له بهدوء ولكن هدوءه لم يطل؛ إذ بدت على وجهه الدَّهشة الشديدة، وهو يفحص القفاز، ولكنه لم يؤكد أو ينفي كلام «أحمد» عن صاحب القفاز … إنما قال باقتضاب أنه سوف يتصل بالمسئولين …
عاد «أحمد» إلى الفندق … لم يكن مستريحًا تمامًا، وخشي أن يكون قد أفصح أكثر مما يجب … وفي الصباح أُعِدَّت الترتيبات لسفر «أحمد» و«فهد» إلى «توركو»، على أن يبقى «بو عمير» و«عثمان» في العاصمة …
«بو عمير» يحاول معرفة المزيد عن شركة أعالي البحار … بينما «عثمان» في المقر ينتظر أي رسائل من الزعيم.
دَقَّ الباب وعندما فُتح، ظهر موظف وأخبر «أحمد» بأنه لا توجد أي رحلات طيران إلى «توركو»، وأنه استطاع إقناع أحد السائقين بالتوجه إلى هناك … رغم أنه يوم الأحد، والجميع في إجازة، تبادل الأصدقاء النظر برهة، ثم هَزَّ «أحمد» رأسه ووافق … لم يكن مُسْتريحًا تمامًا، لكنه كان في سباق مع الوقت …
سأل «أحمد» الموظف: كم يستغرق وقت الوصول؟
الموظف: ليس كثيرًا على أي حال … رُبَّما ثلاث ساعات أو أقل، فإنَّ السائق ماهر جدًّا …
كانت السيارة حديثة جدًّا، والسائق على أُهبة الاستعداد، ومَدَّ «أحمد» يده بالبقشيش إلى الموظف، ولكِنَّه أشاح بوجهه وانصرف …
تبادل «أحمد» و«فهد» النَّظر بدهشة، واستقرَّ الاثنان داخل السيارة … كان بها السائق وشخص بجانبه.
قال «أحمد»: صباح الخير يا سيد …
رمقه السائق بنظرة سريعة ولم يجب … وقال مرافقه بإنجليزية ركيكة: معذرة سيدي … إنه لا يعرف أي لغة …
همس «فهد»: هذا أفضل على أي حال.
أحمد: هل هو من «توركو»؟
المرافق: من «توركو» نفسها … ويمكنكما الاعتماد عليه.
تساءل «أحمد»: وكيف ذلك؟
سارت السيارة فترة، ثم أبطأت، وسرعان ما دارت دورة كاملة عكسية … تأهب «أحمد» و«فهد» لمفاجأة، ولكن السائق استعاد توازنها، ليدخل في محطة خدمة السيارات لملء خزانها … استغرق ذلك وقتًا طويلًا، ثم ظهر شخص وجلس مع المرافق الذي قال معتذرًا: عذرًا يا سيدي … إنه راكب يودُّ أن نُساعده في الوصول إلى مكان قريب جدًّا …
هَزَّ «أحمد» رأسه ولم يجب … وانطلقت السيارة … ولاحظ «أحمد» أن بجوار عجلة القيادة جهازًا لاسلكيًّا صغيرًا، وظلَّ السائق ورفيقاه صامتَين إلا من بعض كلمات باللغة المحلية … ومَرَّت ساعة، وفجأة سمع صوت كلاكس سيارة من الخلف، فأبطأ السائق السيارة، وأشار بيده لتمر، وفجأة مرقت سيارة جيب، وتوقفت أمامهم بمسافة قصيرة، وتوقف السائق وسرعان ما ظهرت الحقيقة … كمين …
ترك ركاب الحبيب الأرْبَعة سَيَّارتهم، وتكاثروا مع السائق ومُرافقيه. ولم تدم المعركة سوى ثوانٍ … وقيد «أحمد» و«فهد» بسرعة، وتكلم شخص باللاسلكي، وبعدها سارت السيارة والجيب في المقدمة … ولكن إلى أين؟ … لم تكن هذه أول عملية خطف للشياطين. وربما لن تكون الأخيرة … هذا إذا استطاعا النَّجاة!
مَرَّت حوالي ساعة، وفَجْأة شعر «أحمد» و«فهد» بحركة غير عادية … أبطأت السيارة قليلًا، وصاح السائق بكلمات غير واضحة، وتوقف وقد اقتربت السيارة الجيب … كانت هناك طائرة هليكوبتر تُحَلِّق قريبًا … ولكن سرعان ما عاد السائق إلى سَيْره، ولكن بسرعة غير عادية، ولاحظ «أحمد» أن صوت الطائرة ظل قريبًا، ووضح أنَّ السائق ومرافقيه في حالة ارتباك …
همس «أحمد» ﻟ «فهد»: هل يمكن أن يكون «بو عمير» و«عثمان» في هذه الطائرة؟
ولكن «فهد» لم يستطع أن يجيب بشيء … وبعد فترة ابتعدت الطائرة، وعاد شيء من السكون … ولم يكن يسمعُ صوتًا سوى صوت محرك السيارة، وهي تسير في طريق يتوسط المزارع، والثَّلج يُغطي قِمم الأشجار والجبال … وبعد نصف ساعة وصلت السيارة والجيب تحرسها إلى مكان موحش، وسرعان ما فتح باب السيارة، وأُمر «أحمد» و«فهد» بالخروج … كان المكان أشبه بالميناء المهجور، وسرعان ما ظهرت طائرة برمائية على سطح الماء واقتيد «أحمد» و«فهد» إلى لنش سرعان ما توجه إلى مكان الطائرة … كانت طائرة برمائية متوسطة، ولاحظ «أحمد» أنَّ أحدًا من ركاب السيارتين لم يصعد إلى الطائرة، ولم يكن بها سوى الطيار، ومُسَاعده … ورجل شاهر سلاحه كمُرافق، وحارس «لأحمد» و«فهد» … دارت المحركات وأقلعت الطائرة … ولكن إلى أين؟ …
شعر «أحمد» أنَّ الطائرة لا بد ستترك المجال الجوي لفنلندا، وأنها بالتأكيد في طريقها إلى بلدة أخرى … أو ربما سيعمدون إلى إلقائهما من مكان شاهق … كانت هذه على أي حال فرصة لا تعوض للتصرف … فإن «أحمد» و«فهد» قد دُرِّبا على الطيران … وربما لا تفطن العصابة إلى ذلك …
أراد «أحمد» أن يختبر ذلك فطلب من الحارس أن يفك قيده، ويسمح له بتناول دواء، فهو يشعر بدُوار البحر، ويرغب في أن يستلقي قليلًا على ظهره … فنظر له الحارس برهة ثم توجه إلى الطيار يحادثه، وعاد ليفك قيده، ثم سمح له بالتوجه إلى دورة مياه الطائرة، وبدا على «أحمد» الشعور بفقدان التوازن حتى كاد يسقط فعلًا، فاقترب منه الحارس ولكزه بيده في جنبه …
فجأة نهض «فهد» وبكلتا يديه المقيَّدتَين وضرب بهما على رأس الحارس، فسقط المسدس من يده، وبسُرعة البرق خطفه «أحمد»، وبضربة أخرى سقط الحارس، فقيَّده «أحمد» بسُرعة، وفَكَّ قيد «فهد» … ولم تستغرق المعركة سوى ثوانٍ، ولم ينتبه الطيارُ ومُساعده بسبب هدير محركات الطائرة، فتقدم «أحمد» و«فهد» إلى كابينة الطيَّار الذي لم يُبْدِ أي مُقَاومة هو ومُسَاعده، وأمر «أحمد» الطيار بالعودة وهو يُراقب حركاته بيقظة …
اقتربت الطائرة من الميناء المهجور، حين سمع صوت اللاسلكي ينادي الطيار، فجذب «أحمد» سماعة الطيار وسمع صوتًا يسأل: ماذا حدث يا كيم … لماذا رجعت؟
قال «أحمد» على الفور: تعطل أحد محركي الطائرة …
وأمر «أحمد» على الفور الطيار أن يوقف أحد محركيها.
تردد الطيار لحظة، ولكن «أحمد» وكزه فقال: ولكن كيف سأهبط بمحرك واحد … لا يمكن.
أشار «أحمد» ﻟ «فهد» فتقدم وقيده بسُرعة مع مُساعده، واقتادهما إلى خارج كابينة القيادة، وجلس «أحمد» إلى مكان الطيار بسرعة، وأوقف أحد محركيها … بينما ظل «فهد» في مراقبة الطيار ومساعده.
هبطت الطائرة بمحرك واحد على سطح الماء، وبعد برهة ظهر اللنش من الشاطئ، وبه رجلان واقترب من الطائرة. استعد «أحمد» و«فهد» خلف باب الطائرة، وصعد الرجلان ودخلا الطائرة، ففوجئ الاثنان «بأحمد» شاهرًا سلاحه فاستسلما، وقيدهما «فهد» في الطائرة وهبط الاثنان بسرعة وقد أخفاهما جناح الطائرة عن أنظار باقي رجال العصابة … وسرعان ما دار محرك اللنش وابتعد بسرعة …