مسألة شخصية
كانت ليلة عاديَّة من ليالي المقرِّ السِّريِّ للشياطين اﻟ «١٣». بعضهم انصرف إلى القراءة، وبعضهم كان يسهر مع أجهزةِ الفيديو، والبعضُ كان يتسلَّى ببعض الألعاب … ولاحظوا — رغمَ تعدُّد أماكنهم — الضوءَ الأحمرَ المتقطعَ الذي يدلُّ على أن اجتماعًا سيتمُّ بعد ربعِ ساعة في قاعة الاجتماعات الكبرى.
ابتهج الشياطين اﻟ «١٣»، فهم قد دُرِّبوا وعاشوا من أجل الأخطار ومواجهة الصعاب … أما البقاءُ بلا عمل — ورغم برامج التدريب والترفيه — فقد كانوا يشتاقون إلى عملٍ حقيقي، وصراعٍ قويٍّ يشحذ مواهبهم.
بعد ١٥ دقيقةً بالضبط، كانت قاعةُ الاجتماعات الرئيسية تستقبل الشياطين وهم يبتسمون، وفي ذهن كلٍّ منهم تصوُّر ما لما سيقوله رقم «صفر» لهم … ولكن ما حدث كان أبعدَ من توقُّعاتهم بكثير.
سمعوا خطواتِ رقم «صفر» المميزة والمنتظمة، حتى وصل إلى الكابينة الزجاجية حيث يجلس دون أن يراه أحد، ويستطيع أن يراهم جميعًا من الزجاج الأسود.
قال رقم «صفر»: إنني أتصور تقريبًا ما يدور بأذهانكم … ولكنني طلبتكم من أجل مسألةٍ شخصيَّة يمكن أن تقبلوها أو لا … ليست هناك أوامر محدَّدة.
وسمعوا صوتَ أوراق، ثم قال رقم «صفر»: قرأ أحد عملائنا في أمريكا إعلانًا صغيرًا في جريدة «نيويورك تايمز» … هذا الإعلان مُوجَّه إلى «ريمون».
رنَّت كلمة «ريمون» في أذهانِ الشياطين جميعًا رنينًا عجيبًا … من هو «ريمون»؟
هذا ما خطرَ ببالهم جميعًا عدا «أحمد»، فقد كان اسم «ريمون» يعني بالنسبة له شيئًا هامًّا.
إنه اسمٌ مستعار استخدمه أثناءَ مغامرته في إيطاليا ضدَّ اتحادِ عصاباتِ تهريبِ المخدِّراتِ إلى الشرقِ الأوسط … استخدمه «أحمد» في مغامرةِ «ثلاث دقَّات وكلمة واحدة»، و«مخالب القط الأسود» … وتنبَّهت حواسُّ «أحمد» تمامًا …
بينما مضى رقم «صفر» يقول: إن جميع الإعلانات التي تُنشر في الأماكن الهامة من العالَم، والتي تتَّسم بالغموض، نقوم بفحصها … وقد اتَّضح لنا أن هذا الإعلان مُوجَّه إلى شخصٍ موجود بيننا الآن …
تلفَّت الشياطينُ بعضهم إلى بعض، وكلٌّ منهم يفكر: من هو «ريمون»؟ … ما عدا «أحمد» بالطبع، فقد تذكَّر أنه اتُّهم بالقتل، وطارده رجالُ الشرطة، ثم رجالُ العصابات، فاضطُرَّ إلى تغييرِ شكله واسمه من «أحمد» إلى «ريمون» …
ومضى رقم «صفر» يقول: لا داعيَ لأن تُتعِبوا أذهانكم، إن «ريمون» كان اسمَ زميلكم «أحمد» في إحدى مغامراته … وكنَّا قد زوَّدناه بجوازِ سفرٍ باسم «ريمون»، لاستخدامه عند الحاجة …
وسمعوا رقم «صفر» يضحك ضحكةً قصيرةً — وهو نادرًا ما يضحك — ثم قال: وأظنُّ أنه قد يستخدمه مرَّةً أخرى.
إلى «ريمون» …
إنني صديقٌ قديم لك، في حاجة إلى مساعدتك، اتَّصِل بي في رقم ٤٨٦٩٣٣٣ (٢١٢) والإمضاءُ حرف «ف» فقط.
وأضاف رقم «صفر» سريعًا: وطبعًا رقم ٢١٢ هو الرقمُ الكوديُّ لمدينةِ «جيرسي» ضاحية نيويورك … ومعنى ذلك أن الرجلَ الذي يطلب المساعدةَ يقيم في هذه المدينة.
ساد الصمتُ لحظات، ثم قال رقم «صفر»: إنني أريد من «أحمد» أن يُدليَ ببيانٍ قصيرٍ إليكم عن الموضوع.
تحدَّث «أحمد» في مُكبِّر الصوت الموضوع أمامه، فقال: منذ فترةٍ كنت في إيطاليا لتسلُّم مظروفٍ هامٍّ من شخصٍ ما، وقد حضر هذا الشخصُ إلى حيثُ كنت أقيم في فندقٍ صغير بمدينة ميلانو، ولكن قُتل برَصاصةٍ في غرفتي … واضطررت إلى الهرب لأنني كنت في موقفٍ حرِج. وقد غيَّرت ملامحي لتشبه جواز سفرٍ أخذته من إدارةِ الشياطين اﻟ «١٣» باسم «ريمون» … وفي نهايةِ الأحداث التقيت بشابٍّ أمريكيٍّ اسمه «فرانك»، وقد ساعدني في إتمامِ العمل مساعدةً قيِّمة … وقد كان معي في هذه العمليةِ «عثمان» و«إلهام» و«زبيدة» … وافترقنا، وعاد كلٌّ منَّا إلى مكانه، هو إلى أمريكا، وأنا إلى المقر السري …
وسكت «أحمد» لحظات، ثم مضى يقول: لعلَّكم لاحظتم أن الإعلان مُوقَّع بحرف «ف»، وهو الحرفُ الأول من اسمِ «فرانك»، إنه هو الذي يطلب مساعدتي …
سكت «أحمد»، ومضت لحظات، ثم قال رقم «صفر»: إن الذين يساعدوننا في إتمامِ مهمَّتنا لتحقيقِ العدالة، لا بدَّ أن نتدخلَ من أجلهم إذا طلبوا ذلك … ومع هذا فإن الأمر متروك ﻟ «أحمد».
تحدَّث «أحمد» على الفور قائلًا: ليست عندنا مهمَّات الآن، وإني أستأذن رقم «صفر» في السماح بالسفر فورًا إلى أمريكا ومساعدةِ صديقي …
ردَّ رقم «صفر» على الفور: لقد كنت أتوقَّع ذلك، لهذا فقد أعددنا أربعةَ جوازات سفر لك، وﻟ «عثمان»، و«إلهام»، و«زبيدة»، للسفر إلى أمريكا … وسوف تأخذ جوازَ سفرٍ باسم «ريمون»، كما كنت بالنسبة ﻟ «فرانك» … وموعد السفر متروك لك …
ردَّ «أحمد»: أعتقد أنه من الأفضلِ أن أسافر في أقربِ فرصة … من الواضح أن صديقي في مأزق، والمآزقُ لا تحتمل التأجيل.
ردَّ رقم «صفر»: سوف تصلك الأرقام الخاصة بعميلنا في نيويورك، فقد تحتاجون إلى معونته.
أحمد: شكرًا يا سيدي …
بعد دقائق من هذا الاجتماع، كان هناك اجتماع آخر بين الشياطين الأربعة؛ «أحمد»، و«عثمان»، و«زبيدة»، و«إلهام» … تحدثوا مرةً أخرى عن المغامرة التي تمَّت في إيطاليا، ومساعدة «فرانك» وخطيبته «نانسي» لهم … ثم تحدثوا عن الاستعداد للمغامرة القادمة.
لم تمضِ سوى ساعاتٍ على هذا الاجتماع، حتى كان الشياطين الأربعة يغادرون المقرَّ السريَّ في سيارةٍ واحدة من طراز مرسيدس، متَّجهين إلى أقرب مطارٍ من مقرِّ الشياطين، وقد استغرقت الرحلةُ نحو أربعِ ساعات، عبروا خلالها حدودَ إحدى الدول العربية، وبعد أن وضعوا السيارةَ في جراجٍ خاص، اتجهوا إلى المطارِ في سيارة تاكسي، وسرعان ما كانوا يستقلِّون طائرةً من طراز جامبو الضخمة متجهين إلى لندن … وفي المطار ذهب «أحمد» إلى أقربِ تليفون، ثم طلبَ صديقه «فرانك» … وعلى الطرَف الآخَر ردَّ صوتٌ مذعور يسأل: من الذي يطلب؟
أحمد: هل هو موجود؟
الصوت: من المهم يا سيدي أن نعرف من أنت؟
أحمد: أنا «ريمون».
ساد الصمتُ لحظاتٍ قليلة، ثم عاد الصوتُ يقول: «ريمون»؟ «ريمون»؟ … أنا «نانسي»! هل تذكرني؟
أحمد: بالطبع … كيف حالك؟
نانسي: من أين تتحدث؟
أحمد: من مطار لندن.
نانسي: ومتى تصل نيويورك؟ وأين تنزل؟
أحمد: بعد ثماني ساعاتٍ تقريبًا، سأكون في هيلتون، أين «فرانك»؟
نانسي: من الأفضل ألا أقول لك الآن … من فضلك اتصل بي بمجردِ وصولك مطارَ نيويورك …
أحمد: طبعًا سأتصل … المهمُّ «فرانك» بخير؟
نانسي: أُفضِّل ألا أقول لك شيئًا الآن … فقط اتصل بي فورَ وصولك نيويورك.
وضع «أحمد» السماعةَ وهو في حَيرةٍ مما سمع، لماذا لا تقول له «نانسي» ماذا حدث ﻟ «فرانك»؟ … هل تليفونهما مُراقَب؟ هل حولها أحد يسمعها، وتفضل ألا تتحدث أمامه؟
قال «أحمد»: يا لها من مشكلة … إن «نانسي» في انتظارنا.
إلهام: أعِد الاتصال بها، واشرح لها ما حدث.
أحمد: سأنتظر فترة … لعلَّ الشركة تعلن عن قيام الرحلة بعد وقتٍ قصير.
وقام «عثمان» بإحضار أربعة أكوابٍ من القهوة، وبعض قطع الفطائر … وجلس الأربعةُ يأكلون ويشربون في انتظارِ النداء على طائرةِ نيويورك.